كيف نفهم لبنان؟

رئيسا الجمهورية جوزيف عون والبرلمان نبيه بري خلال لقائهما في بعبدا أمس (إكس)
رئيسا الجمهورية جوزيف عون والبرلمان نبيه بري خلال لقائهما في بعبدا أمس (إكس)
TT

كيف نفهم لبنان؟

رئيسا الجمهورية جوزيف عون والبرلمان نبيه بري خلال لقائهما في بعبدا أمس (إكس)
رئيسا الجمهورية جوزيف عون والبرلمان نبيه بري خلال لقائهما في بعبدا أمس (إكس)

لم يُهمل التاريخ لبنان منذ الأزل. جعل فيه الاستقرار حالة استثنائيّة، أما الفوضى واللا استقرار فهما الحالة الطبيعيّة. يقولون عنه إنه ممرّ للحضارات. كان أحرى القول إنه ممرّ الغزوات والاجتياحات، إن كان مع الإمبراطوريات القديمة والحديثة، أو حتى بعد اعتماد مبدأ الدولة - الأمة الحديثة. يقوم على «موزاييك» قاتل إذا استغلّ من الخارج، ومُبدع إذا أُحسن استغلاله داخلياً، وسمحت الظروف الخارجيّة بذلك.

من هنا، وبسبب التكرار العُنفي في تاريخ لبنان، قد يمكن استنتاج نظريّة تساعد في فهم مسار أحداثه. كما يمكن استنتاج نمط مُتكرّر لا يمكن الهروب منه على الأقلّ حتى الآن. فماذا عن النظريّة والنمط؟

نظرية الدوائر الثلاث

كل شيء يحصل في لبنان من خلال الدائرة الأكبر (النظام العالميّ). تؤثر ديناميكية الدائرة الكبرى على الدائرة الإقليميّة بشكل مباشر. بعدها تتظهّر هشاشة الواقع اللبناني في الدائرة الصغرى المحليّة، لينتج نمط على الشكل التالي: لا استقرار داخلياً، مع إمكانية الذهاب إلى حرب أهليّة. وبعد أن تستنفد الحرب الأهلية وظيفتها وفوائدها لمن أشعلها، يُفرض الحل السياسي على لبنان فرضاً، إن كان بالقوة العسكرية، أو بتوافق بين الدائرة الكبرى والدائرة الإقليميّة. هذه هي العلاقة بين الدوائر الثلاث (النظريّة) التي تنتج نمط فرض الحلول.

5 جنرالات

خمسة قادة للجيش انتخبوا رؤساء للجمهورية، أربعة منهم بشكل متتالٍ؛ وهم: إميل لحود، وميشال سليمان، وميشال عون، واليوم جوزيف عون. أما الخامس فكان اللواء فؤاد شهاب عام 1958. فما المشترك بينهم ككلّ؟

فرض اللواء شهاب، بتوافق بين جمال عبد الناصر ودوايت آيزنهاور الرئيس الأميركي آنذاك، بعد شبه حرب أهلية في لبنان عام 1958.

بعد اتفاق الطائف، انتخب الرئيس رينيه معوضّ. اغتيل معوّض لأنه لم يُرِد التعامل مع حالة تمرّد الجنرال ميشال عون بالقوة العسكريّة. انتخب الرئيس إلياس الهراوي الذي طلب رسمياً من سوريا، وعبر قرار من مجلس الوزراء اللبناني، التدخّل لضرب التمرّد العوني في بعبدا (مذكرات الهراوي).

بعد التمديد للرئيس الهراوي ثلاث سنوات، قرر الرئيس حافظ الأسد انتخاب الجنرال إميل لحوّد. والغريب بالأمر هو الاتصال الهاتفي من الرئيس الهراوي وهو عائد من الشام بالجنرال لحود ليقول له: «مبروك، أنت الرئيس».

انتخب العماد ميشال سليمان بعد غزوة بيروت من قبل «حزب الله» عام 2008، وبعد اتفاق الدوحة.

في عام 2016، انتخب العماد ميشال عون بعد فراغ دام لسنتين، وبعد إصرار «حزب الله» على انتخابه.

