سيطرت الرسائل والتهديدات على عملية تسليم الأسرى الإسرائيليين والفلسطينيين في اليوم الـ21، لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، السبت؛ إذ فيما أرسلت حركة «حماس» رسالة واضحة، بدا أنها موجهة للرئيس الأميركي دونالد ترمب وآخرين، عنوانها: «نحن الطوفان، نحن اليوم التالي»، هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإجراءات رداً على ما وصفه المشاهد «الصادمة» في أثناء تسليم المحتجزين.
وأطلقت «حماس» سراح كل من إيلي شرعبي (52 عاماً)، وأور ليفي (34 عاماً)، وأوهاد بن عامي (56 عاماً)، إلى إسرائيل، مقابل 183 أسيراً فلسطينياً إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، في الجولة الخامسة من تبادل الأسرى.
وظهر شرعبي وليفي وبن عامي ضعفاء وهزيلين في منطقة دير البلح، وسط قطاع غزة، وهي واحدة من منطقتين تقول إسرائيل إن الحركة احتفظت بقواتها فيهما من دون مسّ، وذلك وسط مئات من عناصر «القسام» المدججين بالأسلحة الخفيفة والثقيلة، بينها رشاشات، وأسلحة محلية مثل قناصة «الغول» وقذيفة «الياسين 105»، وأسلحة خاصة أخذت من جنود إسرائيليين في هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2012.
وحرصت «حماس» على إرسال رسائل متعددة في عرضها الكبير في دير البلح، واختارت بخلاف المرات السابقة منطقة لم تتعرض للقصف وسط مبانٍ قائمة، وصعد أحد عناصر «القسام» (لأول مرة) ملقياً خطاباً أعلن فيه تسليم المحتجزين، الذين صعدوا إلى منصة واسعة توسطتها عبارة ضخمة بالعبرية والعربية والإنجليزية تقول: «نحن الطوفان... نحن اليوم التالي»، وهي رسالة قالت وسائل إعلام إسرائيلية إنها مرسلة إلى ترمب، الذي قال الأسبوع الماضي إن الولايات المتحدة ستقوم بالاستيلاء على غزة بعد نقل سكانها إلى أماكن أخرى.
بعد ذلك، تم إحضار مسؤولين من الصليب الأحمر إلى المنصة للتوقيع على وثائق إطلاق سراح المحتجزين الذين ظهر أحدهم، وهو ليفي، بلباس عسكري، والآخران بزي معتقلين، مع إشارة إلى أنهم كانوا معتقلين لدى «كتائب القسام». وطُلب من الثلاثة الإدلاء ببيانات خلال وقوفهم على المنصة، شكروا خلالها «حماس» على الاعتناء بهم.
وفي رسائل أخرى قوية، سخرت «حماس» من إعلان نتنياهو أن هدفه النصر الكامل على «حماس»، وأظهرت لافتة صورة لنتنياهو بجانب شعاره «النصر الكامل»، فيما يضع يده على خده داخل «المثلث الأحمر المقلوب» الذي استخدمته «القسام» طيلة الحرب مؤشراً للهدف الذي يراد تدميره.
ولم تخل المنصة الضخمة من صور ضخمة لقادة «حماس» السياسيين والعسكريين الذي اغتالتهم إسرائيل، بينهم رؤساء المكتب السياسي للحركة: إسماعيل هنية ويحيى السنوار، وقائد «القسام» محمد الضيف، ونائبه مروان عيسى وآخرون، كما ظهر عناصر من «القسام» وقد أصيبوا في أثناء المواجهات بينهم مقاتل مبتور الساق.
وقالت مصادر ميدانية لـ«الشرق الأوسط» إن «القسام» تعمدت تحويل الحدث إلى يوم للرسائل القوية. وأضافت: «(حماس) أرادت القول: نحن هنا، وإن اليوم التالي سيكون فلسطينياً بوجود (حماس). وهي رسالة ليست فقط لترمب ولكن للجميع، ساخرة في الوقت نفسه من مصطلح النصر المطلق الذي ظل نتنياهو يستخدمه».
وأكدت الحركة، في بيان، أن اليوم التالي سيكون فلسطينياً خالصاً. وقالت: «نحن الطوفان... نحن اليوم التالي، وهو يوم فلسطيني خالص، وقد بدأ منذ توقيع اتفاق وقف العدوان، المعمّد بدماء وتضحيات شعبنا ومقاومتنا... المشاهد العظيمة لعملية التسليم، ورسائل المقاومة حول اليوم التالي تؤكد أن يد شعبنا ومقاومته ستبقى العليا، وأن اليوم التالي هو يومٌ فلسطينيٌّ بامتياز، يقربنا أكثر من العودة والحرية وتقرير المصير». ورأت أن «النصر المطلق الذي بحث عنه المجرم نتنياهو وجيشه طيلة 471 يوماً، هو مجرد أوهام تحطمت على أرض غزة العزة للأبد».
