سوريون يتفقدون المقابر لمعرفة مصير أحباء فُقدوا خلال حكم الأسد (صور)

قريب لفيروز شاليش وهي امرأة سورية تبحث عن جثة ابنها يمشي بين القبور التي تحمل علامات الطوب الأسمنتي المستخدم في البناء في مقبرة تل النصر في حمص (أ.ف.ب)
قريب لفيروز شاليش وهي امرأة سورية تبحث عن جثة ابنها يمشي بين القبور التي تحمل علامات الطوب الأسمنتي المستخدم في البناء في مقبرة تل النصر في حمص (أ.ف.ب)
TT

سوريون يتفقدون المقابر لمعرفة مصير أحباء فُقدوا خلال حكم الأسد (صور)

قريب لفيروز شاليش وهي امرأة سورية تبحث عن جثة ابنها يمشي بين القبور التي تحمل علامات الطوب الأسمنتي المستخدم في البناء في مقبرة تل النصر في حمص (أ.ف.ب)
قريب لفيروز شاليش وهي امرأة سورية تبحث عن جثة ابنها يمشي بين القبور التي تحمل علامات الطوب الأسمنتي المستخدم في البناء في مقبرة تل النصر في حمص (أ.ف.ب)

يخرق بكاء فيروز علي شاليش السكون في مقبرة قرب حمص في وسط سوريا، حيث جلست تمسك بحفنة من التراب الأحمر في المكان الذي تعتقد أن ابنها دُفن فيه.

لم تر شاليش محمد الذي كان في السابعة والعشرين من العمر منذ دهم عناصر من الأمن منزلهم شرق المدينة مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قبل زهاء شهر من إسقاط الرئيس بشار الأسد.

تقول السيدة البالغة 59 عاماً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن العناصر «أطلقوا النار عليه وأصابوه في رجله وسقط أرضاً، قبل أن يتقدم نحوه اثنان ويطلقا عليه» النار أكثر من مرة، ويحملاه بعيداً.

وتوضح شاليش في مقبرة تل النصر حيث يمتزج الهواء البارد برائحة التعفن أن محمد «متزوج ولديه أربعة أولاد صغار».

جلست فيروز شاليش فوق تربة حمراء من قبر مجهول في مقبرة بحمص حيث قيل لها إن أحد الأشخاص المدفونين هناك توفي في تاريخ وفاة ابنها (أ.ف.ب)

تضيف «لديه ابن في الثانية، يأتي (إلي) طوال اليوم ويسألني أين بابا؟»، وتتابع بتأثر بالغ «أجيبه كل يوم إنه سيأتي غداً ويحضر لك بسكويتا».

ويبقى المصير المجهول لعشرات الآلاف من المعتقلين والمفقودين من الموروثات المروعة للنزاع السوري الذي اندلع عام 2011، وبدأ باحتجاجات سلمية مناهضة للأسد قمعتها السلطات بعنف.

وحفلت الأعوام الماضية بممارسات مثل الاعتقالات التعسفية والعنف والتعذيب في السجون، ضمن ممارسات هدفت إلى القضاء على أي شكل من أشكال المعارضة، بحسب منظمات حقوقية.

وتشير شاليش إلى أن قوات الأمن دهمت المنزل بحثاً عن محمد «بعدما اتهمه أشخاص بأنه يتواصل مع ثوار الشمال».

مقابر تل النصر في حمص (أ.ف.ب)

وفي حين تشير إلى أن ابنها الثاني الذي تمّ توقيفه أطلق سراحه في وقت لاحق، تؤكد أنها أبلِغت بشكل غير رسمي أن محمد لقي حتفه أثناء الاعتقال.

* «يرتاح قلبي»

في المقبرة المترامية الأطراف، يقوم حجر بناء مقام شاهد القبر حيث تجلس شاليش التي علمت في زيارة سابقة أن شخصاً مجهول الهوية دفن في المكان، وأن تاريخ وفاته مشابه لوفاة محمد.

