القضاء اللبناني يبدأ التنقية من «الشوائب» في انتظار التعيينات والتشكيلات

رئيس الجمهورية يراهن على دوره… وتوقيف قاضٍ أوّل الغيث

رئيس الجمهورية مستقبلاً وفداً من نقابة المحامين في طرابلس (رئاسة الجمهورية)
رئيس الجمهورية مستقبلاً وفداً من نقابة المحامين في طرابلس (رئاسة الجمهورية)
TT
20

القضاء اللبناني يبدأ التنقية من «الشوائب» في انتظار التعيينات والتشكيلات

رئيس الجمهورية مستقبلاً وفداً من نقابة المحامين في طرابلس (رئاسة الجمهورية)
رئيس الجمهورية مستقبلاً وفداً من نقابة المحامين في طرابلس (رئاسة الجمهورية)

استهلّت الحكومة اللبنانية جلساتها بفتح ورشة التعيينات وملء الشواغر في إدارات الدولة كافة، فجاءت خطوتها الأولى باختيار قائد جديد للجيش ورؤساء للأجهزة الأمنية، لكنّ ثمة ترقّباً لمرحلة التعيينات في السلطة القضائية وتعبيد الطريق أمامها لاستعادة ثقة اللبنانيين بالجسم القضائي، وإعطاء الأخير الزخم الكافي لبدء عملية الإصلاح ومكافحة الفساد الذي ينخر بنية الدولة.

وأعطى رئيس الجمهورية، العماد جوزيف عون، إشارة واضحة لمدى رهانه على القضاء في مرحلة الإصلاح؛ إذ أعلن أمام وفد نقابة المحامين في طرابلس، الثلاثاء، أن «المشكلة في لبنان ليست في القوانين، بل في تطبيقها، ومحاسبة من يخالفها، وفي تفسيرها وفق الأهواء والمصالح الشخصيّة». وقال: «مع وجود أشخاصٍ يؤمنون بالعدالة والمحاسبة، لدينا أملٌ في قدرتنا معاً على إصلاح الاعوجاج ومحاربة الفساد، وتحقيق المحاسبة في طبقات المجتمع كافّة، وهذه مسؤولية جماعيّة، وليست مسؤوليتي وحدي»، مشدداً على أن «القضاء وحده يردع المرتكبين والفاسدين في القطاعات كافّة».

موقف رئيس الجمهورية لاقاه القضاء بخطوة غير مسبوقة تمثّلت في القرار الذي اتخذه رئيس «الهيئة الاتهامية» في جبل لبنان، القاضي بيار فرنسيس، باستجواب القاضي عماد زين بناء على ادعاء النيابة العامة التمييزية ضدّه بجرم «التماس رشوة»، وإصدار مذكرة توقيف وجاهية بحقه. والمفارقة أن رئيس «مجلس القضاء الأعلى»، القاضي سهيل عبّود، سارع إلى إعطاء موافقته على مذكرة التوقيف وتوقيعها ونقل القاضي المذكور إلى سجن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي.

صحيح أن هذا التوقيف شكّل صدمة في الأوساط القضائية؛ لأن القاضي عماد زين، كان أحيل على المجلس التأديبي الذي قرر طرده من السلك القضائي، وساد الاعتقاد بأن الأمر انتهى عند إخراجه من القضاء، لكن المفاجأة جاءت باستكمال ملاحقته جزائياً وتوقيفه. ورأى مصدر قضائي أن «هذا الإجراء يعدّ تأسيساً لمرحلة جديدة سيشهدها القضاء تقوم على مبدأ تنقية القضاء من الشوائب». وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا التوقيف هو أوّل الغيث، وهناك ملفات أخرى عالقة أمام (هيئة التفتيش القضائي) و(المجلس التأديبي للقضاة) ستشهد مفاجآت كبرى»، مشيراً إلى أن القضاء «يتهيأ لمرحلة جديدة تلقي على عاتقه مسؤولية ملاحقة الفاسدين والمجرمين والمرتكبين. لا يمكنه أن يؤدي هذه المهمّة الصعبة والشاقة، ما لم يبدأ بنفسه وينقّي صفوفه من القضاة الفاسدين وكلّ من تحوم حولهم الشبهات».

