لبنان: توجه لتفعيل العمل الرقابي بدفع دولي

عبر الهيئات والأجهزة المولجة مراقبة أداء الإدارات العامة

الرئيس عون يسلم تقريراً عن ممتلكاته وأمواله إلى رئيس «اللجنة العليا لمكافحة الفساد»... (الرئاسة اللبنانية)
الرئيس عون يسلم تقريراً عن ممتلكاته وأمواله إلى رئيس «اللجنة العليا لمكافحة الفساد»... (الرئاسة اللبنانية)
TT
20

لبنان: توجه لتفعيل العمل الرقابي بدفع دولي

الرئيس عون يسلم تقريراً عن ممتلكاته وأمواله إلى رئيس «اللجنة العليا لمكافحة الفساد»... (الرئاسة اللبنانية)
الرئيس عون يسلم تقريراً عن ممتلكاته وأمواله إلى رئيس «اللجنة العليا لمكافحة الفساد»... (الرئاسة اللبنانية)

بدأت الحكومة اللبنانية الجديدة باكراً، وحتى قبل نيلها الثقة، تفعيل عمل أجهزة الرقابة، الذي بدا شبه معطل طيلة الفترة الماضية، وذلك انسجاماً مع خطاب قسَم رئيس الجمهورية، وتنفيذاً لما ورد في بيانها الوزاري، كما والأهم تلبيةً لشروط دولية تفرض الإصلاح لحصول لبنان على أي نوع من المساعدات والتمويل، وهو ما أبلغه أكثر من مسؤول دولي رئيسَ الجمهورية العماد جوزيف عون، ورئيسَ الحكومة نواف سلام.

وأصدر سلام الأسبوع الماضي تعميماً، بناء على اقتراح وزير المال، إلى جميع المؤسسات العامة والمرافق التابعة للدولة، طلب منها فيه إخضاع حساباتها لنظام تدقيق «داخلي» ومستقل من قبل مكتب تدقيق ومحاسبة معتمد. ووضع سلام ذلك في إطار السعي إلى «تعزيز الشفافية، وبُغية مكافحة الفساد ومُلاحقة مرتكبيه، والحفاظ على حُسن سير العمل، ومنع هدر المال العام».

كذلك سَلّم الرئيسان عون وسلام «الهيئةَ الوطنية لمكافحة الفساد» تصريحَي الذمة المالية الخاصّين بهما، وذلك استناداً إلى «قانون مكافحة الفساد في القطاع العام وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحته».

أجهزة الرقابة... ما هي؟

أما أبرز أجهزة الرقابة المولجة مراقبة أداء الإدارات العامة والموظفين فيها، فهي: «ديوان المحاسبة»، وهو محكمة إدارية تتولى القضاء المالي، ومهمته السهر على الأموال العمومية والمودعة في الخزانة. و«التفتيش المركزي» الذي تشمل صلاحياته جميع المؤسسات والإدارات العامة. و«مجلس الخدمة المدنية» الذي تسمح اختصاصاته الرقابية بإبداء الرأي في قانونية التعيينات والتوظيفات ودرس شؤون الموظفين الذاتية ومراقبة معاملاتهم. أما «الهيئة العليا للتأديب» فتشمل صلاحياتها جميع الفئات وأنواع موظفي الإدارات العامة والمؤسسات العسكرية والأمنية. ثم «الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد»، وهي هيئة إدارية مستقلة تتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلال المالي والإداري، وأُنشئت بموجب «قانون مكافحة الفساد في القطاع العام» الصادر عام 2020 انسجاماً مع «اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد».

ويأتي على رأس هذه المؤسسات، «مجلس شورى الدولة»، الذي يُعدّ أعلى محكمة إدارية وهيئة رقابية على أعمال الإدارة العامة وعلى رأسها الحكومة، وتخوله صلاحياته إبطال المراسيم الصادرة عن الحكومة في حال كانت مُخالفة للقانون.