وتؤكد أنها رغم محاولاتها المتكررة، لم تحصل بعد من السلطات المعنية على فتوى لفتح القبر والتحقق من الجثمان.

وتقول بتصميم «إذا قالوا لي أن أذهب إلى آخر الأرض سأذهب. أريد أن أتأكد إذا ما كان هذا ابني أم لا»، مضيفة «أريد أن أتأكد من ذلك ليرتاح قلبي».

وأطاحت «هيئة تحرير الشام» بحكم الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول)، إثر هجوم بدأته من معقلها في شمال غربي سوريا، ودخلت بنتيجته إلى دمشق خلال نحو 11 يوماً.

في مكتبه عند مدخل المقبرة، يبحث القائم بأعمال الدفن عدنان ديب المكنى «أبو شام» في سجلات ورقية متآكلة كتبت عليها بخط اليد، أسماء الذين دفنوا في تل النصر.

يظل مصير المعتقلين وغيرهم من المفقودين إحدى أكثر النتائج المروّعة للصراع في سوريا (أ.ف.ب)

ويوضح أنه عقب اندلاع النزاع، بدأت السلطات تحضر الجثث «عن طريق المشفى العسكري... بعضهم يأتي برموز، وبعضهم يأتي بأسماء. نقوم بواجبنا الديني عليهم وننفذ أعمال الدفن».

ويشير إلى أن الأعداد كانت متفاوتة «يوم يأتي 10، يوم يأتي خمسة... (أعداد) لا يعلم بها إلا الله».

يضيف «كانوا يحضرونهم إلينا بسيارات إسعاف أو بيك آبات (شاحنات صغيرة) أو سيارات عسكرية. جثث بعضها موضوع بحافظات، بعضها مكفّن، بعضها بملابس»، مشيراً إلى أن بعض الجثث كانت تحمل «آثار تعذيب مثل تشويه، جلد، كدمات».

ويقول ديب الذي لفّ رأسه بكوفية وجلس في مكتب تزيّنه العديد من مصبّات القهوة النحاسية التقليدية بأحجام مختلفة «كان المنظر شنيعاً، لكن كنا مجبرين على العمل»، قبل أن يضيف بصوت خفيض «الله أعاننا على التحمّل».

* «العدالة ستأخذ حقها»

يقدّر ديب أن آلاف المعتقلين ربما دُفنوا في المقبرة، مشيراً إلى أن المعلومات الموجودة على نظام المعلوماتية في المستشفى العسكري قد تتيح كشف مصير الأشخاص وهوياتهم.

ويشدد على أن من حق الناس «أن يعرفوا أي ذهب أولادهم، أين دُفنوا».

وأكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن معرفة مصير المفقودين في سوريا بعد سقوط الأسد تمثّل «تحدياً هائلاً» يرجح أن يحتاج إتمامه إلى سنوات.

عدنان ديب المعروف بأبو شام المسؤول عن الدفن في مقبرة تل النصر في حمص (أ.ف.ب)

وبحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، قضى أكثر من 100 ألف شخص أثناء اعتقالهم بسبب التعذيب أو ظروف التوقيف منذ اندلاع النزاع عام 2011.

بعد أكثر من شهر على سقوط الرئيس السوري وانتهاء حكم آل الأسد الذي امتد لزهاء خمسة عقود من حافظ الأب إلى بشار الابن، لا يزال الآلاف في سوريا يبحثون عن أجوبة عن مصير أحبائهم.

أحد أقارب فيروز شاليش وهي امرأة سورية تبحث عن جثة ابنها يعرض صورة للمتوفى في حمص (أ.ف.ب)

من هؤلاء رفيق المهباني (46 عاماً) من حمص، الذي يبحث منذ أكثر من عشرة أعوام عن شقيقه رئيف وصهره حسان حمادي اللذين فقدا في طريق العودة إلى المنزل في يونيو (حزيران) 2013.

