المفاوضات على الخرائط تؤخر انتشار الجيش اللبناني على الحدود مع سوريا

دمشق تطلب «منطقة منزوعة السلاح» في «حوش السيد علي»

قوات سورية تتجمع في قرية حوش السيد علي على الحدود مع لبنان (أ.ب)
قوات سورية تتجمع في قرية حوش السيد علي على الحدود مع لبنان (أ.ب)
TT
20

المفاوضات على الخرائط تؤخر انتشار الجيش اللبناني على الحدود مع سوريا

قوات سورية تتجمع في قرية حوش السيد علي على الحدود مع لبنان (أ.ب)
قوات سورية تتجمع في قرية حوش السيد علي على الحدود مع لبنان (أ.ب)

أخّرت المفاوضات على خرائط المنطقة الحدودية بين لبنان وسوريا، الانتشار الكامل للجيش اللبناني في القرى اللبنانية المحاذية للحدود السورية في شمال شرقي لبنان، حيث لا تزال القوات السورية توجد في القسم اللبناني من بلدة حوش السيد علي، وتم إرجاء المحادثات إلى يوم الأربعاء.

وكشف هدوء المعارك وقوع أضرار فادحة في الممتلكات والمباني في ثلاث بلدات حدودية لبنانية على الأقل، نتيجة القصف العنيف الذي تعرضت له المنطقة، خلال الاشتباكات بين القوات السورية من جهة، ومقاتلي العشائر اللبنانية من جهة أخرى.

وقالت مصادر ميدانية لـ«الشرق الأوسط» إن الأضرار طالت الممتلكات والمنازل والمدارس ومحطات المحروقات والمحلات التجارية والمساجد والأراضي الزراعية، لافتة إلى أن تساقط القذائف العشوائية داخل القرى الحدودية اللبنانية، أدى إلى أضرار واسعة في بلدات حوش السيد علي، والقصر وسهلات الماء وقنافذ.

وبدأ التوتر، ليل الأحد، على الحدود، وفق ما قال مصدر أمني لبناني، إثر دخول «ثلاثة عناصر من الأمن العام السوري إلى الأراضي اللبنانية في بلدة القصر، حيث تعرضوا لإطلاق نار من أفراد عشيرة تنشط في مجال التهريب»، ما أسفر عن مقتلهم. واتهمت وزارة الدفاع السورية، الأحد، «حزب الله»، «بخطف ثلاثة من عناصر الجيش العربي السوري على الحدود اللبنانية (...) قبل أن تقتادهم للأراضي اللبنانية وتقوم بتصفيتهم»، الأمر الذي نفاه «حزب الله» «بشكل قاطع».

وتجدّدت الاشتباكات، مساء الاثنين، في منطقة حوش السيد علي الحدودية وفق «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية اللبنانية. وقال الجيش اللبناني إن قرى وبلدات لبنانية حدودية تعرضت للقصف من الأراضي السورية، مضيفاً أن الوحدات العسكرية «ردت على مصادر النيران بالأسلحة المناسبة»، بينما نقلت وكالة الأنباء السورية عن مصدر في وزارة الدفاع قوله، إن الجيش بدأ حملة تمشيط للأراضي والقرى المحاذية للحدود اللبنانية.

وأودت الاشتباكات على الحدود اللبنانية بحياة عشرة من قوات وزارة الدفاع السورية خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، بحسب وسائل إعلام سورية، فيما قالت وزارة الصحة اللبنانية إن سبعة لبنانيين قتلوا وأصيب 52 خلال اليومين الماضيين.

دبابة سورية في القسم السوري من بلدة حوش السيد علي الحدودية مع لبنان (أ.ب)
دبابة سورية في القسم السوري من بلدة حوش السيد علي الحدودية مع لبنان (أ.ب)

هدوء حذر

وساد هدوء حذر في المنطقة الحدودية، بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية، بتحليق طائرة استطلاع تابعة للجيش اللبناني في أجواء المنطقة الحدودية الشمالية للهرمل مع سوريا التي شهدت معارك، الاثنين.

وعزز الجيش اللبناني قواته في المنطقة، ودخل في مفاوضات مع الجانب السوري لتنفيذ الاتفاق وسحب المقاتلين وتبادل جثث القتلى.

