«الشرق الأوسط» ترصد تحركات زعيم «حماس» في الأيام الأخيرة التي سبقت قتله

السنوار... جولة على المقاتلين ومخبأ في منزلين متجاورين بمنطقة «بدر»

زعيم «حماس» يحيى السنوار في صورة تعود إلى عام 2021 (د.ب.أ)
زعيم «حماس» يحيى السنوار في صورة تعود إلى عام 2021 (د.ب.أ)
TT

«الشرق الأوسط» ترصد تحركات زعيم «حماس» في الأيام الأخيرة التي سبقت قتله

زعيم «حماس» يحيى السنوار في صورة تعود إلى عام 2021 (د.ب.أ)
زعيم «حماس» يحيى السنوار في صورة تعود إلى عام 2021 (د.ب.أ)

شكّلت عملية قتل يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، عن طريق «الصدفة»، يوم الأربعاء، حسب ما أعلنت تل أبيب، مفاجأةً كبيرةً بالنسبة للإسرائيليين، بما في ذلك المؤسسات السياسية والعسكرية الرسمية، وكذلك لكثير من الفلسطينيين.

قُتل السنوار في غرب مدينة رفح جنوب قطاع غزة. كان داخل مبنى اشتبه الإسرائيليون بوجود مسلحين فيه. يقع هذا المبنى في حي تل السلطان الذي تعمل فيه القوات الإسرائيلية منذ ما يزيد على شهرين ونصف الشهر، علماً بأن مدينة رفح تشهد عملية عسكرية واسعة منذ 6 أشهر.

في منطقة تسمى «بدر» داخل حي تل السلطان، تحديداً عند «المستشفى الإماراتي»، كان السنوار موجوداً في منزلين مجاورين لبعضهما البعض يتنقل بينهما. أحدهما لعائلة زعرب والآخر لعائلة أبو طه. لكن لم يكن أحد يعرف مكانه سوى الدائرة الأمنية الخاصة به، التي لا تزيد عن 3 أشخاص، كما تقول مصادر لـ«الشرق الأوسط».

تعرّض المنزلان لأضرار سابقة بفعل القصف الجوي والمدفعي الذي لم يتوقف على مدار الساعة في تلك المنطقة. ورغم ذلك، لجأ السنوار إليهما. ووفق تقديرات مصادر تعرف طبيعة جغرافيا المنطقة، لم ينتقل زعيم «حماس» إلى هذا المكان سوى قبل أيام، مشيرةً إلى أن القوات الإسرائيلية كانت توجد في المنطقة باستمرار منذ فترة ليست بالقصيرة، وكانت تواجه في بعض الأحيان مقاومة ضعيفة مع تراجع عناصر الفصائل الفلسطينية إلى مناطق أخرى واعتمادهم على تكتيكات المباغتة من خلال «حرب العصابات».

وتوضح المصادر الميدانية أنه في كثير من الحالات كانت إسرائيل تعتقد أنه لا يوجد داخل تلك المنازل المدمرة جزئياً أي شخص، خصوصاً في ظل وجود قواتها بالمنطقة. وتتابع أن حركة واحدة خاطئة في المنطقة هي التي تسببت ربما في رصدها من قبل القوات الإسرائيلية، ما دفع بالدبابات إلى قصف المكان، ثم تسيير طائرة مسيّرة تجاه المبنى لاستطلاع ما في داخله، وهو أمر درجت إسرائيل على القيام به في حالات سابقة.

ولفتت المصادر إلى أن وجود من كانوا بداخل المبنى وهم يرتدون اللثام، دفع بالقوات الإسرائيلية إلى محاولة الوصول إليه بشكل حثيث للتأكد من شخصية من كانوا بداخله، حيث إن الطائرات المسيّرة تدخل للتعرف على وجوه من يتم استهدافهم داخل المباني للتأكد من هويتهم وما إذا كانوا مسلحين أو مدنيين. وفي حال كانوا مسلحين، يتم إرسال قوات برية إلى المكان. أما في حال ثبت أنهم من المدنيين، فتتجاهل القوات الإسرائيلية ذلك وتتركهم.