انتخب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية بعد فراغ دام أكثر من سنتين، وذلك بسبب إصرار «حزب الله» وحلفائه على الإتيان برئيس يطمئنون له لحماية ما يُسمّى محور المقاومة. لكن الفارق اليوم هو التحوّلات الجذرية التي حصلت في المنطقة بعد سقوط «حزب الله» العسكريّ، وأيضاً سقوط النظام السوري، كما سقوط المشروع الإيرانيّ. يُضاف إلى ذلك ما قد يحمله الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب في جعبته، والذي لا يمكن توقّعه.

قهر النظرية

هل يمكن الخروج من هذه الدوامة وقهر النظرية كما النمط؟

الجواب عن هذا السؤال صعب لكنه ليس مستحيلاً، لكن كيف؟ إن أفضل طريقة وتوقيت للخروج من هذه الدوامة، يكون في مرحلة فرض الحل على لبنان. ففي هذه المرحلة تكون كل القوى بالدوائر الثلاث متفقة على الحل. كما يكون اللبنانيون مستعدين للقبول بالحل المفروض. وعليه قد يمكن بناء دولة حامية وراعية لمواطنيها، وليست مسرحاً للاستغلال الجيوسياسيّ، أو لتصفية الحسابات، أو اعتبار لبنان أنه ورقة قوّة تُضاف إلى وسائل القوة التي يملكها من يريد السيطرة عليه.

ألا يتظهّر هذا الأمر في مشروع وحدة الساحات؟ ألا يُظهر التاريخ نوعاً من التكرار في هذه التجارب؟ ألم يبتلع لبنان منظّمة التحرير الفلسطينية؟ ألم يبتلع لبنان الهيمنة السورية؟ ألم يبتلع لبنان محور الساحات، الذي بدأ من لبنان، وانتهى فيه؟

مرحلة جديدة

يدخل لبنان مع الرئيس الجديد مرحلة جديدة. وقد يمكن اعتبار خطاب القسم الذي ألقاه على أنه خريطة طريق وفي كل الأبعاد. وهي مسار مهم للخروج من دوامة النظرية والنمط أعلاه. من هنا ضرورة الاستفادة من هذا التغيير لإعادة بناء لبنان (سويسرا الشرق). وهنا، قد يمكن اقتباس ما قاله المفكّر والمؤرّخ اللبناني الكبير فؤاد افرام البستاني، بأن وضع لبنان يتعلّق مباشرة بالمثلث المكوّن من عكا، والشام وبيروت. فإذا كانت عكا والشام قويتين، يدفع لبنان الثمن. هكذا كان الوضع خلال الحرب الأهلية عام 1975 مع الرئيس السوري حافظ الأسد، ومع مشروع هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأميركي الراحل. في تلك المرحلة، كانت عكا والشام قويتين، ليدفع لبنان الثمن. حالياً، ومع انتخاب رئيس جديد للبنان، فإن الوضع مختلف. فالشام تعيد لملمة نفسها، وعكا قويّة. أما لبنان فهو في طريق العودة إلى بناء الدولة.

تجربة الردع

في الختام قد يمكن القول إن لبنان يمتلك مكوّنات النجاح، المنافسة، وحتى بناء دولة إقليميّة قويّة، وليس بالضرورة بالبعد العسكري فقط كما كانت الحال مع وحدة الساحات، التي اعتمدت بُعد القوة العسكرية والفوضى مرتكزات أساسيّة لاستراتيجيتها الكبرى. فلبنان يملك قوّة ردع عسكرية بعد التجربة مع إسرائيل، لكن من ضمن الدولة حتماً. وهو يملك الثروات الطبيعية من نفط وغاز. وأخيراً وليس آخراً، يملك الرأسمال البشري المُميّز. فهل سيتّعظ هؤلاء ويخرجون من قوقعتهم والعودة إلى الانتماء، إلى التنوّع اللبناني الفريد من نوعه بعد تجربة مريرة وطويلة؟


مقالات ذات صلة

المشرق العربي ناقلة جنود مدرعة تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) تقوم بدورية على طول طريق الخردلي في جنوب لبنان... 17 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

«يونيفيل»: الهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان انتهاك واضح للقرار 1701

وصفت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) الهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان بأنها «انتهاكات واضحة» لقرار مجلس الأمن رقم 1701.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي السفير الأميركي لدى تركيا والمبعوث الخاص لسوريا توماس براك خلال مقابلة مع وكالة «رويترز» في بيروت - لبنان - 22 يوليو 2025 (رويترز)

