الزائر اليوم لبلدات وقرى محافظة القنيطرة جنوب سوريا، يتوقف ملياً عند تراجع الحركة في الشوارع بشكل شبه كامل، بما يشبه «حظر التجوال» كما يقول الأهالي؛ جراء احتلال إسرائيل لبعض القرى والبلدات وتوغلها في أخرى.
مع الوصول إلى مشارف ناحية «خان أرنبة» من «أوتوستراد السلام»، يثير الاستغراب في مدخلها خلو الطريق شبه التام من المارة والسيارات.
الصورة ذاتها، تشاهَد في دوار البلدة الرئيسي، الذي تتفرع منه أربعة طرق رئيسية تؤدي إلى بلدات وقرى أخرى، بينما كان الإقبال على المحال التجارية المنتشرة على جوانب الطرق ضعيفاً.
وعند زاوية أحد الطرق انتظر عدد من سائقي سيارات الأجرة زبائن دون جدوى؛ ما دفع بعضهم للمغادرة.
ووسط تكهنات بأن سبب ذلك المشهد إنه يوم الجمعة الذي يوافق يوم عطلة رسمية، يؤكد سائق سيارة، أن هذه الحالة تنسحب على أيام الأسبوع كافة، مع تحسن بسيط خلال الأيام العادية.
«الوضع سيئ جداً. لا يوجد شغل. هنا يوجد أشبه بحظر التجول»، يقول الرجل لـ«الشرق الأوسط» بعد أن عرَّف على نفسه بـ«أبو محمد». ويوضح وحالة يأس عميق تبدو عليه، أن أسباب هذا الوضع، هي احتلال إسرائيل بلدات وقرى في المحافظة وتزايد توغلها في أخرى، وذلك بعد إسقاط حكم بشار الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
ويضيف أبو محمد: «منتصف ليل الأربعاء الماضي عمَّت حالة من الرعب أوساط الأهالي في الخان بسبب أصوات انفجارات عنيفة، تبين أنها ناجمة عن تفجير جنود من الاحتلال مستودعات ذخيرة وأسلحة في (سرية الصقري) على مدخل قرية جبا (الواقعة على بعد 2 كم شمال خان أرنبة)، وقبل أسبوعين اقتحموا (سرية العجايز) على مدخل قرية الصمدانية الشرقية، المحاذية للخان من الجهة الغربية، كما وصلت سياراتهم وجنودهم إلى الدوار».
ترويع للأهالي
سائق آخر، يلفت إلى أن الجنود الإسرائيليين احتلوا «المجمع الحكومي» الكائن في «مدينة السلام»، وهو على بعد 3 كيلومترات غربي «خان أرنبة»، ويضم عدداً من الدوائر الحكومية.
ويضيف: «المجمع معطل؛ لأنهم وضعوا ساتراً ترابياً كبيراً يمنع وصول الأهالي والموظفين إليه، وقد صار مركزاً لهم ولدباباتهم وعرباتهم. كما اقتحموا مخبز المدينة وطردوا الأهالي من أمامه بحجة التفتيش عن السلاح، وكذلك المركز الثقافي ومديرية الهاتف». ويؤكد الرجل أن «جنود الاحتلال يروّعون الأهالي أثناء عمليات اقتحامهم للبلدات والقرى، فيفرضون حظراً للتجوال، ويهدّدون باستهداف أي شخص يخرج».
ومن بين القرى التي احتلتها القوات الإسرائيلية بعد سقوط حكم الأسد قرية الحرية التابعة إدارياً لناحية «خان أرنبة» والواقعة على بعد 5 كيلومترات من جهتها الغربية.
وتصادف الوجود في «خان أرنبة» مع وجود شاب من أبناء «الحرية» في البلدة، وقد شرح لـ«الشرق الأوسط» وقائع احتلال قريته.