وتقدّر المصادر أن وجود لثام في مقتنيات السنوار كان الهدف منه بشكل أساسي عدم الظهور علناً، وإفشال أي قدرة على رصده أو التعرف عليه، سواء من عامل بشري على الأرض، أو من أدوات الاستخبارات الإسرائيلية المختلفة، بما في ذلك الطائرات المسيّرة الصغيرة المسماة «كواد كابتر» التي تدخل إلى داخل المنازل والمباني وغيرها لتفقد كل جسم غريب أو رصد أي حركة.

الشقة التي قُتل فيها السنوار غرب رفح (الجيش الإسرائيلي - أ.ف.ب)

فوق الأرض وتحتها

تقول مصادر مطلعة من حركة «حماس» إن السنوار والعديد من قيادات الحركة كانوا يتنقلون طوال فترات الحرب من مكان إلى آخر، سواء فوق الأرض أو تحتها، تحديداً في الأنفاق المخصصة للسيطرة والتحكم أو حتى الدفاعية منها، وفق ظروف الوضع الأمني المحيط بالمنطقة التي يوجدون فيها.

وتشير المصادر إلى أن السنوار في بدايات الحرب، قبل عام، كان يتنقل بين عدة أنفاق في مناطق مختلفة من وسط القطاع وجنوبه. لكنه بعد الاغتيالات التي طالت قيادات من المستويين السياسي والعسكري في «حماس»، داخل الأنفاق، وكذلك عمليات تفجير تلك الأنفاق وتدميرها، وتضييق مساحة الملاحقة، صار يعتمد بشكل أكبر على البقاء فوق الأرض.

وتؤكد المصادر أن السنوار كان يلعب دوراً استخباراتياً أساسياً في عملية تخفيه، لكن ليس خشية من اغتياله، حسب ما تقول، ولكن بهدف تضليل القوات الإسرائيلية التي تحاول تحقيق صورة نصر بقتله. وتشير إلى أنه كان يعتمد فقط على شخصين أو ثلاثة في تأمين تنقلاته وتوفير احتياجاته، وعملية تواصله مع قيادات الحركة وغيرهم، وفق منظور أمني يحدده بنفسه.

الأسرى الإسرائيليون

وتؤكد المصادر أنه في فترة من الفترات كان السنوار، كما غيره من قادة الجناح العسكري لحركة «حماس»، يحيط نفسه بمجموعة صغيرة من الأسرى، وهو أمر يؤمن الحماية لقادة الحركة وللأسرى ويساعد في إنجاح أي صفقة تبادل مع إسرائيل.

وتلفت المصادر إلى أنه بعد اغتيال بعض القيادات داخل الأنفاق وخارجها، وبرفقتهم أسرى، مثلما جرى مع أحمد الغندور قائد «لواء الشمال» في «كتائب القسام»، وكذلك مع أيمن نوفل قائد «لواء الوسطى» في الكتائب، وقيادات ميدانية أخرى قُتل برفقتهم أسرى إسرائيليون، تقرر وضع الأسرى تحت حماية شخصيات ميدانية أقل من قادة كتيبة، غالبيتهم من قادة «سرايا» و «فصائل»، وهي مسميات لتصنيفات عسكرية داخل «القسام».

السنوار مصاباً يحاول إلقاء عصا على مسيّرة إسرائيلية تتحقق من هويته في الشقة التي قُتل فيها بحي السلطان (الجيش الإسرائيلي - أ.ف.ب)

وتتابع أن وجود السنوار في بعض الأنفاق التي يوجد بها أسرى إسرائيليون كان أمراً طبيعياً، وليس الهدف منه الاحتماء بهم، بعكس ما يروّج الجيش الإسرائيلي، وفق قول مصادر «حماس».

وتوضح المصادر أن مقتل السنوار كان متوقعاً في أي لحظة، وفي أي ظرف كان، ولذلك فإن الحركة نظّمت عملية الاحتفاظ بالأسرى وفق ترتيب أمني معتمد ضمن بروتوكول يتجدد من حين إلى آخر، بحيث تصدر التعليمات بشكل منتظم للقائمين على حمايتهم.

