هل استعادت «حماس» قدراتها العسكرية في جباليا؟

بعد مقتل قائد لواء برتبة رفيعة شمال القطاع

TT

هل استعادت «حماس» قدراتها العسكرية في جباليا؟

مقاتلون من «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)
مقاتلون من «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)

رغم الإعلانات العسكرية الإسرائيلية السابقة عن القضاء على كتائب حركة «حماس» في شمال غزة؛ فإن العملية الجارية راهناً في النطاق نفسه، وما تعلنه «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لـ(حماس)»، و«سرايا القدس»، الجناح العسكري لحركة «الجهاد»، من عمليات استهداف للقوات الإسرائيلية، يشككان بشكل كبير بتلك المزاعم.

وأعلن الجيش الإسرائيلي، الأحد الماضي، تعرض عناصره في جباليا (شمال القطاع) لتفجير بعبوة ناسفة، مما أدى إلى مقتل ضابط رفيع المستوى كان يتولى قيادة «اللواء 401»، وإصابة 3 عسكريين بجروح متفاوتة.

ويُعد مخيم جباليا أحد أهم معاقل حركة «حماس» منذ الانتفاضة الأولى عام 1987، ومنه انطلقت منه أهم العمليات العسكرية ضد إسرائيل، كما أنه تعرض إبان الانتفاضة الثانية التي انطلقت عام 2000 لحملات عسكرية كانت القوات الإسرائيلية تتكبد خلالها خسائر فادحة.

وتبلغ مساحة المخيم نحو 1.5 كيلومتر مربع، ومنذ بدء الحرب الإسرائيلية قبل أكثر من عام في أعقاب «طوفان الأقصى» واجه مخيم جباليا 3 عمليات عسكرية.

تصاعد دخان كثيف بعد الغارات الإسرائيلية على مخيم جباليا للاجئين (د.ب.أ)

في العملية الأولى في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، لم تنجح القوات الإسرائيلية في الوصول إلى عمق مخيم جباليا، وعملت على أطرافه الغربية والشرقية، وذلك بسبب كثافة المقاومة التي تعرضت لها وجغرافيا المخيم المكتظ بالمنازل والسكان والأزقة الصغيرة التي لا تستطيع الآليات الدخول إليها.

أما العملية الثانية فجاءت في شهر مايو (أيار) الماضي، وكانت أكثر عمقاً، بالدخول من طرق التفافية جديدة إلى وسط المخيم مُخلِّفةً دماراً كبيراً طال حتى مراكز الإيواء وغيرها، ولكنها لم تسيطر على جميع المناطق في داخله.

استهداف المستشفيات

وخلال العملية الثالثة المستمرة تمكنت القوات الإسرائيلية من الوصول إلى معظم مواقع المخيم لتكون العملية الأكبر والأوسع. ولوحظ خلال تلك الجولة استعمال إسرائيل بكثافة مكعبات بلاستيكية داخلها كميات كبيرة من المتفجرات، لنسف المنازل والمباني وتدمير البنية التحتية.

وتركزت العمليات الإسرائيلية على استهداف وتحييد المستشفيات الرئيسية في شمال القطاع (الإندونيسي، وكمال عدوان، والعودة) لمنعها من تقديم خدماتها، إلى جانب التركيز على مراكز الإيواء التابعة لـ«أونروا» والأخرى الأهلية والحكومية، وتدمير أجزاء كبيرة منها واستهداف مَن بداخلها من نازحين قبل أن تطلب منهم الخروج إلى مناطق وصفتها بأنها آمنة في أعقاب تفتيشهم والتحقيق مع الرجال بشكل خاص واعتقال العشرات منهم.

فلسطينيون أُصيبوا خلال هجوم إسرائيلي على مخيم جباليا في مستشفى كمال عدوان (رويترز)

«مقاومة شديدة»

وترى مصادر ميدانية في غزة تحدثت إلى «الشرق الأوسط» أن «ما يميز العملية الثالثة المستمرة في شمال القطاع يتمثل في قدرة (القسام) على إبداء مقاومة شديدة، فاجأت بها إسرائيل، خصوصاً من خلال تفخيخ المنازل، ونصب عبوات ناسفة في الشوارع ونجاحها في استخدام أنفاق قديمة أعادت إصلاح بعضها جزئياً وجهَّزتها لتنفيذ مثل هذه العمليات، والاعتماد على أزقّة الشوارع الصغيرة بالمخيم لمفاجأة جيش الاحتلال».

