النزوح والخوف ينخران الضاحية الجنوبية لبيروت... مجدداً

سكان تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» عن أفعال «وحش» مهّد لها أدرعي

سيدة تزيل الركام في أحد المنازل المتضررة نتيجة الغارة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية يوم الأحد (رويترز)
سيدة تزيل الركام في أحد المنازل المتضررة نتيجة الغارة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية يوم الأحد (رويترز)
TT

النزوح والخوف ينخران الضاحية الجنوبية لبيروت... مجدداً

سيدة تزيل الركام في أحد المنازل المتضررة نتيجة الغارة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية يوم الأحد (رويترز)
سيدة تزيل الركام في أحد المنازل المتضررة نتيجة الغارة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية يوم الأحد (رويترز)

يتكرر المشهد نفسه في الضاحية الجنوبية لبيروت في كل مرة يستهدف فيها الطيران الإسرائيلي المنطقة... ذعر وخوف وارتباك، فوضى تعمّ المكان، والناس تتحرك في كل الاتجاهات، وزحمة سير خانقة. هكذا كانت حال سكان المنطقة بعد الإنذار المفاجئ الذي أطلقه الجيش الإسرائيلي بعد ظهر الأحد، طالباً فيه من السكان الموجودين حول أحد المباني بمنطقة حي الجاموس بالابتعاد، قبل أن تشن طائراته غارة عنيفة في المكان، ومن ثم يعودون إلى منازلهم آملين ألا يعيشوا التجربة نفسها مرة أخرى؛ لأنه لا قدرة لهم على ترك المنطقة.

مشاعر الخوف نفسها

«لا شيء مختلفاً في هذه المرة... مشاعر الخوف والقلق نفسها»، تقول السيدة الثلاثينية عليا، وهي من سكان حي الجاموس، لـ«الشرق الأوسط». وتضيف: «أسكن في الحي على مقربة من مكان الاستهداف. عشت، كما غالبية السكان هنا، وقتاً صعباً للغاية».

بدأت القصة في نحو الخامسة عصراً حين اتصل أحد الأقارب بوالدة عليا، يخبرها بأن إسرائيل ستستهدف الضاحية. تقول عليا: «كنت في المنزل، وكان وقع الصدمة قوياً جداً حينما شاهدت خريطة المنطقة المستهدفة على حساب أفيخاي أدرعي (الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي) على (إكس)».

عاشت عليا لحظات من التخبط والخوف الشديد، وتقول: «كان صوت الرصاص يملأ المكان. شبان الحي بدأوا قرع الأبواب بقوة. لم أعلم كيف وصلنا أنا وأمي المسنة وشقيقي إلى أسفل المبنى».

تعجز عليا عن وصف الرعب الذي عاشته بكلمات... هذا كله ولم يكن قد وقع الاستهداف بعد. تتابع: «خرجت وعائلتي إلى آخر الشارع، باتجاه (مسجد القائم). ابتعدنا مسافة 500 متر. انتظرنا هناك حتّى شنت 3 غارات تحذيرية، أما الرابعة فكانت عنيفة، وطوال ذلك الوقت كانت طائرة الاستطلاع تُحلق في سماء بيروت وفوق رؤوسنا تحديداً».

بقيت عليا نحو ساعة ونصف الساعة في الشارع هناك، قبل أن تعود إلى منزلها. تُشّبه ما عاشته بـ«عرض مسرحي بطله الوحش». تُخبرنا عن خوفها الذي يزداد مع الوقت: «منذ حادثة انفجار مرفأ بيروت (في أغسطس/ آب 2020)، حين كنت على مقربة من المكان، وحتّى يومنا هذا؛ تعيش غالبيتنا اليوم (اضطراب ما بعد الصدمات)».

خوف متكرر

هذا الخوف المتكرر جعل عليا تفكر في الانتقال للعيش في مكان أفضل أمناً، لكنها تصطدم بعقبة بدل الإيجار المرتفع في مناطق أخرى، وكذلك تعيش مشاعر ممزوجة بالخوف مما يحدث، والحنين إلى المكان الذي ولدت وترعرعت وعاشت فيه السنوات الماضية، وفق ما تقول.

تروي كيف كانت تتوقع استهدافاً مماثلاً في أيّ لحظة، وتسأل: «إلى متى سنعيش هذه التجربة؛ نخرج من بيوتنا على عجل، تحذرنا إسرائيل ومن ثمّ تقصفنا، لتعاود فعلتها مرة تلو أخرى... ماذا يريدون منا؟».

