إيران وإسرائيل... الردّ والردّ المضاد ومعادلات القوة والردع

طهران تجد نفسها وحدها بعد ضرب حلفائها... لكن تل أبيب ترد وهي واثقة بدعم واشنطن

صورة التقطتها الأقمار الاصطناعية لشركة «بلانيت لابس» تُظهر أضراراً لحقت بمنشأة بارشين العسكرية جنوب شرقي طهران يوم 24 أكتوبر (رويترز)
صورة التقطتها الأقمار الاصطناعية لشركة «بلانيت لابس» تُظهر أضراراً لحقت بمنشأة بارشين العسكرية جنوب شرقي طهران يوم 24 أكتوبر (رويترز)
TT

إيران وإسرائيل... الردّ والردّ المضاد ومعادلات القوة والردع

صورة التقطتها الأقمار الاصطناعية لشركة «بلانيت لابس» تُظهر أضراراً لحقت بمنشأة بارشين العسكرية جنوب شرقي طهران يوم 24 أكتوبر (رويترز)
صورة التقطتها الأقمار الاصطناعية لشركة «بلانيت لابس» تُظهر أضراراً لحقت بمنشأة بارشين العسكرية جنوب شرقي طهران يوم 24 أكتوبر (رويترز)

أميركا دائماً تفعل الصواب، لكن بعد تجربة كلّ البدائل. هكذا قال ونستون تشرشل عنها. وهكذا هو حال الصراع بين إيران وإسرائيل منذ الثورة الإيرانيّة في نهاية سبعينات القرن الماضي. جرّبت إسرائيل وإيران الطرق الملتوية كافة في صراعهما، من القتال عبر الوكلاء، إلى العمليات الاستخباراتيّة، حتى وصلا إلى الصدام المباشر حالياً. كانت فضيحة «إيران كونترا» في الثمانينات هي الاستثناء، عندما تعاون البلدان، بطلب أميركيّ، لكن اللاعبين هم أنفسهم، حتى ولو كانت الظروف مختلفة تماماً. حتى أنه يمكن القول إن أميركا لم تستهدف عسكريّاً الداخل الإيرانيّ، باستثناء محاولة الرئيس جيمي كارتر تحرير الرهائن الأميركيين من السفارة الأميركية في طهران عام 1980. أما عملية اغتيال قائد «فيلق القدس»، قاسم سليماني، فهي حدثت على الأرض العراقيّة (عام 2020)، وبعدما برَّرها الرئيس دونالد ترمب بأنه يُشكّل خطراً وشيكاً ومحدقاً (Imminent) على المصالح الأميركيّة.

الصورة هي الرسالة

بنيامين نتنياهو يشارك في اجتماع أمني بوزارة الدفاع في تل أبيب خلال الضربة التي استهدفت إيران نهاية الأسبوع الماضي (مكتب الإعلام الحكومي الإسرائيلي - أ.ف.ب)

تحتل الصورة اليوم موقعاً مهمّاً في عملية إخراج النصر وكذلك الهزيمة. ألم تصبح الصورة في العصر الرقميّ هي الرسالة بحد ذاتها؟ بالطبع هكذا قال الفيلسوف الفرنسيّ ريجيس دوبريه. فالصورة تسير اليوم مع المدفع، ومع الطائرة، كما مع البارجة والحرب السيبرانيّة. فمن الأمم المتحدة نشر بنيامين نتنياهو صورة له وهو يعطي أمر اغتيال أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله في سبتمبر (أيلول) الماضي. ومن مركز القيادة والسيطرة في وزارة الدفاع الإسرائيليّة بدا وهو يدير الحرب على إيران مع أركانه الأسبوع الماضي. في المقابل، نشرت إيران صورة قائد القوة الجو - فضائيّة العميد أمير علي زاده وهو يعطي أمر إطلاق الصواريخ على إسرائيل، في بداية أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، في عملية «الوعد الصادق - 2». بعدها نشرت إيران صورة للمرشد الإيراني، علي خامنئي، هو يقلّد زاده وساماً عسكريّاً رفيعاً.

المرشد الإيراني علي خامنئي يتحدث في لقاء بطهران يوم الأحد (وكالة أخبار غرب آسيا - رويترز)

عندما نفّذت إيران «الوعد الصادق - 2»، كانت صور الصواريخ الإيرانيّة في الجوّ تُنقل مباشرة على الهواء، وبدا الأمر كارثيّاً في الداخل الإسرائيلي نظراً لصغر مساحة الدولة العبرية. وعندما ردّت إسرائيل مؤخراً، لم نشهد الصورة نفسها، خصوصاً في ظلّ الحجم الضخم للوسائل التي استعملتها إسرائيل. لكن لماذا؟

فتّش دائماً عن الراعي. فتّش في المنطقة عن الدور والجهد الأميركيّ. فعلى المستوى العملانيّ في قطاع غزّة، هناك قيادة إسرائيليّة مباشرة للحرب، لكن من ضمن ضوابط أميركيّة مرنة في أغلب الأوقات، ومتشدّدة عند الإحراج. أما في لبنان، وهو المستوى الاستراتيجيّ، فهناك قيادة إسرائيليّة مباشرة للحرب، مع حريّة مُفرطة وملحوظة للمدفع الإسرائيليّ من قِبل «العم سام». وقد حملت رسائل المبعوث الأميركي إلى لبنان آموس هوكستين هذه المعاني.

