مكتب غروندبرغ لـ«الشرق الأوسط»: نناقش مع صنعاء وعدن تجنب انهيار اقتصادي أعمق

أكد أن جهود توحيد العملة اليمنية والقطاع المصرفي مستمرة

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الشرق الأوسط)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الشرق الأوسط)
TT

مكتب غروندبرغ لـ«الشرق الأوسط»: نناقش مع صنعاء وعدن تجنب انهيار اقتصادي أعمق

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الشرق الأوسط)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الشرق الأوسط)

قال مسؤول في المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن إن مشاوراته ونقاشاته مستمرة مع مسؤولي «البنك المركزي» في صنعاء وعدن؛ لإيجاد حلول تقنية ومستدامة؛ لتجنب انهيار اقتصادي أعمق، بما فيها تقييم العرض النقدي الأمثل، وتوحيد سعر الصرف في جميع أنحاء البلاد.

وكشف المسؤول في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، عن أنه أجرى مناقشات بهذا الشأن في صنعاء الشهر الحالي، مشيراً إلى أن «العملة الموحدة، والقطاع المصرفي الموحد، يجلبان قوة مالية، وتحفيزاً للاقتصاد»، على حد تعبيره.

تأتي تصريحات مكتب المبعوث الأممي في وقت تحاول فيه الحكومة اليمنية (المعترف بها دولياً) السيطرة على التراجع الحاد في العملة الوطنية، وسط أوضاع اقتصادية ومعيشية متدهورة تعيشها البلاد، بعد نحو 10 سنوات من انقلاب جماعة الحوثي وسيطرتهم على العاصمة صنعاء بالقوة.

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الشرق الأوسط)

وشهدت العملة اليمنية، الخميس، انخفاضاً قياسياً في المحافظات المحررة أمام العملات الأجنبية، حيث بلغ سعر شراء الدولار مقابل الريال اليمني 2026 ريالاً، وسعر البيع 2050 ريالاً، فيما سجل سعر شراء الريال السعودي 532 ريالاً، و535 ريالاً للبيع.

ووفق خبراء اقتصاديين يمنيين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، فإن الحكومة بحاجة إلى اتخاذ تدابير عاجلة لاستعادة ثقة المواطنين، والتحالف، والمجتمع الدولي. وأكدوا أن هذا لن يتحقق إلا من خلال تعزيز الحكومة بشخصيات اقتصادية ذات خبرة كبيرة في إدارة الأزمات.

توحيد العملة والقطاع المصرفي

كشف مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، عن أن أكثر من 70 في المائة من اليمنيين يعانون الفقر، مع تأكيده أن النساء هن الأكثر تضرراً. وفي رده على استفسارات من «الشرق الأوسط» عن جهوده مع أطراف الصراع لتوحيد العملة و«البنك المركزي» في صنعاء وعدن، أوضح مكتب غروندبرغ أن «توحيد القطاع المصرفي والعملة خطوة أساسية لضمان دفع رواتب موظفي القطاع العام، وهو أمر حيوي لملايين اليمنيين».

وأشار المسؤول في المبعوث إلى أن مكتبه يعمل منذ بداية الأزمة المصرفية في أبريل (نيسان) الماضي مع «البنك المركزي» في صنعاء وعدن على مناقشة حلول تقنية ومستدامة؛ لتجنب انهيار اقتصادي أعمق، «تشمل تقييم العرض النقدي الأمثل، وضمان استقرار سعر الصرف، وتمويل الإنفاق الحكومي بشكل مستدام».

وأكد المسؤول أن «المشاورات مستمرة بشأن هذه الخيارات وغيرها. ومؤخراً، جرت مناقشات هذا الشهر في صنعاء». وتابع: «نؤكد مجدداً أن العملة الموحدة، والقطاع المصرفي الموحد، يجلبان قوة مالية، وتحفيزاً للاقتصاد، وزيادة في القوة الشرائية لليمنيين. ولتحقيق مصلحة الشعب، يجب إبقاء هذه القضايا بعيداً عن التسييس».

معركة وقف انهيار العملة

مع استمرار انهيار العملة اليمنية، تبدو الحلول المؤقتة غير مجدية، وفق مراقبين، مما يضيّق الخيارات أمام الشرعية لمعالجة هذه الأزمة المعقدة، مما دفع برئيس الوزراء، الدكتور أحمد عوض بن مبارك، إلى وصف الانخفاض «غير المبرر» في سعر صرف العملة بأنه «معركة لا تقل أهمية عن المعركة العسكرية لاستعادة الدولة وإنهاء الانقلاب».

