الفصائل المسلحة تربك خطط العراق لخفض التصعيد في المنطقة

عراقجي أكد أن طهران تتفق مع مساعي بغداد «لمنع اتساع الحرب»

وزيرا خارجية العراق فؤاد حسين وإيران عباس عراقجي يتحدثان في مؤتمر صحافي ببغداد يوم الأحد (أ.ف.ب)
وزيرا خارجية العراق فؤاد حسين وإيران عباس عراقجي يتحدثان في مؤتمر صحافي ببغداد يوم الأحد (أ.ف.ب)
TT

الفصائل المسلحة تربك خطط العراق لخفض التصعيد في المنطقة

وزيرا خارجية العراق فؤاد حسين وإيران عباس عراقجي يتحدثان في مؤتمر صحافي ببغداد يوم الأحد (أ.ف.ب)
وزيرا خارجية العراق فؤاد حسين وإيران عباس عراقجي يتحدثان في مؤتمر صحافي ببغداد يوم الأحد (أ.ف.ب)

على رغم اللغة الدبلوماسية الهادئة التي تحدث بها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي خلال زيارته لبغداد الأحد، فإن هذه اللغة لم تنعكس، كما يبدو، على جبهة الفصائل العراقية المسلحة. فهذه الفصائل التي أوقفت استهدافها لإسرائيل خلال زيارته، سرعان ما استأنفتها بعد ساعات من مغادرته بغداد متوجهاً إلى مسقط في إطار جولته الإقليمية. وأفادت «وكالة الصحافة الفرنسية»، الاثنين، بأن عراقجي التقى في مسقط محمد عبد السلام، ممثل الحوثيين اليمنيين المدعومين من طهران، بحسب ما أعلنت وزارة الإيرانية.

وكان عراقجي قد تحدث سواء خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيره العراقي فؤاد حسين أو لدى لقائه الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد أو رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بما يوحي بحرص بلاده على السلام وعدم تعريض الأمن والسلم في المنطقة إلى الخطر. ففي حين حذّرت بغداد، على لسان وزير الخارجية فؤاد حسين، من اتساع نطاق الحرب، فإن عراقجي أكد، من جهته، أن إيران لا ترغب في التصعيد أو الحرب.

وخلال لقائه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، جدد عراقجي موقف بلاده حيال الجهود التي يبذلها العراق للتهدئة. وفي هذا الإطار، أكد السوداني أن «الأولويات التي تعمل عليها الحكومة الحالية، فيما يتعلق بأوضاع المنطقة، تتمثل في وقف العدوان الصهيوني على غزّة ولبنان، ومنع الكيان الغاصب من توسعة ساحة الصراع»، مبيّناً في الوقت نفسه أن «العراق يبذل كل ما في وسعه لوقف إطلاق النار، بالتعاون مع الشركاء والأصدقاء الدوليين، خصوصاً من دول الاتحاد الأوروبي». في المقابل، أعرب عراقجي عن «تقديره للمواقف العراقية في تهدئة الأوضاع، فضلاً عمّا جرى تأمينه من مواد إغاثية للمنكوبين في غزّة ولبنان»، مؤكداً أن زيارته تأتي من أجل المزيد من تنسيق الجهود والتشاور في مسارات الأوضاع، وأن بلاده «تتفق مع المساعي العراقية لمنع اتساع الحرب».

وكان مستشار رئيس الوزراء العراقي هاشم الكرعاوي أكد، من جهته، أن الحكومة العراقية دعت «دول الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوات عاجلة وفعالة لإنقاذ المنطقة من منزلق خطير». وقال في تصريح نقلته الوكالة الرسمية للأنباء في العراق إنه «يجب على المجتمع الدولي تحمّل مسؤولياته في حماية المدنيين ومنع التصعيد».

للفصائل رأي آخر

أبو آلاء الولائي (الثاني من اليمين) وهو الأمين العام لجماعة مسلحة تُعرف بـ«كتائب سيد الشهداء» يلقي كلمة تضامناً مع غزة ولبنان في ساحة التحرير ببغداد يوم 11 أكتوبر الحالي (إ.ب.أ)

وبعد ساعات من مغادرة وزير الخارجية الإيراني بغداد، واصلت الفصائل العراقية المسلحة المرتبطة بما بات يسمى «وحدة الساحات»، ضرباتها ضد قواعد وأهداف داخل العمق الإسرائيلي. وقالت الفصائل، في بيان، إنه «استمراراً لنهجنا في مقاومة الاحتلال، ونُصرةً لأهلنا في فلسطين ولبنان، وردّاً على المجازر التي يرتكبها الكيان الغاصب بحقّ المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ، هاجم مجاهدو المقاومة الإسلامية في العراق، للمرة الثانية اليوم الاثنين، هدفاً حيوياً في غور الأردن بأراضينا المحتلة، بواسطة الطيران المسيّر». وحمل البيان اسم فصيل جديد هو «سرايا أولياء الدم» الذي كان قد أعلن من قبل مسؤوليته عن ضرب هدفين في حيفا. وأعلنت إسرائيل، الاثنين، أنها تصدّت لهجوم بالمسيّرات جاءت من سوريا. وقال الجيش الإسرائيلي: «قبل قليل، اعترض سلاح الجو مُسيرتين كانتا في طريقهما إلى الأراضي الإسرائيلية من سوريا. تم اعتراض المسيرتيْن قبل اختراقهما إلى داخل الأجواء إسرائيل».