ويوضح «قيل لنا إنهما في فرع الأمن العسكري في حمص. سألنا، قيل لنا إنهما أحيلا إلى دمشق، ومن بعدها لم نعد نعرف ماذا حصل».

ويؤكد المهباني الذي يعمل في تصليح السيارات أن العائلة دفعت «عدة مبالغ» للحصول على معلومات بشأنهما لكن دون طائل. يضيف «وكّلنا محاميا ولم نعرف شيئاً من بعدها».

صورة جوية لمقابر تل النصر في حمص (أ.ف.ب)

وبعد فتح أبواب السجون وخروج الآلاف منها عقب سقوط الأسد، كرّر المهباني المحاولة. ويوضح «رجعنا نشرنا (الصور) ونبحث في المقابر والمستشفيات»، ومنها في تل النصر حيث لم يحصل على أي نتيجة بعد.

رغم ذلك، لم يفقد المهباني الأمل. ويقول «إن شاء الله العدالة ستأخذ حقها لنا وللجميع في سوريا».

 

 

 

 

 

 


مقالات ذات صلة

سوريا تطلق عملتها الجديدة

المشرق العربي الرئيس السوري وحاكم المصرف المركزي خلال إطلاق العملة الجديدة (سانا)

سوريا تطلق عملتها الجديدة

أُطلقت مساء الاثنين، في دمشق، العملة السورية الجديدة، في حفلٍ رسمي بقصر المؤتمرات.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي عناصر من «فاطميون» التابع لـ«الحرس الثوري» الإيراني في دير الزور بشرق سوريا (أرشيفية)

تقرير: إيران تعمل على حشد فلول «الفرقة الرابعة» لتأجيج الوضع في سوريا

قال موقع «تلفزيون سوريا» إن إيران تعمل منذ مطلع شهر ديسمبر الجاري، على حشد فلول الفرقة الرابعة المرتبطة بإيران لتأجيج الوضع في سوريا.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي سوريا تفتح تحقيقاً بشأن مقبرة جماعية تعود لعهد الأسد

سوريا تفتح تحقيقاً بشأن مقبرة جماعية تعود لعهد الأسد

أمرت الحكومة السورية جنوداً من الجيش بفرض حراسة على مقبرة جماعية حُفرت لإخفاء فظائع وقعت في عهد بشار الأسد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي نشر قوات الأمن السورية بعد الصدامات التي اندلعت خلال احتجاجات في اللاذقية أمس (إ.ب.أ)

4 قتلى و108 جرحى باشتباكات مظاهرات اللاذقية

أعلنت مديرية الصحة في محافظة اللاذقية السورية، الاثنين، ارتفاع عدد الوفيات عقب هجوم مسلح على قوات الأمن ومواطنين خلال احتجاجات إلى 4 أشخاص و108 مصابين.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم العربي الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا) play-circle

«قسد»: تأجيل زيارة عبدي إلى دمشق «لأسباب تقنية»

قال فرهاد شامي، مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، إنه كان من المقرر أن يقوم قائد «قسد» مظلوم عبدي بزيارة لدمشق، إلا أنها تأجلت «لأسباب تقنية».

«الشرق الأوسط» (دمشق)

سوريا تطلق عملتها الجديدة

الرئيس السوري وحاكم المصرف المركزي خلال إطلاق العملة الجديدة (سانا)
الرئيس السوري وحاكم المصرف المركزي خلال إطلاق العملة الجديدة (سانا)
TT

سوريا تطلق عملتها الجديدة

الرئيس السوري وحاكم المصرف المركزي خلال إطلاق العملة الجديدة (سانا)
الرئيس السوري وحاكم المصرف المركزي خلال إطلاق العملة الجديدة (سانا)

أُطلقت مساء الاثنين، في دمشق، العملة السورية الجديدة، في حفلٍ رسمي بقصر المؤتمرات، وكشف الرئيس أحمد الشرع وحاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية عن النسخ الأولى لليرة السورية الجديدة، التي تحمل رموزاً من بيئة المحافظات السورية.