الصورة التذكارية للحكومة الأولى لعهد رئيس الجمهورية جوزيف عون التي تضمه ورئيس الحكومة نواف سلام والـ24 وزيراً (الرئاسة اللبنانية - إ.ب.أ)
الصورة التذكارية للحكومة الأولى لعهد رئيس الجمهورية جوزيف عون التي تضمه ورئيس الحكومة نواف سلام والـ24 وزيراً (الرئاسة اللبنانية - إ.ب.أ)

الهيئات الناظمة

وتشمل هيئات الرقابة، وفق الخبير الدستوري الدكتور سعيد مالك، أيضاً «الهيئات الناظمة»، وهي هيئات أُنشئت بقوانين بعد «مؤتمر باريس1» و«مؤتمر باريس2»، فقد فرض المجتمع الدولي المانح تنفيذ شروط وقوانين؛ أبرزها خصخصة القطاعات وإنشاء هيئات ناظمة لها (الاتصالات، والكهرباء، والطيران، والأسواق المالية).

ويعدّ مالك، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الأساس يبقى وجود إرادة سياسية لإنشاء هذه (الهيئات الناظمة)، وإرادة لتحرير القطاع الاقتصادي وفتح باب الاستثمار والمنافسة».

الدور المفقود

ويشير مالك إلى أن «إنشاء معظم أجهزة الرقابة حصل إبان عهد رئيس الجمهورية السابق فؤاد شهاب، حين انطلق في تنظيم الدولة وابتداع ما تُسمى (أجهزة الرقابة)»، عادّاً أن «تفعيل عملها اليوم يتطلب قراراً سياسياً».

وعن دور هذه الأجهزة شبه المفقود طيلة السنوات الماضية؛ «مما أدى إلى استشراء الفساد والمحسوبيات»، يوضح مالك أن «هذه الأجهزة موجودة، لكنها تعمل ضمن إطار الحد الأدنى، وبالتالي هي بحاجة إلى تفعيلها ومنحها الثقة، وإعطائها الصلاحيات؛ لأن الطبقة السياسية لطالما عملت على مصادرة صلاحياتها، حتى باتت كأنها مشلولة دون عمل أو إنتاجية».

ماذا ورد في البيان الوزاري؟

ولحظ البيان الوزاري لحكومة سلام العمل على «تعيين مجالس الإدارة و(الهيئات الناظمة) أو تفعيلها، في قطاعات: الكهرباء، والاتصالات، والطيران المدني، والإعلام... وسواها، وتفعيل الهيئات الرقابية كافةً، وتعزيز المساءلة والمحاسبة لمكافحة الهدر والفساد، وتسهيل معاملات المواطنين، وزيادة إنتاجية القطاع العام وكفاءة العاملين فيه والعمل على تأهيلهم وإنصافهم».


مقالات ذات صلة

ضبط أسلحة بريف حمص مخبأة في حافلة قادمة من لبنان

المشرق العربي أحد عناصر الأمن العام السوري يحمل أسلحة مضادة للدروع عقب ضبط مخزن أسلحة في ريف دمشق (أرشيفية - الأمن العام)

ضبط أسلحة بريف حمص مخبأة في حافلة قادمة من لبنان

أفادت قناة «الإخبارية» السورية، السبت، بضبط شحنة أسلحة في ريف حمص كانت مخبأة في حافلة قادمة من لبنان.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي آلية لـ«اليونيفيل» تسير بمحاذاة الخط الأزرق الحدودي بين لبنان وإسرائيل خلال دورية (اليونيفيل)

إصرار لبناني - دولي على مواصلة دوريات «اليونيفيل» رغم اعتراض إحداها بالجنوب

حسمت الحكومة اللبنانية وبعثة «اليونيفيل» القرار بأن الدوريات مستمرة، وستكمل البعثة الدولية مهامها، وذلك بعد اعتراض إحدى دورياتها في بلدة طيردبا.

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي ناخبات أمام قلم اقتراع للتصويت في الانتخابات البلدية عام 2016 (أرشيفية - أ.ف.ب)

لبنان يستعد لدخول مرحلة الانتخابات المحلية

يستعد لبنان للدخول في مرحلة الانتخابات البلدية والاختيارية التي تنطلق الأحد 4 مايو (أيار) 2025 وتمتد على أربع مراحل بدءاً من محافظة جبل لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
خاص خضر عواضة أمام ركام منزله الجاهز الذي استهدفته إسرائيل ليلة عيد الفطر (الشرق الأوسط)

خاص الاستهدافات الإسرائيلية للمنازل الجاهزة بجنوب لبنان تحرم السكان من «المأوى المؤقت»

نشطت في الفترة الأخيرة الاستهدافات الإسرائيلية التي طالت المنازل الجاهزة في القرى الحدودية الجنوبية، إذ اختارها جنوبيون كثر للسكن المؤقت.