لكن عند الانتقال إلى المستوى الجيوسياسيّ في المنطقة، أي بالاتجاه الإيرانيّ، فإن أميركا تتعامل مباشرة مع الوضع ومن ضمن تقييدات جامدة صارمة لا يمكن لها التراخي فيها.

صورة وزَّعها الجيش الإسرائيلي لإحدى مقاتلاته عقب الغارات على إيران يوم السبت (الجيش الإسرائيلي - أ.ف.ب)

معادلات القوة والردع

فما هي معادلات القوة والردع الحالية في المنطقة بعد الرد الإسرائيليّ الأخير على إيران؟

• عندما تبدأ الحرب، يسقط الردع. ولإعادة ترميمه، وجب اعتماد العنف سبيلاً أساسيّاً ووحيداً. أثبتت إيران أنها قادرة على ضرب العمق الإسرائيليّ. في المقابل، أثبتت إسرائيل أن ذراعها الطويلة قادرة على ضرب الداخل الإيرانيّ. لكن حتى الآن، لم يصل الوضع لرسم صورة ردع جديدة، خصوصاً وأن هذه الصورة هي التي ستحدّد شكل النظام الإقليميّ ومستقبله، والذي سيكون على الأرجح ليس كما أراده نتنياهو، وليس كما تريده إيران.

• بعد الردّ الإسرائيليّ، عادت ديناميكيّة الحرب إلى المسرحين في كل من لبنان وغزةّ، خصوصاً وأنه بعد كلّ ردّ، يفقد المُنفّذ زمام المبادرة ليصبح في وضع الدفاع بانتظار الردّ على الردّ.

• لا يمكن لإيران أن تبدو بصورة الضعيف. فالضعف يجلب العدوان، كما قال هنري كيسنجر. ومن هنا عليها دائماً أن توحي بأفعالها أنها قويّة. فهل التعتيم الأخير على الضربة الإسرائيليّة ونتائجها يندرج في هذا الإطار؟

• لم يعد مبدأ الصبر الاستراتيجي متناسباً مع الواقع الحالي لإيران التي تبدو في ورطة استراتيجيّة. فإن ردّت هناك مشكلة، وإن لم تردّ ستبدو ضعيفة، خصوصاً في ظل التقارير التي تقول إن إسرائيل استهدفت في هجومها الأخير كل الدفاعات الجويّة في الداخل الإيرانيّ. وإذا ما صحّ ذلك، فهذا سيعني وضعاً يسمح لسلاح الجّو الإسرائيلي، مستقبلاً، بالتحليق بحريّة كبيرة داخل إيران.

• ينسحب هذا الوضع على إسرائيل أيضاً. فالضعف، أو مجرد صورة الضعف، يُعدّ بالنسبة لها مسألة حياة وموت. ألم يقل ديفيد بن غوريون لموشي دايان مرّة: «إن إسرائيل تسقط بعد خسارة أوّل حرب»؟

• تكمن معضلة إيران في أنها وعندما تردّ، فهي تردّ في حين تجد نفسها وحدها دون دعم خارجيّ، خصوصاً بعد ضرب قدرات حلفائها في المنطقة، وبخاصة «حزب الله». في المقابل، تكمن معضلة إسرائيل في أنها تعتمد على دعم أميركا في كلّ شيء، الأمر الذي يقيّدها في كثير من المسائلّ. في هذا الإطار، تتميّز إسرائيل عن إيران في أنها عندما تردّ على هذه الدولة فهي تردّ وهي واثقة من الدعم والحماية الأميركيّة.

في الختام، إن عملية وقف دورة الردّ والردّ على الردّ، تتطلّب إخراجاً معيّناً. لكن هذا الإخراج يتطلّب بدوره وضعاً ميدانيّاً معيّناً يكون مناسباً لكل الأفرقاء. وحتى الآن، لم يصل الوضع، كما يبدو، إلى هذه الدرجة.