وبحضور وزراء الحكومة السورية ودبلوماسيين، قال الشرع إن حدث تبديل العملة يشكّل عنواناً لأفول مرحلة سابقة لا مأسوف عليها، وبداية مرحلة جديدة يطمح لها الشعب السوري وشعوب المنطقة المتأملة بالواقع السوري الحديث.

وأردف أن الملف استغرق نقاشات طويلة، مشيراً إلى وجود ست تجارب لاستبدال العملة ونزع الأصفار على مستوى العالم، نجح نصفها ولم ينجح النصف الآخر، وأن العملية دقيقة جداً في تحول الحالة النقدية، «تحسين الاقتصاد يرتكز على زيادة معدلات الإنتاج وانخفاض معدلات البطالة في سوريا، وأحد أساسيات تحقيق النمو الاقتصادي، تحسين الحالة المصرفية، لأن المصارف كالشرايين بالنسبة للاقتصاد».

فئة الـ100 ليرة كما تبدو في خلفية حفل إطلاق العملة السورية الجديدة (سانا)

وأوضح أن مرحلة التحول حساسة ودقيقة، «وأهم عامل فيها عدم حدوث حالة فزع بين الناس»، وعدم المسارعة لرمي العملة القديمة واستبدال الجديدة بها، مؤكداً أن كل من يحمل عملة قديمة سيتم العمل على استبدال الجديدة بها، «ولذلك لا داعي للإلحاح على تبديلها لأن ذلك قد يضر بسعر صرف الليرة السورية». مشدداً على أن البلاد تحتاج إلى حالة من الهدوء وقت استبدال العملة، وأن المصرف المركزي أوضح أن ذلك سيتم وفق جدول زمني محدد.

المستشار عبد الله الشماع أوضح أن فريقاً من المستشارين والخبراء السوريين تعاون مع مصرف سوريا المركزي لوضع استراتيجية التبديل على أسس علمية ومعايير عالمية، بهدف جعل المصرف ركيزةً للاستقرار وقائداً للتحول الاقتصادي.

ورقة الـ200 ليرة الجديدة في الخلفية خلال حفل إطلاق العملة السورية الجديدة (سانا)

وبين الشماع أن الرؤية استندت إلى خمس ركائز هي: السياسة النقدية والاستقرار السعري، سوق صرف متوازن وشفاف، قطاع مصرفي سليم، مدفوعات رقمية آمنة، التكامل المالي الدولي والشمول المالي المستدام.


رئيس الحكومة اللبنانية مدافعاً عن قانون الانتظام المالي: سيعيد أموال المودعين

رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام (أ.ف.ب)
رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام (أ.ف.ب)
TT

رئيس الحكومة اللبنانية مدافعاً عن قانون الانتظام المالي: سيعيد أموال المودعين

رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام (أ.ف.ب)
رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام (أ.ف.ب)

أكد رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام أن «مشروع القانون المتعلق بالانتظام المالي الذي أقره مجلس الوزراء وأحاله أمس إلى البرلمان، سيدفع أموال المودعين من دون نقصان ويفرض غرامات على من حوّل الأموال إلى الخارج، وعلى من استفاد من الهندسات المالية».

وجاءت مواقف سلام في مؤتمر صحافي عقده للحديث عن القانون الذي أقرته الحكومة ويلقى ردود فعل منتقده عليه من مختلف الجهات، لا سيما المصارف والمودعين، إضافة إلى بعض الكتل النيابية، وهو ما رد عليه سلام قائلاً: «منفتحون على أي اقتراحات تهدف لتحسين ما أتى به هذا القانون، ولكن لا يمكن أن نقبل بالنقد الذي لا يقدّم البدائل».

