ملامح دور تركي في العراق لشغل «الفراغات»

مصادر عراقية تتحدث عن مضمون زيارة فيدان إلى بغداد

وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (أ.ف.ب)
وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (أ.ف.ب)
TT
20

ملامح دور تركي في العراق لشغل «الفراغات»

وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (أ.ف.ب)
وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (أ.ف.ب)

تنشغل القوى السياسية العراقية بالأجندة التي حملها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال زيارته بغداد، الأحد الماضي، وتظهر مسارات متعددة، أبرزها «دور تركي جديد في العراق لملء الفراغات التي أحدثتها التحولات الأخيرة في المنطقة»، كما تقول مصادر من «الإطار التنسيقي».

وقالت المصادر، إن «هاجس الأمن» هو النقطة الأساسية التي تمحورت عليها زيارة الوزير التركي، إذ تُفكر تركيا في دعم محور جديد بالمنطقة، انطلاقاً من العراق «بحكم التحولات الأخيرة في سوريا ولبنان».

علاقة أمنية معقدة

ورغم أن تركيا تتمتع بعلاقات تجارية واقتصادية واسعة مع بغداد يصل تبادلها التجاري إلى نحو 20 مليار دولار سنوياً، فإنها من وجهة نظر أحزاب شيعية «الدولة الوحيدة التي تحتل أراضي عراقية، ولها قواعد عسكرية ثابتة، أشهرها قاعدة (زليكان) بمنطقة بعشيقة في محافظة نينوى، إلى جانب قواعد أخرى منتشرة في دهوك وأربيل بإقليم كردستان».

وغالباً ما تسبب «التشابك الأمني المعقد» بين أنقرة وبغداد في «تراجع وفتور» في العلاقة بين الجانبين، وفق المصادر التي أشارت إلى أن «العقدة الأمنية» مع تركيا، التي تتمثل في «حزب العمال الكردستاني» المحظور في بغداد، والمصنف إرهابياً في أنقرة.

ويصل إلى بغداد من مسؤولين أتراك «ملاحظات» بأن القوى العراقية الحاكمة، «الحليفة لإيران»، لا تظهر كثيراً من الجدية لحل المشكلة الأمنية، بل تقوم أحياناً بتغذيتها بالاتفاق مع الجانب الإيراني.

ويتمتع «حزب العمال» بنفوذ واسع داخل منطقة سنجار، وكانت له على الدوام علاقات وثيقة مع فصائل مسلحة منضوية ضمن هيئة «الحشد الشعبي»، كما يحظى بصلات تعود إلى سنوات غير قليلة مع بعض الأحزاب الشيعية، لكنها لا تتمتع بالعلاقات نفسها مع الحزب «الديمقراطي» الكردستاني الذي يقوده مسعود برزاني، بل إن العلاقة بينهما تصل إلى «منطقة عداء واضحة».

وأوضحت المصادر أن «هذه الأسباب مجتمعة أسهمت في فشل اتفاق أربيل وبغداد حول سنجار عام 2020».

قائد الجيش الثاني التركي متين توكل مع مسؤولين عراقيين في منطقة العمليات التركية (أرشيفية - الدفاع التركية)
قائد الجيش الثاني التركي متين توكل مع مسؤولين عراقيين في منطقة العمليات التركية (أرشيفية - الدفاع التركية)

تحولات جديدة

وتقول المصادر إن «أنقرة تعمل على استثمار التحولات الجديدة في منطقة الشرق الأوسط إلى أقصى حدٍّ، بهدف حل مشكلتها الأمنية والسياسية مع (حزب العمال)، وتتوقع استجابة عراقية انسجاماً مع التغيرات».

وكان وزير الخارجية التركي قد التقى خلال زيارته الأخيرة في بغداد طيفاً واسعاً من كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين، وكان لافتاً أنه التقى على انفراد وزير الدفاع العراقي، ثابت العباسي، الأمر الذي يكشف عن الطابع الأمني للزيارة.

وإلى جانب القلق الأمني من «حزب العمال»، تُفيد المصادر، بأن أنقرة تسعى، وبالشراكة مع بغداد، إلى «تطويق قوات (قسد) في الجانب السوري عبر تقوية العلاقة بين بغداد ودمشق؛ حيث يعتقد أن بغداد لها صلات مع (قسد)، إلى جانب الخشية من تنظيم (داعش)، الذي ما زال موجوداً شرق الفرات، وبالقرب من الحدود التركية والعراقية».