يقول الشاب الذي فضَّل عدم ذكر اسمه: «قبل 20 يوماً دخلوا إلى الحرية وأعطوا أمراً للسكان بالإخلاء خلال ساعة، ولم ينفذ الأهالي الأمر، وفي اليوم التالي دخلوا بالدبابات والبلدوزرات وسيارات محملة بالجنود وأعطوا أمراً بالإخلاء خلال 3 ساعات، وهدَّدوا المختار أحمد طه وإمام المسجد إذا لم يتم تنفيذ الأمر، ليقوموا في اليوم الثالث بإغلاق الطرقات وتخريب شبكتي مياه شرب والصرف الصحي والطريق الزراعي».
وتبدو معالم التوغل الإسرائيلي على الأرض واضحة مع التعمق في «خان أرنبة» غربا لمسافة نحو 1 كيلومتر، إذ تشاهد أثار جنازير الدبابات وقد حفرت الأسفلت عند «دوار الزراعة» والطريق المتفرع منه باتجاه الجنوب، والتي يوجد فيه المخبز الآلي، تجمع الكليات الجامعية، مؤسسة الموارد المائية، ومشفى الجولان الوطني (مشفى أباظة سابقاً)، ودائرة الخدمات، وجميعها بحسب الأهالي تواصل حالياً عملها.
لا سلام في «مدينة السلام»
على بعد نحو كيلومتر واحد يقع «دوار المرور»، حيث مقرّ قيادة الشرطة، لتبدأ بعده باتجاه الغرب «مدينة السلام» وهي مدينة صغيرة بُنيت في ثمانينات القرن الماضي وسُميت «مدينة البعث» تيمناً باسم «حزب البعث» الحاكم. وتُعد المدينة التي تبعد كيلومترين غرب «خان أرنبة»، المركز الإداري الخدمي لمحافظة القنيطرة، حيث يقع فيها «المجمع الحكومي»، الذي يضم أيضاً مجموعة مؤسسات حكومية وجميعها متوقفة عن العمل بسبب احتلال المجمع من قِبل إسرائيل وفق إفادات الأهالي. وقد بدلت إدارة العمليات العسكري اسم المدينة إلى «مدينة السلام» بعد سيطرتها في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
المشهد في شوارع «مدينة السلام» مشابه لما هو عليه في «خان أرنبة»، إلا أن الطرقات لم تخلوا من بعض الأطفال المنتشرين على الأرصفة وفي الحدائق.
حدود جديدة
ولعل أكثر ما يثير الفضول في «مدينة السلام»، الوصول إلى مقرّ «المجمع الحكومي» الواقع غرب التجمع السكني بنحو كيلومتر واحد، لمشاهدة الوضع فيه بعد احتلاله.
ولكن قبل مقر «المجمع» بمسافة نحو 300 متر، يشاهد الزائر معالم حدود جديدة وضعها الاحتلال، حيث تم إغلاق مسرب الذهاب بأعمدة حديدية وتكسير منتصف الطريق، وبعد ذلك بنحو 50 متراً أقام ساتراً ترابياً لمنع الأهالي والموظفين من الوصول إليه، وهو ما انطبق علينا أيضاً.
فقد علت صيحات تمنع تقدمنا أطلقها عجوز سبعيني صادف عبوره سيراً من الطريق الفرعي، وقال: «المحافظات فرحت بسقوط الأسد، ولكن فرحتنا هنا لم تكتمل بسبب الاحتلال».
غياب عناصر الأمن
وتترافق حالة شبه «حظر التجوال»، السائدة في ناحية «خان أرنبة» و«مدينة السلام» التي تمت فيهما إزالة مخلفات النظام البائد، ورفع العَلم الجديد الذي رفعته الإدارة السياسية السورية الجديدة، مع غياب تام لمشهد انتشار عناصر إدارة العمليات العسكرية والأمن العام، بينما يوضح مصدر مقرب من الأولى، أن السبب في ذلك يعود إلى «حساسية المنطقة».
ويلفت المصدر إلى أن هناك مقرّين لإدارة العمليات العسكرية، الأول في قيادة الشرطة ويديره عقيد منشق من الشرطة، والآخر هو مقر أمني في مبنى «إدارة أمن الدولة» سابقاً عند دوار الزراعة، إضافة إلى مقرّ عسكري في بلدة جبا، في حين لم يتم حتى الآن تعيين قائد عسكري من الإدارة في القنيطرة.