مقالات ذات صلة

خامنئي: يجب إصدار أحكام إعدام بحق قادة إسرائيل... وليس أوامر اعتقال

شؤون إقليمية صورة نشرها موقع خامنئي من خطابه أمام أعضاء قوات «الباسيج» التابع لـ«الحرس الثوري» اليوم

خامنئي: يجب إصدار أحكام إعدام بحق قادة إسرائيل... وليس أوامر اعتقال

قال المرشد الإيراني علي خامنئي، في كلمة ألقاها، اليوم الاثنين، إنه ينبغي إصدار أحكام إعدام على قادة إسرائيل، وليس أوامر اعتقال.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية جانب من دخان القصف على درعا (المرصد السوري لحقوق الانسان)

إسرائيل تستهدف موالين لإيران بسوريا

في هجوم هو الأكثر دموية والعاشر منذ بداية الشهر الحالي داخل الأراضي السورية، قُتل أكثر من 40 شخصاً وجُرح نحو 50 آخرين بغارات إسرائيلية طالت 3 مواقع في مدينة

«الشرق الأوسط» (دمشق - بغداد)
المشرق العربي عناصر ميليشيات في البادية السورية (مواقع التواصل الاجتماعي)

إيران تعزز ميليشياتها في سوريا

في مواجهة التصعيد الإسرائيلي والتهديد بقطع شريان طهران ـ دمشق، تعزز إيران قوة الميليشيات التابعة لها في سوريا.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية الصواريخ الإيرانية تُعرض في متحف القوة الجوية الفضائية لـ«الحرس الثوري» في طهران بإيران الجمعة (رويترز)

إسرائيل تعتبر عقوبات «الأوروبي» على إيران بأنها خطوات ضرورية

رحب وزير الخارجية الإسرائيلي بالعقوبات الجديدة التي أعلن الاتحاد الأوروبي فرضها على طهران ووصفها بأنها «خطوات ضرورية».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية ضابطة فيتنامية تجرب سلاحاً خلال معرض الدفاع الدولي في هانوي (أرشيفية-رويترز)

إيران وإسرائيل تشاركان بمعرض للمعدات العسكرية بفيتنام

قالت وزارة الدفاع الفيتنامية اليوم الثلاثاء، إن شركات من إيران وإسرائيل والصين وروسيا والولايات المتحدة ستعرض معدات عسكرية بمعرض للأسلحة في العاصمة هانوي.

«الشرق الأوسط» (هانوي )

إسرائيل تواصل غاراتها على الضاحية... ومقتل 10 وإصابة 17 في صور

TT

إسرائيل تواصل غاراتها على الضاحية... ومقتل 10 وإصابة 17 في صور

تصاعد السحب الدخانية نتيجة القصف الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية في بيروت (رويترز)
تصاعد السحب الدخانية نتيجة القصف الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية في بيروت (رويترز)

أفادت الوكالة اللبنانية اليوم (الأثنين) بمقتل 10 أشخاص وإصابة 17 آخرين في غارات إسرائيلية على صور بجنوب البلاد، فيما تجددت الغارات على ضاحية بيروت الجنوبية بعد إنذارات إسرائيلية للسكان بالإخلاء.

ونقلت وسائل إعلام لبنانية في وقت سابق من اليوم (الاثنين) وقوع غارتين إسرائيليتين على الضاحية الجنوبية في بيروت. وتصاعدت سحابتا دخان وغبار ضخمتان من المنطقة، إثر غارتين على الأقل، بعدما كان الناطق باسم الجيش الإسرائيلي للغة العربية أفيخاي أدرعي حدّد عبر منصة «إكس» ثلاثة أبنية في حارة حريك، طالباً من السكان إخلاءها، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي إن الطائرات الحربية شنت غارات على الضاحية الجنوبية لبيروت مستهدفة ما وصفه بأنه «مقرات قيادة عسكرية تابعة لـ (حزب الله)».

وأضاف في بيان، «تأتي هذه الغارات في إطار ضربات تستهدف قدرات (حزب الله) لتنفيذ مخططات إرهابية ضد دولة إسرائيل، وفي إطار الجهود الرامية لتدمير مواقع الإنتاج ومستودعات الأسلحة التي أقامها (حزب الله) على مدار السنوات الماضية في منطقة الضاحية».

وكان أدرعي قد نشر، في وقت سابق اليوم، عبر موقع «إكس»، إنذاراً بالإخلاء «إلى جميع السكان الموجودين في منطقة الضاحية الجنوبية». وتابع :«أنتم توجدون بالقرب من منشآت ومصالح تابعة لـ(حزب الله) حيث سيعمل ضدها جيش الدفاع بقوة على المدى الزمني القريب».

وكانت بلدات يحمر الشقيف والجبل الأحمر بين حاروف وشوكين وزبدين في جنوب لبنان تعرضت صباح اليوم (الاثنين) لغارات إسرائيلية، بحسب ما أوردته «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية.

وأسفرت الغارات الحربية الإسرائيلية الكثيفة في بلدة يحمر الشقيف، عن تدمير 15 منزلاً. كما سُجلت غارات على أرنون وكفرتبنيت وحرج علي الطاهر ومحيط قلعة الشقيف وعلى مجرى الليطاني بين زوطر وديرسريان وبين شوكين وميفدون وأطراف كفرصير، بالإضافة إلى ثلاث غارات على عين قانا في إقليم التفاح.

من جانبه، أعلن «حزب الله» اللبناني، في بيانين منفصلين، اليوم الاثنين، أن عناصره استهدفت مستوطنة شتولا وتجمعاً لقوات إسرائيلية شرق مدينة الخيام، بـ«صلية صاروخية»، وفق ما أوردته «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية.