«حزب الله» يتضامن مع الأسد ويدرس ارتدادات انخراطه في المواجهة

يتريّث في حسم موقفه الميداني ويترقّب رد إيران

الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم يلقي خطاباً متلفزاً من مكان غير معلوم 29 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم يلقي خطاباً متلفزاً من مكان غير معلوم 29 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
TT

«حزب الله» يتضامن مع الأسد ويدرس ارتدادات انخراطه في المواجهة

الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم يلقي خطاباً متلفزاً من مكان غير معلوم 29 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم يلقي خطاباً متلفزاً من مكان غير معلوم 29 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

يتريّث «حزب الله» في حسم موقفه حيال التطورات العسكرية المتسارعة في سوريا بعد سيطرة «هيئة تحرير الشام» والفصائل المسلحة على مزيد من المدن السورية، مكتفياً بإعلان أمينه العام الشيخ نعيم قاسم وقوفه إلى جانب النظام في سوريا لإحباط أهداف العدوان «بما نتمكّن منه»، وكأنه يوحي بالتضامن معه من دون انخراطه في الميدان للدفاع عنه، على الأقل في المدى المنظور، ريثما تقرر إيران الخروج من الإرباك، من جرّاء الصدمة التي أحدثتها حالات الانهيار في صفوف الجيش السوري، وتُحدد خريطة الطريق في مواجهة الوضع المستجد في سوريا.

فالشيخ قاسم في كلمته المتلفزة إلى جمهوره ومحازبيه خصّ التطورات العسكرية المتلاحقة في سوريا بفقرة أدرجها في ذيل خطابه، وصفتها مصادر سياسية لبنانية بأنها تحتمل أكثر من معنى لافتقارها إلى رؤية واضحة يحدد فيها موقف الحزب منها، وكأنه يتهيّب منذ الآن لما ستقرّره إيران من خطوات ليكون في وسعه بأن يبني على الشيء مقتضاه وصولاً إلى حسم موقفه، آخذاً بعين الاعتبار ما يمكن أن يترتب على انخراطه في المواجهة من ارتدادات يمكن أن تتفاعل بداخل الحزب والإقليم في آن واحد.

وتلفت المصادر إلى أن الحزب يتهيّب لما يعصف بسوريا، ولا خيار أمامه سوى التضامن معها، وهو يواكب حالياً ما يدور بداخلها في ضوء ردود الفعل الأولية الصادرة عن طهران وبغداد، وتقول لـ«الشرق الأوسط» إن الحزب في وضعه الراهن عسكرياً وسياسياً يختلف عما كان عليه قبل أن يقرر إسناده لغزة ويدخل في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل أدت إلى استنزاف قدراته على المستويات كافّة، وهو ينغمس حالياً في إعادة ترتيب بيته الداخلي ولملمة صفوفه استعداداً للتعامل مع المرحلة الجديدة المترتبة على التوصل لوقف النار تمهيداً لتطبيق القرار «1701» بكل مندرجاته تحت إشراف لجنة المراقبة الدولية المكلفة بتثبيته ومعالجة الخروق الإسرائيلية له.

وتؤكد المصادر أن الحزب في وضعه الراهن ليس في وارد الانخراط، كما في السابق، في المواجهة المفتوحة الدائرة في سوريا، وتعوزه القدرات اللوجيستية للتدخل بتأمين انتقال وحدات من مقاتليه إلى سوريا للدفاع عن النظام فيها؛ لأن المعابر المؤدية إليها لم تعد سالكة، وماذا يمنع إسرائيل من استهدافها وهي في طريقها إلى المواقع المحددة لها؟

كما لم يعد في وسع الحزب، حسب المصادر، إرسال وحدات متنقلة إلى الداخل السوري، في حين ينشغل حالياً في رفع الأنقاض في القرى الجنوبية التي دمّرتها إسرائيل لانتشال جثامين ضحاياه من تحتها، وماذا يمكنه أن يقول لجمهوره في حال سقوط مجموعة من مقاتليه على أيدي الفصائل المسلحة.

فالمزاج العام لجمهوره ومحازبيه قد يكون، كما تقول المصادر نفسها، في مكان آخر؛ ليس لأنه متعب فحسب، وإنما قد لا يجد مبرراً لانخراطه في إسناده للحكم السوري الذي نأى بنفسه عن التدخل طوال حرب الحزب مع إسرائيل، وكأنه أخرج نفسه من وحدة الساحات ولم يعد في عداد المنتمين إلى «محور الممانعة»، خصوصاً أن موقفه كان موضع تساؤل من قِبل جمهور الحزب الذي أخذ على القيادة السورية عدم معاملة الحزب بالمثل يوم قرر التدخل لمساندتها ولمنع النظام من السقوط.