في أعقاب العملية الأولى وتحديداً في السادس من يناير (كانون الثاني) من العام الجاري، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه نجح في تفكيك كتائب «حماس» والقضاء على قدراتها، وبعد انتهاء العملية الثانية في يونيو (حزيران) الماضي، كرر المعلومات نفسها، لكنّ الأحداث على الأرض خلال العملية الثالثة تشير إلى أن ذلك ليس دقيقاً، خصوصاً أن «حماس» ما زالت تنفّذ عمليات أسفرت عن مقتل كثير من الضباط والجنود، ومن أبرزهم أخيراً قائد اللواء 401.

جنود إسرائيليون في أثناء دورية على حدود غزة (أ.ف.ب)

وتقول مصادر ميدانية من داخل «القسام» في مخيم جباليا إن «الاحتلال تكبَّد خسائر فادحة، ولا يعلن كل خسائره خلال هذه العملية»، مشيرةً إلى أن عناصرهم «يطورون أساليب وتكتيكات في كل مرة تفاجئ الاحتلال».

وتضيف المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن «جميع الكتائب بخير، ولم يتم تفكيكها كما يدّعي جيش الاحتلال في كل مرة، وسيفشل خلال هذه العملية كما فشل سابقاً».

كيف تعمل «القسام»؟

ولدى «القسام» في شمال قطاع غزة (جباليا، وبيت لاهيا، وبيت حانون)، 6 كتائب قتالية، تضاف إليها كتيبة «تخصصات» تقدم خدمات عسكرية أخرى، مثل «الدروع، والقنص، والهندسة، والخدمات الطبية، وغيرها»، كما تشرح المصادر ذاتها.

ويوجد في مخيم جباليا وحده 3 من هذه الكتائب القتالية، هي: غرب جباليا (كتيبة عماد عقل)، ووسط جباليا (كتيبة فوزي أبو القرع)، وشرق جباليا (كتيبة سهيل زيادة)، وهي الكتائب الثلاث التي تقود حالياً الاشتباكات وتنفذ سلسلة عمليات داخل المخيم، كما تتلقى دعماً من كتيبة «الفرقان» (الشيخ رضوان)، وكتيبة «عسقلان» (بيت لاهيا)، من الجهات الجنوبية والشمالية والغربية لجباليا، وكلتا الكتيبتين تنفذ سلسلة عمليات من محاور عدة؛ مثل إطلاق صواريخ مضادة وتفجير عبوات ناسفة في آليات عسكرية إسرائيلية.

ولهذه الكتائب، كما تقول المصادر، دور كبير في هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، كما أنها عملت على قتل وجرح وأسر العشرات من الإسرائيليين من المناطق المحاذية لشمال القطاع، وقتلت إسرائيل كثيراً من أسراها نتيجة قصف قيادات تلك الكتائب، وأيضاً قائد لوائها أحمد الغندور في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، الذي قُتل برفقته كثير من الأسرى الإسرائيليين داخل أحد الأنفاق، وكان معه بعض قادة تلك الكتائب الذين قضوا نتيجة نفس الغارة على نفق بجباليا.

تكتيكات متجددة

من أهم التكتيكات التي تلجأ «القسام» إلى استخدامها في معارك شمال القطاع، استخدام صواريخ حربية إسرائيلية ألقتها الطائرات ولم تنفجر، حيث تعيد استخدامها في تفخيخ منازل، كما جرى في عدة حالات تفجيرها في القوات الراجلة لدى اقتحامها تلك المنازل.

وتستخدم المنازل المتضررة بشكل أساسي لتفخيخها، وتدخلها القوات الإسرائيلية بهدف أن تكون كمائن لها، لاستهداف المسلحين الفلسطينيين بشكل أساسي وكذلك المدنيين، وتُعرِّضهم للخطر كل مرة.

