نواف سلام لتشكيل حكومة لبنان بعد جهود قلبت «المقاييس»

«حزب الله» اتّهم الأفرقاء الآخرين بـ«الإلغاء»... وعون يتمنى «تأليفاً سلساً»

TT

نواف سلام لتشكيل حكومة لبنان بعد جهود قلبت «المقاييس»

رئيس محكمة العدل الدولية رئيس الحكومة المكلف نواف سلام (أ.ف.ب)
رئيس محكمة العدل الدولية رئيس الحكومة المكلف نواف سلام (أ.ف.ب)

يستعد الرئيس اللبناني جوزيف عون، إلى تكليف القاضي نواف سلام، رئيس محكمة العدل الدولية، بتشكيل حكومة عهده الأولى، بناءً على نتائج الاستشارات النيابية المُلزمة التي انتهت لصالحه بفارق كبير، مُحدثاً بذلك مفاجأة سياسية إيجابية في لبنان بعد 4 أيام على انتخاب رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون، الذي عُدَّ بداية لمرحلة جديدة في البلاد.

وفي خطوة لافتة، خرج الرئيس عون بعد انتهاء يوم الاستشارات الطويل إلى البهو ليثني على جهود الصحافيين. وقال في دردشة معهم: «أنجزنا الخطوة الأولى (الاستشارات والتكليف)، والخطوة التالية هي التأليف (تشكيل الحكومة)، وإن شاء الله يكون سلسلاً وينجز في أسرع وقت، لأن هناك فرصاً كثيرة في انتظارنا».

وحصل سلام، في نهاية الاستشارات التي استمرت طوال يوم الاثنين، على 85 صوتاً مقابل 9 أصوات لميقاتي، و34 «لا تسمية»، حيث أعلن مدير عام رئاسة الجمهورية أنطوان شقير، أن رئيس الجمهورية وبعدما تشاور مع رئيس مجلس النواب نبيه بري وأطلعه على نتائج الاستشارات رسمياً، استدعى القاضي نواف سلام لتكليفه، علماً أنه موجود خارج البلاد ومن المقرر أن يعود الثلاثاء.

وأتت نتيجة الاستشارات بعد ساعات عصيبة من المباحثات والاتصالات، نجحت في قلب مقاييس الموازين السياسية، وأدت إلى امتناع كتلتي «حزب الله» و«حركة أمل» عن التصويت في نهاية يوم الاستشارات الطويل، فيما اتهم رئيس كتلة الحزب النائب محمد رعد الطرف الآخر بـ«الانقلاب» على التوافق الذي تحقق في انتخاب رئيس الجمهورية، ومتهماً إياهم بـ«التقسيم والإلغاء والإقصاء»، مطالباً بـ«حكومة ميثاقية وأي حكومة تناقض العيش المشترك لا شرعية لها».

رئيس محكمة العدل الدولية رئيس الحكومة المكلف نواف سلام (أ.ف.ب)

مشاورات عصيبة

ولم يكن تقدم سلام سهلاً، إذ شهدت الاستشارات تنافساً ومعركة حقيقية بينه وبين ميقاتي الذي كانت المعلومات تشير حتى مساء الأحد، إلى تقدمه في المعركة، قبل أن تتبدّل المعطيات شيئاً فشيئاً ويتسم المشهد بالغموض طوال ساعات قبل الظهر، ومن ثم تنقلب رأساً على عقب لصالح سلام وتنتهي الاستشارات بتقدم كبير لصالحه، وذلك بأصوات المسيحيين والسُّنة والدروز، مقابل عدم تسميته من أي طرف شيعي، وهو ما رأى فيه البعض أنه قد يصعّب مهمّة سلام بتشكيل الحكومة، وما نقله بعض النواب عن رئيس الجمهورية، مشيرين إلى تخوفه من أن نكون أمام أزمة حكومية.