وقالت مصادر ميدانية لـ«الشرق الأوسط»، إن حالة الهدوء الحذر «تسود على ضوء تعزيزات ومحادثات الجيش اللبناني حول النقاط الحدودية»، مشيرة إلى أن التباينات حول النقاط الحدودية «أرجأت عملية دخول الجيش اللبناني إلى القسم اللبناني من بلدة حوش السيد علي، واستكمال انتشاره في كل النقاط الحدودية اللبنانية، إلى يوم الأربعاء»، وقالت إن إرجاء الانتشار «تم بطلب من الجيش السوري والأمن العام والمخابرات السورية».

وبعدما قامت فرق الهندسة من الجيشين اللبناني والسوري، بتحديد الخرائط الحدودية المرسمة في عام 1923، تحدثت معلومات عن أن القوات السورية «أضافت شرطاً جديداً على المباحثات، يقضي بأن يكون الشطر اللبناني من بلدة حوش السيد علي، منطقة منزوعة السلاح».

وكان من المقرر دخول وانتشار الجيش اللبناني داخل الشطر اللبناني من بلدة حوش السيد عند الساعة الثالثة والنصف من بعد ظهر الثلاثاء، قبل أن يطلب الجانب السوري تأجيل الانتشار لحسم النقاط العالقة في المفاوضات. وأثار تأخير دخول الجيش استياء عشائر البلدة التي تسكنها أغلبية من عشيرة الحاج حسن، «خشية العبث بممتلكاتهم»، حسبما قالت المصادر.

وعلى إثر تأجيل استكمال الانتشار، أُرجئت أيضاً عملية تبادل جثث المقاتلين إلى يوم غد. وأفيد عن وجود 3 جثث لمقاتلين سوريين لدى العشائر اللبنانية، كما وجود 3 جثث للبنانيين لدى القوات السورية، واحدة منها في الشطر اللبناني من بلدة حوش السيد علي قتل صاحبها خلال المواجهات، واثنتان في بلدة الفاضلية في العمق السوري، قُتلتا بعد ساعات على اندلاع الاشتباكات على الحدود.

وكان الرئيس اللبناني جوزيف عون اعتبر في منشور على منصة «إكس»، الاثنين، أن «ما يحصل على الحدود الشرقية والشمالية الشرقية لا يمكن أن يستمر، ولن نقبل باستمراره». وأضاف: «أعطيتُ توجيهاتي للجيش اللبناني بالردّ على مصادر النيران».

وفي ختام جلسة للحكومة، أعلن وزير الإعلام بول مرقص أن الحكومة أوعزت إلى الوزراء المعنيين «برفع مستوى التنسيق مع السلطات السورية المختصة لمعالجة هذه الأمور، وأُعطيت التعليمات اللازمة للتشدد في ضبط الحدود». وشكلت الحكومة لجنة وزارية برئاسة رئيس الوزراء نواف سلام، وعضوية وزراء الداخلية والدفاع والمالية والعدل والأشغال، «لاقتراح التدابير اللازمة لضبط ومراقبة الحدود ومكافحة التهريب».


مقالات ذات صلة

عراقجي من بيروت: نحترم شؤون لبنان الداخلية ولا نتدخل فيها

المشرق العربي وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي يلتقي وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي في بيروت، لبنان، 3 يونيو/حزيران 2025. (رويترز)

عراقجي من بيروت: نحترم شؤون لبنان الداخلية ولا نتدخل فيها

أعرب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي عن أمله بفتح صفحة جديدة في العلاقات مع لبنان في ظل الظروف الجديدة بالمنطقة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الرئيس اللبناني جوزيف عون مستقبلاً في شهر فبراير الماضي وفداً إيرانياً يضم رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف ووزير الخارجية عباس عراقجي والسفير الإيراني لدى لبنان مجتبى أماني (الرئاسة اللبنانية)

عراقجي في بيروت... زيارة أبعد من مناسبة توقيع كتاب

يترقّب لبنان ما يحمله وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في زيارته المفاجئة إلى بيروت، خصوصاً أن المسؤولين اللبنانيين غير مطلعين مسبقاً على ما يحمله.

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي أكد رئيس الحكومة نواف سلام إثر لقائه رئيس البرلمان نبيه بري الالتزام بإعادة الإعمار (أرشيفية)

سلام: لم أخرج عن البيان الوزاري ومستعدّ للقاء نوّاب «حزب الله»

جدّد رئيس الحكومة نواف سلام تأكيده على أنه ملتزم بالبيان الوزاري وبإعادة الإعمار الذي نفى ربطه بنزع سلاح «حزب الله» مؤكداً «لم أقم بأي خطوة خارجه».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الرئيس اللبناني جوزيف عون مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في القصر الجمهوري قرب بيروت (إ.ب.أ)

وفد فلسطيني في بيروت لوضع آلية تسليم السلاح داخل المخيمات

بدأ العمل على وضع آلية لترجمة التفاهمات بين الرئيسين اللبناني والفلسطيني لجهة حصر السلاح بيد الدولة ونزع السلاح الفلسطيني من المخيمات.