كما كثفت «القسام» من عمليات تفخيخ فتحات أنفاق جرى إصلاحها لهذا الغرض لتفجيرها في القوات الإسرائيلية، والاعتماد على العبوات الناسفة التي زُرعت في الشوارع للهدف نفسه بعد أن استبعدت مثل هذا الخيار في بداية الحرب بسبب توقع «حماس» أن إسرائيل «لن تدخل القطاع براً» بعد هجوم السابع من أكتوبر، كما توضح المصادر لـ«الشرق الأوسط».

فلسطينيون فوق دبابة سيطر عليها مقاتلو «كتائب القسام» قرب خان يونس يوم 7 أكتوبر 2023 (د.ب.أ)

ولوحظ استخدام «القسام»، أخيراً، نفقاً جرى تفجيره مسبقاً بعدما تسلل داخله عناصر من الكتائب إلى مناطق شرق جباليا وهاجموا قوة إسرائيلية.

وما زال سلاح الصواريخ المضادة للدروع أهم سلاح تستخدمه «حماس» منذ بداية المعركة، خصوصاً بعد تطويرها ما عُرف بقاذف «الياسين 105»، وهو صاروخ طوِّر محلياً بعد تطويره عن قاذف الآر بي جي والتاندوم، وتم قُبيل هجوم السابع من أكتوبر أول من العام الماضي، زيادة إنتاجه بشكل كبير بتوصيات من قيادة «القسام».

تنظيم هرمي

وتؤكد المصادر أن جميع الكتائب في مختلف أنحاء القطاع، اغتيل كثير من قياداتها البارزين، لكنها فعلياً ما زالت تحافظ على قوتها المعتادة.

وتوضح المصادر أن هذه الكتائب تحافظ على الهرم التنظيمي المتسلسل فيها الذي في حال قتل قيادي فيها أو تغيبه لظرف أمني أو آخر، هناك من ينوب عنه، وأيضاً من ينوب عن النواب الأوائل.

وتشير المصادر إلى أن التكليفات من القيادة العليا لـ«القسام» لإدارة كتيبة ما أو تخصص ما، تجري بشكل منتظم، لافتةً إلى أن هناك متابعة من تلك القيادة التي ما زالت على قيد الحياة لجميع الأوضاع الميدانية.

أبو عبيدة الناطق العسكري باسم «كتائب القسام» (لقطة من فيديو)

ويقول مصطفى إبراهيم، المحلل السياسي الفلسطيني، إن ما أظهرته «حماس» في جباليا وغيرها من المناطق التي كانت إسرائيل قد دخلت إليها، وانسحبت منها، يشير بشكل واضح إلى قدرتها على التعامل مع الاغتيالات التي تطول كبار قياداتها وحتى نشطائها الميدانيين.

ورأى إبراهيم في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن إسرائيل فشلت حتى الآن في تحقيق هدفها الذي أعلنته مراراً وتكراراً عن هزيمة «كتائب حماس»، وهذا ما يُظهره على الأقل الميدان حالياً من خلال ما يجري في جباليا ومناطق أخرى.

ويرى إبراهيم أن تفكيك «حماس» وكتائبها يبدو مهمة شبه مستحيلة رغم مرور ما يزيد على عام من الحرب، مشيراً إلى أن الحركة تَظهر قدرتها على إعادة ترتيب نفسها مجدداً بعد كل عملية عسكرية تقوم بها إسرائيل، ويعود ذلك بالأساس إلى وجود الكادر البشري الكبير لدى الحركة من عناصرها ومؤيديها.


مقالات ذات صلة

كيف كشفت هدنة غزة إخفاقات معلوماتية إسرائيلية؟

المشرق العربي بيان نشره الجيش الإسرائيلي في مايو الماضي زعم خلاله اغتيال القيادي في «القسام» حسين فياض قبل ظهوره حياً (إكس)

كيف كشفت هدنة غزة إخفاقات معلوماتية إسرائيلية؟

صدم الظهور العلني للقيادي البارز في «القسام» حسين فياض المؤسسة الأمنية الإسرائيلية إذ كانت أعلنت اغتياله قبل 8 أشهر في غزة... وكشفت الواقعة إخفاقاً معلوماتياً.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي آليات إسرائيلية قرب مخيم جنين في الضفة الغربية (رويترز) play-circle 00:27

«القسام»: نخوض اشتباكات عنيفة مع القوات الإسرائيلية قرب جنين

قالت كتائب «عز الدين القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، اليوم (الأربعاء)، إن مقاتليها يخوضون اشتباكات عنيفة مع القوات الإسرائيلية غرب مدينة جنين.