وبدأت الأمور تنقلب لصالح سلام منذ مساء الأحد، مع اتخاذ المعارضة قرارها بدعمه، فيما بقي موقف كثير من الكتل غير معلن حتى الساعة الأخيرة، وذلك في معركة لم يَعْتَد عليها اللبنانيون حيث كانت النتيجة لسنوات طويلة معروفة مسبقاً فيما السباق يرتكز على عدد الأصوات.

وكان موقف «الثنائي الشيعي»، (حزب الله وحركة أمل)، المؤلف من 30 نائباً، معروفاً لجهة دعم ميقاتي، فيما كانت المعارضة السابقة (30 نائباً)، وأبرزها حزب «القوات اللبنانية» و«حزب الكتائب اللبنانية» إضافةً إلى كتلة «تجدد» وتحالف التغيير» وعدد من النواب المستقلين، تدعم بشكل أساسي النائب فؤاد مخزومي، فيما أعلن عدد من النواب المستقلين دعم النائب إبراهيم منيمنة.

انسحاب منيمنة ومخزومي

لكنَّ الجهود التي بذلها بعض النواب نجحت في التوافق على انسحاب منيمنة ليلاً لصالح سلام، ليلحق به مخزومي صباحاً، وهو ما أدى إلى خلط الأوراق وزاد الأمور غموضاً. ومع استمرار الاتصالات المكثفة اتجهت الأنظار تحديداً إلى موقف «التيار الوطني الحر»، (13 نائباً)، و«اللقاء الديمقراطي»، (8 نواب)، إضافةً إلى «الاعتدال الوطني»، (6 نواب)، التي كانت مواعيدها بعد الظهر، لحسم النتيجة، بعدما كانت فترة قبل الظهر مخصصة بشكل أساسي للنواب المستقلين والكتل الصغيرة.

إرباك في أوساط «حزب الله»

كانت جولة بعد الظهر كفيلة بأن تُظهر التوافق في أوساط معارضي «حزب الله» على سلام، وهو ما انعكس إرباكاً في صفوف الحزب و«حركة أمل» التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري، وفي صفوف حلفائهما، إذ بعدما بدأت المعلومات تشير إلى توجه كل من «الحزب التقدمي الاشتراكي» و«التيار الوطني الحر» إلى تسمية سلام، عمدت كتلة «حزب الله» إلى طلب تأجيل موعدها الذي كان محدداً بعد ظهر الاثنين إلى الثلاثاء، وهو ما لم يتجاوب معه الرئيس عون، ليعود النواب ويحضروا الاستشارات كما كان مقرراً.

وكما كان متفقاً عليه فيما بين المعارضة، أعلنت «القوات اللبنانية» تسمية سلام، وقال النائب جورج عدوان، باسم الكتلة «عاد الأمل إلى كل اللبنانيين عند استماعهم إلى خطاب الرئيس لأنّه طوى صفحة مرحلة قديمة بكلّ مآسيها ومشكلاتها».

والتوجه نفسه اتخذه «اللقاء الديمقراطي»، وقال النائب تيمور جنبلاط باسم الكتلة: «باركنا للرئيس جوزيف عون ونحن خلفه كحزب في أي خطوة، وسمّينا نواف سلام».

وأشارت المعلومات إلى أن رئيس «الحزب التقدمي السابق» وليد جنبلاط، اتصل برئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعد الظهر معتذراً عن عدم تسميته، بعدما كانت المعلومات تشير إلى توجّه «الاشتراكي» إلى دعمه.

وسمّت أيضاً كتلة «الاعتدال الوطني» التي تضم نواباً سُنة، سلام. كذلك، سمّى «التيار الوطني الحر» الذي كان قد رفض انتخاب الرئيس جوزيف عون، سلام وأعلن رئيسه النائب جبران باسيل، بعد الاجتماع بالرئيس عن ذلك، قائلاً: «إننا نرى فيه وجهاً إصلاحياً، وتابعنا عن قرب مواقفه لجهة حماية لبنان من إسرائيل».

رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل بعد تسمية نواف سلام لتأليف الحكومة (رويترز)

وأعلن النائب إبراهيم كنعان باسم «اللقاء التشاوري النيابي المستقل» تسمية سلام، على غرار كتلة «حزب الكتائب اللبنانية»، التي قال رئيسها النائب سامي الجميل: «الرئاسة كانت تحت الوصاية مثل لبنان كله. أما اليوم فالرئاسة تعود رمزاً لسيادة لبنان واستقلاله»، وتمنى «أن يفهم الجميع أنّ الإقصاء ممنوع، وجميعنا يجب أن نكون شركاء في بناء لبنان الجديد».

وامتنع «التكتل الوطني المستقل» الذي يضم النواب طوني فرنجية وفريد هيكل الخازن وملحم طوق، عن تسمية أي شخصية.

في المقابل سمى سلام أيضاً النائب عماد الحوت (الجماعة الإسلامية) وكتلة «التوافق الوطني» التي تضم النواب فيصل كرامي وعدنان طرابلسي وطه ناجي ومحمد يحيى وحسن مراد ونواف سلام.

بدورها سمّى سلام كل من «كتلة التغيير» التي تضم النواب ميشال دويهي ووضاح الصادق ومارك ضو، وكتلة «تجدد» التي تحدّث باسمها النائب فؤاد مخزومي الذي كان قد انسحب لصالح سلام معتبراً أنه «يجب أن يشكّل انتخاب عون حداً فاصلاً بين مرحلة وأخرى، ويجب أن يطوي صفحة التعطيل والفراغ وانحلال الدولة ومؤسساتها».

«حزب الله»

وفي الساعة الأخيرة للاستشارات، التقى وفد «حزب الله» الرئيس عون، وشنّ بعدها رئيس الكتلة النائب محمد رعد، هجوماً على معارضيه. وقال: «لقاؤنا مع رئيس الجمهورية كان من أجل الإعراب عن أسفنا لمن يريد أن يخدش إطلالة العهد التوافقية»، مضيفاً: «مرة جديدة يكمن البعض من أجل التفكيك والتقسيم والإلغاء والإقصاء تعمداً وكيديةً».

وأوضح: «خطونا خطوة إيجابية عند انتخاب رئيس الجمهورية وكنا نأمل أن نلاقي اليد التي لطالما تغنت بذلك وإذ بها قُطعت»، وأكد أن «من حقنا أن نطالب بحكومة ميثاقية، وأي حكومة تناقض العيش المشترك لا شرعية لها».

وقال: «سنراقب ونمضي بكل هدوء وحكمة، وسنرى أفعالهم من أجل إخراج المحتل من أرضنا واسترجاع الأسرى وإعادة الإعمار والتطبيق الصحيح لـ1701 بما يحفظ الوحدة الوطنية».

رئيس كتلة «حزب الله» النائب محمد رعد (أ.ف.ب)

كذلك، امتنعت كتلة «التنمية والتحرير» عن تسمية أحد، وتحدث باسمها النائب أيوب حميد، بعد لقاء الكتلة مع الرئيس عون برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري: «الكتلة لم تُسمِّ أحداً انطلاقاً من مبدأ أنه لا يجوز أن يكون هناك تناقض بين الميثاق والعيش المشترك الحقيقي»، فيما غادر بري من دون الإدلاء بأي تصريح.

رئيس البرلمان نبيه بري بعد لقائه رئيس الجمهورية جوزيف عون في نهاية الاستشارات النيابية المُلزمة لتكليف رئيس للحكومة (رويترز)

الجولة الأولى

كانت الاستشارات في فترة قبل الظهر التي التقى خلالها الرئيس عون 21 نائباً، قد انتهت بتقدم سلام على ميقاتي بحصول الأول على 12 صوتاً، والثاني على 7 أصوات، فيما امتنع نائبان عن التصويت هما نائب رئيس البرلمان إلياس بوصعب والنائب جميل السيد.

وبدأت الجولة الأولى من الاستشارات مع نائب رئيس مجلس النواب إلياس بوصعب بعدما قرر رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي كانت الاستشارات ستبدأ معه، أن يترأس وفد «كتلة التنمية والتحرير» بعد الظهر.

