ملامح دور تركي في العراق لشغل «الفراغات»

مصادر عراقية تتحدث عن مضمون زيارة فيدان إلى بغداد

وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (أ.ف.ب)
وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (أ.ف.ب)
TT

ملامح دور تركي في العراق لشغل «الفراغات»

وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (أ.ف.ب)
وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (أ.ف.ب)

تنشغل القوى السياسية العراقية بالأجندة التي حملها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال زيارته بغداد، الأحد الماضي، وتظهر مسارات متعددة، أبرزها «دور تركي جديد في العراق لملء الفراغات التي أحدثتها التحولات الأخيرة في المنطقة»، كما تقول مصادر من «الإطار التنسيقي».

وقالت المصادر، إن «هاجس الأمن» هو النقطة الأساسية التي تمحورت عليها زيارة الوزير التركي، إذ تُفكر تركيا في دعم محور جديد بالمنطقة، انطلاقاً من العراق «بحكم التحولات الأخيرة في سوريا ولبنان».

علاقة أمنية معقدة

ورغم أن تركيا تتمتع بعلاقات تجارية واقتصادية واسعة مع بغداد يصل تبادلها التجاري إلى نحو 20 مليار دولار سنوياً، فإنها من وجهة نظر أحزاب شيعية «الدولة الوحيدة التي تحتل أراضي عراقية، ولها قواعد عسكرية ثابتة، أشهرها قاعدة (زليكان) بمنطقة بعشيقة في محافظة نينوى، إلى جانب قواعد أخرى منتشرة في دهوك وأربيل بإقليم كردستان».

وغالباً ما تسبب «التشابك الأمني المعقد» بين أنقرة وبغداد في «تراجع وفتور» في العلاقة بين الجانبين، وفق المصادر التي أشارت إلى أن «العقدة الأمنية» مع تركيا، التي تتمثل في «حزب العمال الكردستاني» المحظور في بغداد، والمصنف إرهابياً في أنقرة.

ويصل إلى بغداد من مسؤولين أتراك «ملاحظات» بأن القوى العراقية الحاكمة، «الحليفة لإيران»، لا تظهر كثيراً من الجدية لحل المشكلة الأمنية، بل تقوم أحياناً بتغذيتها بالاتفاق مع الجانب الإيراني.

ويتمتع «حزب العمال» بنفوذ واسع داخل منطقة سنجار، وكانت له على الدوام علاقات وثيقة مع فصائل مسلحة منضوية ضمن هيئة «الحشد الشعبي»، كما يحظى بصلات تعود إلى سنوات غير قليلة مع بعض الأحزاب الشيعية، لكنها لا تتمتع بالعلاقات نفسها مع الحزب «الديمقراطي» الكردستاني الذي يقوده مسعود برزاني، بل إن العلاقة بينهما تصل إلى «منطقة عداء واضحة».

وأوضحت المصادر أن «هذه الأسباب مجتمعة أسهمت في فشل اتفاق أربيل وبغداد حول سنجار عام 2020».

قائد الجيش الثاني التركي متين توكل مع مسؤولين عراقيين في منطقة العمليات التركية (أرشيفية - الدفاع التركية)

تحولات جديدة

وتقول المصادر إن «أنقرة تعمل على استثمار التحولات الجديدة في منطقة الشرق الأوسط إلى أقصى حدٍّ، بهدف حل مشكلتها الأمنية والسياسية مع (حزب العمال)، وتتوقع استجابة عراقية انسجاماً مع التغيرات».

وكان وزير الخارجية التركي قد التقى خلال زيارته الأخيرة في بغداد طيفاً واسعاً من كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين، وكان لافتاً أنه التقى على انفراد وزير الدفاع العراقي، ثابت العباسي، الأمر الذي يكشف عن الطابع الأمني للزيارة.

وإلى جانب القلق الأمني من «حزب العمال»، تُفيد المصادر، بأن أنقرة تسعى، وبالشراكة مع بغداد، إلى «تطويق قوات (قسد) في الجانب السوري عبر تقوية العلاقة بين بغداد ودمشق؛ حيث يعتقد أن بغداد لها صلات مع (قسد)، إلى جانب الخشية من تنظيم (داعش)، الذي ما زال موجوداً شرق الفرات، وبالقرب من الحدود التركية والعراقية».

