منطقة عازلة في جنوب لبنان بانتظار انتشار الجيش اللبناني وتأليف اللجنة الدوليّة

إسرائيل منعت سكان 60 بلدة من العودة بينها قرى في شمالي الليطاني

آليات عسكرية إسرائيلية تقف على مقربة من الحدود اللبنانية بعد بدء اتفاق وقف إطلاق النار (رويترز)
آليات عسكرية إسرائيلية تقف على مقربة من الحدود اللبنانية بعد بدء اتفاق وقف إطلاق النار (رويترز)
TT

منطقة عازلة في جنوب لبنان بانتظار انتشار الجيش اللبناني وتأليف اللجنة الدوليّة

آليات عسكرية إسرائيلية تقف على مقربة من الحدود اللبنانية بعد بدء اتفاق وقف إطلاق النار (رويترز)
آليات عسكرية إسرائيلية تقف على مقربة من الحدود اللبنانية بعد بدء اتفاق وقف إطلاق النار (رويترز)

لم يقتصر الجيش الإسرائيلي على منع سكان القرى الحدودية التي لا يزال موجوداً فيها من العودة إليها، إنما تعدّاها إلى تحديد 60 قرية في الجنوب محذراً العائلات من الانتقال إليها بعدما كان قد فرض منع التجول من الساعة الخامسة مساء حتى السادسة صباحاً.

ومع غياب أي تبرير لهذا التصرّف، وجّه الناطق باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي، أفخاي أدرعي، بياناً عاجلاً إلى سكان القرى التي حدّدها في جنوب لبنان، قال فيه «حتى إشعار آخر يحظر عليكم الانتقال جنوباً».

وأضاف: «جيش الدفاع لا ينوي استهدافكم ولذلك يحظر عليكم في هذه المرحلة العودة إلى بيوتكم من هذا الخط جنوباً حتى إشعار آخر، كل من ينتقل جنوب هذا الخط يعرض نفسه للخطر».

وللمفارقة فإن عدداً كبيراً من هذه البلدات تقع شمالي مجرى نهر الليطاني، إلّا أن مصدراً أمنياً أشار إلى أن «هذا التصرف غير مفهوم وغير مقبول، خصوصاً أن الجيش الإسرائيلي مستمر بعمليات جرف الأراضي الزراعية في مدينة الخيام والقرى الواقعة على تخوم الخطّ الأزرق».

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «التفسير الوحيد لما يحصل هو محاولة فرض منطقة عازلة أقلّه خلال مهلة الـ60 يوماً لوقف إطلاق النار وذلك إلى حين استكمال انتشار الجيش اللبناني وقوات (اليونيفيل) على طول الحدود الجنوبية، وبدء لجنة المراقبة عملها على الأرض». وإذ اعترف المصدر الأمني بأن هذه الأعمال «تشكّل انتهاكاً لقرار وقف إطلاق النار»، اعتبر أن «هذه الخروق تستدعي تحركاً سياسياً واتصالات عاجلة مع الأميركيين لوقف هذه الاعتداءات، وتسريع تشكيل لجنة المراقبة الخماسية التي يرأسها ضابط أميركي»، لافتاً إلى «خطورة العودة إلى الاستهدافات بواسطة الطائرات المسيرة كما حصل في بلدة مركبا».

موكب آليات لقوات الأمم المتحدة عند الحدود اللبنانية - الإسرائيلية (إ ب)

واعتبر الخبير العسكري والاستراتيجي، العميد نزار عبد القادر، أن «ما حققته إسرائيل من مكاسب على الأرض وما فرضته من شروط ضمن اتفاقية وقف إطلاق النار جعلها تتصرّف كأنها صاحبة اليد العليا». وقال: «صحيح أن إسرائيل لم تحقق انتصاراً ساحقاً في حربها ضدّ (حزب الله)، لكنّها فرضت تفوقاً عسكرياً وحققت مكاسب لا يستهان بها». ورأى العميد عبد القادر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «منع عودة الأهالي إلى القرى الجنوبية مردّه إلى خشيتها من تسلل عناصر من مقاتلي (حزب الله) بين المدنيين العائدين، وهي أخذت دروساً من انسحابها من جنوب لبنان في عام 2000 عندما أحكم الحزب سيطرته الكاملة على الحدود الجنوبية وحده، كما أخذت العبرة من انسحابها في عام 2006 عندما تركت للدولة اللبنانية مهمة تنفيذ القرار 1701، فأعاد الحزب بناء قدراته العسكرية أضعافاً مضاعفة».

لا يمكن فصل الخروقات الإسرائيلية عن الواقع السياسي في الداخل الإسرائيلي؛ إذ لفت العميد عبد القادر إلى أن نتنياهو «لم يكن مرتاحاً داخلياً بعد قرار وقف إطلاق النار المبكر مع لبنان، بدليل إعلانه مؤخراً أن إسرائيل أوقفت إطلاق النار ولم توقف الحرب وتستطيع إعادة فتح الجبهة واستئناف الحرب»، مشيراً إلى أن «الاستهداف الإسرائيلي لبلدات جنوبية، ومنع الناس من العودة إليها، يأتي ضمن المناورات السياسية التي تغطّي حرج نتنياهو أمام المعارضة الإسرائيلية، ومحاولة لتهدئة الوزراء المتطرفين في حكومته».

