«هدنة غزة»: مفاوضات «متأرجحة» ومصير «مهدد» للرهائن

نتنياهو يتحدث عن «تقدم جزئي»... وتحذيرات من «حماس»

رد فعل امرأة فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية قرب مجمع ناصر الطبي بخان يونس جنوب غزة (أ.ف.ب)
رد فعل امرأة فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية قرب مجمع ناصر الطبي بخان يونس جنوب غزة (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة»: مفاوضات «متأرجحة» ومصير «مهدد» للرهائن

رد فعل امرأة فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية قرب مجمع ناصر الطبي بخان يونس جنوب غزة (أ.ف.ب)
رد فعل امرأة فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية قرب مجمع ناصر الطبي بخان يونس جنوب غزة (أ.ف.ب)

وسط تسريبات إعلام إسرائيلي عن صعوبات تعيق إبرام اتفاق في قطاع غزة، تحدث رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، عن وجود «تقدم جزئي»، دون تحديد موعد عقد الصفقة المرتقبة، وسط تحذيرات من «حماس» بشأن مصير الرهائن.

المشهد التفاوضي، حسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، سيظل «متأرجحاً بين تقدم وظهور فجوات»، مرجعين ذلك إلى «تعنت ومناورات» بدأت من نتنياهو بهدف تحقيق أكبر قدر من المكاسب حتى لو وصل الأمر لتعطيل الاتفاق قليلاً وتوسيع جبهة الرد على الحوثيين في اليمن، مستدركين: «لكن بأي حال لن يتجاوز رئيس الوزراء مهلة ترمب بشأن إبرام الصفقة قبل تنصيبه في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل».

وكشفت خارجية قطر، الثلاثاء، عن أن مفاوضات وقف إطلاق النار بغزة «مستمرة»، داعية الجميع إلى «التعاون» مع الوساطة، وفق ما نقله إعلام قطري، وذلك غداة حديث صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، الاثنين، عن مصدر لم تسمه، بأنه «لا يوجد تقدم حقيقي في المفاوضات».

تتماشى تقديرات الصحيفة مع ما ذكرته «القناة 13» الإسرائيلية، الأحد، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين بأن «التفاؤل الذي ساد الأسبوع الماضي بشأن إمكانية صياغة اتفاق مبدئي قد تبدد بسبب تصاعد الخلافات وعدم وجود بوادر لانفراجة قريبة في المحادثات، خصوصاً مع استمرار التباين حول قوائم الأسرى ومحور فيلادلفيا الحدودي مع مصر».

تلك الخلافات تأتي وسط إعلان حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» و«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، في بيان مشترك، السبت، إحراز تقدُّم باتِّجاه التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وتأكيد الفصائل أن «إمكانية الوصول إلى اتفاق باتت أقرب من أي وقت مضى، إذا توقف العدو عن وضع اشتراطات جديدة»، وذلك في أعقاب محادثات جرت قبل يوم في القاهرة.

غير أن نتنياهو أكّد إحراز بعض التقدم في المفاوضات الجارية، لكنه تحدث عن عدم معرفة متى ستظهر نتائج ذلك، وذلك خلال كلمة ألقاها في الكنيست، الاثنين، عن «إنجازات عظيمة» عسكرياً حققها، بينما اتهمه زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، بأنه «المسؤول عن تعطيل إنجاز صفقة الرهائن».

وفي ظل ذلك التضارب، يتوقع المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، أن يستمر تأرجح المفاوضات بين إعلانات تقدم ووجود فجوات، في ظل استمرار نتنياهو في المناورة حتى آخر لحظة للحصول على مكاسب، وتمسك إسرائيل بالحصول على قائمة بأسماء الرهائن الأحياء والأموات رغم أنه «مطلب يؤخر الوصول لاتفاق».

امرأة فلسطينية يتم إنقاذها من سيارة إسعاف بعد إصابتها في غارة إسرائيلية بدير البلح وسط غزة (أ.ف.ب)

ويعتقد الخبير المصري في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية، اللواء سمير فرج، أن نتنياهو يواصل عادته السابقة، كلما اقترب أي اتفاق من النجاح، وهي إضافة شروط وعراقيل جديدة، مرجحاً أن يكون حديثه عن «وجود بعض التقدم تهدئةً لأسر الرهائن وسط تصاعد الانتقادات ضده».