وتنظر قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية بـ«بارتياب» إلى التحركات التركية، وذلك مرتبط بما تقول إنها «مطامع تركية في العراق»، وكذلك بعلاقة تلك القوى وتحالفها مع طهران.

في الصيف الماضي، وعقب عمليات عسكرية واسعة أطلقتها أنقرة داخل الأراضي العراقية، بدأت الحكومة العراقية في إبرام عدة اتفاقيات مع تركيا، من بينها أمنية. وكانت محل «اعتراض» من قوى شيعية، بحيث اتهمت بعض أطرافها حكومة السوداني بـ«شرعنة الاحتلال التركي لأراضي العراق».

حلف بديل

إلى ذلك، يستبعد أستاذ العلاقات الاستراتيجية الدولية في جامعة بغداد، إحسان الشمري، أن تكون زيارة وزير الخارجية التركي الأخيرة ذات طابع سياسي بامتياز، رغم أهميته، مع الحديث عن مشروع «طريق التنمية»، وشدد على أن «الحافز الأمني هو مَن سيطر على المباحثات».

ويستدل الشمري في حديث لـ«الشرق الأوسط» على ذلك، من خلال طرح «مشروع الحلف الرباعي، الذي يضم (تركيا وسوريا والعراق والأردن)، وهو ما يأتي ربما على أنقاض التحالف القديم بين (العراق، وسوريا، وروسيا، وإيران)».

ويقول، إن «الزيارة ذات طابع أمني بالدرجة الأولى، وسياسي ثانياً، في ظل عدم التوصل إلى اتفاق أو تقدم في الوساطة التي تبناها زعيم الحزب (الديمقراطي) مسعود برزاني بين تركيا و(قسد)».

ويضيف الشمري: «هذا الموضوع شكّل مساحة قلق كبيرة لأنقرة، لهذا أعتقد أن الزيارة إلى بغداد أرادت من خلالها أنقرة الضغط على حكومة السوداني لوقف أي دعم لهذه القوات (قسد) خصوصاً أن هناك مؤشرات على تعاون بين (قسد) و(حزب الاتحاد الوطني الكردستاني)».

وتابع: «إن هناك قلقاً تركياً من أن (قسد) قد تتلقّى نوعاً من الدعم الإيراني، في ظل لحظة توتر بين أنقرة وطهران، فإيران يمكن أن تعمل على تحفيز فصائل مقاومة تابعة لها في سوريا، وأنقرة لا تريد أن يكون العراق جزءاً من دعم هذا التنظيم أو الفصائل الأخرى».

رئيس الوزراء العراقي مستقبلاً وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في بغداد (إعلام حكومي)

ملء الفراغ

ولا يستبعد الشمري اهتمام الجانب التركي بالجانب السياسي، من خلال تقريب وجهات النظر بين بغداد ودمشق، فالتواصل بينهما حتى الآن ليس مثلما حدث مع بقية الدول؛ حيث بعث الجانب التركي إلى دمشق مسؤولين من أعلى المستويات.

ولا يستبعد كذلك، سعي تركيا إلى «تدعيم دورها في العراق، ولعلها تفكر في ملء الفراغ الإيراني إذا ما حدث أي تحول في هذا الاتجاه بالنظر للتحولات والمتغيرات المتلاحقة والتكهنات بإمكانية غياب الدور والنفوذ الإيراني اللاحق».

وأيضاً، ليس بعيداً عن الاهتمام التركي -حسب الشمري- «الجانب السياسي حول المقاربة التي يطرحها الرئيس الأميركي دونالد ترمب في المنطقة، وتأثيراتها المحتملة على العراق».


مقالات ذات صلة

العراق يصنف «سهواً» حلفاء إيران «إرهابيين»... وارتباك داخل «التنسيقي»

المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بجانب نوري المالكي خلال مناسبة دينية في بغداد (إعلام حكومي)

العراق يصنف «سهواً» حلفاء إيران «إرهابيين»... وارتباك داخل «التنسيقي»

في غضون ساعات، تراجع العراق عن وضع «حزب الله» وجماعة «الحوثي» على قائمة إرهاب، بعد ارتباك وذهول بين أوساط حكومية وسياسية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي مناصرون يحملون أعلام «حزب الله» اللبناني في بيروت (رويترز)

السوداني يوجه بالتحقيق في خطأ يتعلق بقائمة لتجميد أموال شملت «حزب الله» و«الحوثيين»

