المسار الدستوري لانتخاب عون رئيساً للبنان

قائد الجيش العماد جوزف عون (رويترز)
قائد الجيش العماد جوزف عون (رويترز)
TT

المسار الدستوري لانتخاب عون رئيساً للبنان

قائد الجيش العماد جوزف عون (رويترز)
قائد الجيش العماد جوزف عون (رويترز)

في الوقت الذي يتصدر فيه قائد الجيش العماد جوزف عون السباق الرئاسي راهناً، تخرج أصوات تنبه إلى أن انتخابه سيكون غير دستوري بوصفه يتولى وظيفة «فئة أولى»؛ مما يوجب، وفق الدستور، استقالته قبل عامين من انتخابه. إلا إن سابقة انتخاب العماد ميشال سليمان في عام 2008، الذي كان حينها أيضاً قائداً للجيش، تجعل المتحمسين لانتخاب عون يتكئون على المبررات التي قُدمت في وقته ليعيدوا التذكير بها اليوم.

وعدّ رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، وقتها أن تصويت أكثر من 86 نائباً لسليمان يعني تلقائياً أن انتخابه دستوري؛ لأن تعديل الدستور يتطلب تصويت 86 نائباً لمصلحة أي تعديل.

موقف متشدد من باسيل

إلا إن رئيس «التيار الوطني الحر»، النائب جبران باسيل، لا يزال يؤكد أن انتخاب عون غير دستوري وفق هذه الآلية. وقد شدد في آخر إطلالة له على أن «تعديل الدستور يتطلب وجود رئيس للجمهورية، ووجود عقد عادي لمجلس النواب، وأيضاً وجود حكومة كاملة الصلاحيات، وأيضاً يتطلب ثلثي مجلس النواب بمرحلة أولى، وبالمرحلة الثانية 3 أرباع المجلس النيابي»، عادّاً أنه «دستورياً لا يمكن أن يتحدث أحد معنا بدولة القانون والمؤسسات ويخالف الدستور بانتخاب الرئيس».

ويتكئ باسيل على قراءة دستورية تقول إن المادتين «76» و«77» تشيران إلى أن إعادة النظر في الدستور تحدث إما بناء على اقتراح رئيس الجمهورية فتقدم الحكومة مشروع القانون إلى مجلس النواب، وهو أمر غير متاح راهناً بسبب غياب الرئيس، وإما بناء على طلب مجلس النواب، على أن يكون المجلس منعقداً انعقاداً عادياً، وهو أمر غير متوافر مع انتهاء الانعقاد العادي بنهاية ديسمبر (كانون الأول).

ما صح على سليمان يصح على عون

لكن في المقابل، يعدّ الخبير الدستوري المحامي الدكتور سعيد مالك أنه «في الدورة الأولى من جلسة انتخاب رئيس يفترض على العماد عون وغيره من المرشحين أن ينال 86 صوتاً؛ أي أكثرية الثلثين، وهذا أمر مسلم به»، لافتاً إلى أنه «خلال الدورة الثانية في حال نال عون أكثر من 86 صوتاً، فحكماً يعلن رئيساً ولا تشوب العملية الانتخابية عندها أي شائبة. أما في حال حصل على ما بين 64 و86 صوتاً، أي فاز بالغالبية المطلقة، فعندها يفترض على رئيس مجلس النواب أن يجتمع مع (مكتب هيئة المجلس)؛ لأن هذه الهيئة، عملاً بأحكام المادة (8) من النظام الداخلي لمجلس النواب، هي التي تنظر في المحاضر والاعتراضات التي يمكن أن ترد عليها، وعلى عملية الانتخاب، فيعلن بعدها الرئيس بري فوز العماد عون بالرئاسة؛ لأن صلاحية تفسير الدستور هي صلاحية (الهيئة العامة لمجلس النواب)، وليست صلاحية شخصية لرئيس المجلس، وبالتالي، فإن تصويت أكثر من 64 نائباً لمصلحة عون يعني أن (الهيئة العامة) صوتت بأكثرية مطلقة للعماد عون تخوله تسلم زمام قيادة البلاد». ويشير مالك في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن السيناريو الثاني «يفتح الباب واسعاً للطعن أمام المجلس الدستوري من قبل 43 نائباً ضمن مهلة 24 ساعة، على أن يبتّ المجلس الدستوري في هذا الطعن خلال مهلة 3 أيام».