وكلام مصادر «حماس» هدفه، كما يبدو، التأكيد أن الحركة لا تزال لديها القدرة على التشدد بمواقفها بشأن صفقة تبادل أسرى، وهو الأمر الذي لا تظنه إسرائيل التي تعتقد أن قيادة الحركة بعد اغتيال السنوار ستكون أكثر تفككاً وليست لديها قدرة على معرفة مكان الأسرى.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، دعا في خطاب ألقاه مساء الخميس، عناصر «حماس» إلى الاستسلام وتسليم الأسرى مقابل تأمين الحصانة لهم والسماح لهم بمغادرة غزة.

شقيق السنوار والضيف

في فترات من الحرب، كانت إسرائيل تعتقد أن يحيى السنوار لن يفارق شقيقه محمد القيادي الكبير في «كتائب القسام»، أو محمد الضيف قائد «القسام». لكن الضيف قُتل في يوليو (تموز) الماضي، حسب ما أعلنت إسرائيل، وهو أمر لم تؤكده «حماس»، علماً بأن الضربة التي استهدفته أدت أيضاً إلى مقتل رافع سلامة قائد لواء خان يونس في «كتائب القسّام».

وتقول إسرائيل إنها عثرت خلال عملية قتل يحيى السنوار، على جثتين معه. لكن التقديرات أن أياً من الجثتين لا تعود إلى شقيقه محمد الذي كانت الأجهزة الأمنية تعتقد أنه لا يفارقه أبداً. وذكرت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية أن إحدى الجثتين تعود لمحمود حمدان قائد كتيبة تل السلطان، علماً بأن الجيش الإسرائيلي أعلن عن تصفية هذا القيادي في العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي. ومعلوم أن العديد من الإعلانات الإسرائيلية عن اغتيال قيادات في «حماس» و«القسام» لم يكن دقيقاً، كما تقول مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط».

رسمان ليحيى السنوار وإسماعيل هنية في صنعاء اليوم الجمعة (إ.ب.أ)

وإذا كان حمدان فعلاً هو من كان برفقة السنوار، فإن قتله يشير إلى أن قائد «حماس» كان يتعمد مشاركة قادة «القسام» في المعارك، علماً بأن علاقة مميزة كانت تربط الرجلين بعدما كان السنوار قد تدخل في قضية «قتل بالخطأ» ارتكبها حمدان ودفع السنوار عنه دية القتيل.

ومكان وجود السنوار يدفع تجاه سؤال جديد يتعلق بسبب وجود شخصية بحجمه يقود حركة كبيرة تسيطر على قطاع غزة منذ سنوات طويلة، في مدينة رفح التي احتلت إسرائيل معظمها.

وجوده برفح

تقول مصادر مقربة من «حماس» إن وجود السنوار في تلك المنطقة، التي تعد جبهة قتال مفتوحة منذ أشهر، خصوصاً في حي تل السلطان، يشير إلى واقع صعب يعيشه قادة الحركة من مختلف المستويات. وتشير المصادر إلى أن إسرائيل شددت ملاحقتها لقادة «حماس» وجناحها العسكري حتى من مستوى قيادات ميدانية ونشطاء بارزين وكل من يقود الهجمات ضدها، وهذا ما قد يفسر لجوء السنوار، في منطقة قتال، إلى البقاء برفقة مقاتليه، على عكس آخرين اضطروا للجوء إما إلى أنفاق مدمرة تم استصلاحها جزئياً، كما حصل مع رفيقه روحي مشتهى (قُتل في نفق)، أو الظهور فوق الأرض بمناطق غير آمنة ومكشوفة، مثلما جرى في العملية التي أدت إلى اغتيال الضيف ورافع سلامة (حسب ما تقول إسرائيل) بمنطقة مواصي خان يونس.

لكن مصادر أخرى من داخل «حماس» تقول إن السنوار كان قادراً على الخروج من رفح، و«نحن على ثقة أنه كان يتنقل بين المدن بطريقة أمنية يحددها بنفسه»، مشيرةً إلى أن مدينة رفح لم تكن محاصرة بشكل كامل، وهناك طرق كثيرة كان السنوار قادراً على أن يسلكها ويخرج عبرها إلى خان يونس للاختفاء هناك.