براك: على لبنان أن يناقش مع إسرائيل مسألة «حزب الله»

قال المبعوث الأميركي توم براك، اليوم (الجمعة)، إنه ينبغي للبنان أن يناقش مع إسرائيل مسألة «حزب الله»، معبّراً عن أمله في ألا توسع إسرائيل هجماتها على لبنان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي الدخان يتصاعد جراء غارات إسرائيلية استهدفت منطقة النبطية في مايو 2025 (أرشيفية - إ.ب.أ)

إسرائيل تقابل الانفتاح الدبلوماسي اللبناني بغارات على الجنوب

حسمت إسرائيل الخميس التضارب في مواقف مسؤوليها حول «الجو الإيجابي» جراء المفاوضات المدنية مع لبنان، أو عزلها عن المسار العسكري.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الرئيس اللبناني جوزيف عون (رويترز)

عون: المحادثات مع إسرائيل كانت «إيجابية»... والهدف تجنُّب «حرب ثانية»

قال الرئيس اللبناني جوزيف عون، الخميس، إن المحادثات مع إسرائيل كانت «إيجابية»، وهدفها هو تجنب «حرب ثانية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)

الرئاسة العراقية تنفي علمها بقرار اعتبار «حزب الله» والحوثيين «جماعتين إرهابيتين»

مقاتلون حوثيون خلال استعراض في صنعاء باليمن 21 سبتمبر 2024 (رويترز)
مقاتلون حوثيون خلال استعراض في صنعاء باليمن 21 سبتمبر 2024 (رويترز)
TT

الرئاسة العراقية تنفي علمها بقرار اعتبار «حزب الله» والحوثيين «جماعتين إرهابيتين»

مقاتلون حوثيون خلال استعراض في صنعاء باليمن 21 سبتمبر 2024 (رويترز)
مقاتلون حوثيون خلال استعراض في صنعاء باليمن 21 سبتمبر 2024 (رويترز)

نفت رئاسة الجمهورية العراقية علمها أو مصادقتها على قرار اعتبار جماعتَي «أنصار الله (الحوثيين)»، و«حزب الله» اللبناني جماعتَين إرهابيَّتين، وتجميد الأصول والأموال العائدة إليهما.

وأكدت الرئاسة أنه «لا تُرسل مثل هذه القرارات إلى رئاسة الجمهورية، ولا يُرسل إليها للتدقيق والمصادقة والنشر سوى القوانين التي يُصوِّت عليها مجلس النواب، والمراسيم الجمهورية».

وأوضحت أن «قرارات مجلس الوزراء، وقرارات لجنة تجميد أموال الإرهابيين، وقرارات لجنة غسل الأموال، والتعليمات الصادرة عن أي جهة لا تُرسَل إلى رئاسة الجمهورية». ولفتت إلى أن الرئاسة لم تطَّلع أو تعلم بقرار اعتبار «أنصار الله»، و«حزب الله» جماعتَين إرهابيَّتين وتجميد أموالهما، إلا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.


عون يطالب وفد مجلس الأمن بالضغط على إسرائيل لتطبيق اتفاق وقف النار والانسحاب

صورة من لقاء الرئيس اللبناني جوزيف عون مع وفد من سفراء وممثلي بعثات مجلس الأمن اليوم في القصر الجمهوري في بعبدا (صفحة الرئاسة اللبنانية على «إكس»)
صورة من لقاء الرئيس اللبناني جوزيف عون مع وفد من سفراء وممثلي بعثات مجلس الأمن اليوم في القصر الجمهوري في بعبدا (صفحة الرئاسة اللبنانية على «إكس»)
TT

عون يطالب وفد مجلس الأمن بالضغط على إسرائيل لتطبيق اتفاق وقف النار والانسحاب

صورة من لقاء الرئيس اللبناني جوزيف عون مع وفد من سفراء وممثلي بعثات مجلس الأمن اليوم في القصر الجمهوري في بعبدا (صفحة الرئاسة اللبنانية على «إكس»)
صورة من لقاء الرئيس اللبناني جوزيف عون مع وفد من سفراء وممثلي بعثات مجلس الأمن اليوم في القصر الجمهوري في بعبدا (صفحة الرئاسة اللبنانية على «إكس»)

قالت الرئاسة اللبنانية، اليوم (الجمعة)، إن الرئيس جوزيف عون التقى مع وفد من سفراء وممثلي بعثات مجلس الأمن يزور البلاد، حيث دعا إلى دعم الجيش اللبناني في استكمال عمله والضغط على إسرائيل للانسحاب من الجنوب.