وقال سلام: «مشروع القانون سيسلك طريقه إلى مجلس النواب، وسننشر نسخة منه على الموقع الرسميّ ليتسنّى للمواطنين جميعهم الاطلاع عليه لما من شأنه تخفيف الالتباسات ويقينا جميعاً من التسرع وإطلاق الأحكام الجازمة، ومنها ما يكشف عن آراء مسبقة جرى الترويج لها منذ أسابيع».

واعتبر أن «مشروع القانون هذا يسعى إلى إخراج لبنان من الحالة الحاضرة التي تعرّض بلادنا إلى أخطار متزايدة يتوجّب علينا اجتنابها بروح المسؤولية والحكمة والشجاعة».

ورأى «إنّ ردّ الودائع إلى أصحابها بطريقة مرحلية خير من تأجيل بتّ مصيرها، وهو ما يؤول إلى تآكلها وإلى حرمان لبنان من فرصة التعافي والإفادة من الدعم العربي والدولي».

وأضاف: «سيتبيّن لكل من سوف يتعرّف بموضوعية إلى مشروع القانون أنّه سيدفع أموال المودعين من دون نقصان، ويفرض غرامات على الذين حوّلوا أموالاً إلى الخارج قبل الانهيار المالي والمصرفي لمدة ستة أشهر... وبعده، وعلى الذين استفادوا من الهندسات المالية ومن الأرباح والمكافآت المفرطة... وهو يدعو أيضاً إلى مواصلة التدقيق الجنائي والمحاسبي، خلافاً لما حاول البعض نكرانه».

ليس مثالياً

ويولي مشروع القانون، حسب سلام، «من الإنصاف والعدالة الاجتماعية، أهمية كبرى لاسترداد أصحاب الودائع التي لا يتجاوز مبلغها المائة ألف دولار ودائعهم بقيمتها الاسمية الكاملة خلال أربع سنوات... كحدّ أقصى. ويمثّل هؤلاء 85 بالمائة من المودعين»، مضيفاً: «يحصل باقي المودعين، على غرار هذه الفئة الكبيرة، على مائة ألف دولار خلال المدة نفسها»، أمّا رصيد ودائعهم فسينالونه بواسطة سندات معزّزة بأصول مصرف لبنان. وهي وإن لا تستحق إلا بعد عدد من السنوات، لكن خلال هذه المدة يستردّ حاملو هذه السندات 2 في المائة سنوياً من قيمتها الإجمالية. إضافة إلى ذلك، فبانتظار مواعيد آجالها، ستكون هذه السندات قابلة للتداول، لا سيّما في بورصة بيروت».

وجدد سلام القول ما قاله سابقاً إن «هذا القانون ليس مثالياً... لكنّه أفضل الممكن على طريق استعادة الحقوق ووقف الانهيار، حيث عملنا ضمن الإمكانات المتاحة واستناداً إلى توقّعات مدروسة».

وأضاف: «أكرّر أنّنا لا نبيع اللبنانيات واللبنانيين أوهاماً ولا نخفي الحقائق عنهم، ورهاننا أوّلاً هو على الشفافية والحق في المعرفة المباشرة التي يستحقّها كل المواطنين ليحكموا بأنفسهم على هذا المشروع. وسنكون منفتحين على الحوار معكم جميعاً اليوم وغداً وبعد غد».

ودعا سلام «النواب وممثّلي الهيئات الاقتصادية والمجتمع المدني إلى وقفة وطنية تقدّم المصلحة العامة على أي اعتبار آخر، فنحن منفتحون على أي اقتراحات تهدف لتحسين ما أتى به هذا القانون، ولكن لا يمكن أن نقبل بالنقد الذي لا يقدّم البدائل، فهذا يساهم في إطالة الأزمة والاستمرار في هدر أموال المودعين وشلل المصارف وتقويض الاقتصاد».