ولا يمكن للقضاء أن يطلق خطوة التنقية الذاتية، ما لم تقم الحكومة بإجراء التعيينات الضرورية والمستعجلة في السلطة القضائية، بدءاً من اختيار أعضاء «مجلس القضاء الأعلى» وتعيين رؤساء الوحدات الشاغرة. وكشف مصدر مطلع على أجواء التعيينات أن «رئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس الحكومة نوّاف سلام وضعا، بالاتفاق مع وزير العدل عادل نصّار، المعايير التي ستُعتمد في التعيينات القضائية». وأشار لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هذه المعايير «تستند إلى مبدأ الكفاءة والنزاهة والإنتاجية لدى الأسماء المقترحين للمناصب الحساسة، بالإضافة إلى الاستقلالية التي تمكّن كلّاً منهم من اتخاذ القرار الذي يراعي العدالة وليس أي أمر آخر».

وإذا غابت التعيينات القضائية عن جلسة مجلس الوزراء المقررة يوم الخميس، فإن جلسة الأسبوع المقبل ستشهد هذه التعيينات التي طال انتظارها، وتبدأ باختيار 5 أعضاء أصيلين لـ«مجلس القضاء الأعلى» مقسمين طائفياً، بالإضافة إلى تثبيت القاضي جمال الحجار على رأس النيابة العامة التمييزية، وكذلك تعيين رئيس لـ«هيئة التفتيش القضائي»، ويرجّح أن يسند المنصب إلى القاضي أيمن عويدات. ورجّح المصدر أن «تصدر التعيينات القضائية ضمن سلّة واحدة الأسبوع المقبل؛ لأن الحكومة تعكف الآن على وضع آلية ومنهجية شفافة للتعيينات». وأوضح أن «ثمة ضرورة لاختيار نائب عام مالي جديد خلفاً للقاضي على إبراهيم الذي يحال على التقاعد في 10 أبريل (نيسان) المقبل، ورئيسٍ لـ(هيئة القضايا) في وزارة العدل، بالإضافة إلى التعيينات في (مجلس القضاء)».

وبموازاة الدور الذي يضطلع به القضاء في المرحلة المقبلة، لجهة الملاحقات وفتح ملفات الوزارات والإدارات، ثمة إصرار على تفعيل دور الهيئات التي تراقب القضاة وتقيّم أداءهم، ولفت المصدر القضائي إلى «وجود رهان على دور القاضي أيمن عويدات إذا ما عُيّن على رأس التفتيش القضائي؛ لأن هناك عشرات الملفات العالقة أمام هذه الهيئة»، مشيراً إلى أن عويدات «شخص مشهود له بمسيرته القضائية، وحازم في اتخاذ القرارات بأي ملفّ محال على هيئة التفتيش».


مقالات ذات صلة

«حزب الله» يقول إن الغارة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية «اعتداء سياسي»

المشرق العربي النيران تتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت 27 أبريل 2025 (أ.ب)

«حزب الله» يقول إن الغارة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية «اعتداء سياسي»

عدَّ الأمين العام لـ«حزب الله»، نعيم قاسم، الاثنين، أن الغارة الإسرائيلية التي استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت الأحد هي عبارة عن «اعتداء سياسي» ومن دون «مبرر».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الجيش اللبناني خلال بحثه عن ناجين بعد انقلاب قارب قبالة سواحل طرابلس اللبنانية ليلاً بالقرب من ميناء طرابلس شمال لبنان في 24 أبريل 2022 (رويترز)