حنان حمدان (بيروت)
المشرق العربي طلاب يتجمعون على درج المتحف الوطني في بيروت (رويترز)

المناصفة الطائفية في انتخابات بلدية بيروت يكتنفها الغموض ومخاوف من خلط الأوراق

أحدثت اقتراحات القوانين الرامية إلى تعديل قانون البلديات لحماية المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في المجلس البلدي لبيروت إرباكات.

محمد شقير (بيروت)

معارك «كسر عظم» وتصفية حسابات تسبق الانتخابات العراقية

موظف بمفوضية الانتخابات العراقية يحمل صندوقاً لفرز أصوات الاقتراع المحلي في ديسمبر 2023 (أ.ف.ب)
موظف بمفوضية الانتخابات العراقية يحمل صندوقاً لفرز أصوات الاقتراع المحلي في ديسمبر 2023 (أ.ف.ب)
TT
20

معارك «كسر عظم» وتصفية حسابات تسبق الانتخابات العراقية

موظف بمفوضية الانتخابات العراقية يحمل صندوقاً لفرز أصوات الاقتراع المحلي في ديسمبر 2023 (أ.ف.ب)
موظف بمفوضية الانتخابات العراقية يحمل صندوقاً لفرز أصوات الاقتراع المحلي في ديسمبر 2023 (أ.ف.ب)

على الرغم من طول المدة التي تفصل القوى السياسية العراقية عن الموعد القانوني لإجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فإن معارك «كسر العظم» وتصفية الحسابات بين الخصوم بدأت من الآن.

وانتشر كثير من الفيديوهات ذات «الطابع التسقيطي»، (إسقاط الخصوم سياسياً وأخلاقياً)، ضد بعض الشخصيات، آخرها الفيديو الذي انتشر ليل السبت ضد زعيم حزب «السيادة» عضو «ائتلاف إدارة الدولة» خميس الخنجر، ويتضمن كلاماً ينطوي على إساءات بحق من باتوا يُسمون «شيعة السلطة».

وهذا الأمر سبقته تصريحات وتغريدات وفيديوهات ضد شخصيات وقوى سياسية أخرى، شملت تقريباً كل المشاركين في الانتخابات المقبلة، أو الذين ينوون المشاركة فيها، سواء من خلال قوائم مفردة، ومن هم ضمن تحالفات.

ويطغى الطابع المذهبي والمناطقي على جو التحالفات بين مختلف القوى السياسية؛ أكان في مناطق تعد مناطق نفوذ تقليدية لهم، أم تلك التي تمثل مساحات متداخلة بين هذا الطرف وذاك، أم في مناطق متنازع عليها إما عرقياً (بين العرب والأكراد) طبقاً لـ«المادة140» من الدستور العراقي التي لم تطبق حتى الآن بسبب الخلافات السياسية، وإما مذهبياً (بين السنة والشيعة). ويحاول بعض القوى السياسية، لا سيما من جماعة حملة السلاح من الفصائل، التمدد إليها بذرائع مختلفة، مثل المحافظة على المراقد الدينية الشيعية التي تقع في مناطق ذات أغلبية سنية (مثل سامراء التي تضم مرقدَي الإمامَين العسكريين)، وتحت ذرائع تمدد الإرهابيين إليها، وهي المناطق الممتدة عبر الشريط الحدودي بين محافظتَي نينوى والأنبار.

الأكراد ومعادلة التوازن

وتبدو الأحزاب الكردية، رغم شدة الخلافات بينها، خصوصاً التقليدية منها، لا سيما «الحزب الديمقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني، و«الاتحاد الوطني الكردستاني» بزعامة بافل طالباني، خارج معادلة «التسقيط» و«كسر العظم» بينها. وعدد من المحافظات ذات الغالبية الكردية، مثل كركوك، لا يزال متنازعاً عليه بين العرب والأكراد والتركمان. وكذلك الأمر في مناطق ذات وجود مختلط مع أغلبية عربية مثل نينوى. فالأكراد في هذه المناطق يمثلون نوعاً من التوازن المفقود في الجزء العربي من العراق المتنازع عليه سياسياً ومذهبياً بين الشيعة والسنة.