تفاهم مصري - لبناني يمهد لتعاون مستقبلي في الغاز والطاقة

الرئيس اللبناني ووزير البترول المصري عقب توقيع مذكرة تفاهم في مجال الطاقة بين البلدين (الرئاسة اللبنانية)
الرئيس اللبناني ووزير البترول المصري عقب توقيع مذكرة تفاهم في مجال الطاقة بين البلدين (الرئاسة اللبنانية)
TT

تفاهم مصري - لبناني يمهد لتعاون مستقبلي في الغاز والطاقة

الرئيس اللبناني ووزير البترول المصري عقب توقيع مذكرة تفاهم في مجال الطاقة بين البلدين (الرئاسة اللبنانية)
الرئيس اللبناني ووزير البترول المصري عقب توقيع مذكرة تفاهم في مجال الطاقة بين البلدين (الرئاسة اللبنانية)

بينما وقعت مصر مذكرة تفاهم مع لبنان لتلبية احتياجات الأخير من الغاز الطبيعي، يرى خبراء في الطاقة تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أن الخطوة «تمهد لتعاون في الملف، لكنها لا تعني إمدادا فوريا من الغاز إلى لبنان».

واستقبل الرئيس اللبناني جوزيف عون، الاثنين، وزير البترول والثروة المعدنية المصري كريم بدوي، وبحسب بيان صادر عن الرئاسة اللبنانية، أعلن عون، التوقيع مع مصر على مذكرة تفاهم لتلبية احتياجات لبنان من الغاز الطبيعي؛ تؤمن القدرة على زيادة إنتاج الطاقة الكهربائية.

خبير البترول المصري عضو «مجلس الطاقة العالمي»، الدكتور ماهر عزيز، أكد أن مذكرات التفاهم من هذا النوع «يعقبها إجراءات واتفاقيات تفصيلية تخص كل مشروع بذاته، ومن المتوقع أن تكون هناك مشروعات ببين البلدين تتعلق في المقام الأول بإمداد لبنان بالخبرات المصرية اللازمة للتوسع في مشروعات الطاقة، والسعي لإمداد لبنان بحاجتها من الغاز في إطار مخططات مصر حالياً للتحول إلى مقر إقليمي لتسويق الطاقة، بأن تستورد الغاز الخام من عدة دول وتسييله وإعادة تصديره والاستفادة من فروق السعر».

وفرة جيدة

وأوضح عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «مصر حظيت في سنوات سابقة بوفرة جيدة في مصادر الغاز الطبيعي؛ ما أدى إلى تصديره لدول الجوار الشرقي في الأردن وإسرائيل لسنوات عديدة، وزادت الإمدادات بعد بداية اكتشاف حقل ظهر، قبل أن ينعكس الوضع وتتحول لمستورد، لكنها حالياً عملت على حل المشكلات التقنية في حقل ظهر بالإضافة لاكتشافات أخرى، فضلاً عما تستورده بغرض الاستهلاك المحلي، وإعادة التسييل ثم التصدير».

وتعتمد مصر على الغاز المسال في تشغيل محطات توليد الكهرباء، وشهد إنتاج مصر من الغاز الطبيعي تراجعاً منذ عام 2022؛ ما دفعها للتحول إلى مستورد، ويبلغ الإنتاج الحالي لمصر من الغاز الطبيعي 4.1 مليار قدم مكعبة يومياً، بحسب وكالة «رويترز».

ووقَّعت مصر أخيراً عبر شركات صفقة ضخمة لاستيراد الغاز من إسرائيل بقيمته تبلغ 35 مليار دولار.