وجَّه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، اليوم الخميس، بتحقيق عاجل ومحاسبة المقصرين بشأن الخطأ بقرار لجنة تجميد الأموال.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
تحليل إخباري ولدان يجلسان على خط الأنابيب العراقي - التركي في قضاء زاخو بمحافظة دهوك بإقليم كردستان العراق (روترز)

تحليل إخباري صراع خطوط الأنابيب... ازدياد النفوذ الأميركي في العراق وتراجع الهيمنة الإيرانية

شهدت الأشهر القليلة الماضية تصعيداً خفياً وفعالاً للضغط الدبلوماسي الأميركي على الحكومة العراقية، نتج عنه إعادة فتح خط أنابيب كركوك-جيهان.

«الشرق الأوسط» (بغداد، واشنطن)
المشرق العربي 
القنصلية الأميركية الجديدة تمتد على مساحة تفوق مائتي ألف متر مربع وتضم منشآت أمنية مخصصة لقوات «المارينز» (إكس)

واشنطن تدعو العراقيين للتعاون ضد ميليشيات إيران

دعا مسؤول أميركي بارز، العراقيين إلى التعاون «لمنع الميليشيات الإيرانية من تقويض الاستقرار» في العراق.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني خلال مراسم افتتاح القنصلية الأميركية في أربيل بإقليم كردستان العراق (شبكة روداو)

واشنطن للتعاون مع الشركاء العراقيين لتقويض الميليشيات الإيرانية

قالت الولايات المتحدة إنها تكثف تعاونها مع بغداد وأربيل لمنع الفصائل المسلحة الموالية لإيران من تقويض استقرار العراق.

«الشرق الأوسط» (أربيل)

«حماس» تتوقع محاولة اغتيال لقادتها في الخارج

المبنى المتضرر من الهجوم الإسرائيلي على قادة «حماس» في الدوحة (رويترز)
المبنى المتضرر من الهجوم الإسرائيلي على قادة «حماس» في الدوحة (رويترز)
TT

«حماس» تتوقع محاولة اغتيال لقادتها في الخارج

المبنى المتضرر من الهجوم الإسرائيلي على قادة «حماس» في الدوحة (رويترز)
المبنى المتضرر من الهجوم الإسرائيلي على قادة «حماس» في الدوحة (رويترز)

تسود توقعات في حركة «حماس» بحدوث عملية اغتيال إسرائيلية جديدة لبعض قياداتها خارج الأراضي الفلسطينية.

وتحدثت مصادر كبيرة في الحركة إلى «الشرق الأوسط» عن تزايد في معدلات القلق من استهداف المستوى القيادي، خصوصاً بعد اغتيال المسؤول البارز في «حزب الله» اللبناني، هيثم الطبطبائي.

وتحدث أحد المصادر عن أن «هناك تقديرات باستهداف قيادات الحركة في دولة غير عربية»، رافضاً تحديدها بدقة.

واطلعت «الشرق الأوسط»، على ورقة تعليمات داخلية تم توزيعها على قيادات «حماس» في الخارج، تتعلق بالأمن الشخصي والإجراءات الاحتياطية لتلافي أي اغتيالات محتملة، أو على الأقل التقليل من أضرارها.

وجاء في الورقة أنه يجب «إلغاء أي اجتماعات ثابتة في مكان واحد، واللجوء إلى الاجتماعات غير الدورية في مواقع متغيرة».

وتدعو التعليمات القيادات إلى «عزل الهواتف النقالة تماماً عن مكان الاجتماع، بما لا يقل عن 70 متراً، ومنع إدخال أي أجهزة طبية أو إلكترونية أخرى، بما في ذلك الساعات، إلى أماكن الاجتماعات».

في غضون ذلك، أفادت مصادر في غزة بأن مقتل زعيم الميليشيا المسلحة المناوئة لـ«حماس»، ياسر أبو شباب، أمس، جاء في سياق اشتباكات قبلية على يد اثنين من أبناء قبيلته الترابين.

وأوضحت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن شخصين شاركا في قتل أبو شباب، ينتميان إلى عائلتي الدباري وأبو سنيمة؛ إذ إن العائلتين إلى جانب أبو شباب ينتمون جميعاً إلى قبيلة الترابين.


