لماذا أثمرت مفاوضات «حماس» وواشنطن هذه المرة؟

متظاهرة في تل أبيب يوم السبت ترفع لافتة تؤكد ثقتها بقدرة ترمب على إطلاق سراح الأسرى لدى «حماس» (أ.ف.ب)
متظاهرة في تل أبيب يوم السبت ترفع لافتة تؤكد ثقتها بقدرة ترمب على إطلاق سراح الأسرى لدى «حماس» (أ.ف.ب)
TT

لماذا أثمرت مفاوضات «حماس» وواشنطن هذه المرة؟

متظاهرة في تل أبيب يوم السبت ترفع لافتة تؤكد ثقتها بقدرة ترمب على إطلاق سراح الأسرى لدى «حماس» (أ.ف.ب)
متظاهرة في تل أبيب يوم السبت ترفع لافتة تؤكد ثقتها بقدرة ترمب على إطلاق سراح الأسرى لدى «حماس» (أ.ف.ب)

فُوجئ المراقبون بعودة المفاوضات المباشرة بين حركة «حماس» والولايات المتحدة، وهي الثانية من نوعها التي تجري في غضون ما يزيد على شهرَيْن بقليل بين الجانبَيْن خلال لقاءات عُقدت في الدوحة، لتثمر هذه المرة الإفراج عن الأسير الأميركي - الإسرائيلي عيدان ألكسندر.

ووصفت «حماس» الخطوة بأنها «بادرة حسن نية» تجاه الرئيس الأميركي دونالد ترمب قبيل زيارته إلى المنطقة. لكن «حماس» كانت قد أعلنت الفكرة نفسها منتصف الشهر الماضي، لكن لم تتبعها خطوات إضافية... فما الذي حرّك الأمر هذه المرة؟

وفق مصادر رفيعة المستوى في الحركة تحدثت إلى «الشرق الأوسط» -شريطة عدم ذكر اسمها- فإن الجديد الآن وجود إشارات على تغيّر في الموقف الأميركي من قضية إنهاء الحرب على غزة التي تمتد إلى أكثر من عام ونصف العام.

سيدة فلسطينية تبكي في جنازة أقارب لها قُتلوا بغارات إسرائيلية في خان يونس بقطاع غزة (رويترز)

ومعضلة إنهاء الحرب ظلّت عقدة جوهرية في كل المفاوضات السابقة بين «حماس» وإسرائيل، وفي حين تمترست الحركة خلف هذا الشرط في أي صفقة تبادل، رفضت إسرائيل الفكرة، وضغطت لإبرام هدن مؤقتة تتضمّن تبادلاً للأسرى.

وفشلت المرحلة الأولى من المفاوضات بين الجانبَيْن، ولم تحقق نتائج بفعل الضغوط الإسرائيلية على الجانب الأميركي، والهجوم الكبير على المبعوث الخاص لشؤون الرهائن آدم بوهلر الذي عقد الاجتماعات بشكل مباشر مع قيادة «حماس» في مارس (آذار) الماضي.

إنجاح زيارة ترمب

وتقول المصادر، إن «الولايات المتحدة، خصوصاً ويتكوف، انشغلت خلال الفترة الماضية، خصوصاً بعد تجدد الحرب الإسرائيلية على غزة (مارس الماضي) في ملفات أخرى، منها وقف إطلاق النار بين أوكرانيا وروسيا، ثم التفاوض مع إيران».

وأضافت: «مع اقتراب زيارة الرئيس الأميركي إلى المنطقة، عاد هذا الملف ليكون على رأس أجندة عمل ويتكوف من جديد، وتركز حراك واشنطن على ملف غزة، في ظل سعي الإدارة لإنجاح زيارته بطريقة أو بأخرى».

ووفق المصادر من «حماس» فإن «الوسطاء طرحوا، خلال الفترة القليلة الماضية، أن يتم عقد لقاءات مباشرة مجدداً بين الولايات المتحدة و(حماس)، وسرعان ما تم التوافق على ذلك، بموافقة الطرفَيْن، ودعم الوسطاء لهذا الحراك».

وتكشف المصادر من «حماس» أن «تركيا أيضاً لعبت دوراً مهماً في نقل رسائل الحركة إلى الولايات المتحدة. كما كان لها دور في الدفع باتجاه عقد اللقاءات المباشرة، وتأكيد أن قيادة (حماس) معنية بإنهاء الحرب. كما أنها طلبت من إدارة ترمب الضغط أكثر على إسرائيل من أجل المضي في صفقة شاملة».