إدارة ذكية

عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، أحمد أبو علي قال إن «توقيع مذكرة التفاهم بين مصر ولبنان لا تجب قراءته بمنطق (التوريد الفوري) بقدر ما ينبغي فهمه في إطار إدارة ذكية للموارد والطاقة على مستوى إقليمي، حيث إن مصر تمتلك بنية تحتية متقدمة ومتكاملة في قطاع الغاز الطبيعي، تشمل الإسالة، والنقل، وإعادة التصدير، فضلاً عن خبرات فنية متراكمة في الاكتشاف والتشغيل، وهو ما يجعلها قادرة على لعب دور (المُيسّر الإقليمي) للطاقة، حتى في الفترات التي تشهد توازناً دقيقاً بين الإنتاج والاستهلاك المحلي. ومن ثم، فالمقصود ليس بالضرورة ضخ كميات فورية من الغاز، وإنما توظيف القدرات المصرية الفنية واللوجيستية والاستثمارية لدعم لبنان في إعادة تشغيل قطاع الطاقة، ورفع كفاءة إنتاج الكهرباء، سواء عبر التعاون في الحقول، أو إعادة هيكلة سلاسل الإمداد، أو الربط الإقليمي للطاقة».

شراكة طويلة

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «على المستوى الاستراتيجي، فإن مذكرة التفاهم تمثل تمهيداً محسوباً لشراكة طويلة الأجل، تتسق مع رؤية مصر للتحول إلى مركز إقليمي لتداول وتسويق الطاقة في شرق المتوسط؛ فالقاهرة لا تتحرك هنا بدافع سياسي أو تضامني فقط، بل بمنطق اقتصادي واضح يقوم على بناء شبكات تعاون إقليمي، وتثبيت موقعها كمحور رئيسي في معادلة الطاقة، خصوصاً في ظل التحولات الجيوسياسية واضطراب أسواق الإمداد عالمياً».

وفي تعليقه على مذكرة التفاهم، أكد وزير البترول المصري كريم بدوي، أن مصر ستقدم كل الدعم للبنان من خلال الخبرات والإمكانات في مجالات عدة، منها: استكشاف حقول الغاز، واستخراجه، ونقله وتوزيعه، بحسب ما نقلته الرئاسة اللبنانية في بيان.

إطار للبناء

الخبيرة اللبنانية في شؤون البترول والطاقة لوري هايتيان، قالت إن «هذه الخطوة تعد إيجابية في إطار التعاون المستقبلي بملف الطاقة بين البلدين، لكن واقعياً ليس هناك على المدى القريب أو المنظور تبادل أو إمداد غاز من مصر للبنان في الوقت الحالي في ظل أن مصر تستورد الغار لتلبية احتياجاتها المحلية، كما أنه توجد مشكلات تقنية قد تؤخر هذا الأمر».

وشرحت لـ«الشرق الأوسط»: «عند حدوث أزمة الطاقة الطاحنة في لبنان عام 2019 كانت هناك خطة لتعاون واستيراد الغاز من مصر عبر الأنبوب العربي الذي يمر بالأردن وسوريا ثم إلى شمال لبنان، وبدأ الكلام عن هذا المشروع عام 2021، لكن كان يعوق الأمر قبل سقوط نظام بشار الأسد أن سوريا عليها عقوبات تعرقل هذا التعاون، وحالياً أصبح الأمر ممهداً لاستئناف عملية إتمام المشروع، لكن الحكومة اللبنانية تقول إن هناك حاجة ماسة لصيانة الأنبوب في الجزء الموجود منه في لبنان، وكذلك في سوريا ما يعني أن المسألة ستستغرق بعض الوقت».

ونوهت إلى أن «مذكرة التفاهم تجعل هناك إطاراً يمكن البناء والاعتماد عليه لاستئناف هذا المشروع حين إتمام الصيانة اللازمة للأنبوب، وكذلك لأي مشروعات تعاون في الطاقة مستقبلاً، ويؤشر أيضاً إلى أنه حينما تكون هناك طاقة متوفرة في مصر ولبنان بحاجة إليها فستمده القاهرة بها، ومصر تقدر على ذلك؛ لأن كل ما يحتاج إليه لبنان هو كمية غاز لتشغيل محطة كهرباء واحدة في شمال البلاد».