ووسط هذه التوقعات بتأخر إعلان اتفاق هدنة جديد، حذر مرشح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لمنصب مستشار الأمن القومي، مايك والتز، من أن الإدارة الجديدة لن تتسامح أبداً مع احتجاز رهائن أميركيين، مؤكداً أن هذا أمر غير مقبول على الإطلاق، و«سوف يكون هناك ثمن باهظ للغاية»، وفق ما نقلته «تايمز أوف إسرائيل»، الاثنين.

وذكرت «كتائب القسام»، التابعة لحركة «حماس»، أن مصير بعض الأسرى يعتمد على سلوك القوات الإسرائيلية، وقال المتحدث باسم «الكتائب»، أبو عبيدة، في بيان، إن «مصير بعض أسرى العدو مرهون بتقدم جيش الاحتلال لمئات الأمتار في بعض المناطق التي تتعرض للعدوان».

ولا يرى مطاوع أي اهتمام سيحدث جراء تهديدات «حماس» بشأن مصير الرهائن، مؤكداً «أن تكرار تلك الدعاية أفقدها أهميتها في ظل التعود الإسرائيلي الرسمي عليها دون أن يُحدث قلق أُسرِ الرهائن فارقاً... ولن يعير نتنياهو كذلك أي اهتمام بالرهائن أو مصيرهم، وربما مهلة ترمب شجعته بشكل أكبر، بأن الأمر سينتهي في موعد ليس بعيداً، وبالتالي سيعمل قبل ذلك على تعزيز مكاسبه الشخصية والسياسية والضغوط على المفاوضات».

ويرى فرج أن «تهديدات (حماس) بشأن الرهائن طبيعية في ظل إمكانية استهدافهم من جانب إسرائيل مع استمرار الحرب على قطاع غزة»، مؤكداً أن نتنياهو لن يهتم بذلك، موضحاً أن تحذيرات واشنطن لن يكون لها أثر في حماية الرهائن إلا باتفاق قريب وضغوط على رئيس الوزراء الإسرائيلي لوقف تصعيده المحتمل بالمنطقة.

وأقر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، للمرة الأولى علناً، بمسؤولية إسرائيل عن اغتيال زعيم حركة «حماس»، إسماعيل هنية، بإيران في يوليو (تموز) الماضي، وهدّد باتخاذ إجراءات مماثلة ضد قيادة جماعة الحوثي المتمردة في اليمن.

وقد يستغل نتنياهو ملف توجيه الضربات للحوثيين لقلب طاولة مفاوضات غزة، وخلط الأوراق وممارسة ضغوط إضافية لتحقيق مكاسب أكبر، مثلما يتوقع مطاوع.

وبالتالي، فقد يستمر تأرجُح المفاوضات صعوداً وهبوطاً مع عراقيل نتنياهو، وفق مطاوع، مستدركاً: «لكن سيتم إبرام هدنة قبل تنصيب ترمب بوقت قليل أو كثير بخلاف ما كان متوقعاً للهدنة أن تتم الأيام المقبلة وقبل نهاية العام».

ويتوقع فرج أن يستمر نتنياهو في المناورة، مع احتمال أن يبرم الصفقة مع قرب تنصيب ترمب أو الأسبوع الأول من توليه السلطة، لعدم منح مكاسب لإدارة جو بايدن، وجعلها حصرية لحليفه الرئيس الأميركي الجديد.


مقالات ذات صلة

«حماس»: إسرائيل وضعت شروطاً جديدة أدت لتأخير التوصل لاتفاق وقف النار في غزة

المشرق العربي فتاة تراقب الناس وهم يتفقدون موقع القصف الإسرائيلي على الخيام التي تؤوي الفلسطينيين النازحين من بيت لاهيا في مخيم بخان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

«حماس»: إسرائيل وضعت شروطاً جديدة أدت لتأخير التوصل لاتفاق وقف النار في غزة

قالت حركة «حماس»، في بيان لها، اليوم الأربعاء، إن إسرائيل وضعت شروطاً جديدة مما أدى إلى تأخير التوصل للاتفاق على وقف إطلاق النار في غزة.