وتكشف المصادر عن أن الحزب بادر، مع دخوله في مواجهة إسرائيل، إلى سحب أبرز القيادات والكوادر العسكرية من أماكن انتشارها في سوريا، مؤكدة أنه قرّر خفض حضوره العسكري في عدد من المواقع الحساسة، وهذا ما تسبّب بإحداث ثغرة سهّلت اجتياح الفصائل المسلحة لعدد من المدن السورية، وأُولاها حلب لأن الخطوط الدفاعية التي أقامها النظام، وتخضع مباشرة لإمرة ضباط من «قوة الرضوان»، كانت تضم مقاتلين من «فيلق القدس» الإيراني و«الحشد الشعبي» العراقي، وآخرين من الفصائل المنتمية إلى «محور الممانعة».

لكن المصادر السياسية لا تأخذ على عاتقها التكهن بالموقف الذي يمكن أن يتخذه الحزب إذا حسمت إيران أمرها وقررت النزول بكل ثقلها، ولو متأخرة، للمشاركة في الدفاع عن النظام في سوريا، وإن كانت تتعامل مع تسارع التطورات العسكرية من زاوية أنها تصب في خانة تطبيق ما ورد في اتفاق وقف النار لجهة إقفال الطريق الممتد من طهران إلى بيروت، مروراً بدمشق وبغداد؛ لمنع إيصال السلاح إلى «حزب الله».

وتؤكد المصادر أن المعابر ما بين طهران وبغداد تخضع حالياً لرقابة من واشنطن التي تستعين بأجهزة رقابة مشددة جواً وبراً لمنع عبور شحنات السلاح إلى دمشق، وتقول إن إسرائيل تتكفل بالمعابر الحدودية التي تربط سوريا بلبنان، وتدمرها بالتزامن مع استهدافها الجوي للتجمعات العسكرية والأمنية الإيرانية بغية تفكيكها وشل قدرتها بالإشراف على نقل إمدادات السلاح إلى «حزب الله».

ومع أن المصادر نفسها لا تؤكد ولا تنفي ما تتناقله بعض وسائل الإعلام الأجنبية حول إرسال «حزب الله» في الساعات الأخيرة مجموعة من مستشاريه العسكريين من النخبة إلى سوريا، لتدعيم وجوده في عدد من المواقع الاستراتيجية الممتدة بين حمص والقصير، فهي في المقابل تكشف أن الحزب بادر في الساعات الأخيرة إلى تدعيم حضوره العسكري والأمني في جرود البقاع الشمالي، تحسباً لاحتمال تمدد الفصائل المسلحة إلى داخل الأراضي اللبنانية في ضوء ما توافر لديه من معلومات بأن تنظيم «داعش» يعيد حالياً تجميع صفوفه، وأن الضرورة تقضي برفع الجهوزية لقطع الطريق على احتمال توغلها بقاعاً.

مقاتلون من الفصائل المسلحة يجولون بمركبة عسكرية في شوارع مدينة حماة الواقعة في وسط غرب سوريا 5 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

وفي هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» من مصادر أمنية لبنانية رسمية بارزة بأن هناك مبالغة في الحديث عن إرسال الحزب المئات من مقاتلي النخبة إلى سوريا، وأن ما حصل حتى الآن بقي في حدود انتقال العشرات، من بلداتهم الواقعة في المنطقة الحدودية المتداخلة بين البلدين، إلى القصير.

وتلفت في الوقت نفسه إلى أن الجيش اللبناني استقدم قوات إضافية لتدعيم انتشاره على امتداد الحدود الشرقية بين لبنان وسوريا، فيما يُطبق سيطرته بالكامل على طول الحدود الشمالية، بدءاً من عكار وامتداداً إلى طرابلس وجوارها، وأجرى مسحاً أمنياً وسياسياً أدى إلى توقيف عدد من المشتبه بهم على خلفية قيامهم بردود فعل مؤيدة للفصائل المسلحة في سوريا، بالإضافة إلى ضبطه للوضع بين باب التبانة وجبل محسن، مما حال دون توتير الأجواء، بالإضافة إلى تشديده الرقابة على عدد من الأحياء لمنع الإخلال بالأمن.

آليات للجيش اللبناني خلال تنفيذه عملية «فجر الجرود» عند الحدود مع سوريا عام 2017 (مديرية التوجيه)


مقالات ذات صلة

سلام بعد تكليفه: الأزمة الاقتصادية وإعادة إعمار لبنان على رأس الأولويات

الاقتصاد نواف سلام يلوّح بيده لدى وصوله للقاء الرئيس اللبناني جوزيف عون في قصر بعبدا (وكالة حماية البيئة)

سلام بعد تكليفه: الأزمة الاقتصادية وإعادة إعمار لبنان على رأس الأولويات

تعهد رئيس الوزراء اللبناني المكلف نواف سلام، الثلاثاء، بالعمل على بناء الدولة الحديثة في لبنان الذي دمرته الأزمات المتوالية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي منازل مدمرة في جنوب لبنان كما تظهر من الجانب الإسرائيلي للحدود (رويترز)