وأضاف بن مبارك في تصريحات حديثة: «التقديرات المالية والنقدية تشير بوضوح إلى أن الانخفاض الحاد في أسعار الصرف غير مبرر، وغير منطقي، ولا يتناسب مع حجم الكتلة النقدية المتداولة، وهذا يؤكد أن ما حدث لم يكن عفوياً، بل يشير إلى وجود مخطط مدروس يستدعي منا التكاتف لمواجهته».

جهود رئاسية

منذ عودته إلى العاصمة المؤقتة عدن في 15 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، وجد رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الدكتور رشاد العليمي، نفسه في مواجهة تداعيات اقتصادية كبيرة؛ أبرزها انهيار سعر الصرف... هذا الوضع دفع به إلى عقد سلسلة من الاجتماعات الطارئة مع قيادة «البنك المركزي» و«لجنة إدارة الأزمات الاقتصادية والإنسانية».

رئيس «مجلس القيادة الرئاسي» خلال اجتماعه بـ«لجنة إدارة الأزمات الاقتصادية والإنسانية»... (سبأ)

وكان «البنك المركزي اليمني» في عدن قد أصدر في 30 مايو (أيار) 2024 قراراً يقضي بوقف التعامل مع 6 من أكبر البنوك اليمنية العاملة في مناطق سيطرة الميليشيات؛ هي: «التضامن»، و«اليمن والكويت»، و«اليمن البحرين الشامل»، و«الأمل للتمويل الأصغر»، و«الكريمي للتمويل الأصغر الإسلامي»، و«اليمن الدولي».

إلا إن مجلس القيادة الرئاسي والحكومة تراجعا عن هذا القرار لاحقاً بعد أن أحدث القرار أزمة حادة مع الانقلابيين الحوثيين آنذاك، وبررت الحكومة التراجع بحسابات مرتبطة بمصلحة الشعب اليمني، والظروف الاستثنائية الصعبة التي تمر بها البلاد.

عدم التزام الحوثيين

في تعليقات حديثة، أكد الدكتور محمد باناجة ، نائب محافظ «البنك المركزي اليمني»، أن البنك استجاب بالكامل لجميع البنود المتفق عليها مع المبعوث الأممي؛ بما في ذلك إلغاء جميع الإجراءات المتعلقة بسحب نظام الـ«سويفت» من البنوك التي لم تنقل مراكز عملياتها إلى عدن. وأشار إلى أن الطرف الآخر لم يتخذ أي خطوات ملموسة، ولم يصدر حتى بياناً يعبر فيه عن حسن النيات.

وبشأن التقلبات الحادة في سعر الصرف، أوضح باناجة أن هذه التقلبات نتيجة حتمية لتدهور الوضع الاقتصادي في البلاد، «مما يؤثر بشكل مباشر على القطاعين المصرفي والمالي». وأكد أن إدارة «البنك المركزي» تبذل جهوداً مكثفة لتجاوز هذه التحديات عبر استخدام الأدوات المتاحة في السياسة النقدية.

أهمية اتخاذ تدابير عاجلة

يرى الخبير الاقتصادي اليمني، رشيد الآنسي، أن الحكومة بحاجة لاتخاذ سلسلة من التدابير لكسب ثقة المواطنين، والتحالف، والمجتمع الدولي. وفي تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»، قال الآنسي: «لن يتحقق ذلك إلا من خلال تعزيز الحكومة بكفاءات اقتصادية معروفة وذات خبرة في إدارة الاقتصاد اليمني، بالإضافة إلى وضع برنامج إصلاح اقتصادي شامل ومحدد الأطر الزمنية، يهدف إلى تعزيز المالية العامة للدولة، وتقليص النفقات، وزيادة الإيرادات غير النفطية، والضغط من أجل استئناف تصدير النفط».

رئيس الوزراء اليمني خلال اجتماعه بقيادة «البنك المركزي»... (سبأ)

وفي رده على سؤال عن احتمال اتخاذ الحكومة قرارات حازمة مشابهة لتلك التي تراجعت عنها ضد «البنك المركزي» التابع للحوثيين، استبعد الآنسي ذلك، مشيراً إلى أن الحكومة تفتقر القدرة على فعل ذلك. وأوضح: «(مجلس القيادة) لم يكتفِ بإلغاء القرارات السابقة فحسب، بل فرض أيضاً حظراً على اتخاذ قرارات مشابهة، كما أوضح (المجلس) أن قرار الإلغاء جاء خدمةً للمصلحة العامة ولمصلحة الشعب، فكيف يمكن الآن التراجع عنه؟».