السنوار مع خليل الحية في صورة تعود لعام 2017 (أ.ف.ب)

تضيف المصادر «أن السنوار فضّل البقاء في أرض المعركة وربما كان يتفقد المقاومين في الميدان، وقد فعل ذلك ثلاث مرات على الأقل خلال هذه الحرب الحالية، خصوصاً في خان يونس مسقط رأسه».

وتشير المصادر إلى أن السنوار لم يكن منقطعاً عن التواصل مع قيادة الحركة في الداخل والخارج، كما تعتقد إسرائيل، ولكن كل اتصالاته ورسائله كانت تُنقل بطريقة آمنة جداً ووفق تواصل أمني يحدده بنفسه من حيث الوقت وأهمية الرسالة، وهذا ما جعل الوصول إليه صعباً للغاية منذ بدء الحرب.

وكان لافتاً أن رئيس حركة «حماس» في غزة خليل الحية، في إعلانه اليوم عن مقتل السنوار، قال إنه قُتل «ممتَشقاً سلاحه، مشتبكاً ومواجهاً لجيش الاحتلال في مقدّمة الصفوف، يتنقل بين كل المواقع القتالية»، في إشارة إلى أن قائد الحركة القتيل كان يشارك في المعارك مع مقاتليه.

وشدد الحية على أن «الأسرى لن يعودوا (لإسرائيل) إلا بوقف العدوان على غزة والانسحاب منها وخروج أسرانا الأبطال من سجون الاحتلال»، وهو ما يعني أن موضوع الأسرى لا يرتبط بالسنوار، وإنما يتم بمنهجية أمنية، تضمن إتمام عملية تبادل مع إسرائيل.


مقالات ذات صلة

إسرائيل تستقدم لواء إضافياً إلى حدود لبنان و«حزب الله» يطلق مرحلة جديدة

المشرق العربي خلال مراسم دفن القتلى الذين سقطوا قبل يومين في مدينة النبطية إثر القصف الإسرائيلي الذي استهدف مبنى البلدية وأدى إلى مقتل رئيسها وعدد من أعضائها ومن الموظفين (إ.ب.أ)

إسرائيل تستقدم لواء إضافياً إلى حدود لبنان و«حزب الله» يطلق مرحلة جديدة

أعلن الجيش الإسرائيلي استقدامه لواءً إضافياً من قوات الاحتياط من أجل مهام عملياتية في الشمال، وذلك بعد ساعات على إعلان «حزب الله» إطلاق «مرحلة جديدة وتصاعدية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جنود إسرائيليون يقومون بعملية تمشيط قرب منتجع على البحر الميت اليوم الجمعة (أ.ف.ب)

عملية البحر الميت... تحفظ رسمي أردني و«مباركة» إسلامية

رفعت عملية تسلل مسلحين اثنين عبر الحدود الأردنية جنوب البحر الميت من مستوى التحديات الأمنية التي تواجهها العلاقات بين عمّان وتل أبيب.

محمد خير الرواشدة (عمّان)
المشرق العربي جواز سفر يعود لمعلم يعمل في «أونروا» عثر عليه قرب جثة زعيم حركة «حماس» يحيى السنوار (الجيش الإسرائيلي)

جواز سفر عُثر عليه في مكان مقتل السنوار يُثير الجدل حول «الأونروا»

عُثر على جواز سفر يعود لمعلم يعمل في «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)» قرب جثة زعيم حركة «حماس»، يحيى السنوار بعد مقتله.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا بايدن مع ستارمر وشولتس وماكرون (رويترز)

ألمانيا تودع بايدن وتشكره على إرساء علاقات متينة عبر «الأطلسي»

ودّعت ألمانيا الرئيس الأميركي جو بايدن الذي اختار أن يزور برلين قبل أشهر قليلة على مغادرته منصبه، في لفتة سريعة بدت رمزية بقدر ما كانت سياسية.

راغدة بهنام (برلين)
الولايات المتحدة​ هاريس وبايدن في المؤتمر الحزبي الديمقراطي في 19 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

هاريس وبايدن: وجهان لعملة واحدة؟

يستعرض تقرير واشنطن، ثمرة التعاون بين «الشرق الأوسط» و«الشرق»، مواقف هاريس الفعلية في ملفات السياسة الداخلية والخارجية وما إذا كانت ستصبح امتدادا لسياسات بايدن.