بولا أسطيح (بيروت)
تحليل إخباري الرئيس جوزيف عون يستقبل أورتاغوس وتبدو إلى جانبها السفيرة الأميركية في بيروت ليزا جونسون (أرشيفية - إ.ب.أ)

تحليل إخباري لبنان يترقب حسم الموقف الأميركي بإعفاء أورتاغوس من مهامها

أخذ الحديث عن احتمال إعفاء أورتاغوس يتردد داخل الأروقة الرئاسية رغم أن لبنان لم يُبلَّغ رسمياً باستبدالها.

محمد شقير (بيروت)

ما التحديات التي تعترض سلطة الشرع بعد 6 أشهر من وصوله إلى دمشق؟

 الرئيس السوري أحمد الشرع (أ.ف.ب)
الرئيس السوري أحمد الشرع (أ.ف.ب)
TT
20

ما التحديات التي تعترض سلطة الشرع بعد 6 أشهر من وصوله إلى دمشق؟

 الرئيس السوري أحمد الشرع (أ.ف.ب)
الرئيس السوري أحمد الشرع (أ.ف.ب)

خلال الأشهر الستة الأولى من حكمه، تمكّن الرئيس السوري أحمد الشرع من استقطاب المجتمع الدولي ورفع عقوبات اقتصادية خانقة، لكنه يواجه تحديات كبرى، وفق محللين، أبرزها إرساء حكم فعال والنهوض بالاقتصاد، مع الحفاظ على بلده موحداً.

فكيف يمكن للشرع المضي قدماً في الحكم وتخطي تلك الصعوبات؟

بناء الدولة

حين وصل إلى دمشق في 8 ديسمبر (كانون الأول)، بعد إطاحة حكم الرئيس بشار الأسد، وجد الشرع نفسه أمام 4 سلطات: حكومة مركزية في دمشق، وحكومة إنقاذ تسيّر شؤون إدلب (شمال غرب)، وأخرى تتولى مناطق سيطرة فصائل موالية لأنقرة (شمال)، إضافة إلى الإدارة الذاتية الكردية. ولكل منها مؤسساتها الاقتصادية والعسكرية والقضائية والمدنية.

ويقول المدير التنفيذي للمركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية في واشنطن، رضوان زيادة لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أن يتمكن الشرع من أن يضمن الاستقرار ببلد هش سياسياً في مرحلة عصيبة، فهذا إنجاز كبير يُحسب» له.

ويعد «إنجاح المرحلة الانتقالية» التي حدّد مدتها بخمس سنوات، «التحدي الأكثر صعوبة»، وفق زيادة.

وزعزعت أعمال العنف ذات الطابع الطائفي التي طالت الأقلية العلوية وأسفرت خلال يومين عن مقتل أكثر من 1700 شخص، ثم المكون الدرزي، الثقة بقدرة السلطة على فرض الاستقرار وحفظ حقوق أقليات قلقة على دورها ومستقبلها.

ويوضح زيادة «التعامل مع الأقليات من أبرز التحديات الداخلية، وبناء الثقة بين المكونات المختلفة يحتاج إلى جهد سياسي أكبر لضمان تحقيق التعايش والوحدة الوطنية».

وتصطدم مساعي الشرع لبسط سيطرته بمطلب الأكراد بصيغة حكم لا مركزي تمكنهم من مواصلة إدارة مؤسساتهم، وهو ما ترفضه دمشق.

ويقول القيادي الكردي البارز بدران جيا كورد للوكالة: «على الحكومة المؤقتة أن تبتعد عن الحلول الأمنية والعسكرية لمعالجة القضايا» العالقة، وأن «تنفتح أكثر على قبول المكونات السورية... وإشراكها في العملية السياسية».

ولا يلحظ الإعلان الدستوري إجراء أي انتخابات في الفترة الانتقالية، على أن يصار في ختامها وبعد وضع دستور جديد إلى إجراء انتخابات تشريعية.

وحذر وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو الشهر الماضي، من أن السلطة الانتقالية «في ضوء التحديات التي تواجهها، قد تكون على بعد أسابيع... من حرب أهلية شاملة» تؤدي «فعلياً إلى تقسيم البلاد».

ويقول الباحث لدى مركز «تشاتام هاوس» نيل كيليام للوكالة، إن أكبر تحديات الشرع هي «رسم مسار للمضي قدماً، يريد جميع السوريين أن يكونوا جزءاً منه، وأن يتم بذلك بسرعة كافية، ومن دون تهور».

تنظيم الأمن

مقارنة مع دول شهدت تبدلاً سريعاً في السلطة، تمكّن الشرع عموماً من ضمان استقرار نسبي، رغم حلّه أجهزة الأمن والجيش السابقة.

وأثارت أعمال العنف ذات الطابع الطائفي، خصوصاً ضد العلويين، شكوكاً إزاء قدرة الشرع على ضبط فصائل مختلفة، بينها مجموعات متطرفة تثير قلق المجتمع الدولي، وطالبت واشنطن الشرع بدعوتها إلى المغادرة.

واتخذت السلطات مؤخراً سلسلة إجراءات لتنظيم المؤسستين الأمنية والعسكرية، بينها وجوب انضمام قادة الفصائل إلى الكلية الحربية قبل درس ترقيتهم.

وقال مصدر سوري، من دون الكشف عن هويته للوكالة، إن السلطة الانتقالية وجّهت في وقت سابق رسالة إلى واشنطن تعهدت فيها «تجميد ترقيات المقاتلين الأجانب».

ويشكل ملف المقاتلين الأجانب، قضية شائكة، مع عدم قدرة الشرع على التخلي عنهم بعد قتالهم لسنوات إلى جانبه من جهة، ورفض دولهم عودتهم إليها من جهة أخرى.

ويضاف إليهم الآلاف من مقاتلي تنظيم «داعش» المحتجزين مع أفراد عائلاتهم لدى القوات الكردية. ولا تملك السلطة الحالية القدرة عددياً ولوجيستياً على نقلهم إلى سجون تحت إدارتها.

انفتاح اقتصادي ومطالب

ورث الشرع من الحكم السابق بلداً على شفير الإفلاس: اقتصاده مستنزف، ومرافقه الخدمية مترهلة، ونظامه المالي معزول عن العالم، وغالبية سكانه تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة.

وانعكس التغيير على حياة الناس، لناحية توافر الوقود وسلع ومنتجات بينها فواكه لم يكن استيرادها ممكناً. وبات التداول بالدولار شائعاً بعدما كان محظوراً.

ومع رفع العقوبات الاقتصادية خصوصاً الأميركية، يولي الشرع، وفق مصدر مقرب منه، أولوية كبرى لمكافحة الفقر ورفع مستوى دخل الفرد. ويعدّ ذلك ممراً «لترسيخ الاستقرار».

لكن رفع العقوبات لا يكفي وحده، ويتعين على السلطات اتخاذ خطوات كثيرة.

ويقول الخبير الاقتصادي كرم الشعار للوكالة: «وضوح الأفق، بمعنى الاستقرار السياسي، يعد نقطة مهمة على طريق التعافي الاقتصادي، لكن هناك عوائق أخرى؛ أهمها الإطار الناظم ومجموعة القوانين اللازمة للاستثمار، والتي تبدو للأسف غامضة في جزئيات كبيرة».

وأعلنت السلطات أنها تعيد النظر حالياً بقانون الاستثمار، وتعمل على تهيئة بيئة جاذبة للاستثمارات الخارجية، وقال الشرع إن بلاده تعول عليها للنهوض بقطاعات البنى التحتية والمرافق الخدمية.

وتوفير خدمات الكهرباء والتعليم والإنتاج الزراعي، مسألة حيوية لإنماء المناطق المدمرة، من أجل عودة ملايين اللاجئين، وهو مطلب تريد تحقيقه دول أوروبية وأخرى مجاورة لسوريا، كتركيا والأردن ولبنان.

ولا يمر دعم سوريا ورفع العقوبات عنها من دون مطالب، عبّرت واشنطن عن أبرزها: الانضمام إلى اتفاقات التطبيع مع إسرائيل، التي شنت مئات الضربات الجوية في سوريا منذ إطاحة الأسد وتتوغل قواتها جنوباً.

ويقول كيليام إن استمرار التصعيد الإسرائيلي يجعل دمشق «بعيدة كل البعد عن التفكير في التطبيع، حتى لو تعرّضت لضغوط كبيرة من الولايات المتحدة أو المجتمع الدولي».

ولم تعلن دمشق موقفاً واضحاً من التطبيع، لكنها أقرت بتفاوض غير مباشر مع إسرائيل لاحتواء التصعيد.