الجيش اللبناني يعلن إحباط عملية تهريب سوريين عبر البحر شمال البلاد

أحبطت دورية من القوات البحرية في الجيش اللبناني عملية تهريب 27 سورياً عبر البحر مقابل شاطئ العريضة في شمال لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
تحليل إخباري جانب من المشاركين في حفل إطلاق تجمع «الدستور أولاً» (حساب الدستور أولاً عبر إكس)

تحليل إخباري هل تسمح تحولات المنطقة للبنان باستكمال تنفيذ «اتفاق الطائف»؟

في ظل التحولات السياسية الكبرى التي يشهدها لبنان والمنطقة، أُطلق مؤخراً «تجمّع الدستور أولاً»، وهو مبادرة سياسية تهدف إلى تفعيل تطبيق الدستور اللبناني بشكل كامل

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي سيدة تزيل الركام في أحد المنازل المتضررة نتيجة الغارة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية يوم الأحد (رويترز) play-circle

النزوح والخوف ينخران الضاحية الجنوبية لبيروت... مجدداً

ذعر وارتباك وفوضى تعمّ المكان وزحمة سير خانقة... هكذا كانت حال سكان منطقة الغارة على الضاحية بعد الإنذار المفاجئ الذي أطلقه الجيش الإسرائيلي بعد ظهر الأحد.

حنان حمدان (بيروت)
المشرق العربي الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال استقباله وفداً من مجلس الشيوخ الفرنسي (الرئاسة اللبنانية)

الرئيس اللبناني: العودة إلى لغة الحرب ممنوعة

أكد الرئيس اللبناني جوزيف عون أن «حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية قرارٌ اتُّخذ، ومن غير المسموح العودة إلى لغة الحرب».

«الشرق الأوسط» (بيروت)

«حزب الله» يقول إن الغارة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية «اعتداء سياسي»

النيران تتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت 27 أبريل 2025 (أ.ب)
النيران تتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت 27 أبريل 2025 (أ.ب)
TT
20

«حزب الله» يقول إن الغارة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية «اعتداء سياسي»

النيران تتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت 27 أبريل 2025 (أ.ب)
النيران تتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت 27 أبريل 2025 (أ.ب)

عدَّ الأمين العام لـ«حزب الله»، نعيم قاسم، الاثنين، أن الغارة الإسرائيلية التي استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت الأحد هي عبارة عن «اعتداء سياسي» ومن دون «مبرر»، مطالباً الدولة اللبنانية بممارسة مزيد من «الضغط» لوقف هذه الغارات. وجاء موقف قاسم غداة غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت في ثالث ضربة على المنطقة منذ سريان وقف إطلاق النار، طلب على أثرها لبنان من الطرفين الضامنين للاتفاق، الولايات المتحدة وفرنسا، «إجبار» الدولة العبرية على وقف هجماتها.

وقالت إسرائيل إن الموقع الذي استهدفته الأحد هو مخزن أسلحة للحزب المدعوم من إيران، يحوي «صواريخ دقيقة». وقال قاسم في كلمة بثّت على قناة «المنار» التابعة لـ«حزب الله»: «بالأمس حصل اعتداء على الضاحية الجنوبية من بيروت، وهذا الاعتداء فاقد لأيّ مُبرّر حتى ولو كان وهمياً».

الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني نعيم قاسم خلال كلمة تلفزيونية (لقطة من فيديو)
الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني نعيم قاسم خلال كلمة تلفزيونية (لقطة من فيديو)

وأضاف: «هذا اعتداء سياسي، هذا اعتداء لتغيير القواعد، هذا اعتداء لتثبيت قواعد معينة، يعتقدون أنهم من خلالها يستطيعون الضغط على لبنان وعلى مقاومته، وأن يحققوا الأهداف التي يريدون». ولاحظ أن الغارة على الضاحية حصلت «بإذن من أميركا، لأن إسرائيل قالت إنها أبلغت أميركا».

ودخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 27 نوفمبر (تشرين الثاني)، بعد تبادل للقصف بين إسرائيل و«حزب الله» استمر نحو عام وتحوّل مواجهة مفتوحة في سبتمبر (أيلول) 2024. لكن الدولة العبرية واصلت شنّ ضربات في لبنان وأبقت على وجود عسكري في مناطق حدودية، مشددةً على أنها لن تتيح للحزب الذي تكبّد خسائر كبيرة خلال الحرب إعادة بناء قدراته.

ورأى قاسم في كلمته أن «الدولة مسؤولة عن المتابعة بالضغط على الدولتين الراعيتين، أميركا وفرنسا، وكذلك على الأمم المتحدة ومجلس الأمن وقوات الطوارئ الدولية» لوقف الغارات الإسرائيلية على لبنان.

وأضاف: «على الدولة أن تضغط، والضغط الذي مارسته الدولة حتى الآن هو ضغط ناعم وبسيط، لا يرقى إلى أكثر من بعض التحركات وبعض التصريحات. هذا أمر غير مقبول»، مؤكداً في الوقت نفسه أن حزبه التزم تطبيق بنود اتفاق وقف إطلاق النار.

لبنانية تمشي في أحد شوارع الضاحية الجنوبية القريبة من موقع الغارة التي شنّها الطيران الإسرائيلي مساء الأحد (رويترز)
لبنانية تمشي في أحد شوارع الضاحية الجنوبية القريبة من موقع الغارة التي شنّها الطيران الإسرائيلي مساء الأحد (رويترز)

وطالب الدولة اللبنانية بأن «تتحرك بشكل أكبر وبشكل يومي وبشكل متفاعل»، مضيفاً: «استدعوا سفراء الدول الخمس الكبرى، ارفعوا شكاوى إلى مجلس الأمن، استدعوا السفيرة الأميركية دائماً لأنها لا تعمل بشكل صحيح وتنحاز لإسرائيل ولا تقوم بدورها في الرعاية».

وقال: «تحركوا بطريقة دبلوماسية بشكل أوسع وأكبر»، وتابع: «اضغطوا على أميركا، أفهموها أنّ لبنان لا ينهض من دون وقف العدوان».

وتتولى لجنة خماسية تضم لبنان وإسرائيل، إضافة إلى الولايات المتحدة وفرنسا والأمم المتحدة، مراقبة اتفاق وقف النار. ونص الاتفاق على انسحاب مقاتلي «حزب الله» من المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني في جنوب لبنان، وتفكيك بناه العسكرية فيها، في مقابل تعزيز الجيش وقوة الأمم المتحدة الموقتة (يونيفيل) لانتشارهما قرب الحدود مع إسرائيل.

ويطالب لبنان المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لوقف هجماتها والانسحاب من خمسة مرتفعات في جنوب البلاد أبقت قواتها فيها بعد انقضاء مهلة انسحابها بموجب الاتفاق. ويؤكد لبنان التزامه بالبنود، محمّلاً إسرائيل مسؤولية عدم احترامها.

أكثر من 50 «هدفاً إرهابياً»

من جهته، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه هاجم خلال الشهر الأخير أكثر من 50 «هدفاً إرهابياً» في أنحاء لبنان.

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، في بيان على منصة «إكس»، إن غارات الجيش نُفّذت «بعد خروقات للتفاهمات بين إسرائيل ولبنان، التي شكلت تهديداً لدولة إسرائيل ومواطنيها».

هاجم جيش الدفاع أمس منطقة الضاحية الجنوبية في بيروت ودمر بنية تحتية استخدمت لتخزين صواريخ دقيقة تابعة لجماعة «حزب الله»، وفق أدرعي.

ونشر أدرعي مشاهد قال إنها من استهداف البنية التحتية التي استخدمت لتخزين صواريخ دقيقة في ضاحية بيروت الجنوبية.