«الشرق الأوسط» (الضفة الغربية)
خاص روحي مشتهى (وسائل إعلام فلسطينية) play-circle 02:06

خاص «حماس» تبلغ عائلات لقيادييها بمقتلهم... فمن هم؟

بدأت حركة «حماس» بإبلاغ عائلات بعض قياداتها بمقتلهم خلال الحرب الإسرائيلية على غزة، وذلك في أول إقرار رسمي بخسارة أسماء عدة بارزة من صفوفها.

«الشرق الأوسط» (غزة)
خاص مطبوعة تدريبية عسكرية لـ«كتائب القسام» تشرح نقاط ضعف دبابة الميركافا الإسرائيلية (الشرق الأوسط) play-circle 02:38

خاص كيف جنّدت ودربت «حماس» مقاتلين جدداً خلال الحرب؟

أظهر إعلان من «حماس» وتأكيد من وزير الخارجية الأميركي السابق، أن الحركة تمكنت من تجنيد وتدريب مقاتلين جدد خلال الحرب على غزة... فكيف حدث ذلك؟

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي الرهائن الثلاث يحملن «قرار الإفراج عن أسير» قبل الإفراج عنهن من غزة (لقطة من فيديو لـ«كتائب القسام»)

«حقائب هدايا» من «القسّام» للإسرائيليات الثلاث المُفرج عنهن... ماذا بداخلها؟

قدمت «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، «حقائب هدايا» للإسرائيليات الثلاث المُفرَج عنهن، تحتوي على تذكارات من فترة أَسْرهم، خلال إطلاق سراحهن.

«الشرق الأوسط» (غزة)

الجيش اللبناني ينشر قواته في بلدتين بالجنوب بعد انسحاب إسرائيل

آليات عسكرية تتبع الجيش اللبناني خلال انتشارها في قرى الجنوب (الجيش اللبناني عبر «إكس»)
آليات عسكرية تتبع الجيش اللبناني خلال انتشارها في قرى الجنوب (الجيش اللبناني عبر «إكس»)
TT

الجيش اللبناني ينشر قواته في بلدتين بالجنوب بعد انسحاب إسرائيل

آليات عسكرية تتبع الجيش اللبناني خلال انتشارها في قرى الجنوب (الجيش اللبناني عبر «إكس»)
آليات عسكرية تتبع الجيش اللبناني خلال انتشارها في قرى الجنوب (الجيش اللبناني عبر «إكس»)

قال الجيش اللبناني إن وحدات تابعة له انتشرت في بلدتين بالجنوب بعد انسحاب إسرائيل منهما، مشيراً إلى أن عملية الانتشار تمت بالتنسيق مع اللجنة الخماسية والـ«يونيفيل».

وأضاف الجيش، في بيان أصدره، مساء الجمعة: «انتشرت وحدات عسكرية في بلدتَي شيحين والجبّين في صور في القطاع الغربي بالجنوب بعد انسحاب العدو الإسرائيلي، وذلك بالتنسيق مع اللجنة الخماسية للإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان الـ(يونيفيل)».

ودعت قيادة الجيش المواطنين إلى عدم الاقتراب من المناطق التي تنسحب منها القوات الإسرائيلية والالتزام بتعليمات الوحدات العسكرية، وفق البيان.

يُذكر أنه تم الإعلان عن اتفاق لوقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وبدأ تنفيذ وقف إطلاق النار فجر اليوم التالي، وتخرق إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار منذ دخوله حيّز التنفيذ بشكل يومي.

وينصُّ الاتفاق على انتشار الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية في منطقة جنوب لبنان، وسحب إسرائيل قواتها تدريجياً من الجنوب باتجاه الخط الأزرق الحدودي مع إسرائيل خلال فترة تصل إلى 60 يوماً، وتنتهي فترة اﻟ60 يوماً فجر الاثنين المقبل.

ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مكتب نتنياهو قوله إن الجيش لن ينسحب ضمن مهلة الستين يوماً بعد وقف إطلاق النار، مضيفاً أن «تأخير خروج الجيش من لبنان يرجع إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار لم يتم تنفيذه بالكامل من قِبَل لبنان».