يتابع رشيد الآنسي: «لا خيار أمام (البنك المركزي) أو (مجلس القيادة) سوى اللجوء إلى بدائل أخرى لا تقل تأثيراً عن قرارات نقل البنوك إلى مناطق سيطرة الشرعية (...) كما يتوجب على الحكومة إجراء تقييم سريع لأداء جميع المؤسسات الإيرادية وتعزيز كفاءتها، بالإضافة إلى التعاون مع (البنك المركزي) للعمل على تقليص تهريب العملة الأجنبية إلى مناطق سيطرة الحوثيين».

«نعمل منذ بداية الأزمة المصرفية في أبريل (نيسان) الماضي مع البنك المركزي في صنعاء وعدن على حلول تقنية ومستدامة لتجنب انهيار اقتصادي أعمق».

مكتب المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن


مقالات ذات صلة

شبكة حوثية لتجنيد مئات اليمنيين للقتال في أوكرانيا

المشرق العربي مجموعة من الشبان اليمنيين المجندين في معسكر تدريب روسي يرفعون العلم اليمني (إكس)

شبكة حوثية لتجنيد مئات اليمنيين للقتال في أوكرانيا

تنشط شبكة حوثية لتجنيد شبان يمنيين للقتال ضمن الجيش الروسي في أوكرانيا، من خلال إغرائهم بالعمل في شركات أمن روسية برواتب مجزية وتتقاضى آلاف الدولارات عن كل شاب.

محمد ناصر (تعز)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ونائبه خلال استقبال المبعوث الأميركي والسفير فاجن... الاثنين (سبأ)

جهود إقليمية ودولية لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن برعاية أممية

شهدت العاصمة السعودية، الرياض، في اليومين الماضيين، حراكاً دبلوماسياً نشطاً بشأن الملف اليمني، ركَّز على الجهود الإقليمية والدولية لخفض التصعيد.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

فيما طالبت الأمم المتحدة بأكبر تمويل إنساني في اليمن للعام المقبل أفاد تقرير دولي بوجود 3.5 مليون شخص من فئة المهمشين لا يمتلكون مستندات هوية وطنية

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

يشهد اليمن موسماً جديداً للأمطار الغزيرة التي تتسبب في أضرار كبيرة للسكان والبنية التحتية، في حين لا تزال البلاد وسكانها يعانون تأثيرات فيضانات الصيف الماضي.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي تأهيل الطرقات وتحسين البنية التحتية التي تأثرت بالحرب والانقلاب  (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

البرنامج السعودي لإعمار اليمن يعزز دعم سبل العيش

تقرير حديث للبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن حول مساهماته في بناء القدرات واستثمار طاقات الشباب اليمني لتحسين حياتهم وخدمة مجتمعهم وبناء مستقبل واعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)

المشهد الأخير لحرب إسرائيل على لبنان: تصعيد لرسم «صورة النصر»

TT

المشهد الأخير لحرب إسرائيل على لبنان: تصعيد لرسم «صورة النصر»

صورة للدخان الناجم عن 20 غارة إسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)
صورة للدخان الناجم عن 20 غارة إسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)

يتسابق كل من «حزب الله» وإسرائيل لرسم صورة الانتصار أمام جمهوره في الساعات الأخيرة للحرب، فيحاول الطرفان تحقيق المكاسب العسكرية والمعنوية أمام جمهوره قبل ساعات من إعلان وقف إطلاق النار المتوقع، ليبقى السؤال؛ لمن ستكون الطلقة الأخيرة في هذه الحرب التي أوقعت آلاف القتلى والجرحى في لبنان ودمّرت آلاف المنازل وهجّرت أكثر من مليون نازح، معظمهم لا يعرف الوجهة التي سيسلكها بعد وقف آلة الحرب؟!

وكانت الحرب بين إسرائيل و«حزب الله»، التي أعلنها الأخير تحت عنوان «إسناد غزة» في 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 قد اتخذت منحى تصعيدياً في 23 سبتمبر (أيلول) 2024 بقرار من تل أبيب، لتتوسع وتشمل كل الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، أي بشكل أساسي المناطق المحسوبة على «حزب الله» والطائفة الشيعية، واستمرت بالوتيرة نفسها لمدة أكثر من شهرين، قبل أن يبدأ العمل جدياً على وقف إطلاق النار قبل نحو أسبوعين.