ترميم للمرة الثالثة

ومثل عليا، ظن كثيرون أنه يوم أحد عادي جداً، إلى أن وصل إليهم التحذير. حسين واحد من هؤلاء، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «علمت بخبر التحذير عبر صديق لي، والصدمة كانت أن منزلي ملاصق لمكان الاستهداف، فخرجنا على وجه السرعة وتوجهنا إلى منزل عائلة زوجتي في مكان آمن، وعلى الطريق، سمعت دوي إطلاق نار كثيف، وكانت الزحمة خانقة في الشوارع، كأنه يوم القيامة».

والصدمة كانت عندما عاد حسين صباحاً ليجد منزله متضرراً، والأسوأ أنه سيضطر إلى إعادة ترميمه للمرة الثالثة على التوالي، يقول: «أعدت ترميمه بعد حرب الـ66 يوماً الأخيرة، ومن ثمّ بعد الضربة التي أصابت المنطقة قبل مدة وجيزة، إلا إنها كانت أضراراً بسيطة في المرة الثانية... أما اليوم، فعمّ مشهد الخراب المكان، والضرر كبير جداً؛ المنزل غير صالح للسكن».

يحتاج منزل حسين إلى نحو الشهر حتّى يُصلح ما أصابه، وفي هذه الأثناء سيستأجر منزلاً في «منطقة محايدة» خارج الضاحية؛ على حد تعبيره، علماً بأن بدل الإيجار مرتفع وأصحاب العقارات يطلبون بدل أشهر مسبقاً.

مواطن في أحد المنازل المتضررة نتيجة الغارة الإسرائيلية على الضاحية مساء الأحد (رويترز)

وكما في كل استهداف، عاش حسين وعائلته مشاعر الخوف، لا سيّما طفله البالغ من العمر 8 سنوات، الذي واجه صعوبة النوم ليلة الأحد - الاثنين، بسبب ما عاشه لحظة إخلاء المكان ونتيجة حزنه على غرفته ومقتنياته الخاصة، وفق ما يروي والده.

وبشأن ما جرى، يرى حسين أن «إسرائيل تستبيح كل لبنان وليست الضاحية فقط». ويتابع: «أين ذهب الناس أمس (الأحد)، وماذا ستفعل العائلات التي تضررت منازلها، في 10 مبانٍ تقريباً، وهي بغالبيتها غير قادرة على استئجار منزل آخر؟».

وكان حسين قد حصل على بدل ترميم من «مؤسسة جهاد البناء» بعد انتهاء الحرب، وقد حضرت الاثنين إلى المكان للكشف على الأضرار، كي تعوّض المتضررين في وقت لاحق.

سيدة تمشي في أحد شوارع الضاحية الجنوبية القريبة من موقع الغارة التي شنّها الطيران الإسرائيلي مساء الأحد (رويترز)

وما بين الإنذار الأول، الذي أعلن فيه الجيش الإسرائيلي مكان الاستهداف بعد الظهر، والإنذار الثاني الذي طالب فيه السكان مساء بالابتعاد وإخلاء المكان، تجددت حالة الرعب عند الناس.

تقول منى، وهي سيدة خمسينية من سكان الحي هناك: «للمرة الثانية، عاودنا الخروج خلال ساعات قليلة من المنزل وقضينا الليلة في منزل ابني الذي يقع في بيروت الإدارية». وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «خفنا أن نُستهدف مجدداً، أو أن تتطاير الشظايا وتصيبنا بأذى».


مقالات ذات صلة

البرلمان اللبناني يضاعف عقوبة إطلاق النار العشوائي

المشرق العربي جانب من الجلسة التشريعية التي عقدت برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري ومشاركة رئيس الحكومة نواف سلام والنواب (الوكالة الوطنية للإعلام)

البرلمان اللبناني يضاعف عقوبة إطلاق النار العشوائي

أقر البرلمان اللبناني اقتراح قانون يقضي بمضاعفة العقوبة على مطلق النار بشكل عشوائي.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الولايات المتحدة​ مبنى وزارة الخزانة الأميركية (رويترز)

أميركا تفرض عقوبات جديدة تستهدف جماعة «حزب الله» اللبنانية

قالت وزارة الخزانة الأميركية إن الولايات المتحدة فرضت عقوبات جديدة الخميس على اثنين من كبار مسؤولي جماعة «حزب الله» اللبنانية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي عند وصول صناديق الاقتراع إلى قصر العدل في طرابلس، تمهيداً لبدء عمليات الفرز الرسمية (الوكالة الوطنية)