وذكرت الرئاسة في بيان على منصة «إكس»، أن وفد مجلس الأمن «أبدى دعمه للاستقرار في لبنان من خلال تطبيق القرارات الدولية، واستعداد الدول للمساعدة في دعم الجيش اللبناني واستكمال انتشاره وتطبيق حصرية السلاح».

وأضاف البيان أن عون أكد خلال اللقاء، التزام لبنان بتطبيق القرارات الدولية، وقال: «نحتاج إلى دفع الجانب الإسرائيلي لتطبيق وقف (إطلاق) النار والانسحاب، ونتطلع للضغط من جانبكم».

وجرى التوصل إلى هدنة بين إسرائيل وجماعة «حزب الله» في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، بوساطة أميركية، بعد قصف متبادل لأكثر من عام أشعله الصراع في قطاع غزة، لكن إسرائيل ما زالت تسيطر على مواقع في جنوب لبنان رغم الاتفاق، وتواصل شن هجمات على شرق البلاد وجنوبها.


«يونيفيل»: الهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان انتهاك واضح للقرار 1701

ناقلة جنود مدرعة تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) تقوم بدورية على طول طريق الخردلي في جنوب لبنان... 17 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)
ناقلة جنود مدرعة تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) تقوم بدورية على طول طريق الخردلي في جنوب لبنان... 17 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)
TT

«يونيفيل»: الهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان انتهاك واضح للقرار 1701

ناقلة جنود مدرعة تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) تقوم بدورية على طول طريق الخردلي في جنوب لبنان... 17 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)
ناقلة جنود مدرعة تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) تقوم بدورية على طول طريق الخردلي في جنوب لبنان... 17 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

قالت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، اليوم (الجمعة)، إنها رصدت أمس سلسلة من الغارات الجوية الإسرائيلية في منطقة عملياتها بعدد من القرى في جنوب البلاد، واصفة هذه الهجمات بأنها «انتهاكات واضحة» لقرار مجلس الأمن رقم 1701.

وحثت «يونيفيل» في بيان، الجيش الإسرائيلي على «الاستفادة من آليات الارتباط والتنسيق المتاحة له»، كما نبّهت الجهات اللبنانية إلى «مغبة أي رد فعل قد يفاقم الوضع».

كانت وسائل إعلام لبنانية أفادت، أمس (الخميس)، بأن الطيران الإسرائيلي نفّذ سلسلة غارات استهدفت منازل في بلدات محرونة وجباع وبرعشيت والمجادل بجنوب البلاد، فيما قال الجيش الإسرائيلي إنه هاجم ما وصفها بمستودعات أسلحة تابعة لجماعة «حزب الله».

قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (يونيفيل) تقوم بدورية في مرجعيون في جنوب لبنان بالقرب من الحدود مع إسرائيل... 4 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

من ناحية أخرى، ذكرت «يونيفيل» في بيانها اليوم، أن إحدى دورياتها في جنوب لبنان تعرّضت لإطلاق نار خلال الليلة الماضية، ولكن دون وقوع إصابات.

وأوضحت أن «ستة رجال على متن ثلاث دراجات نارية اقتربوا من جنود حفظ السلام أثناء دورية قرب بنت جبيل، وأطلق أحدهم نحو ثلاث طلقات نارية نحو الجزء الخلفي من الآلية، ولم يُصب أحد بأذى».

واعتبرت القوة الأممية أن «الاعتداءات على قوات حفظ السلام غير مقبولة وتمثل انتهاكات خطيرة للقرار 1701»، في إشارة إلى قرار مجلس الأمن الذي أنهى حرباً بين إسرائيل و«حزب الله» عام 2006.

وتابعت بالقول «نذكّر السلطات اللبنانية بالتزاماتها بضمان سلامة وأمن قوات حفظ السلام، ونطالب بإجراء تحقيق شامل وفوري لتقديم الفاعلين إلى العدالة».