وقال بوصعب، بعد لقائه الرئيس عون، إن الأخير أكد له «انفتاح مختلف الدول على لبنان»، مضيفاً: «لدينا قلق من أن نذهب إلى اختلاف عمودي جديد، وكسر فريق على حساب آخر في رئاسة الحكومة، وهذا لن يسهّل بداية العهد، مما سيؤدي بنا إلى أزمة».

من جهته، وإثر لقائه رئيس الجمهورية، قال النائب إبراهيم منيمنة، الذي انسحب من الترشح لصالح سلام، إن «المرحلة تأسيسية وانتقالية». وقال: «آثرنا بعد نقاش مع فريقنا أن ننسحب لصالح نواف سلام لنؤمِّن التوافق للوصول إلى ترجمة العناوين السياسية التي كنا نطمح إليها. كل الثقة بشخصه أن ينفّذ هذه العناوين. سميتُ نواف سلام، وهي فرصة يجب عدم تضييعها».

مهمة التأليف بعد التكليف

ولا يعني تكليف رئيس جديد تشكيل حكومة أنّ ولادتها باتت قريبة. وغالباً ما استغرقت هذه المهمة أسابيع أو حتى أشهُراً، بسبب الانقسامات السياسية والشروط والشروط المضادّة في بلد يقوم نظامه على مبدأ المحاصصة، رغم أن هناك أفرقاء لبنانيين يرون أن مهمة التأليف لم تكن صعبة هذه المرة انطلاقاً من الوقائع والمعطيات السياسية والخارجية التي تؤكد ضرورة المضي قدماً في مرحلة التغيير.


مقالات ذات صلة

لودريان يواصل لقاءاته في بيروت لتثبيت وقف إطلاق النار

المشرق العربي رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع الموفد الفرنسي جان إيف لودريان (رئاسة البرلمان)

لودريان يواصل لقاءاته في بيروت لتثبيت وقف إطلاق النار

استكمل الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان لليوم الثاني على التوالي لقاءاته في بيروت.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عناصر من الجيش اللبناني يواجهون معتصمين يرفعون أعلام «حزب الله» على طريق المطار حيث نفذوا في فبراير الماضي تحركات رفضاً لقرار لبنان عدم استقبال طائرة إيرانية (الشرق الأوسط)

ذكرى سقوط الأسد تعيد التوتر إلى لبنان

لا تزال الارتدادات السورية تجد طريقها إلى الشارع اللبناني وتتحول أحياناً إلى احتكاك أو توتر في مناطق شديدة الحساسية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جنود من الجيش اللبناني في بلدة علما الشعب الحدودية نوفمبر الماضي (رويترز) play-circle

هل يدفع مسار التفاوض إسرائيل إلى تبريد جبهة لبنان؟

منذ تكليف السفير السابق سيمون كرم ترؤس الوفد اللبناني في لجنة «الميكانيزم»، شهد جنوب لبنان تبدّلاً لافتاً تمثل بوقف إسرائيل الاغتيالات مع تفاوت في التصعيد.

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي الرئيس اللبناني جوزيف عون لدى وصوله إلى سلطنة عمان حيث كان باستقباله السلطان هيثم بن طارق ووفد رسمي (الرئاسة اللبنانية)

الرئيس اللبناني من عمان: السلطنة تضطلع بدور حكيم إقليمياً ودولياً

وصل الرئيس اللبناني جوزيف عون إلى سلطنة عمان حيث كان باستقباله السلطان هيثم بن طارق ووفد رسمي.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
تحليل إخباري خريطة انتشار النفوذ العسكري الأمني في سوريا لعام 2025 (مركز «جسور»)

تحليل إخباري ماذا تقول خريطة النفوذ العسكري في سوريا بعد عام على التحرير؟

شهدت خريطة السيطرة في سوريا منذ أواخر عام 2024 تحولاً جذرياً أنهى مرحلة جيوسياسية استقرّت ملامحها منذ عام 2020.