وتنظر قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية بـ«بارتياب» إلى التحركات التركية، وذلك مرتبط بما تقول إنها «مطامع تركية في العراق»، وكذلك بعلاقة تلك القوى وتحالفها مع طهران.

في الصيف الماضي، وعقب عمليات عسكرية واسعة أطلقتها أنقرة داخل الأراضي العراقية، بدأت الحكومة العراقية في إبرام عدة اتفاقيات مع تركيا، من بينها أمنية. وكانت محل «اعتراض» من قوى شيعية، بحيث اتهمت بعض أطرافها حكومة السوداني بـ«شرعنة الاحتلال التركي لأراضي العراق».

حلف بديل

إلى ذلك، يستبعد أستاذ العلاقات الاستراتيجية الدولية في جامعة بغداد، إحسان الشمري، أن تكون زيارة وزير الخارجية التركي الأخيرة ذات طابع سياسي بامتياز، رغم أهميته، مع الحديث عن مشروع «طريق التنمية»، وشدد على أن «الحافز الأمني هو مَن سيطر على المباحثات».

ويستدل الشمري في حديث لـ«الشرق الأوسط» على ذلك، من خلال طرح «مشروع الحلف الرباعي، الذي يضم (تركيا وسوريا والعراق والأردن)، وهو ما يأتي ربما على أنقاض التحالف القديم بين (العراق، وسوريا، وروسيا، وإيران)».

ويقول، إن «الزيارة ذات طابع أمني بالدرجة الأولى، وسياسي ثانياً، في ظل عدم التوصل إلى اتفاق أو تقدم في الوساطة التي تبناها زعيم الحزب (الديمقراطي) مسعود برزاني بين تركيا و(قسد)».

ويضيف الشمري: «هذا الموضوع شكّل مساحة قلق كبيرة لأنقرة، لهذا أعتقد أن الزيارة إلى بغداد أرادت من خلالها أنقرة الضغط على حكومة السوداني لوقف أي دعم لهذه القوات (قسد) خصوصاً أن هناك مؤشرات على تعاون بين (قسد) و(حزب الاتحاد الوطني الكردستاني)».

وتابع: «إن هناك قلقاً تركياً من أن (قسد) قد تتلقّى نوعاً من الدعم الإيراني، في ظل لحظة توتر بين أنقرة وطهران، فإيران يمكن أن تعمل على تحفيز فصائل مقاومة تابعة لها في سوريا، وأنقرة لا تريد أن يكون العراق جزءاً من دعم هذا التنظيم أو الفصائل الأخرى».

رئيس الوزراء العراقي مستقبلاً وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في بغداد (إعلام حكومي)
رئيس الوزراء العراقي مستقبلاً وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في بغداد (إعلام حكومي)

ملء الفراغ

ولا يستبعد الشمري اهتمام الجانب التركي بالجانب السياسي، من خلال تقريب وجهات النظر بين بغداد ودمشق، فالتواصل بينهما حتى الآن ليس مثلما حدث مع بقية الدول؛ حيث بعث الجانب التركي إلى دمشق مسؤولين من أعلى المستويات.

ولا يستبعد كذلك، سعي تركيا إلى «تدعيم دورها في العراق، ولعلها تفكر في ملء الفراغ الإيراني إذا ما حدث أي تحول في هذا الاتجاه بالنظر للتحولات والمتغيرات المتلاحقة والتكهنات بإمكانية غياب الدور والنفوذ الإيراني اللاحق».

وأيضاً، ليس بعيداً عن الاهتمام التركي -حسب الشمري- «الجانب السياسي حول المقاربة التي يطرحها الرئيس الأميركي دونالد ترمب في المنطقة، وتأثيراتها المحتملة على العراق».


مقالات ذات صلة

وزير خارجية العراق: لا شروط مسبقة لإعادة العلاقات مع سوريا

المشرق العربي الرئيس السوري أحمد الشرع خلال مؤتمر صحافي في أنقرة (أ.ب)

وزير خارجية العراق: لا شروط مسبقة لإعادة العلاقات مع سوريا

في أول موقف رسمي منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد، قال وزير الخارجية العراقي إن بلاده وجهت دعوة رسمية للرئيس السوري أحمد الشرع لحضور القمة العربية في بغداد.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (يمين) يتحدث إلى رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير خلال جلسة في «منتدى دافوس»... (أ.ف.ب)

انقسام بشأن سوريا يسبق زيارة الشيباني بغداد

أثار وزير الخارجية السوري سجالاً في العراق بشأن كيفية التعاطي مع الإدارة الجديدة في دمشق، عقب الإعلان عن زيارته بغداد بهدف ضبط أمن الحدود.