ويستهجن مالك القول إن ما صح مع ميشال سليمان لا يمكن أن يصح مع جوزف عون بوصف انتخاب الأول أتى نتيجة اتفاق كبير وقعت عليه كل القوى السياسية في الدوحة، مشدداً على أن هذا القول «هرطقة دستورية مرفوضة؛ لأننا اليوم في الظروف نفسها والأفعال والأوضاع متشابهة، والدستور هو هو ولم يعدَّل منذ عام 2008، وبالتالي ما طُبق في وقته يفترض تطبيقه اليوم».

وتنص «المادة 49» من الدستور اللبناني على أنه يُمنع انتخاب موظفي الفئة الأولى «مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعلياً عن وظيفتهم»، كذلك، استناداً إلى قانون الانتخاب بالنسبة إلى العسكري، الذي يشترط مرور 6 أشهر على تركه الخدمة.

«تجاوزاً للمهلة»

ويوضح المحامي الدكتور بول مرقص، رئيس مؤسسة «JUSTICIA» الحقوقية في بيروت، خلال تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «مجلس النواب لجأ في انتخابات عام 2008 إلى الإفادة من المادة الدستورية رقم (74) للتنصل من تعديل (المادة 49)، حيث عدّ أن ما حصل مع العماد ميشال سليمان كان (تجاوزاً للمهلة)، أي الأشهر الستة التي تفرض استقالة قائد الجيش، أو سواه من العسكريين، من منصبه قبل الانتخابات، وأن هذه المدة سقطت نتيجة الخلاء الحاصل في منصب الرئاسة بعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود عام 2007، وبالتالي بالطريقة عينها التي عُدّت بها الظروف الانتخابية للعماد ميشال سليمان (تجاوزاً للمهلة)، وبالتالي مسقطة لشرط المهلة نتيجة الخلاء الرئاسي، يمكن القول إن الأمر ينسحب على انتخاب العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية».

تنوع في الأصوات؟

وبشأن ما إذا كان يصح انتخاب العماد عون من دون أي صوت شيعي، فيقول سعيد مالك: «هذا أمر لا يمكن التأكد منه؛ لأن الاقتراع في نهاية المطاف سري، وبالتالي لا يمكن القول إنه حصل أو لم يحصل على أصوات متنوعة المذاهب والطوائف أو من طرف أو فريق واحد. وحتى لو سلمنا جدلاً بأنه جرى التأكد من أنه لم يحصل على أي صوت شيعي، فهذا لا يغير في المعادلة شيئاً؛ لأن الدستور لم يشترط أن يكون فوز المرشح عبارة عن التصويت له من قبل خليط من المذاهب والأديان».


مقالات ذات صلة

لبنان مُصِرُّ على «الانسحاب الإسرائيلي الكامل» من أراضيه

المشرق العربي الرئيس اللبناني جوزيف عون مستقبلاً نظيره القبرصي نيكوس خريستودوليدس (إ.ب.أ)

لبنان مُصِرُّ على «الانسحاب الإسرائيلي الكامل» من أراضيه

بدأت الحركة السياسية بالقصر الرئاسي في بعبدا، الجمعة، باكراً، باجتماعات عقدها رئيس الجمهورية جوزيف عون وتلقيه اتصالات وبرقيات تهنئة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي (د.ب.أ)

ميقاتي إلى دمشق لتدشين العلاقة الرسمية مع القيادة الجديدة

يتوجّه رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي إلى دمشق، السبت، للقاء قائد الإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الرئيس جوزيف عون وزوجته نعمت نعمة في القصر الرئاسي في بعبدا (أ.ف.ب)

اليوم «الرئاسي» الأول لجوزيف عون اعتذار عن عدم استقبال المهنئين... «الوقت للعمل»

حضر رئيس الجمهورية جوزيف عون صباح الجمعة باكراً إلى القصر الرئاسي في بعبدا (جبل لبنان) حيث عادت الحياة إليه بعد الفراغ في سدة الرئاسة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون (رويترز)

لبنان: عون تفهّم هواجس «الثنائي» فرجحت كفة انتخابه

يستعد لبنان مع انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية للدخول في مرحلة سياسية جديدة تواكب التحولات التي شهدتها المنطقة.

محمد شقير (بيروت)

إسرائيل تريد الاحتفاظ بمجالي «سيطرة» و«نفوذ» في عمق سوريا

سيارة جيب إسرائيلية الجمعة في المنطقة العازلة على الحدود بين إسرائيل وسوريا بالقرب من قرية مجدل شمس الدرزية في مرتفعات الجولان التي ضمتها إسرائيل (إ.ب.أ)
سيارة جيب إسرائيلية الجمعة في المنطقة العازلة على الحدود بين إسرائيل وسوريا بالقرب من قرية مجدل شمس الدرزية في مرتفعات الجولان التي ضمتها إسرائيل (إ.ب.أ)
TT

إسرائيل تريد الاحتفاظ بمجالي «سيطرة» و«نفوذ» في عمق سوريا

سيارة جيب إسرائيلية الجمعة في المنطقة العازلة على الحدود بين إسرائيل وسوريا بالقرب من قرية مجدل شمس الدرزية في مرتفعات الجولان التي ضمتها إسرائيل (إ.ب.أ)
سيارة جيب إسرائيلية الجمعة في المنطقة العازلة على الحدود بين إسرائيل وسوريا بالقرب من قرية مجدل شمس الدرزية في مرتفعات الجولان التي ضمتها إسرائيل (إ.ب.أ)

تخطط إسرائيل للاحتفاظ بمجالي «سيطرة» (احتلال) و«نفوذ» (استخباراتي) في الأراضي السورية، وفق مفهوم عملياتي جديد يسعى المسؤولون الأمنيون لبلورته، للتعامل مع الواقع الجديد الذي نشأ عقب سقوط نظام بشار الأسد.

وقال مسؤولون إسرائيليون إن تل أبيب تحتاج للاحتفاظ بمنطقة سيطرة عازلة بعمق 15 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، بهدف التأكد من أن حلفاء النظام الجديد والموالين له لن يتمكنوا من إطلاق صواريخ صوب هضبة الجولان، كما تحتاج إلى مجال نفوذ يمتد لمسافة 60 كيلومتراً داخل سوريا، يسمح بسيطرة استخباراتية، بهدف مراقبة ومنع ظهور تهديدات أمنية محتملة.

والخطة الإسرائيلية التي كشفت عنها صحيفة «يديعوت أحرونوت» جاءت بعد أيام من تأكيد مسؤولين إسرائيليين أن الجيش الإسرائيلي لن يسحب قواته من المنطقة العازلة الحدودية والجانب السوري من جبل الشيخ، بعدما طلب أحمد الشرع، قائد الإدارة السورية الجديدة، من الولايات المتحدة أن تطلب من إسرائيل سحب قواتها من هناك، بحسب هيئة البث الإسرائيلية «كان». وقال مسؤولون إسرائيليون لهيئة البث إنهم لم يتلقوا أي طلب رسمي بهذا الشأن، مؤكدين أن وجود الجيش الإسرائيلي على الحدود وعبرها ضروري لحماية أمن إسرائيل.

وكانت إسرائيل سيطرت فوراً بعد الإطاحة بنظام الأسد، الشهر الماضي، على المنطقة العازلة، التي أنشئت بموجب اتفاقية فصل القوات مع سوريا بعد حرب «يوم الغفران»، كما استولت أيضاً على جبل الشيخ.

وخلال زيارة قام بها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في وقت لاحق إلى جبل الشيخ، قال من هناك: «سنبقى في هذا المكان المهم حتى يتم التوصل إلى ترتيب آخر يضمن أمن إسرائيل. وسنحدد الترتيب الأفضل الذي يضمن أمننا».

جنود إسرائيليون الجمعة بجوار دباباتهم في المنطقة العازلة على الحدود بين إسرائيل وسوريا بالقرب من قرية مجدل شمس الدرزية في مرتفعات الجولان التي ضمتها إسرائيل (إ.ب.أ)

وشنت إسرائيل أيضاً مئات الضربات على أصول عسكرية سورية، قائلة إنها تهدف إلى منع وقوع الأسلحة في أيدٍ معادية. وشملت الأهداف مواقع صواريخ ودفاعات جوية وأهدافاً للقوات الجوية والبحرية. وفيما كان واضحاً من تصريحات نتنياهو وغيره، أن إسرائيل ستبقى في المرحلة الحالية في المناطق التي دخلتها في سوريا، يبدو أن لديها خطة أعمق بعيدة المدى.

وجاءت الخطة الإسرائيلية الجديدة التي يعتقد أنها تقوم على احتلال مباشر ودائم بعمق 15 كيلومتراً، وسيطرة استخباراتية تقوم على تشغيل أدوات مراقبة وتجسس مثل الطائرات المسيّرة بعمق 60 كيلومتراً، على الرغم من أن النظام الجديد في دمشق أرسل رسائل واضحة إلى إسرائيل مفادها أنهم لا ينوون الدخول في أي مواجهة معها، وهي رسائل قابلتها الدولة العبرية بتشكك. وقال مسؤول إسرائيلي إن ذلك «قد يكون صحيحاً لمدة عام، أو عامين، أو ربما حتى 10 أو 20 عاماً، لكن لا أحد يستطيع أن يضمن أنهم لن يتوجهوا نحونا بعد ذلك، يريد الجولاني (الكنية التي كان يُعرف بها الشرع سابقاً) الآن رفع العقوبات عن سوريا من أجل جلب الأموال، لكن على المدى الطويل، سيتعين على إسرائيل الحفاظ على منطقتي سيطرة ونفوذ في سوريا». وعبّر المسؤول الذي لم تذكر «يديعوت» اسمه، عن أمل إسرائيل في أن يمنحها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، بعد تنصيبه في 20 يناير (كانون الثاني)، الدعم الكامل للخطة. وأضاف: «نحن نبني مفهوماً تشغيلياً للواقع الجديد».

ولم تحدد إسرائيل الجهات التي يمكن أن تنقلب ضدها، لكن المسؤول تطرق إلى القلق من أن تعزز حركتا «حماس» و«الجهاد الإسلامي» وجودهما في سوريا فيما يغض الحكم الجديد الطرف. وقال: «لن نسمح لهما بترسيخ وجودهما في سوريا، كما لن نسمح لإيران بترسيخ وجودها هناك». وأضاف: «نقدر أن الجولاني يفضل بقاءهم حتى يحاولوا العمل ضد إسرائيل، حتى لو كان سيحتفظ بمساحة للإنكار».

وجاءت الخطة الإسرائيلية أيضاً على وقع غضب إسرائيلي مما ووصفه مسؤولون بـ«تهافت» الغرب على النظام السوري الجديد. واتهم مسؤولون في إسرائيل الغرب بـ«العمى المتعمد» إزاء طبيعة الحكم الجديد في دمشق. وفي اجتماع أمني سابق، سخر وزراء إسرائيليون من محاولة الغرب التأكد من أن القيادة الجديدة صارت معتدلة، في إشارة إلى ارتباطها بتنظيم «القاعدة» سابقاً.

وتعزز الخطة الإسرائيلية الجديدة وجود نيات لدى إسرائيل لاستغلال الفرصة التي لاحت في سوريا وقد لا تتكرر، وتحقيق أقصى مصالح ممكنة. وبحسب تقرير سابق صادر عن «معهد أبحاث الأمن القومي» في جامعة تل أبيب، فإن مصالح إسرائيل في سوريا تتمثل بتحقيق استقرار أمني عند مثلث الحدود، وإحباط هجمات مسلحة قد تنطلق من الأراضي السورية، ووقف تهريب السلاح من سوريا إلى الأردن، ومن ثم إلى الضفة الغربية، وضمان استقرار الأردن، ومنع هيمنة تركية أو إيرانية في سوريا، وإقامة نظام سياسي ودي جديد في سوريا، ومتسامح تجاه الأقليات فيها، وتحديداً الأكراد والدروز، واستبعاد سيطرة الحركات الإسلامية أو تعزيزها أو حصولها على أسلحة.