ويلمس أبناء القرى الجنوبية فارقاً كبيراً ما بين عودتهم إليها بعد حرب 2006 واليوم؛ حيث إن تل أبيب هي التي تحدد شروط هذه العودة وليس «حزب الله»، ولا رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي دعا أبناء الجنوب للعودة سريعاً إلى قراهم وبيوتهم، وقال المواطن سامي، من بلدة يحمر الواقعة في منطقة البقاع الغربي شمالي مجرى نهر الليطاني، إن الجيش الإسرائيلي «لا يتوقّف عن استهداف بلدته والقرى القريبة منها». وأوضح، لـ«الشرق الأوسط»، أن «العودة الآن تشكّل خطراً على حياة المواطنين، بالاستناد إلى معلومات وصلت إلى أبناء البلدة تفيد بأن إسرائيل تفرض الآن منطقة حظر داخل لبنان بعمق 5 كيلومترات عن الحدود مع فلسطين المحتلّة»، مشيراً إلى أن «عودة الناس قبل انتهاء فترة الـ60 يوماً تُعدّ مجازفة كبيرة؛ لأن وقف النار من الجانب الإسرائيلي لم يتحقق حتى الآن».


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة: تنفيذ اتفاق وقف النار في لبنان لا يمكن أن يتم «بين ليلة وضحاها»

المشرق العربي مشهد للدمار الذي خلفه القصف الإسرائيلي على منطقة مرجعيون في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: تنفيذ اتفاق وقف النار في لبنان لا يمكن أن يتم «بين ليلة وضحاها»

قالت منسقة الأمم المتحدة لشؤون لبنان، الجمعة، إن تنفيذ اتفاق وقف النار وانسحاب إسرائيل من الجنوب وتعزيز انتشار الجيش اللبناني، لا يمكن أن يتم «بين ليلة وضحاها».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الحدود اللبنانية - الإسرائيلية (رويترز)

رئيس لجنة مراقبة «وقف النار» في بيروت وإسرائيل «تتوسع» في قرى الجنوب

وصل إلى بيروت الجنرال الأميركي الذي سيترأس لجنة المراقبة الخماسية للإشراف على وقف إطلاق النار في وقت تواصل إسرائيل انتهاكاتها ضدّ لبنان.

كارولين عاكوم (بيروت)
المشرق العربي المبعوث الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان مجتمعاً مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي خلال زيارته الخميس إلى بيروت (أ.ب)

لودريان حذّر من إضاعة فرصة الاهتمام الدولي بلبنان

تأتي زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى لبنان في سياق حثّه النواب على انتخاب رئيس للجمهورية، محذراً من إضاعة فرصة الاهتمام الدولي بالبلاد.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يدلي بتصريحاته على هامش قمة «مجموعة العشرين» في مدينة ريو دي جانيرو (أ.ف.ب) play-circle 01:22

ماكرون يدعو إلى الوقف «الفوري» لأي أعمال «تنتهك» وقف إطلاق النار في لبنان

دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الوقف «الفوري» لكل «الأعمال التي تنتهك» وقف إطلاق النار الساري في لبنان منذ الأربعاء، على ما أعلن قصر الإليزيه الجمعة.

شؤون إقليمية جنود إسرائيليون يسيرون بالقرب من دبابات تنتظر في موقعها بالقرب من الحدود الإسرائيلية اللبنانية 28 نوفمبر 2024 (رويترز)

الجيش الإسرائيلي: حققنا «إنجازاً استراتيجياً» ومستعدون للهجوم إذا ارتكب «حزب الله» خطأ

قال قائد المنطقة الشمالية للجيش الإسرائيلي، اليوم (الجمعة)، إن الجيش نجح في عملياته في إعادة «حزب الله» إلى الوراء لسنوات عدة، ووصف ذلك بأنه «إنجاز استراتيجي».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

دبابات إسرائيلية تنسحب من مخيم النصيرات مخلِّفة عشرات القتلى

فتى فلسطيني يقفز قرب صاروخ غير منفجر بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من مخيم النصيرات الجمعة (إ.ب.أ)
فتى فلسطيني يقفز قرب صاروخ غير منفجر بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من مخيم النصيرات الجمعة (إ.ب.أ)
TT

دبابات إسرائيلية تنسحب من مخيم النصيرات مخلِّفة عشرات القتلى

فتى فلسطيني يقفز قرب صاروخ غير منفجر بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من مخيم النصيرات الجمعة (إ.ب.أ)
فتى فلسطيني يقفز قرب صاروخ غير منفجر بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من مخيم النصيرات الجمعة (إ.ب.أ)

قُتل ما لا يقل عن 40 فلسطينياً في ضربات للجيش الإسرائيلي، الخميس والجمعة، في غزة، معظمهم في مخيم النصيرات في وسط القطاع، وذلك بعد أن انسحبت دبابات إسرائيلية من بعض مناطق المخيم.