حمزة مصطفى (بغداد)
العالم العربي جامع النوري الكبير في الموصل المعروف بمئذنته المائلة (رويترز)

ترميم مئذنة الموصل الشهيرة بعد تدميرها على يد تنظيم «داعش»

تم تجديد جامع النوري الكبير في الموصل المعروف بمئذنته المائلة التي يعود تاريخها إلى ثمانية قرون بعدما دمرها مسلحو تنظيم داعش في عام 2017.

«الشرق الأوسط» (الموصل)
المشرق العربي عربة مدرعة تحرس عملية إعادة عراقيين من مخيم الهول شمال سوريا (أ.ب)

الأمن العراقي يدعو لإخلاء «الهول» السوري

دعا العراق إلى إخلاء مخيم الهول من السوريين والأجانب، بعد عودة 3 آلاف عراقي من المنتمين لتنظيم «داعش» وتسليمهم إلى القضاء تمهيداً لمحاكمتهم.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي شاب صغير يعانق مسناً بعد حصوله على موافقة لمغادرة مخيم الهول في الحسكة شمال شرقي سوريا الأحد الماضي (أ.ف.ب)

الإدارة الذاتية الكردية لإفراغ المخيمات من السوريين والعراقيين

تعمل الإدارة الذاتية الكردية على إفراغ مخيمات تشرف عليها في شمال شرقي سوريا من آلاف العائلات السورية والعراقية، بينهم أفراد من عائلات مقاتلي تنظيم «داعش».

«الشرق الأوسط» (القامشلي - لندن)

توجهات حوثية لاستثمار النقل البري والتجسس على المسافرين

مقر وزارة النقل التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية في صنعاء (فيسبوك)
مقر وزارة النقل التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية في صنعاء (فيسبوك)
TT
20

توجهات حوثية لاستثمار النقل البري والتجسس على المسافرين

مقر وزارة النقل التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية في صنعاء (فيسبوك)
مقر وزارة النقل التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية في صنعاء (فيسبوك)

تتجه الجماعة الحوثية إلى السيطرة التامة على قطاع النقل في مناطق سيطرتها والاستحواذ على محطات سيارات نقل المسافرين بين المدن والمناطق الواقعة تحت سيطرتها، من خلال إجراءات أقرتها ضمن سياساتها لإعادة هيكلة المؤسسات التي بدأتها منذ أشهر، وتهدف الإجراءات المزمعة إلى إلغاء صلاحيات نقابة النقل والمواصلات.

وتهدف الجماعة من خلال عدد من الإجراءات غير القانونية التي تزمع تنفيذها إلى الاستيلاء على موارد النقل البري بشكل كامل، والإضرار بمعيشة قطاع واسع من السائقين، إلى جانب فرض إجراءات أمنية ورقابة مشددة على النقل والسفر والتجسس على المسافرين.

وفي وثيقة حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة ضوئية منها، أقر قطاعا الداخلية والنقل والأشغال العامة اللذان تسيطر عليهما الجماعة الحوثية، لائحة لنشاط محطات نقل الركاب بين المدن والمحافظات، تُشكل بموجبها هياكل تنظيمية لتنظيم وإدارة العمل في المحطات تخضع لها، بعد أن كانت تديرها نقابة النقل والمواصلات.

واتهمت مصادر نقابية في العاصمة صنعاء، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، الجماعة الحوثية بالسعي للتجسس على المسافرين والركاب والسائقين والرقابة المشددة على عمليات النقل، إلى جانب الاستيلاء على الموارد المالية لهذه المحطات، والتي تعدّ من حقوق نقابة النقل والمواصلات.

الصفحة الأولى من اللائحة الحوثية الجديدة لتنظيم نشاط محطات نقل الركاب التي حصلت عليها «الشرق الأوسط»
الصفحة الأولى من اللائحة الحوثية الجديدة لتنظيم نشاط محطات نقل الركاب التي حصلت عليها «الشرق الأوسط»

وقالت المصادر إن الجماعة الحوثية تعمل حالياً على إعداد وتجهيز مئات، وربما، آلاف المركبات، لإطلاق خدمات نقل الركاب بين مختلف المدن والأرياف الواقعة تحت سيطرتها، بالتزامن مع تحضيرات لإصدار قرارات ببدء تنفيذ اللائحة التي مضى أكثر من 3 أشهر على صدورها، دون التشاور مع نقابة النقل والمواصلات.