«الشرق الأوسط» (لندن)

توقيف طيار كان عضواً في لجنة اقترحت رمي البراميل المتفجرة على السوريين

العميد فائق مياسة المتورط باستخدام البراميل المتفجرة ضد السوريين (الداخلية السورية)
العميد فائق مياسة المتورط باستخدام البراميل المتفجرة ضد السوريين (الداخلية السورية)
TT

توقيف طيار كان عضواً في لجنة اقترحت رمي البراميل المتفجرة على السوريين

العميد فائق مياسة المتورط باستخدام البراميل المتفجرة ضد السوريين (الداخلية السورية)
العميد فائق مياسة المتورط باستخدام البراميل المتفجرة ضد السوريين (الداخلية السورية)

ألقت قوى الأمن الداخلي في اللاذقية القبض على العميد الطيار فائق أيوب مياسة الذي كان عضواً في اللجنة العسكرية لدى النظام البائد، التي اقترحت استخدام البراميل المتفجرة في بداية الثورة ضد الشعب السوري الأعزل.

ونقلت وكالة «سانا» الرسمية، عن قائد الأمن الداخلي في محافظة اللاذقية، العميد عبد العزيز الأحمد، أن وحدات مديرية الأمن الداخلي في منطقة الحفة، بالتعاون مع فرع مكافحة الإرهاب، نفذت عملية أمنية نوعية، بعد رصد وتتبع دقيق استمر عدة أيام، أسفرت عن إلقاء القبض على العميد الركن الطيار فائق أيوب مياسة المتحدر من قرية لقماني في ريف اللاذقية.

وأشار الأحمد إلى أن مياسة تدرج في المناصب العسكرية، حيث تخرج برتبة ملازم طيار، وعمل في مطار حماة العسكري عام 1982، وعُيّن قائد أركان للواء 63 في مطار تفتناز العسكري بداية الثورة السورية، وتولى مهام تحديد بنك الأهداف بالاشتراك مع غرفتي العمليات الجوية والبرية، الواقعتين في معسكر المسطومة بريف إدلب، لتستهدف تلك المواقع لاحقاً بالطيران المروحي.

برميل أسقطه النظام السوري في بلدة إنخل في درعا جنوب سوريا (أرشيف - رويترز)

وأقر مياسة خلال التحقيقات الأولية بأنه كان عضواً في اللجنة العسكرية التي اقترحت استخدام البراميل المتفجرة في بداية الثورة، كما تولّى مسؤولية تحديد عدد من المواقع في مختلف المحافظات؛ لاستهدافها بالبراميل المتفجرة والألغام البحرية.

وأكد قائد الأمن الداخلي باللاذقية الالتزام ببذل قصارى الجهد لسوق كل مجرم تلطخت يداه بدماء الأبرياء إلى العدالة؛ لضمان محاسبته وفقاً للقانون.

وتأتي هذه العملية في إطار جهود وزارة الداخلية والجهات المعنية في ملاحقة ومحاسبة مسؤولي النظام البائد المتورطين بارتكاب جرائم وانتهاكات بحق الشعب السوري، انطلاقاً من تطبيق العدالة الانتقالية، وضمان حقوق الضحايا وأسرهم، وعدم إفلات أي مجرم من المساءلة.


تحركات إسرائيلية لفرض منطقة عازلة جديدة في غزة

جندي إسرائيلي يقف وسط الأنقاض في رفح جنوب قطاع غزة يوم الاثنين (رويترز)
جندي إسرائيلي يقف وسط الأنقاض في رفح جنوب قطاع غزة يوم الاثنين (رويترز)
TT

تحركات إسرائيلية لفرض منطقة عازلة جديدة في غزة

جندي إسرائيلي يقف وسط الأنقاض في رفح جنوب قطاع غزة يوم الاثنين (رويترز)
جندي إسرائيلي يقف وسط الأنقاض في رفح جنوب قطاع غزة يوم الاثنين (رويترز)

أظهرت تحركات ميدانية إسرائيلية متواصلة، سعياً لفرض منطقة عازلة جديدة في قطاع غزة بعمق يقارب 3 كيلومترات غرب الأصفر الذي يفصل بين مناطق سيطرة الاحتلال (شرق الخط الأصفر)، والمواقع التي تعمل فيها حركة «حماس» (غرب الخط).

ووفق مصادر ميدانية في الفصائل الفلسطينية في غزة، فإن إسرائيل تسابق الزمن قبل الانتقال للمرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، عبر تثبيت حقائق ميدانية جديدة على الأرض عبر نسف المنازل وتسوية الأراضي بما يسمح لها بكشف المنطقة التي تريد أن تصبح منطقة عازلة جديدة في القطاع.

وتتوافق تلك التطورات الميدانية، مع تصريحات رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير، الأحد الماضي، من داخل قطاع غزة خلال تفقده قواته، إذ قال إن «الخط الأصفر يشكل خط حدود جديداً، وخط دفاع متقدماً للمستوطنات، وخط هجوم».

خريطة لمراحل الانسحاب من غزة وفق خطة ترمب (البيت الأبيض)

لكن القيادي في «حماس» حسام بدران، رأى أن تصريحات رئيس الأركان الإسرائيلي «تكشف بوضوح عدم التزام الاحتلال ببنود اتفاق وقف إطلاق النار»، ومشيراً إلى أن «مواصلة هدم منازل الفلسطينيين داخل الخط الأصفر تمثل امتداداً للأعمال العسكرية التي كان يفترض أن تتوقف منذ اليوم الأول للاتفاق».

وأكد بدران، في تصريحات لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، الثلاثاء، أن الحركة تشترط وقف الخروقات الإسرائيلية قبل بدء المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، مع دعوتها الوسطاء للضغط على إسرائيل.

السيطرة على شارع صلاح الدين

وشرح أحد المصادر من الفصائل لـ«الشرق الأوسط» أن ما تم رصده مؤخراً بشأن نطاق العمل الإسرائيلي في مواقع مختلفة من القطاع بات يؤكد أن «المخطط الحقيقي هو السيطرة على مسافة تقارب 3 كيلومترات من حدود مستوطنات غلاف غزة ما قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وحتى شارع صلاح الدين الرئيس، وتحديداً قبالة خان يونس، ومدينة غزة وصولاً إلى حدود جباليا وبيت لاهيا».

وشارع صلاح الدين طريق حيوي ورئيسي، ويمتد من شمال القطاع إلى جنوبه، وكانت مسألة السيطرة عليه ذات أهمية عسكرية كبرى خلال الحرب الإسرائيلية على القطاع، وركزت التحركات الإسرائيلية على قطعه بمحاور مختلفة.

شارع صلاح الدين في قطاع غزة

وذكر المصدر أن مدينتي رفح (أقصى جنوب غزة) وبيت حانون (أقصى الشمال)، محتلتان بالكامل، وفي حال انسحبت إسرائيل منهما، فإنها ستتركهما مدمرتين تماماً، وتواصل حالياً الإجهاز على ما تبقى فيهما.

وتقول مصادر ميدانية لـ«الشرق الأوسط»، إن القوات الإسرائيلية تهدف من خلال الاستهدافات المتكررة يومياً دون توقف، سواء بالتقدم براً أم عمليات القصف الجوي والمدفعي والنسف وغيرها، إشعار السكان الذين يحاولون العودة بالقرب من الخط الأصفر، بعدم قدرتهم على البقاء في تلك المناطق وأن حياتهم ستبقى في خطر دائم، وأنهم يجب أن يبقوا في عمق المناطق الغربية للقطاع من دون أن يتقدموا أكثر من ذلك.

منطقة عازلة أعمق

وقبيل الحرب الأخيرة، كانت المنطقة العازلة بين مستوطنات غلاف غزة والقطاع تصل إلى نحو 300 متر فقط من السياج، وفي بعض المناطق تكون أقل في ظل اعتماد القوات الإسرائيلية على أدوات تكنولوجية لكشف أي خطر، الأمر الذي أسهم، وفق بعض التقديرات، في تمكين «حماس» من الهجوم المباغت في السابع من أكتوبر.