وقال مسعفون إنهم انتشلوا 19 جثة لفلسطينيين قُتلوا في المناطق الشمالية من النصيرات، أحد مخيمات اللاجئين الثمانية القديمة في القطاع.

وذكر المسعفون أن غارة جوية إسرائيلية أودت بحياة 10 فلسطينيين على الأقل، الجمعة، في منزل ببيت لاهيا بشمال القطاع. وأوضح المسعفون أن الباقين قُتلوا في المناطق الشمالية والجنوبية من قطاع غزة.

ولم يُصدر الجيش الإسرائيلي أي بيان جديد، الجمعة، لكنه قال أمس إن قواته تواصل «ضرب أهداف إرهابية في إطار نشاط العمليات في قطاع غزة».

واقتحمت دبابات إسرائيلية شمال مخيم النصيرات ووسطه، الخميس. وانسحبت الدبابات من المناطق الشمالية، الجمعة، لكنها ظلت في المنطقة الغربية من المخيم. وقال الدفاع المدني الفلسطيني إن فرقه لم تتمكن من الاستجابة لنداءات الاستغاثة من سكان محاصرين داخل منازلهم.

فلسطينية وسط الدمار بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من مخيم النصيرات الجمعة (رويترز)

وعاد عشرات الفلسطينيين، الجمعة، إلى المناطق التي انسحب منها الجيش لتفقُّد الأضرار التي لحقت بمنازلهم، وانتشل بعضهم جثث قتلى.

وغطى مسعفون وأقارب جثثاً، بعضها لنساء، كانت ملقاة على الطريق بالبطانيات أو بأكفان بيضاء، وحملوها على محفات.

وقال رجل وهو يبكي بجانب جثة زوجته المسجاة على محفة على الأرض: «سامحيني يا مرتي، سامحيني يا ابتسام، سامحيني يا غالية».

وقال مسعفون إن طائرة إسرائيلية مسيرة قتلت، الجمعة، أحمد الكحلوت رئيس قسم العناية المركزة في «مستشفى كمال عدوان» في بيت لاهيا في أقصى شمال قطاع غزة، حيث ينفذ الجيش عمليات منذ أوائل أكتوبر (تشرين الأول).

وقالت وزارة الصحة في غزة إن مدير المستشفى و12 مسعفاً أصيبوا في هجمات مماثلة في وقت سابق من الأسبوع.

و«مستشفى كمال عدوان» واحد من ثلاثة مرافق طبية تقع في أقصى شمال قطاع غزة تعمل بالكاد الآن في ظل نقص الإمدادات الطبية والوقود والغذاء. وقال مسؤولون صحيون إن معظم أفراد الطاقم الطبي في المستشفى إما اعتقلهم الجيش الإسرائيلي وإما طردهم.

نزوح

قال الجيش الإسرائيلي إن قواته التي تنفذ عمليات في بيت لاهيا وجباليا وبيت حانون منذ الخامس من أكتوبر تستهدف منع مسلحي «حماس» من معاودة تنظيم صفوفهم، وشن هجمات من تلك المناطق. وقال السكان إن الجيش يجلي سكان بلدتي بيت لاهيا وبيت حانون ومخيم جباليا للاجئين.

وقال فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، الخميس، إن الهجوم الإسرائيلي المستمر في أقصى شمال قطاع غزة أدى إلى نزوح نحو 130 ألف شخص.

فلسطينيون يعانون الأضرار بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من مخيم النصيرات الجمعة (رويترز)

وأفرجت السلطات الإسرائيلية عن نحو 30 فلسطينياً اعتقلتهم في الأشهر القليلة الماضية خلال الحملة العسكرية المتواصلة. وقال مسعفون إن المفرج عنهم وصلوا إلى مستشفى في جنوب غزة لإجراء فحوصات طبية.

وتَحَدَّثَ فلسطينيون محررون، اعتُقلوا خلال الحرب، عن تعرُّضهم لسوء المعاملة والتعذيب في مراكز الاحتجاز الإسرائيلية. وتنفي إسرائيل اتهامات التعذيب.

ولم تثمر مفاوضات استمرت أشهراً من أجل وقف إطلاق النار في غزة تقدُّماً يُذْكر، والمحادثات متوقفة الآن.

وقال مسؤولون في غزة إن الحملة الإسرائيلية أودت بحياة أكثر من 44300 شخص، وأجبرت كل سكان القطاع تقريباً على النزوح مرة واحدة على الأقل، وأصبحت مساحات شاسعة من الجيب الفلسطيني أطلالاً.

وتقول إسرائيل إن الهجوم على بلدات جنوبية بقيادة «حماس» قبل 13 شهراً، والذي أشعل فتيل هذه الحرب، أدى إلى مقتل نحو 1200، واحتجاز أكثر من 250 رهينة.