تصعيد متدرج وساعات صعبة على اللبنانيين

ومع بدء ملامح التوافق على الحلّ الذي يرتكز بشكل أساسي على قرار مجلس الأمن 1701، رفع الطرفان راية التصعيد في المشهد الأخير للحرب مستفيدين من الساعات الأخيرة «لتحقيق الإنجازات» العسكرية والسياسية.

ومنذ بدء الحديث عن تقدم في مفاوضات وقف إطلاق النار، شهدت المواجهات تصعيداً غير مسبوق، بحيث ارتكبت إسرائيل مجزرة في منطقة البسطة القريبة من وسط بيروت، صباح السبت، أدت إلى مقتل 29 شخصاً، وكانت المواجهات أكثر حدّة يوم الأحد بإطلاق «حزب الله» أكثر من 300 صاروخ باتجاه مستوطنات الشمال حيث سُجل سقوط جرحى، ووصل منها إلى تل أبيب، معيداً بذلك تفعيل معادلة «تل أبيب مقابل بيروت»، في موازاة الغارات والقصف المتنقل بين الجنوب والبقاع والضاحية التي تعرضت ليلاً لزنار نار عبر استهدافها بأكثر من 11 غارة، ما أدى إلى دمار هائل في المباني.

كذلك، شهدت بلدة الخيام ليلة عنيفة، في استمرارٍ لمحاولة التوغل الإسرائيلية وتفخيخ الجيش للمنازل والأحياء.

وفيما استمر التصعيد يوم الاثنين بارتكاب إسرائيل عدداً من المجازر في البقاع والجنوب، عاش اللبنانيون ساعات صعبة على وقع المعلومات التي تشير إلى تحديد موعد وقف إطلاق النار، وشنّت سلسلة غارات على الضاحية الجنوبية بعد إصدار أوامر إخلاء هي الأكبر من نوعها منذ بداية الحرب ، بحيث طال زنار نار 20 مبنى في الحدث وحارة حريك والغبيري وبرج البراجنة، وقال الجيش الإسرائيلي إنه نفّذ 20 هدفاً إرهابياً خلال 120 ثانية.

 

الدخان يغطي سماء الضاحية الجنوبية لبيروت التي استهدفت الثلاثاء بأكثر من 20 غارة (رويترز)

وفي الجنوب، حيث تدور مواجهات شرسة في محاولة الجيش الإسرائيلي التوغل إلى بلدة الخيام، نشر المتحدث باسمه صوراً لجنود قال إنها عند «نهر الليطاني»، وأشارت المعلومات إلى أن الجنود وصلوا إلى مجرى النهر من دير ميماس، التي دخلوا إليها قبل أيام .

وعلى وقع هذا التصعيد، بدأ الطرفان بترويج فكرة «الانتصار» أمام جمهورهما، فـ«حزب الله» ربط «التقدم في اتصالات وقف إطلاق النار بالصواريخ التي أطلقها السبت على تل أبيب ومستوطنات الشمال»، فيما يقول المسؤولون الإسرائيليون، في «رسالة طمأنة» لسكان الشمال الذين يتخوفون من وجود «حزب الله» على الحدود، إن الدولة العبرية ستتصرف بحزم عند أي خرق، مثل إعادة تسلح الحزب.

 

تحقيق آخر الأهداف لـ«إعلان النصر»

ويربط أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية، الدكتور عماد سلامة، التصعيد العسكري من قبل إسرائيل بالإسراع بتحقيق الأهداف المؤجلة قبل الإعلان عن وقف إطلاق النار، فيما يحاول «حزب الله» عبر إطلاق الصواريخ أن يثبت أن قدراته العسكرية لا تزال قوية وأنه لم يهزم.

ويقول سلامة لـ«الشرق الأوسط»: «في اللحظات الأخيرة قبل وقف إطلاق النار، يسعى كل طرف إلى إعلان النصر كوسيلة أساسية لتسويق التسوية كمكسب، وليس كتنازل أو هزيمة، وهو يهدف إلى تعزيز شرعية الاتفاق أمام القواعد الشعبية والبيئة السياسية لكل طرف، ومحاولة جس النبض المحلي لقياس ردود الفعل وحجم المعارضة المحتملة»، مضيفاً: «هذه الديناميكية تجعل من إعلان النصر أداة تكتيكية لتهيئة الساحة الداخلية والتعامل مع أي تطورات في اللحظات الأخيرة قبل اتخاذ القرار النهائي بشأن وقف الحرب».

