مسيحيو حلب مطمئنون إلى مصيرهم بعد سقوط الأسد

قالوا إن المعارضة اعتمدت «خطاباً مطمئناً للغاية» وإنهم «لم يعانوا من التمييز»

شباب مسيحيون سوريون يعدون زينة عيد الميلاد بمقر جمعية خيرية في حلب (أ.ف.ب)
شباب مسيحيون سوريون يعدون زينة عيد الميلاد بمقر جمعية خيرية في حلب (أ.ف.ب)
TT

مسيحيو حلب مطمئنون إلى مصيرهم بعد سقوط الأسد

شباب مسيحيون سوريون يعدون زينة عيد الميلاد بمقر جمعية خيرية في حلب (أ.ف.ب)
شباب مسيحيون سوريون يعدون زينة عيد الميلاد بمقر جمعية خيرية في حلب (أ.ف.ب)

في باحة «دير الإخوة المريميين» في حلب، ثاني كبرى مدن سوريا، تتركّز النقاشات حول شجرة عيد الميلاد... فبعد إطاحة نظام بشار الأسد، تحاول المعارضة التي أمسكت بإدارة البلاد طمأنة الأقليات المسيحية في ظل المخاوف على مستقبلها إثر انحسار أعدادها بعد سنوات النزاع.

مساعي الطمأنة هذه أتت ثمارها، على الأقل «حتى الآن»، على ما يقول الراهب المريمي جورج سبع الذي شارك (الاثنين) في اجتماع في حلب، دُعي إليه للمرة الثانية الأساقفة وممثلو جميع الكنائس. كما استقبل المسؤولون المحليون الأئمة خلال اجتماع آخر.

ويوضح الراهب المريمي: «لقد اعتمدوا خطاباً مطمئناً للغاية، إذ قالوا لنا: استمروا في العيش بشكل طبيعي، أنتم على مشارف احتفالاتكم بعيد الميلاد، لن يتغير عليكم شيء»، و«لم يتغير شيء حتى الآن». ويشير إلى أن جميع من حاورهم خلال الاجتماع، وهم «ثلاثة عسكريين وسياسيان، كانوا من حلب»، مضيفاً: «كان أحدهم ينهي درجة الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية هنا قبل الحرب، وقد أخبرنا أنّ لديه جاراً مسيحياً».

سوريون يحتفلون بالإطاحة بنظام بشار الأسد بعد صلاة الجمعة في حلب (أ.ف.ب)

«حياة طبيعية»

ويضيف سبع: «لذا استأنفنا حياتنا الطبيعية، مع إحياء القداديس في الصباح والمساء. عمدنا فقط إلى تقريب موعد قداس المساء ساعة واحدة، وبدأنا بوضع مغارة الميلاد وأشجار العيد. لقد تعلمتُ في ثلاثة عشر عاماً من الحرب أن أعيش كل يوم بيومه. فلننتظر ما يحمله لنا الغد».

وفي سوريا، لطالما شملت جداول العطل الرسمية السنوية أعياد رأس السنة والميلاد والفصح بالتقويمين الكاثوليكي والأرثوذكسي. ويقول سبع: «ننتظر الروزنامة الجديدة» لمعرفة وضع العطل الرسمية في البلاد بعد إسقاط الأسد.

وبعدما ناهز عدد المسيحيين في حلب 200 ألف قبل بدء الحرب في عام 2011، لم يتبق من هؤلاء في المدينة الكبيرة في شمال غرب سوريا سوى 30 ألفاً فقط، وفق ما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية.

ولطالما كان المسيحيون مندمجين بالكامل في مجتمعهم المحلي، ويضرب وجودهم عميقاً في تاريخ حلب، إذ يعود إلى القرن الرابع في المحافظة، إذ ثمة أكثر من 700 موقع مسجل مخصص للطائفة التي يعد أبناؤها أنفسهم «سوريين» قبل كل شيء. ويقول الأخ جورج سبع: «لا نريد أن نغادر، نريد أن نبقى على علاقة جيدة مع المسلمين، فنحن نتحدث اللغة نفسها».

وقد وعده المسؤولون الذين التقاهم بالاستمرار في «السماح بقرع أجراس» الكنائس التي تردد صداها، مساء الخميس، للإعلان عن قداس الخامسة مساء في كاتدرائية القديس فرنسيس للاتين، الذي توافد إليه حوالي 100 من أبناء الرعية.

مسيحيون يحضرون قداساً في كاتدرائية القديس فرنسيس للاتين في حلب (أ.ف.ب)

«لم نعانِ التمييز»

يؤكد الأب بهجت أن «الناس هنا لديهم حس روحي كبير، خلال كل سنوات الحرب هذه، لم يتوقفوا أبداً عن المجيء إلى الكنيسة». ويقول الكاهن تحت الشرفة الحجرية الذهبية للمبنى إنه يتفهم المخاوف التي جرى التعبير عنها حيال مصير حرية المعتقد في سوريا بعد إسقاط الأسد، خصوصاً من الخارج «لكننا على الأرض لم نعانِ التمييز».