رنا أبتر (واشنطن)

إسرائيل تستقدم لواء إضافياً إلى حدود لبنان و«حزب الله» يطلق مرحلة جديدة

خلال مراسم دفن القتلى الذين سقطوا قبل يومين في مدينة النبطية إثر القصف الإسرائيلي الذي استهدف مبنى البلدية وأدى إلى مقتل رئيسها وعدد من أعضائها ومن الموظفين (إ.ب.أ)
خلال مراسم دفن القتلى الذين سقطوا قبل يومين في مدينة النبطية إثر القصف الإسرائيلي الذي استهدف مبنى البلدية وأدى إلى مقتل رئيسها وعدد من أعضائها ومن الموظفين (إ.ب.أ)
TT

إسرائيل تستقدم لواء إضافياً إلى حدود لبنان و«حزب الله» يطلق مرحلة جديدة

خلال مراسم دفن القتلى الذين سقطوا قبل يومين في مدينة النبطية إثر القصف الإسرائيلي الذي استهدف مبنى البلدية وأدى إلى مقتل رئيسها وعدد من أعضائها ومن الموظفين (إ.ب.أ)
خلال مراسم دفن القتلى الذين سقطوا قبل يومين في مدينة النبطية إثر القصف الإسرائيلي الذي استهدف مبنى البلدية وأدى إلى مقتل رئيسها وعدد من أعضائها ومن الموظفين (إ.ب.أ)

أعلن الجيش الإسرائيلي استقدامه لواءً إضافياً من قوات الاحتياط من أجل مهام عملياتية على الحدود اللبنانية، وذلك بعد ساعات على إعلان «حزب الله» إطلاق «مرحلة جديدة وتصاعدية» في المواجهة مع إسرائيل واستخدام «صواريخ دقيقة» للمرة الأولى، متحدثاً عن مواجهة «المئات من مجاهدي المقاومة أكثر من 70 ألف ضابط وجندي إسرائيلي في العمليات البرية».

وقال الجيش الإسرائيلي في بيان إنه «وفقاً لتقييم الوضع، يستدعي جيش الدفاع الإسرائيلي لواءً احتياطياً إضافياً للقيام بمهام عملياتية في الساحة الشمالية»، بالقرب من الحدود اللبنانية، وفق ما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأتى ذلك بعدما كان قد أعلن «حزب الله»، مساء الخميس، عن الانتقال إلى «مرحلة جديدة وتصاعدية» في المواجهة مع إسرائيل «ستتحدث عنها مجريات وأحداث الأيام المقبلة»، مشيراً إلى أن عناصره يستهدفون «تحشدات العدو الإسرائيلي في المواقع والثكنات العسكرية على طول الحدود... وفي المستوطنات والمدن المحتلة في الشمال» باستخدام «مختلف أنواع الصواريخ، ومنها الدقيقة التي تُستَخدم للمرة الأولى».

وفي حين لم يوضح «حزب الله» ماهية المرحلة الجديدة التي تحدث عنها، أكّد أنه يستمر في المواجهات البرية، متحدثاً عن اشتباكات داخل بعض القرى اللبنانية، ومشيراً إلى أن «حصيلة خسائر العدو بلغت 55 قتيلاً وأكثر من 500 جريح من ضباط وجنود».

رفع معنويات

ويضع رئيس مركز «الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري - أنيجما»، رياض قهوجي، إعلان «حزب الله» عن مرحلة جديدة في المواجهات في خانة «رفع معنويات جماعته»، «إلا إذا كان يقصد أن المواجهة انتقلت اليوم إلى داخل الأراضي اللبنانية»، وفق تعبيره.

ويقول قهوجي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحديث عن بدء مرحلة جديدة ليس إلا محاولة لرفع معنويات جماعته وللقول لهم بأنه لا يزال قوياً، بحيث إن (حزب الله) استخدم معظم أسلحته من الصواريخ الصغيرة إلى الباليستية وما لم يستخدمه، إذا وجد فلن يغيّر شيئاً في المعادلة»، مشيراً إلى أن المواجهات تتركز اليوم على المعارك البرية لمحاولة صد التقدم الإسرائيلي»، سائلاً: «هل يقصد (حزب الله) أن الجيش الإسرائيلي بات داخل لبنان وباتت المواجهة في الأراضي اللبنانية؟».

ويرى أن «(حزب الله) يتكبّد خسائر كبيرة وهو لم يعد يملك شيئاً عسكرياً، في حين يخسر الجانب الإسرائيلي بدوره جنوداً في المعركة البرية، وهو أمر طبيعي ومتوقع في معارك من هذا النوع، لكنه من الواضح أنه يمضي قدماً في مواجهته، ولا يبدو أن شيئاً تغيّر من الجانب الإسرائيلي حتى الآن».

مسارات التقدم

وفي وقت تستمر فيه المواجهات البرية مع الغموض الذي يحيط بتفاصيلها، تحدث «حزب الله» عن اشتباكات داخل القرى اللبنانية. وقال في بيان إن «الجيش الإسرائيلي يتكبّد خسائر فادحة على امتداد محاور المواجهة عند الحافة الأمامية في جنوب لبنان»، مشيراً إلى أن إسرائيل «استقدمت منذ بدء العمليات البرية 5 فرق عسكرية تضم أكثر من 70 ألف ضابط وجندي ومئات الدبابات والآليات العسكرية. في المقابل كان المئات من مجاهدي المقاومة بكامل جهوزيتهم واستعدادهم للتصدي لأي توغل بري إسرائيلي باتجاه قرى جنوب لبنان».

وتحدث عن المعركة البرية، مشيراً إلى «تصاعد في وتيرة المواجهات البطولية التي يخوضها مجاهدو المقاومة مع ضباط وجنود العدو الإسرائيلي المتوغلة من عدة مسارات في القطاعين الشرقي والغربي باتجاه قرى العديسة، ورب ثلاثين، وبليدا، ومركبا، والقوزح، وعيتا الشعب، وراميا، بتغطية نارية كثيفة من سلاح الجو والمدفعية استهدفت القرى المذكورة ومحيطها». ولفت إلى أنه وفق خطط ميدانية معدّة مسبقاً، تصدى مقاتلوه في محيط وداخل بعض القرى عبر استهداف مسارات التقدم، واستدراج القوات الإسرائيلية إلى بعض الكمائن المتقدمة داخل بعض القرى الحدودية، حيث دارت اشتباكات عنيفة مع العدو من المسافة صفر، خصوصاً في بلدات القوزح، ورب ثلاثين، «مما أسفر عن تكبد العدو 10 قتلى وأكثر من 150 جريحاً وتدمير 9 دبابات ميركافا و4 جرافات عسكرية».

وأكد في الوقت عينه استمرار القوتين الصاروخية والجوية باستهداف تحشدات العدو الإسرائيلي في المواقع والثكنات العسكرية على طول الحدود اللبنانية الفلسطينية وفي المستوطنات والمدن المحتلة في الشمال، وصولاً إلى قواعده العسكرية في عمق فلسطين المحتلة، بمختلف أنواع الصواريخ والمسيّرات الانقضاضية التي تُستخدم للمرة الأولى، وذكّر بأن وحدة الدفاع الجوي أسقطت طائرتي استطلاع من نوع «هرمز 450».

استهداف صفد

في غضون ذلك، أعلن «حزب الله» قصف جنود إسرائيليين في مدينة صفد في شمال إسرائيل بطائرات مسيّرة، «رداً على اعتداءات العدو الإسرائيلي على القرى الجنوبية الصامدة والمنازل الآمنة».

كذلك، استمر الحزب بإطلاق الصواريخ باتجاه شمال إسرائيل، وقال في بيانات متتالية إنه قصف جنوداً إسرائيليين بمدينة صفد في شمال إسرائيل بطائرات مسيّرة و‏تجمّعاً آخر في محيط بلدة عيتا الشعب في أثناء محاولتهم إجلاء الجنود الجرحى والقتلى ‏بصلية صاروخية كبيرة، واستهدف تحرّكات لجنود الجيش الإسرائيلي عند أطراف بلدة كفركلا بقذائف المدفعية.

واستهدف أيضاً مستوطنة زرعيت وثكنة يوأف في الجولان السوري المحتل بصليات صاروخية.

في المقابل، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه تم اعتراض مسيّرة من لبنان باتجاه الجليل الغربي، صباح الجمعة، بعدما كان قد أشار إلى رصد إطلاق 15 صاروخاً من لبنان تجاه خليج حيفا، فيما أشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى إطلاق 10 قذائف من لبنان باتجاه الجليل الغربي وأكدت أنه تم اعتراضها.

وأفادت الجبهة الداخلية الإسرائيلية، الجمعة، بأن صفارات الإنذار دوّت في زرعيت بالجليل الأعلى، ومن ثم كريات شمونة وبلدات عدة بالجليل الأعلى، وأعلن الجيش الإسرائيلي، في بيان له، أن سلاح الجو نفّذ غارات على نحو 150 هدفاً في غزّة وفي العمق اللبناني مستهدفاً مسلحين ومستودعات ذخيرة وأعمدة إطلاق ومواقع قنص ومراقبة.

اغتيال رمال

وقال الجيش الإسرائيلي إنه اغتال محمد حسين رمال، قائد منطقة الطيبة في «حزب الله»، مشيراً إلى أن قوات من الفريق القتالي التابع للواء السابع عثر على قاذفات محملة جاهزة للانطلاق باتجاه بلدات شمال البلاد ودمرتها.

ولفت إلى مواصلة «مقاتلات الفرقتين 36 و91 عملياتها في منطقة جنوب لبنان، حيث عثرت على العديد من الأسلحة، بما في ذلك أسلحة القناصة، والكثير من المعدات القتالية، وقاذفات مضادة للدبابات وصواريخ من نوع بركان جاهزة للاستخدام وموجهة نحو إسرائيل».

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي عبر منصة «إكس» إن قوات اللواء 188 دمّرت مقراً مركزياً تحت الأرض ومسار نفق لـ«حزب الله» حيث مستودعات الأسلحة، وعشرات البنى التحتية ووسائل قتالية، مشيراً إلى مقتل 4 مقاتلين في الحزب.

وكانت وسائل إعلام إسرائيلية أعلنت، مساء الأربعاء، عن إصابة 13 جندياً في حادثة صعبة؛ حيث استهدفت مُسيّرة متفجرة قوة للجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان، وأشارت إلى أنه تم نقل 3 جنود مصابين خلال الليل من المواجهات في لبنان إلى مركز زيف الطبي.

قصف متواصل

وكذلك استمر القصف المتواصل على بلدات الجنوب حيث يسقط المزيد من القتلى والجرحى وتم تدمير مبانٍ بأكملها، فيما ساد الهدوء الحذر في البقاع لليوم الأول بعد تعرضه، الأسابيع الماضية، لقصف غير مسبوق أدى إلى تدمير قرى بكاملها، مع استمرار الهدوء في الضاحية الجنوبية، منذ صباح الأربعاء.

جانب من المباني المدمرة في النبطية نتيجة القصف الكثيف الذي تتعرض له المدينة (إ.ب.أ)

وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بأن الطيران الحربي الإسرائيلي نفّذ عدواناً جوياً واسعاً في جنوب لبنان؛ حيث شنّ غارات على مدينة النبطية مستهدفاً مبنى سكنياً في حي الراهبات؛ ما أدى إلى تدميره، إضافة إلى مبنى على طريق بلدة حاروف، كما تعرضت بلدة دير سريان لغارة جوية، تلتها غارة على زوطر الغربية وغارة على كوثرية السياد، وتعرض مدخل بلدة حبوش وبلدة يحمر الشقيف وعيتا الشعب وعيتا الجبل وأطراف بلدة شبعا لغارات جوية. كما تعرضت بلدات حانين ورامية والبازورية والشعيتية وجويا في قضاء صور لقصف، وبيت ليف وعيتا الشعب في قضاء بنت جبيل لقصف بقذائف دبابات الميركافا، حسب «الوطنية».

وسقط 3 قتلى وعدد من الجرحى في غارة على بلدة جويا، إضافة إلى قتيلين في بلدة الزرارية، حسب «الوطنية»، مشيرة كذلك إلى سقوط قتيلين في أنصار وقتيل في زوطر الشرقية.