«تفهم أميركي»

وتقول مصادر من «حماس» وأخرى من خارجها؛ لكنها مطلعة على المفاوضات، إن المحادثات في الأيام الماضية بالدوحة «كانت جيدة للغاية، وكان هناك موقف أميركي أكثر تفهماً للحاجة الملحة إلى وقف الحرب وإنهاء معاناة الأسرى، وهذا زاد التفاؤل بنجاحها».

وأكدت أن الأجواء السابقة «تسارعت بما سمح للحركة باتخاذ قرار بإطلاق سراح الجندي عيدان ألكسندر بوصفه بادرة حسن نية تجاه ترمب وإدارته، دون أن يُفرج في مقابله عن أي من الأسرى الفلسطينيين».

عائلات الأسرى الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب يوم الاثنين (إ.ب.أ)

وبيّنت المصادر أن قيادة «حماس» طرحت على المسؤولين الأميركيين مباشرةً رؤيتها لاتفاق «الصفقة الشاملة» الذي يتضمّن الإفراج عن جميع الأسرى (أحياء وأمواتاً) دفعة واحدة، مقابل عدد متفق عليه من الأسرى الفلسطينيين، إلى جانب الوقف النهائي للحرب ضمن هدنة تمتد لفترة لا تقل عن 5 سنوات.

وأكدت «حماس» للجانب الأميركي مجدداً قبولها «تشكيل لجنة مستقلة من تكنوقراط تقود الحكم في غزة مؤقتاً لحين تولي السلطة الفلسطينية المسؤولية بعد الاتفاق (وهي خطوة ترفضها أيضاً إسرائيل)، وبدء إعمار غزة وإدخال المساعدات».

«وضع إسرائيل تحت ضغط»

وتؤكد المصادر أن أحد العوامل المهمة في قرار «حماس» بالإفراج عن عيدان ألكسندر، هو «شعور القيادة بأن التغير الواضح في الموقف الأميركي يمكن أن يخدم الفلسطينيين بوقف الحرب الدامية، ويضع إسرائيل تحت ضغط حقيقي من قِبل الولايات المتحدة».

ترمب برفقة نتنياهو في البيت الأبيض خلال أبريل الماضي (رويترز)

وعندما سألت «الشرق الأوسط» المصادر من «حماس» عما تنتظره في المقابل بعد خطوة «حسن النية» كما تصفها الحركة، قالت: «ستكون هناك خطوات لاحقة تبدأ بإدخال المساعدات الإنسانية خصوصاً الأساسية إلى سكان قطاع غزة، في الساعات أو الأيام القليلة المقبلة».

وعلى مستوى آخر، تؤكد المصادر أنه «ستكون هناك مفاوضات أكثر أهمية نحو اتفاق يشمل إطلاق سراح عدد آخر من المختطفين الإسرائيليين في الفترة المقبلة مقابل أسرى فلسطينيين يتم الاتفاق على مفاتيح الإفراج عنهم أو أن يكون بالمفاتيح المتبعة نفسها في الصفقات السابقة خلال الحرب، ووقفاً لإطلاق النار لفترة محددة».

وشددت المصادر على أن الاتفاق على الخطوات السابقة «مرهون» ببدء فوري لمفاوضات على أساس «وقف إطلاق نار تام وشامل وانسحاب إسرائيل، وبما يضمن التزام (حماس) بالتخلي عن حكم قطاع غزة، والبحث في القضايا المصيرية بشأن مستقبل القطاع».

هل يتكرر مقترح ويتكوف؟

لا تبدو العناصر السابقة للاتفاق مختلفة عن المقترح الذي نُسب إلى المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف في الأسابيع القليلة الماضية الذي قالت إسرائيل إنها تبنته، في حين رفضته «حماس» بسبب عدم نصه صراحة على إنهاء الحرب.

وبالعودة إلى المصادر من «حماس»، فإنها تدافع، وتقول: «المطروح حالياً يختلف قليلاً عن (مقترح ويتكوف)، لأن هذه المرة أبدت الولايات المتحدة جدية أكثر ورغبة واضحة في نياتها المتعلقة بوقف إطلاق النار والحرب بشكل كامل، وهو أمر لم يظهر سابقاً».

المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف في البيت الأبيض (إ.ب.أ)

وتستدرك المصادر: «لو كانت (واشنطن) قد تبنّت هذه الرؤية في المرات السابقة للتفاوض، لكنا حالياً في موقف مغاير، وقد قطعنا شوطاً أكبر ووصلنا ربما إلى النهاية المنتظرة».

وتعتقد المصادر من «حماس» أن «الولايات المتحدة هذه المرة أبدت جدية كبيرة في إتمام الصفقة، وباتت مقتنعة جداً أن إسرائيل هي من ترفض أن تُنهي الحرب والتوصل إلى صفقة، وهي من تعوق كل التحركات السابقة، وأن المشكلة لم تكن يوماً من الأيام في (حماس)».

وتؤكد المصادر أن «المضي في المسار الحالي قائم على ضمانات أميركية ستحصل عليها الحركة من خلال نص واضح وصريح يتضمّن وقف الحرب بشكل كامل، وهو الأمر الذي سيتم بعد استكمال المفاوضات عقب إطلاق سراح عيدان ألكسندر».


مقالات ذات صلة

فلسطينيون وإسرائيليون بعد «هدنة إيران»: الآن دور غزة

شؤون إقليمية طفل مصاب مع أسرته يجلسون يوم الثلاثاء في انتظار جنازة والده الذي قُتل خلال قصف إسرائيلي على قطاع غزة (أ.ب)

فلسطينيون وإسرائيليون بعد «هدنة إيران»: الآن دور غزة

اتفاق وقف إطلاق النار في إيران يبث آمالاً في صفقة بقطاع غزة، والحكومة الإسرائيلية تناقش تدخلاً أميركياً محتملاً لتحقيق صفقة شاملة.

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي فلسطينيون يتدافعون عند نقطة توزيع المساعدات الغذائية في النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب) play-circle

 «غزة الإنسانية» تشكو من مضايقات الجيش الإسرائيلي لقوافلها

قدمت «مؤسسة غزة الإنسانية» شكوى إلى الجيش الإسرائيلي بشأن «مضايقات محتملة من قبل جنود إسرائيليين لقوافلنا» المتجهة إلى موقع وادي غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر خلال لقائه رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا في بروكسل اليوم (صفحة وزارة الخارجية الإسرائيلية على إكس) play-circle

اتجاه أوروبي لـ«التريث» مع إسرائيل رغم انتهاكها لـ«الشراكة»

بعد أشهر من التردد والمماطلة، خلُص الاتحاد الأوروبي إلى أن إسرائيل انتهكت التزاماتها المتعلقة بحقوق الإنسان في اتفاق الشراكة بين الطرفين في غزة

شوقي الريّس (بروكسل)
المشرق العربي طفل مصاب مع أسرته يجلسون في انتظار جنازة والده الذي قُتل خلال قصف إسرائيلي على قطاع غزة (أ.ب) play-circle

الرئاسة الفلسطينية تطالب بـ«وقف لإطلاق النار يشمل قطاع غزة»

رحبت الرئاسة الفلسطينية، اليوم (الثلاثاء)، بإعلان وقف الحرب بين إسرائيل وإيران بعد 12 يوماً من التصعيد، وطالبت بوقف إطلاق نار يشمل قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (رام الله )
المشرق العربي طفل مصاب يجلس إلى جانب أفراد من عائلته بعد مقتل والده في ضربة إسرائيلية بغزة (أ.ب) play-circle

«جريمة حرب»... الأمم المتحدة تندد بتحويل الغذاء سلاحاً في غزة

اعتبرت الأمم المتحدة أن تحويل الغذاء سلاحاً في غزة هو «جريمة حرب»، داعية الجيش الإسرائيلي إلى «التوقّف عن إطلاق النار على الأشخاص الساعين إلى الحصول على قوت».

«الشرق الأوسط» (غزة)

مقتل 3 أشخاص بغارة إسرائيلية بينهم صراف يعتقد أنه مرتبط بـ«حزب الله»

في احتفال تسلّم قائد قوات «اليونيفيل» الجديد الجنرال الإيطالي ديوداتو أبانيارا مهامه في لبنان (أ.ف.ب)
في احتفال تسلّم قائد قوات «اليونيفيل» الجديد الجنرال الإيطالي ديوداتو أبانيارا مهامه في لبنان (أ.ف.ب)
TT

مقتل 3 أشخاص بغارة إسرائيلية بينهم صراف يعتقد أنه مرتبط بـ«حزب الله»

في احتفال تسلّم قائد قوات «اليونيفيل» الجديد الجنرال الإيطالي ديوداتو أبانيارا مهامه في لبنان (أ.ف.ب)
في احتفال تسلّم قائد قوات «اليونيفيل» الجديد الجنرال الإيطالي ديوداتو أبانيارا مهامه في لبنان (أ.ف.ب)

في وقت كانت قوة الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل) تنظّم مراسم تسلّم وتسليم قيادتها بمقرّها في الناقورة، استهدفت طائرة مسيّرة إسرائيلية سيارة في بلدة كفردجال في قضاء النبطية، ما أدى إلى مقتل 3 أشخاص، هم صرّاف تردد أنه يرتبط مالياً بـ«حزب الله» واثنان من أبنائه، وهو ما يعكس المفارقة بين رسائل أممية تدعو إلى الاستقرار، وغارات إسرائيلية ترفع منسوب التوتر على الحدود بين البلدين.