الأب بهجت الكاهن في كاتدرائية القديس فرنسيس للاتين في حلب (أ.ف.ب)

وتوضح مارينا أيوب لدى وصولها إلى الكنيسة التي تواظب على حضور القداديس فيها: «أخبرنا الأسقف أنه مطمئن، وأن الوضع سيستمر، كما في السابق، وسنحتفل بقداديسنا وأعيادنا». في الجهة المقابلة، استرجعت الكنيسة موقعاً كان يحتله «حزب البعث» الحاكم لأكثر من ستين عاماً، وعلّقت عليه علم الفاتيكان. وخلال الاجتماع، وعد ممثلو الحكومة بعدم المساس بممتلكات الكنيسة.

ويقول مسيحي، طلب عدم الكشف عن هويته، عن السلطات الجديدة: «يكررون أنهم سيحترمون جميع الطوائف، لكنني أنتظر: سأحكم عليهم بناء على أفعالهم». وفي الوقت الحالي، تستعد جمعية المساعدة المتبادلة للأخوة المريميين لعودة 120 طفلاً مسلماً تحت رعايتها، الاثنين. وتشرح مريم عرب، الشابة الثلاثينية المسؤولة عن المشروع، التي تشارك في الأحاديث حول تعليق الزينة على شجرة الميلاد، «سنحاول قبل كل شيء الترفيه عن الفقراء والنازحين بسبب الحرب».


مقالات ذات صلة

«داريا»... سُمّيت «أيقونة الثورة» وفيها تشكل أول مجلس عسكري

خاص مدخل داريا الشمالي وتظهر صورة الأسد  ممزقة إلى اليسار وزُيّن الجدار بالعلم السوري الجديد (الشرق الأوسط)

«داريا»... سُمّيت «أيقونة الثورة» وفيها تشكل أول مجلس عسكري

سُمّيت بـ«أيقونة الثورة»، وفيها تشكَّل أول مجلس عسكري للثورة، مقاتلوها أول مَن استهدف بالصواريخ قصر بشار الأسد رداً على استهدافه المدنيين وحراكهم السلمي.

موفق محمد (دمشق)
الخليج وفد سعودي يتفقد مستشفى الأطفال الجامعي بدمشق للاطلاع على الواقع الصحي وتحديد الاحتياجات (سانا‬⁩)

السعودية: 3 آلاف متطوع مستعدون لدعم القطاع الصحي السوري

أكثر من ثلاثة آلاف متطوع من الكوادر الطبية السعودية أبدوا رغبتهم في الانضمام إلى برنامج «أمل» الذي أتاحه المركز لدعم القطاع الصحي في سوريا.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
خاص الرئيسان أمين الجميل وحافظ الأسد خلال قمة عدم الانحياز في نيودلهي عام 1983 (غيتي)

خاص حافظ الأسد لأمين الجميل: لهذه الأسباب باقون في لبنان

تنشر «الشرق الأوسط» فصلاً جديداً من كتاب وزير الخارجية اللبناني السابق إيلي سالم بعنوان «الفرص الضائعة».

الخليج الطائرة الإغاثية السعودية الثامنة تحمل على متنها مساعدات غذائية وطبية وإيوائية (واس)

وصول الطائرة السعودية الإغاثية الثامنة إلى مطار دمشق

وصلت الطائرة الإغاثية السعودية الثامنة، التي يسيّرها مركز الملك سلمان للإغاثة، التي تحمل على متنها مساعدات غذائية وطبية وإيوائية، إلى مطار دمشق الدولي.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي رجال مسلحون خلال جنازة عناصر من «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي يقودها الأكراد قُتلوا قبل أيام في معركة مع القوات السورية المدعومة من تركيا في مدينة منبج الشمالية بسوريا... الصورة في القامشلي 2 يناير 2025 (أ.ف.ب)

37 قتيلاً في معارك بين القوات الكردية والفصائل الموالية لتركيا في شمال سوريا

قُتل 37 شخصاً، اليوم (الخميس)، في معارك استخدم فيها الطيران بين القوات الكردية والفصائل السورية الموالية لتركيا في منطقة في شمال سوريا، وفق المرصد السوري.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

خطاب القسم لرئيس لبنان الجديد: حياد إيجابي... وحق الدولة باحتكار السلاح

TT

خطاب القسم لرئيس لبنان الجديد: حياد إيجابي... وحق الدولة باحتكار السلاح

الرئيس اللبناني المنتخب جوزيف عون يسير أمام حرس الشرف بعد أدائه اليمين الدستورية في البرلمان اللبناني (رويترز)
الرئيس اللبناني المنتخب جوزيف عون يسير أمام حرس الشرف بعد أدائه اليمين الدستورية في البرلمان اللبناني (رويترز)

حمل خطاب القسم الذي أدلى به الرئيس اللبناني جوزيف عون الكثير من المضامين اللافتة، أبرزها تأكيده على «التزام لبنان الحياد الإيجابي» وتجاهله عبارة «المقاومة»، أو ما يؤشر إليها، خلافاً للخطابات التي طبعت العهود السابقة منذ بدء الجمهورية الثانية في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، كما تأكيده العمل على «تثبيت حق الدولة في احتكار حمل السلاح».

وتعهد عون بأن تبدأ مع انتخابه «مرحلة جديدة من تاريخ لبنان»، والعمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للبنان. وقال عون في خطاب القسم، الذي لاقى ردود فعل إيجابية من معظم الأفرقاء اللبنانيين: «لبنان هو من عمر التاريخ، وصفتنا الشجاعة، وقوتنا التأقلم، ومهما اختلفنا فإننا عند الشدة نحضن بعضنا البعض، وإذا انكسر أحدنا انكسرنا جميعاً».

الرئيس اللبناني المنتخب جوزيف عون يؤدي اليمين الدستورية في البرلمان اللبناني (د.ب.أ)

ورأى عون أنه «يجب تغيير الأداء السياسي في لبنان»، وقال: «عهدي إلى اللبنانيين أينما كانوا وليسمع العالم كله أن اليوم بدأت مرحلة جديدة من تاريخ لبنان، وسأكون الخادم الأول للحفاظ على الميثاق ووثيقة الوفاق الوطني، وأن أمارس صلاحيات رئيس الجمهورية كاملة كحكم عادل بين المؤسسات». وأضاف: «إذا أردنا أن نبني وطناً فإنه علينا أن نكون جميعا تحت سقف القانون والقضاء»، مؤكداً أن «التدخل في القضاء ممنوع، ولا حصانات لمجرم أو فاسد، ولا وجود للمافيات ولتهريب المخدرات وتبييض الأموال».

ولفت عون إلى أن «عهدي هو التعاون مع الحكومة الجديدة لإقرار مشروع قانون استقلالية القضاء، وأن أطعن بأي قانون يخالف الدستور، وعهدي هو الدعوة لإجراء استشارات نيابية في أسرع وقت لاختيار رئيس حكومة يكون شريكاً وليس خصماً»، معلناً «سنجري المداورة في وظائف الفئة الأولى ضمن الدولة، كما سنقوم بإعادة هيكلة الإدارة العامة، كما سأعمل على تأكيد حق الدولة في احتكار حمل السلاح». وشدد: «سنستثمر في الجيش لضبط الحدود وتثبيتها جنوباً وترسيمها شرقاً وشمالاً، ومحاربة الإرهاب، ويطبق القرارات الدولية، ويمنع الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان».

وأكد: «سأسهر على تفعيل عمل القوى الأمنية كأداة أساسية لحفظ الأمن وتطبيق القوانين، كما سنناقش استراتيجية دفاعية كاملة على المستويات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية بما يمكّن الدولة اللبنانية من إزالة الاحتلال الإسرائيلي وردع عدوانه».

وأكد عون أن «عهدي أن نعيد ما دمره العدو الإسرائيلي في الجنوب والضاحية والبقاع وفي كل أنحاء لبنان، وشهداؤنا هم روح عزيمتنا، وأسرانا هم أمانة في أعناقنا»، وقال: «آن الأوان لنراهن على استثمار لبنان في علاقاتنا الخارجية، لا أن نراهن على الخارج للاستقواء على بعضنا البعض».

وأعلن رفضه «توطين الفلسطينيين»، موضحاً: «نؤكد عزمنا لتولي أمن المخيمات، وسنمارس سياسة الحياد الإيجابي، ولن نصدر للدول إلا أفضل المنتجات والصناعات ونستقطب السياح»، داعياً إلى بدء حوار جدي وندي مع الدولة السورية؛ لمناقشة كافة العلاقات والملفات العالقة بيننا، لا سيما ملف المفقودين والنازحين السوريين».

وكان رئيس البرلمان نبيه بري قال بعد إعلان عون رئيساً وتهنئته: «كلنا بانتظار العهد الجديد»، متحدثاً عن الظروف الحرجة التي يعاني منها لبنان، «وتحديداً في الجنوب اللبناني، حيث يتعرض أهلكم هناك لأبشع وأشد قساوة من أي حرب أخرى، لذلك لبنان في حاجة إلى كل شيء، الجنوب بحاجة، وكل لبنان بحاجة، وكلنا في انتظار العهد الجديد».