عاصمة شمال لبنان تخرج من الانتخابات المحلية بلا أكثرية مطلقة

استفاقت مدينة طرابلس، عاصمة شمال لبنان، على مشهد سياسي جديد كشف تناقضات المدينة وهشاشة خياراتها الانتخابية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي لقطة من فيديو صوّره أحد السجناء في «رومية» من زنزانته أثناء أعمال الشغب (الشرق الأوسط)

سجناء لبنان يطالبون بـ«عفو عام» عبر أعمال شغب

تجددت أعمال الشغب في سجن رومية المركزي، شرق بيروت، بالتزامن مع جلسة البرلمان، للمطالبة بإقرار قانون للعفو العام وتخفيض السنة السجنيّة إلى 6 أشهر.

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي دخان يتصاعد إثر غارة إسرائيلية على منطقة النبطية كما شوهد من مرجعيون جنوب لبنان في 8 مايو 2025 (إ.ب.أ) play-circle

«الصحة اللبنانية»: سقوط قتيل في غارة بمسيّرة إسرائيلية جنوب البلاد

أعلنت وزارة الصحة اللبنانية، اليوم (الخميس)، مقتل شخص جراء غارة شنتها طائرة مسيّرة إسرائيلية استهدفت مركبة في جنوب البلاد.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

«حماس» تؤكد إجراء محادثات مباشرة مع أميركا وتعلن استعدادها لتسليم غزة

دبابات إسرائيلية تطلق سحابة دخانية على حدود قطاع غزة (رويترز)
دبابات إسرائيلية تطلق سحابة دخانية على حدود قطاع غزة (رويترز)
TT

«حماس» تؤكد إجراء محادثات مباشرة مع أميركا وتعلن استعدادها لتسليم غزة

دبابات إسرائيلية تطلق سحابة دخانية على حدود قطاع غزة (رويترز)
دبابات إسرائيلية تطلق سحابة دخانية على حدود قطاع غزة (رويترز)

أكد باسم نعيم العضو البارز في حركة «حماس» أن الحركة بصدد إجراء محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة.

وقال باسم نعيم، لقناة «سكاي نيوز» البريطانية، إن حركة «حماس» على اتصال «مباشر مع بعض الشخصيات في الإدارة الأميركية» بشأن شروط إنهاء قصف إسرائيل لقطاع غزة.

وكشف نعيم عن أن «حماس» تريد «تبادلاً للأسرى، وانسحاباً كاملاً للقوات الإسرائيلية، والسماح بدخول كل المساعدات إلى غزة، وإعادة إعمار قطاع غزة دون هجرة قسرية».

وأكد أيضاً أن «حماس» مستعدة للتخلي عن إدارة قطاع غزة، التي تولتها منذ عام 2006، مقابل تلبية مطالبها، وفقاً لـ«وكالة الأنباء الألمانية».

وأضاف: «لقد أخبرنا الأميركيين أيضاً أننا مستعدون، مجدداً، لتسليم إدارة القطاع فوراً إذا تم التوصل إلى نهاية لهذه الحرب».

ووفقاً لمصادر إسرائيلية، لا يزال هناك 20 رهينة على الأقل محتجزين أحياء في قطاع غزة. ولا يزال وضع ثلاثة آخرين غير واضح، ويعتقد أيضاً وجود رفات 35 رهينة آخرين هناك.

وفي الأيام الأخيرة، بذلت الولايات المتحدة جهوداً مكثفة لضمان إطلاق سراح المواطن الأميركي - الإسرائيلي عيدان ألكسندر.

وينظر إلى إطلاق سراحه بعدّه إشارة من جانب حركة «حماس» إلى الولايات المتحدة، حيث تأمل الحركة في أن يمارس الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضغوطاً على الحكومة الإسرائيلية للموافقة على صفقة تتضمن نهاية دائمة لحرب غزة.

ورسمياً، لا تجري الإدارة الأميركية أي اتصال مباشر مع «حماس»، التي تصنفها «جماعة إرهابية». ومع ذلك، ظهرت تقارير عن محادثات مباشرة بين «حماس» والإدارة الأميركية في مارس (آذار).

وبدت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت وكأنها تؤكد تلك التقارير عندما قالت إن المبعوث الخاص للرئيس دونالد ترمب لشؤون الرهائن آدم بويلر، مخول للتحدث مع أي شخص.