أبانيارا: المهمة صعبة وتزداد تعقيداً

وخلال تسلّمه مهامه في مقرّ قيادة «اليونيفيل»، أكد القائد الجديد الجنرال الإيطالي ديوداتو أبانيارا أن «المهمة تزداد تعقيداً في بيئة هشة تتطلب مرونة وابتكاراً والتزاماً يومياً». وأكد أن أمن لبنان لا يمكن عزله عن السياق الإقليمي والدولي، مشدداً على ضرورة تحويل الحوار السياسي إلى خطوات عملية.

وأشار إلى أن البعثة تمرّ بمرحلة تكيّف تهدف إلى تعزيز فاعليتها ومصداقيتها، مشدداً على استمرار التزامها بحماية المدنيين، ومراقبة وقف الأعمال العدائية، ودعم الجيش اللبناني، وفق القرار 1701، كما اعتبر أن السلام الحقيقي يُبنى بالشراكة والثقة والعمل الجماعي.

القائد الجديد لقوات «اليونيفيل» الجنرال الإيطالي ديوداتو أبانيارا (أ.ف.ب)

مقتل 3 في غارة استهدفت صرّافاً مرتبطاً بـ«حزب الله»

على بعد عشرات الكيلومترات جنوباً، نفّذت طائرة مسيّرة إسرائيلية، صباح الثلاثاء، غارة جوية على سيارة في بلدة كفردجال - قضاء النبطية، ما أسفر عن مقتل 3 أشخاص واحتراق السيارة بالكامل. وبحسب المعلومات، أطلقت المسيّرة صاروخين، أصابا الهدف مباشرة وأشعلت النيران فيه.

السيارة التي استهدفتها الغارة الإسرائيلية ببلدة كفردجال في قضاء النبطية (الوكالة الوطنية للإعلام)

وأفادت قناة «الحدث» أن أحد القتلى هو هيثم بكري، صرّاف يعمل في منطقة الغبيري في الضاحية الجنوبية، ويُعتقد بارتباطه المالي بـ«حزب الله»، وكان في طريقه إلى عمله عند تنفيذ الغارة. وأكدت وزارة الصحة اللبنانية سقوط 3 قتلى.

وتعكس طبيعة هذا الاستهداف تبدلاً نوعياً في التكتيك الإسرائيلي، يتمثل في استهداف البنية الاقتصادية والمالية المرتبطة بـ«حزب الله»، وليس فقط المواقع العسكرية. وبعد الظهر، أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بسقوط مسيّرة إسرائيلية في بلدة مركبا.

وتزامن الهجوم مع تحليق مكثف للطيران المسيّر الإسرائيلي في أجواء الجنوب وبيروت، شمل مناطق النبطية والزهراني والضاحية الجنوبية.

وأتى ذلك بعد ساعات على غارات جوية نفذها الطيران الإسرائيلي، مساء الاثنين، بحسب ما أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام»، مشيرة إلى أنه استهدف أطراف عدد من القرى والأودية والتلال في مناطق النبطية وجزين والزهراني. وتركزت الغارات على منطقة مريصع بين بلدتي أنصار والزرارية، ووادي كفرملكي في منطقة إقليم التفاح، والوادي بين بلدات عزة، كفروة زفتا ودير الزهراني، كما طاولت المنطقة بين مزرعة المحمودية وبلدة العيشية، ومنطقة الدمشقية إلى الشرق من مجرى نهر الخردلي، ووداي برغز.

واستخدم الجيش الإسرائيلي، بحسب «الوطنية»، صواريخ ارتجاجية تهدف على ما يبدو إلى اختراق أنفاق لـ«حزب الله»، وقد أحدثت انفجارات قوية تردد صداها في معظم المناطق الجنوبية. كما تسببت الغارات العنيفة على الوادي بين كفروة وعزة وزفتا، في حريق كبير في أحراج السنديان.