لكن استعراض «حماس» أغضب إسرائيل إلى حد كبير.
وبعد أن تسلم الجيش الإسرائيلي المحتجزين الثلاثة، وأعلن أنهم عبروا الحدود إلى إسرائيل بعد 491 يوماً في الأسر، والتقوا عائلاتهم قبل أن يتم نقلهم إلى المستشفى، هبت عاصفة في إسرائيل حول ظهورهم بعد أن بدوا كأنهم مثل الأسرى الفلسطينيين الذين يتم الإفراج عنهم، هزيلون ومرضى.
وقالت هيئة «كان» إن مشاهد المحتجزين أثارت صدمة واسعة في إسرائيل.
وفورا أعلن مكتب نتنياهو، الذي كان لا يزال في واشنطن، السبت، أن «المشاهد الصادمة لن تمر مرور الكرام».
وركزت وسائل إعلام إسرائيلية على وضع الأسرى الصحي، ونقلت هيئة البث الإسرائيلي «كان» و«يديعوت أحرنوت» عن مسؤولين طبيين قولهم إن الحالة الصحية للمحتجزين متدهورة للغاية، لدرجة وصفها بأنها مشابهة لأوضاع أشخاص قضوا عاماً كاملاً في معسكر الاعتقال (أوشفيتز). كما قورنت حالتهم بوضع الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عند إطلاق سراحه من الأسر في عام 2011.
وأضافت وسائل الإعلام أن «آثار الأسر واضحة تماماً على صحتهم، وسيتم التعامل معهم كما يتم التعامل مع المرضى الذين يصلون إلى قسم الطوارئ».
وفيما وجه وزير الخارجية جدعون ساعر رسالة إلى نظرائه في مختلف أنحاء العالم، حاول القول خلالها إن عملية التسليم أظهرت أن المحتجزين هم الجوعى فقط في غزة، «وكأنهم ناجون من الهولوكوست»، أكد مسؤول إسرائيلي لصحيفة «يسرائيل هيوم» أن تل أبيب أرسلت رسالة قاسية للوسطاء بأن «مشاهد تسليم الرهائن غير مقبولة».
وهدد وزير الدفاع يسرائيل كاتس قائلاً: «لن نسمح أبداً لقتلة (حماس) بمواصلة السيطرة على غزة وتهديد وجود إسرائيل»، قبل أن يصدر منسق شؤون الأسرى والمفقودين في مكتب رئيس الوزراء، العميد (احتياط) جال هيرش، بياناً يهدد فيه: «لن نمر على هذا الأمر بصمت. تم إرسال رسالة إلى الوسطاء وسيتم اتخاذ الإجراء المناسب».
ثم أصدر مكتب نتنياهو بياناً لاحقاً، وقال فيه: «نظراً للحالة الصعبة التي يمرّ بها الرهائن الثلاث، والانتهاكات المتكررة من قبل منظمة (حماس) الإرهابية، وجّه رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بعدم المرور على ذلك مرور الكرام، واتخاذ الإجراءات اللازمة وفقاً لذلك».
ولم يتضح ما هي الإجراءات.
وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن الإجراءات قد تكون متعلقة بتأخير إدخال المساعدات إلى غزة، وتطبيق بنود في اتفاق المرحلة الأولى، وهي مسألة أثارت جدلاً كذلك في إسرائيل.
ورد زعيم المعارضة يائير لابيد متسائلاً: «نتنياهو، لقد اكتشفت الآن أن وضع المخطوفين صعب؟ ألم تكن تعلم من قبل؟ لقد أبلغت بذلك عبر المعلومات الاستخباراتية التي وضعت على مكتبك في الأشهر الأخيرة. كيف ستساعدهم الآن بعد أن (أمرت باتخاذ إجراءات)؟ وإذا كانت هناك إجراءات، فلماذا لم تأمر بها في وقت سابق؟».
لكن لم تمس الإجراءات إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين.
وأفرجت إسرائيل فعلاً، السبت، عن 183 أسيراً، بينهم 18 محكوماً بالمؤبد، و54 من أصحاب الأحكام العالية، و111 من معتقلي غزة بعد السابع من أكتوبر 2023.
ووصلت حافلات الأسرى إلى رام الله في بيتونيا وإلى غزة عبر معبر كرم أبو سالم، قبل أن يحتفي الفلسطينيون بهم في الشوارع محمولين على الأكتاف.
ويصل الأسرى الفلسطينيون عادة وقد فقدوا الكثير من أوزانهم متعبين ومرهقين، ويتم نقل عدد منهم إلى المستشفيات.