من هنا، يرى سلامة أن «هذا الأمر يعكس حاجة كل طرف لتعزيز مواقعه داخلياً ولجم الانتقادات والحفاظ على التأييد السياسي»، موضحاً: «بالنسبة لإسرائيل، يمكنها اعتبار إنجازاتها سبباً لإعلان النصر، حيث حققت أهدافاً عسكرية استراتيجية. منها تدمير البنية التحتية العسكرية لـ(حزب الله)، واغتيال قياداته البارزة، ومنعه من الوجود الفاعل على الحدود مع إسرائيل. كما تمكنت من فصل المسار اللبناني عن القضية الفلسطينية، وإعادة المستوطنين إلى مناطقهم الشمالية بأمان، ما يشير إلى تحقيق كامل أهداف حملتها العسكرية بنجاح. هذا الإعلان يعزز موقف الحكومة الإسرائيلية أمام المعارضة الداخلية ويظهر قوة الردع الإسرائيلية».

أما بالنسبة لـ«حزب الله»، فيقول سلامة: «سيصرّ على أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها، حيث لم تتمكن من تدمير قوته العسكرية بالكامل أو وقف الهجمات الصاروخية والمسيرات. كما سيؤكد الحزب أنه نجح في التصدي لأي توغل إسرائيلي في الجنوب، وأجبر إسرائيل على التراجع دون تحقيق أهدافها السياسية أو العسكرية»، مضيفاً: «بالنسبة لـ(حزب الله)، هذا الإعلان ضروري لترسيخ شرعيته أمام بيئته الحاضنة ومؤيديه، وللردّ على الانتقادات التي قد تطوله نتيجة الخسائر التي تكبدها خلال المواجهة»، ويؤكد: «في النهاية، إعلان النصر لكلا الطرفين يعكس أهمية تأطير الأحداث بما يخدم مواقفهما الداخلية والدولية».

الساعات والأيام الأخيرة لحرب «تموز 2006»

يبدو من الواضح أن سيناريو حرب «تموز 2006» يتكرر اليوم، حيث إنه قبيل أيام وساعات من اتفاق وقف إطلاق النار، صعّدت تل أبيب من عملياتها العسكرية، وأطلقت قبل يومين عملية برية حملت عنوان «تغيير اتجاه 11»، وتوغّل الجيش الإسرائيلي عبر إنزال جوي في بلدة الغندورية بقضاء بنت جبيل مقتحماً وادي الحجير، ومنها إلى منطقة جويا (شرق صور)، ما أدى إلى مواجهة شرسة من قبل «حزب الله». وأشارت المعلومات إلى تدمير الحزب 25 دبابة إسرائيلية، إضافة إلى سقوط عدد من الجرحى في صفوف العسكريين.

كذلك، عمدت إسرائيل إلى رمي القنابل العنقودية قبل انتهاء الحرب بيومين فقط بشكل عشوائي، على أهداف غير محددة، ما حال دون القدرة على الحصول على خرائط دقيقة لإزالتها.

وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بأن الطائرات الحربية الإسرائيلية رمت أكثر من 5 ملايين قنبلة، أدت حتى عام 2020 إلى مقتل نحو 58 مواطناً، وجرح نحو 400 آخرين، أصيب كثير منهم بإعاقات وعمليات بتر لأقدامهم، وغالبيتهم فقدوا عيونهم وهم من المزارعين والرعاة.

وفي الساعات الأخيرة لإعلان وقف إطلاق النار، تكثّف القصف الجوي ليشمل بلدات عدة في الجنوب، مستهدفاً مباني وأحياء سكنية، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، فيما أمطرت المقاتلات الحربية الضاحية الجنوبية بوابل من الغارات حيث استهدفت ما يعرف بمجمع الإمام حسن السكني، المؤلف من 8 مبانٍ، بأكثر من 20 غارة خلال أقل من دقيقتين، ما أدى إلى مقتل عائلات بأكملها.

في المقابل، أطلق «حزب الله» صواريخه باتجاه شمال إسرائيل، مستهدفاً عدداً من المستوطنات، منها حيفا وكريات شمونة ومسكاف عام.