العالم بابا الفاتيكان في رسالته بمناسبة عيد الميلاد بعنوان «لمدينة روما والعالم» (أ.ب)

البابا فرنسيس في رسالة الميلاد: «لتصمت الأسلحة»

جدد البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، اليوم الأربعاء، دعوته إلى وقف إطلاق النار في الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة «حماس».

«الشرق الأوسط» (الفاتيكان)
شؤون إقليمية رجلان يسيران أمام جدار مغطى بصور لرهائن إسرائيليين في غزة (أ.ف.ب)

تقرير: الإجراءات العسكرية الإسرائيلية كان لها «تأثير على قتل حماس» 6 رهائن

كشف تحقيق عسكري نُشر، اليوم الثلاثاء، عن أن أنشطة للجيش الإسرائيلي كان لها «تأثير» على قرار «حماس» قتل ستة رهائن في غزة في أغسطس (آب).

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
العالم العربي يجد المجتمع الدولي صعوبات في الحصول على دعم إسرائيل لتحسين الوضع الإنساني المتدهور في غزة (أ.ب)

النهب يشل إمدادات الغذاء في غزة رغم تعهد إسرائيل بصد العصابات

قال ثلاثة مسؤولين مطلعين من الأمم المتحدة والولايات المتحدة إن إسرائيل تقاعست عن اتخاذ إجراءات صارمة ضد العصابات المسلحة التي تهاجم قوافل المواد الغذائية بغزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية الرهينة الإسرائيلية المفرج عنها حنا كاتسير (متداولة)

إسرائيل تقول إن رهينة توفيت بعد الإفراج عنها هي «ضحية إرهاب حماس»

اعتبرت الحكومة الإسرائيلية، اليوم (الثلاثاء)، رهينة توفيت بسبب مرض أصابها بعد الإفراج عنها جراء اختطافها في غزة، ضحية لهجوم السابع من أكتوبر 2023.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

«سوريو مصر»... مخاوف متصاعدة بشأن «الإقامات» و«فرص العودة»

طفل سوري خلال احتفالات انتصار الثورة في إدلب أمس (إ.ب.أ)
طفل سوري خلال احتفالات انتصار الثورة في إدلب أمس (إ.ب.أ)
TT

«سوريو مصر»... مخاوف متصاعدة بشأن «الإقامات» و«فرص العودة»

طفل سوري خلال احتفالات انتصار الثورة في إدلب أمس (إ.ب.أ)
طفل سوري خلال احتفالات انتصار الثورة في إدلب أمس (إ.ب.أ)

يعيش المدرس السوري، محمد خير، مشاعر مختلطة بين الفرحة بإمكانية عودته إلى بلاده التي تركها قبل 12 عاماً، وجاء إلى مصر، والخوف من ألا يُسمح له بزيارة القاهرة مستقبلاً، لا سيما مع «وقف السلطات المصرية منح الموافقات الأمنية لدخول السوريين، وتشديدها إجراءات منح الإقامات».

وفرضت السلطات المصرية، أخيراً، «اشتراطات جديدة»، على دخول السوريين القادمين من دول أخرى إلى أراضيها، تتضمن الحصول على «موافقة أمنية» مسبقة، إلى جانب تأشيرة الدخول. جاء ذلك تزامناً مع إصدار قانون جديد ينظم لجوء الأجانب إلى البلاد.

يعمل خير (29 عاماً) مدرساً في إحدى المدارس الخاصة، وجاء إلى مصر عام 2012 بصحبة والديه وإخوته، وحصل على صفة لاجئ من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «متشوق للعودة إلى سوريا، ويعمل الآن على تسوية وضعه القانوني في مصر حتى يتمكن من ذلك».

لكنّ خير، الذي استكمل دراسته في جامعة القاهرة، يخشى ألا يُسمح له بالعودة لزيارة أصدقائه في مصر، بقوله: «الموافقات الأمنية متوقفة، وحتى لو أُعيد إصدارها فتكلفتها مرتفعة جداً».

يترقب خير إغلاق ملفه في «مفوضية اللاجئين»، وتوفير وسائل سفر بين القاهرة ودمشق، وفي الوقت نفسه ينتظر أن تُقْدم السلطات المصرية على تغيير إجراءات دخول السوريين إليها بعد استقرار الأوضاع، فهو في الأحوال كلها «قرر العودة إلى بلاده» بعد سقوط نظام بشار الأسد فيها.

وخير واحد من 153 ألف لاجئ سوري مقيمين في مصر، وفق المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، التي تشير إلى أن عدد السوريين المسجلين مع المفوضية في مصر «ارتفع بشكل كبير من 12800 في نهاية 2012 إلى أكثر من 153000 شخص في نهاية عام 2023». وتقدِّر المنظمة الدولية للهجرة عدد السوريين في مصر بنحو مليون ونصف سوري.

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

ويسعى كثير من السوريين في مصر لتسوية أوضاعهم القانونية والعودة لبلادهم، حسب الدكتورة رانيا مروان، وهي سورية تعيش بين القاهرة ودمشق وتعمل في مكتب استشارات قانونية في القاهرة، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إنها «تلقت خلال الأيام الأخيرة التي تلت سقوط بشار الأسد كثيراً من الطلبات لإغلاق ملف اللجوء في المفوضية، وتسوية الأوضاع القانونية تمهيداً للعودة إلى سوريا».

وأضافت أن «إحدى المشكلات متعلقة بمخالفات الإقامات، فكثير من السوريين انتهت إقامتهم، أو لديهم مخالفات في الإقامة تحتاج إلى تسوية»، مشيرةً إلى أن «طلبات العودة لا تتضمن بالطبع المستثمرين السوريين في مصر، وإن كان عدد قليل منهم بدأ يفكر في إنشاء فرع أساسي للاستثمارات في دمشق».

كانت السلطات المصرية قد أوقفت في يوليو (تموز) الماضي تجديد التأشيرات السياحية للسوريين، في إطار خطوات «تقنين أوضاع الأجانب على أرضهم، واشتراط حصولهم على إقامات». ونقلت «رويترز» عن مصادر أمنية قولها، الثلاثاء، إنه «تم تعليق تجديد الإقامات الحالية، التي يحملها كثير من السوريين على أسس سياحية أو تعليمية أو تجارية، في انتظار فحص أمني»، مشيرةً إلى أنه «لم يتم اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان السوريون مؤهلين للحصول على حق اللجوء بموجب قانون اللجوء الجديد أم لا».

يتزامن ذلك مع مطالبات بعودة السوريين إلى بلادهم، ودعا الإعلامي المصري أحمد موسى، في برنامجه، مساء الثلاثاء، السوريين إلى العودة إلى بلادهم لـ«تعميرها وتنميتها».

ويترقب الصحافي السوري المقيم في القاهرة، عبد الرحمن ربوع، عودة سفارة بلاده للعمل لإصدار الوثائق اللازمة لعودته إلى دمشق، وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن «السفر يتطلب إجراءات تتعلق باستخراج الوثائق الرسمية، وإغلاق الملف في (مفوضية اللاجئين)، والأهم توفير وسائل سفر بأسعار مناسبة».

ربوع، جاء إلى مصر عام 2012، وتزوج من مصرية، وهو «بينما يتوق للعودة إلى بلاده يرغب في الحفاظ على علاقاته في القاهرة، ويتخوف من ألا يُسمح له بزيارة مصر مستقبلاً».

ورغبةً في تسهيل إجراءات العودة إلى سوريا، أشار ربوع إلى «تواصله وعدد من النشطاء السوريين في مصر مع سفارة بلاده ومع السلطات المصرية، من أجل تسهيل إجراءات السفر وتوفير رحلات بحرية ورحلات طيران بأسعار مخفضة». وأضاف: «في كل الأحوال فإن عودة السوريين إلى بلادهم سوف تستغرق سنوات عدة لا سيما أن عددهم كبير».

ربوع لفت إلى صعوبات أخرى تحيط بعودة السوريين إلى بلادهم تتعلق «بتكلفة الإقامة في سوريا، في ظل هدم مئات المنازل والمدن»، وفي الوقت نفسه فإن «السوريين في مصر لديهم مشكلات متعلقة بتشديد إجراءات تجديد الإقامات لا سيما بالنسبة للطلبة، مما يجعل العودة إلى بلادهم خياراً وحيداً».

وتتوقع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين عودة مليون لاجئ سوري إلى بلادهم خلال الأشهر الستة المقبلة، من بين ستة ملايين لاجئ سوري موجودين في دول عدة.