وتوقعت المصادر أن يتم البدء بتنفيذ اللائحة بشكل مفاجئ، وبإصدار قرارات مباغتة في أي وقت، في حين لم تتجرأ النقابة على الاعتراض أو حتى التعليق على نيات الجماعة الحوثية، خوفاً من أي إجراءات تعسفية ضدها وضد قياداتها.

إفقار وتجسس

تقر اللائحة الصادرة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي تشكيل هيكل تنظيمي لمحطات نقل الركاب بين المدن والمحافظات، يتكون من مدير المحطة الذي يمثل قطاع النقل البري، ونائب للمدير يمثل قطاع الداخلية والأمن الحوثيين، بالإضافة إلى رئيس قسم المرور، ورئيس قسم الحركة، ورئيس قسم الخدمات.

قادة حوثيون يحصلون جبايات من سيارات الأجرة إلكترونياً (إعلام حوثي)
قادة حوثيون يحصلون جبايات من سيارات الأجرة إلكترونياً (إعلام حوثي)

أوضح مصدر قانوني في النقابة أنه، وبموجب القانون اليمني، تخضع محطات نقل الركاب، التي تسمى في اللهجة اليمنية «الفرزات»، وهي جمع فرزة، لنقابة النقل والمواصلات، ولا يحق لأي قطاع حكومي الوصاية عليها أو إدارتها، وتكتفي وزارة النقل بتحصيل رسوم الخدمات التي تقدمها، بينما تعود باقي الرسوم إلى النقابة التي تحصلها بموجب نظامها الأساسي ولوائحها الداخلية.

وتبين مواد اللائحة التي أصدرها قطاعا الداخلية والنقل التابعان للجماعة أن الغرض من التوجه الجديد تحويل المحطات إلى مصادر إيرادات، ومراكز للتجسس والرقابة على المسافرين والسائقين والأمتعة والمنقولات.

وأقرت اللائحة منح قطاع النقل البري وإدارة المرور التابعين للجماعة حق الاستثمار في نقل الركاب والمسافرين، وتغيير محطات النقل وفقاً للمواصفات الفنية والاشتراطات المطلوبة التي يحددانها، وتشكيل لجنة مشتركة منهما لإقرار كافة المتطلبات الخاصة بذلك.

الحوثيون فرضوا جبايات وإجراءات مشددة على قطاع نقل المسافرين (إعلام حوثي)
الحوثيون فرضوا جبايات وإجراءات مشددة على قطاع نقل المسافرين (إعلام حوثي)

وأبدت المصادر النقابية مخاوفها من أن الإجراءات الجديدة المزمعة ستؤدي إلى الإضرار بإحدى المهن في سوق العمل اليمني، والتأثير على آلاف السائقين العاملين في مهنة نقل الركاب، وإزاحتهم إلى دائرة البطالة التي تتسع رقعتها في البلاد منذ انقلاب الجماعة الحوثية وسيطرتها على مؤسسات الدولة.

ومكنت اللائحة المشرفين الحوثيين في قطاع النقل والداخلية من اتخاذ أي إجراءات أو إصدار قرارات جديدة لم تنص عليها.

ويرى المصدر القانوني أن اللائحة تمكن المشرفين المسؤولين عن محطات الركاب من الحصول على كامل بيانات المسافرين والحصول على معلومات حول الغرض من سفرهم أو تنقلاتهم وأماكن إقامتهم وأعمالهم، إلى جانب التحقق من تلك البيانات والتحري حولهم.

الصفحة الأخيرة من لائحة تنظيم نشاط محطات نقل الركاب
الصفحة الأخيرة من لائحة تنظيم نشاط محطات نقل الركاب

وتمنع الإجراءات الحوثية المزمعة خروج أي مركبة من المحطة دون إذن من إدارة المحطة، وتحظر سفر أي وسيلة نقل تحمل ركاباً دون ترخيص من أقرب محطة مع تدوين بيانات جميع الركاب عليها.

ومن المتوقع أن تكون الإجراءات الجديدة سبباً في فرض الكثير من الغرامات على السائقين والمسافرين، إلى جانب إخضاعهم لإجراءات تعسفية واحتجازهم والزج بهم في السجون بسبب الشكوك حولهم وحول أنشطتهم.