إسرائيل تقابل الانفتاح الدبلوماسي اللبناني بغارات

لبنانيون يشاهدون عمليات البحث عن ناجين في موقع غارة إسرائيلية استهدفت قرية جباع جنوب لبنان أمس (أ.ف.ب)
لبنانيون يشاهدون عمليات البحث عن ناجين في موقع غارة إسرائيلية استهدفت قرية جباع جنوب لبنان أمس (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تقابل الانفتاح الدبلوماسي اللبناني بغارات

لبنانيون يشاهدون عمليات البحث عن ناجين في موقع غارة إسرائيلية استهدفت قرية جباع جنوب لبنان أمس (أ.ف.ب)
لبنانيون يشاهدون عمليات البحث عن ناجين في موقع غارة إسرائيلية استهدفت قرية جباع جنوب لبنان أمس (أ.ف.ب)

حسمت إسرائيل، أمس، التضارب في مواقف مسؤوليها حول «الجو الإيجابي» الناجم عن المفاوضات المدنية مع لبنان، وأعطت إشارة واضحة إلى أنها ستتعامل معها بمعزل عن المسار العسكري؛ إذ شنت غارات استهدفت أربعة منازل في جنوب لبنان، أحدها شمال الليطاني، بعد أقل من 24 ساعة على اجتماع لجنة تنفيذ مراقبة اتفاق وقف النار «الميكانيزم».

وبدا التصعيد الإسرائيلي رداً على ما سربته وسائل إعلام لبنانية بأن مهمة السفير سيمون كرم، وهو رئيس الوفد التفاوضي مع إسرائيل، تمثلت في بحث وقف الأعمال العدائية، وإعادة الأسرى، والانسحاب من الأراضي المحتلة، وتصحيح النقاط على الخط الأزرق فقط، فيما أفادت قناة «الجديد» المحلية بأن رئيس الجمهورية جوزيف عون «أكد أن لبنان لم يدخل التطبيع، ولا عقد اتفاقية سلام».

وقال الرئيس عون خلال جلسة الحكومة، مساء أمس: «من البديهي ألا تكون أول جلسة كثيرة الإنتاج، ولكنها مهدت الطريق لجلسات مقبلة ستبدأ في 19 من الشهر الحالي»، مشدداً على ضرورة أن «تسود لغة التفاوض بدل لغة الحرب».


العراق «يُصحّح خطأ» تصنيف حلفاء إيران إرهابيين

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بجانب نوري المالكي خلال مناسبة دينية في بغداد (إعلام حكومي)
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بجانب نوري المالكي خلال مناسبة دينية في بغداد (إعلام حكومي)
TT

العراق «يُصحّح خطأ» تصنيف حلفاء إيران إرهابيين

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بجانب نوري المالكي خلال مناسبة دينية في بغداد (إعلام حكومي)
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بجانب نوري المالكي خلال مناسبة دينية في بغداد (إعلام حكومي)

أثار نشر العراق، أمس (الخميس)، معلومات عن تجميد أموال «حزب الله» اللبناني، وجماعة «الحوثي» في اليمن، باعتبارهما مجموعتين «إرهابيتين»، صدمة واسعة، قبل أن تتراجع الحكومة، وتقول إنه «خطأ غير منقّح» سيتم تصحيحه.

وكانت جريدة «الوقائع» الرسمية قد أعلنت قائمة تضم أكثر من 100 كيان وشخص على ارتباط بالإرهاب، في خطوة رأى مراقبون أنها كانت ستُرضي واشنطن، وتزيد الضغط على طهران، قبل سحبها.

وأثار القرار غضب قوى «الإطار التنسيقي» الموالية لإيران؛ إذ وصف قادتها خطوة الحكومة التي يرأسها محمد شياع السوداني بأنها «خيانة»، فيما نفى البنك المركزي وجود موافقة رسمية على إدراج الجماعتين.

وقالت لجنة تجميد الأموال إن القائمة كان يُفترض أن تقتصر على أسماء مرتبطة بتنظيمي «داعش» و«القاعدة» امتثالاً لقرارات دولية، وإن إدراج جماعات أخرى وقع قبل اكتمال المراجعة.

ووجّه السوداني بفتح تحقيق، وسط جدل سياسي متصاعد حول مساعيه لولاية ثانية.

وجاءت التطورات بعد دعوة أميركية إلى بغداد لـ«تقويض الميليشيات الإيرانية»، وفي ذروة مفاوضات صعبة بين الأحزاب الشيعية لاختيار مرشح توافقي لرئاسة الحكومة الجديدة.