تفجيرات إسرائيلية «ممنهجة» لمنازل ومنشآت حيوية في بلدات جنوب لبنان

نفذ الجيش الإسرائيلي، الثلاثاء، «تفجيرات ممنهجة» لمنازل لبنانية في 3 قرى حدودية على الأقل، استكمالاً لعملية تدمير واسعة ينتهجها بالمنطقة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الرئيس اللبناني المنتَخب حديثاً جوزيف عون يتحدث أمام البرلمان اللبناني (أ.ف.ب)

عون: الدولة والشعب «مسؤولان عن تحمُّل عبء الصراع» مع إسرائيل

كشف الرئيس اللبناني جوزيف عون الثلاثاء أن الدولة والشعب «مسؤولان عن تحمُّل عبء الصراع» مع إسرائيل

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي لم تلتزم إسرائيل بوقف إطلاق النار في لبنان منذ إعلانه (رويترز)

مسيّرة إسرائيلية تستهدف دراجة نارية في بلدة عيترون بجنوب لبنان

استهدفت طائرة مسيّرة إسرائيلية، مساء اليوم (الاثنين)، دراجة نارية في بلدة عيترون بجنوب لبنان، بصاروخ موجّه.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس الجمهورية جوزيف عون مجتمعاً مع  قائد المنطقة الوسطى الأميركية الجنرال كوريلا على رأس وفد (إ.ب.أ)

إسرائيل توسع دائرة خروقاتها في جنوب لبنان والبقاع

رفع الجيش الإسرائيلي وتيرة اعتداءاته على لبنان، وتخطّت عملياته جنوب مجرى نهر الليطاني، لتمتدّ إلى منطقة إقليم التفاح في الجنوب، وصولاً إلى البقاع اللبناني.

يوسف دياب (بيروت)

بلينكن: اتفاق وقف إطلاق النار في غزة قريب للغاية وبانتظار كلمة «حماس»

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يتحدث خلال فعالية في العاصمة الأميركية 14 يناير 2025 (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يتحدث خلال فعالية في العاصمة الأميركية 14 يناير 2025 (أ.ف.ب)
TT

بلينكن: اتفاق وقف إطلاق النار في غزة قريب للغاية وبانتظار كلمة «حماس»

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يتحدث خلال فعالية في العاصمة الأميركية 14 يناير 2025 (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يتحدث خلال فعالية في العاصمة الأميركية 14 يناير 2025 (أ.ف.ب)

قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، اليوم (الثلاثاء)، إن الاتفاق على وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن بات وشيكاً جداً، مضيفاً أن الأطراف المشاركة في صياغته تنتظر الكلمة الأخيرة من حركة «حماس».

وأضاف بلينكن خلال فعالية بالمجلس الأطلسي في واشنطن أنه «قريب للغاية. أقرب من أي وقت مضى. ولكن في الوقت الحالي، ونحن نجلس هنا، ننتظر كلمة أخيرة من (حماس) بشأن قبولها، وحتى نحصل على هذه الكلمة، سنظل حيث نقف حالياً».

وحث وزير الخارجية الأميركي على دعم خطة لقطاع غزة بعد الحرب تشمل حكومة بقيادة فلسطينية وأمناً أجنبياً مؤقتاً.

وقال بلينكن إن إدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن ستسلم لفريق الرئيس المنتخب دونالد ترمب خطةً لإدارة قطاع غزة بعد الحرب، بما في ذلك تفاصيل عن قوة أمنية مؤقتة تضم قوات دولية وفلسطينيين.

وتابع أن السلطة الفلسطينية المعاد هيكلتها ستضطلع بإدارة غزة بموجب الخطة وستدعو شركاء دوليين للمساعدة في إنشاء إدارة مؤقتة للقطاع، حسب وكالة «رويترز» للأنباء.

صورة ملتقطة من جنوب إسرائيل تظهر مباني مدمرة من جراء القصف داخل قطاع غزة 14 يناير 2025 (أ.ب)

وأشاد بلينكن بالاقتراح، الذي كان قيد الإعداد لمدة عام، وناقش أهمية ضمان نجاحه بعد مغادرة إدارة بايدن لمنصبها في خطاب أمام المجلس الأطلسي، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس».

وقال: «تقع على عاتقنا مسؤولية ضمان استمرار المكاسب الاستراتيجية التي تحققت خلال الأشهر الـ15 الماضية وإرساء الأساس لمستقبل أفضل».

وأضاف أن الخطة تتصور أن السلطة الفلسطينية تدعو «شركاء دوليين» لتشكيل سلطة حاكمة مؤقتة لإدارة الخدمات الأساسية والإشراف على المنطقة. وفي الوقت نفسه، قال إن شركاء آخرين، ولا سيما الدول العربية، سيوفرون قوات لمهمة أمنية مؤقتة.

وجاء حديث بلينكن عن خطة غزة كجزء من خطاب غطى أيضاً مجالات أخرى من سياسة الإدارة في الشرق الأوسط، بما في ذلك إيران.