وحسب المصادر، تسعى القوات الإسرائيلية حالياً إلى تثبيت سيطرتها الأمنية داخل قطاع غزة، من خلال إظهار قدرتها على توسيع المنطقة العازلة لتصل إلى مسافة شاسعة عبر استخدام وسائل تكنولوجية، وبما «يسمح لها لاحقاً بتثبيت قواعد إطلاق نار جديدة والتعامل مع أي هدف يتحرك في تلك المناطق، وبما يحرم السكان من العودة إليها لاحقاً حتى لو انسحبت إلى مساحات أخرى».

وقال مصدر إن «إسرائيل ستسيطر على تلك المنطقة العازلة الجديدة نارياً عن بُعد، وقد تقوم بعمليات مباغتة عبر قوات خاصة تنصب كمائن فيها، أو من خلال عمليات توغل برية من حين إلى آخر بالتقدم والتراجع كما تفعل حالياً بهدف إشعار السكان بعدم وجود أي أمان بوجودهم في تلك المناطق».

تمركزات استراتجية جديدة

وبينت المصادر أن القوات الإسرائيلية حالياً لا تتمركز عند الخط الأصفر تماماً، وهي في حالة حركة مستمرة، تارةً بالتقدم إلى خارجه وتوسيع سيطرتها، وأخرى عبر التراجع إلى مناطق بعيدة أو من خلال التنقل من مكان إلى آخر بما يسمح لها بتجريف مساحات جديدة، أو وضع عربات مفخخة ثم تفجيرها بتلك المناطق.

وأشار أحد المصادر، وهو في منطقة قريبة من وسط قطاع غزة إلى أن القوات الإسرائيلية تحافظ على مسافات معينة في وسط القطاع «ولم تتقدم فيها بشكل كبير حتى الآن، وتحافظ على وجودها عند الخط الأصفر بنسب متفاوتة»، مرجحاً «حفاظها على قوة نارية عند الضرورة».

جنديان إسرائيليان في رفح جنوب قطاع غزة يوم الاثنين (رويترز)

وقال المصدر إن القوات الإسرائيلية تلجأ إلى استحداث مواقع عسكرية في مناطق استراتيجية ذات طبيعة جغرافية مرتفعة لكشف مساحات كبيرة، كما هي الحال في جبل الصوراني شرق حي التفاح لكشف مناطق واسعة من الحي ومناطق قرب جباليا (شمال غزة)، إلى جانب تلة المنطار التي تكشف حيي الشجاعية والزيتون.

وكشفت المصادر أن القوات الإسرائيلية استحدثت، الأحد الماضي، موقعاً استراتيجياً جديداً على تبة الظهرة، بمنطقة معن شرق خان يونس (جنوب القطاع) يكشف غالبية المدينة بما فيها أجزاء من غربها، ما يظهر سيطرتها الأمنية على غالبية هذه المناطق.

وتسمح هذه المرتفعات العالية، للقوات الإسرائيلية بكشف أي تحركات، وإطلاق النار يومياً تجاه أقرب نقاط ممكنة خاصةً عند شارع صلاح الدين الذي تخطط تلك القوات ليكون بداية المنطقة العازلة بالنسبة لها، كما تشرح المصادر.

ترمب يضغط

وأظهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، عزمه على المضي قدماً في المرحلة الثانية من خطته في قطاع غزة، بما قد يشمل تنفيذ إسرائيل انسحابا ثانياً محتملاً، بحسب صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، وذلك على الرغم من محاولة إسرائيل جعل الخط الأصفر الحالي حدوداً جديدة لغزة.

وقال المحلل العسكري في «هآرتس» عاموس هارئيل إن «ترمب يعتزم إجبار الأطراف على الانتقال إلى المرحلة التالية، والتي قد تشمل انسحاباً إسرائيلياً إضافياً من القطاع».