ففي كركوك مثلاً، بدأ العرب الذين ينتمون إلى تكتلات سنية بارزة، مثل حزب «تقدم» بزعامة محمد الحلبوسي، و«السيادة» بزعامة خميس الخنجر، حراكاً من أجل توحيد صفوفهم؛ لكي يحصلوا خلال الانتخابات المقبلة على أكبر عدد من المقاعد التي لا يمكنهم الحصول عليها إذا بقوا في حال من التنافر والتنازع.

محمد الحلبوسي (رويترز)
محمد الحلبوسي (رويترز)

وفي هذا السياق، دعا عضو البرلمان العراقي، وصفي العاصي، عرب كركوك إلى الدخول في «حوار شامل»؛ بهدف تشكيل قائمة انتخابية موحدة. وقال العاصي إن مبادرته «تأتي استجابة لمطلب الشارع العربي في كركوك، الذي لطالما نادى بضرورة وحدة الصف وخوض الانتخابات بقائمة واحدة»، لافتاً إلى أنه في كل انتخابات كان يدعو إلى «دخول العرب بقائمة واحدة»، والآن يعلن «الاستعداد للتنازل عن أي موقع شخصي في سبيل هذه الوحدة».

وأضاف العاصي: «لا أضع أي شروط، ولا أطالب بتسلسل متقدم، ولا أسعى إلى رئاسة القائمة، أو الحصول على أي مكاسب سياسية. المهم أن نجتمع نحن العرب تحت قائمة واحدة تخدم مصلحة أهلنا». وأشار إلى أن «توحيد العرب ضمن قائمة واحدة سيسهم في تحقيق نتائج قوية وغير متوقعة»، مؤكداً أن «الالتفاف حول مشروع واحد سيمكّن العرب من الحصول على أعلى نسبة من الأصوات والمقاعد في مجلس المحافظة».

الخنجر في دائرة الاتهام

ووسط صراع سُنّي ـ سني محتدم؛ من أجل السيطرة في الانتخابات المقبلة على أكبر عدد من المقاعد للفوز برئاسة البرلمان، ظهر تسجيل مسرب يضع الخنجر في دائرة الاتهام. وظاهرة «تسقيط» الخصوم ليست حكراً على حزب دون آخر، والخنجر يتنافس سنياً مع «تقدم» بزعامة الحلبوسي. وعلى صعيد الفوز بمنصب رئيس البرلمان، فإنه يتعين الحصول على أغلبية واضحة لأي حزب سني داخل المناطق السنية. فمنصب رئاسة البرلمان من حصة العرب السُّنة ضمن المعادلة الطائفية في البلاد على صعيد تقاسم المناصب السيادية العليا، ويمكن الحصول على موقع رئاسة الجمهورية في حال حدث تبادل بين الكرد والعرب السُّنة على صعيد منصبَي رئاستَي الجمهورية والبرلمان، بينما يحتكر الشيعة منصب رئاسة الوزراء.

رئيس حزب «السيادة» العراقي خميس الخنجر (إكس)
رئيس حزب «السيادة» العراقي خميس الخنجر (إكس)

ومع البداية القوية للحراك السياسي بغرض التهيؤ للانتخابات البرلمانية المقبلة، ظهر ما يقال إنه تسريب صوتي للخنجر يهاجم فيه الشيعة بقوة.

وسارع حزب «السيادة» إلى نفي الفيديو، قائلاً في بيان إن «التسريبات ملفقة ومزورة بشكل كامل»، مشيراً إلى أن «الحزب سيباشر إقامة دعوى قضائية ضد القناة ومقدم البرنامج بتهمة التشهير وتشويه سمعة رئيس التحالف».

وأضاف أن «حزب (السيادة) يؤمن بالقضاء سبيلاً لحماية الحقوق ورد الاعتبار»، داعياً جهاز الأمن الوطني إلى «متابعة صاحب الرقم الذي زُعم أن التسجيل الصوتي ورد من خلاله والتحقيق في عائديته».

من جهته، طالب عضو اللجنة القانونية النيابية، محمد الخفاجي، الأحد، بتحريك شكوى واتخاذ الإجراءات اللازمة، على خلفية التسجيل المنسوب إلى الخنجر، عادّاً أنه تضمن «إساءة واضحة للشعب العراقي والتحريض ضدهم، إلى جانب الإساءة لمؤسسات الدولة، بما فيها القضاء».