ويقدر هارئيل أن ترمب سيضغط نحو اتفاق ينشر بموجبه الجيش الإسرائيلي قواته على مقربة من الحدود في مساحة أقل، لكنه لأكد ان ذلك سيكون رهن بنتائج لقاء ترمب برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتيناهو نهاية الشهر الحالي.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الكنيست بالقدس يوم 13 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)

وقالت مصادر عسكرية لـ«هيئة البث الإسرائيلي» (كان) إن الجيش سيبقى متمركزاً على امتداد هذا الخط خلال المرحلة الثانية أيضاً، مع قدرة مراقبة وسيطرة نارية على عموم القطاع دون العودة إلى إدارة شؤون سكانه.

وبحسب المصادر، فإن الانتشار الجديد يحقق لإسرائيل تفوقاً ميدانياً دون تحمل أعباء مدنية تتعلق بالغذاء والمياه والدواء والخدمات الصحية. ووصف مصدر عسكري هذه الصيغة بأنها «إنجاز عملياتي كبير».

لكن التقييم في إسرائيل بحسب محادثات ورسائل أميركية نُقلت إلى تل أبيب أن ترمب لن يوافق على ذلك، وسيطلب من الجيش تنفيذ انسحاب ثاني بحسب خطته.

وأكدت «القناة 12» الإسرائيلية، أن ترمب بدأ فعلاً بزيادة الضغط للانتقال إلى المرحلة الثانية من خطته لإنهاء الحرب في قطاع غزة. وبحسب القناة فإن نتنياهو الذي سيلتقي ترمب سيكون أمام اختبار بعدما عقد زامير مهمته. وأضافت: «عرض زامير احتياجات إسرائيل الأمنية قبل التقدم في الاتفاق، ووضع رئيس الوزراء نتنياهو في مأزق مع الرئيس ترمب».


3 قذائف تستهدف محيط مطار المزة بدمشق... ولا إصابات

تصاعد الدخان بعد غارات جوية إسرائيلية على دمشق في الصيف الماضي (رويترز)
تصاعد الدخان بعد غارات جوية إسرائيلية على دمشق في الصيف الماضي (رويترز)
TT

3 قذائف تستهدف محيط مطار المزة بدمشق... ولا إصابات

تصاعد الدخان بعد غارات جوية إسرائيلية على دمشق في الصيف الماضي (رويترز)
تصاعد الدخان بعد غارات جوية إسرائيلية على دمشق في الصيف الماضي (رويترز)

ذكرت قناة «الإخبارية السورية» التلفزيونية مساء اليوم الثلاثاء أن قذائف «مجهولة المصدر» سقطت في محيط مطار المزة في العاصمة دمشق، من دون أن تسفر عن أي إصابات.

إلى ذلك، كشف مصدر عسكري للوكالة السورية عن «استهداف محيط مطار المزة العسكري بدمشق بـ3 قذائف دون وقوع إصابات أو أضرار مادية». وأوضحت الوكالة: «الجهات المختصة انتشرت في محيط مطار المزة العسكري وبدأت التحقيقات لتحديد مصدر القذائف».

وذكرت «رويترز» في نوفمبر (تشرين الثاني) أن الولايات المتحدة تعتزم تأسيس وجود عسكري في قاعدة جوية بدمشق للمساعدة في تهيئة الظروف لاتفاقية أمنية تتوسط فيه بين سوريا وإسرائيل.

وتقع القاعدة الجوية عند مدخل أجزاء من جنوب سوريا يُتوقع أن تشكل منطقة منزوعة السلاح في إطار اتفاقية عدم اعتداء مستقبلي بين إسرائيل وسوريا.

ونقلت «سانا» في ذلك الوقت عن مصدر في وزارة الخارجية السورية نفيه ما ورد في تقرير «رويترز»، قائلا «لا صحة لما نشرته وكالة رويترز عن القواعد الأميركية في سوريا».

وتتوسط الولايات المتحدة بين سوريا وإسرائيل لخفض التوتر والتوصل إلى اتفاقية أمنية تأمل دمشق أن يفضي إلى التراجع عن عمليات الاستيلاء التي نفذتها إسرائيل على أراضيها في الآونة الأخيرة.