إلى ذلك، شدد الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد على أهمية أن تكون القوات المسلحة العراقية في كامل الجهوزية لمواجهة المخاطر المحتملة. جاء ذلك خلال استقبال رئيس الجمهورية وزير الدفاع ثابت العباسي، الاثنين. وطبقاً لبيان رئاسي، فإن رشيد أكد «ضرورة تركيز الاهتمام على تطوير قدرات القوات الأمنية من نواحي التسليح والتدريب والتجهيز لمواجهة التحديات الأمنية في ظل التوترات التي تشهدها المنطقة». وأضاف البيان أن رشيد «أشاد بالتضحيات التي قدمها رجال القوات المسلحة بتشكيلاتها كافة، واعتزازه بالجهود التي تبذلها الوزارة لتنفيذ جميع المهام والواجبات الملقاة على عاتقها في مختلف الظروف».

من جهته، أكد الدكتور إحسان الشمري، أستاذ السياسات العامة في جامعة بغداد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «على رغم أن الدستور العراقي ينصّ بشكل صريح على أن قرار الحرب يعود إلى السلطات الاتحادية بناءً على تقديرات المصلحة العليا، لكن الفصائل المسلحة أعلنت مؤخراً أنها هي من يمتلك هذا القرار». وتابع أن «مثل هذه التصريحات تتناقض مع الدستور العراقي وتمثّل إحراجاً حقيقياً لمحاولات النأي بالعراق عن الحرب المنتظرة في المنطقة». وأضاف الشمري أن «هذه الجماعات المسلحة لا تزال تلتزم عقيدتها المتمثلة بالعداء لإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية وأيضاً بمفهوم وحدة الساحات، وهو ما يعني أنها بعيدة جداً عن المحاولات الأخرى التي يمكن أن تحقق نوعاً من الحلول السياسية». وبيّن الشمري أن «القيام بعمليات من هذا النوع (شنّ الهجمات على إسرائيل) سيضع العراق ضمن الدوائر المشتركة في هذه الحرب، خصوصاً إذا ما علمنا أن بعض هذه الجماعات لها وجود رسمي في سلطات الدولة، مثل السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية»، على رغم أن هذه الجماعات تختلف في مواقفها مع «قرار الدولة» بالتهدئة في المنطقة وعدم الانخراط في الحرب. وأشار إلى أن تصريحات الجماعات المسلحة وعملياتها «ستعرقل المسارات الدبلوماسية التي يمكن أن يمضي بها العراق»، مضيفاً أنه «يجب على الحكومة العراقية أن تمارس فعلاً (سلطتها) على الأرض، وأن تكون أكثر قدرة على تثبيت المصلحة العليا للبلاد».


مقالات ذات صلة

مصر والأردن والعراق لتوسيع الشراكة في «النقل البحري»

شمال افريقيا محادثات وزراء النقل في مصر والأردن والعراق بالإسكندرية (النقل المصرية)

مصر والأردن والعراق لتوسيع الشراكة في «النقل البحري»

تعزز مصر والأردن والعراق شراكتها في مجال النقل البحري، من خلال التوسع في الخطوط الملاحية وأعمال شركة «الجسر العربي» للملاحة.

أحمد إمبابي (القاهرة)
المشرق العربي قلعة أربيل في كردستان (متداولة)

مواقف متباينة في كردستان حيال التعداد السكاني في العراق

يثير إلغاء سؤال «القومية» في التعداد السكاني المقرر إجراؤه في العراق، مخاوف في المناطق المتنازع عليها، خصوصاً بين العرب والكرد والتركمان.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء محمد شياع السوداني (يسار الصورة) مع رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني في أربيل الأربعاء (رئاسة وزراء العراق)

السوداني يدخل على خط الوساطة لتذليل عقبات تشكيل حكومة إقليم كردستان

بحث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع حكومة إقليم كردستان الملفات العالقة بين بغداد وأربيل، فضلاً عن السبل الكفيلة بتشكيل حكومة الإقليم.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي عمار الحكيم خلال مؤتمر صحافي في النجف

عمار الحكيم: يجب أن نتجنب الحرب ونحن غير مهيئين لخوضها

في أوضح موقف من الحرب الإسرائيلية ضد لبنان وغزة يصدر عن شخصية رفيعة في «قوى إدارة الدولة»، رفض رئيس «ائتلاف قوى الدولة الوطنية» عمار الحكيم انخراط بلاده بالحرب.

فاضل النشمي (بغداد)
الولايات المتحدة​ أحد المعتقلين يظهر داخل زنزانة انفرادية خارجية وهو يتحدث مع جندي في سجن أبو غريب بالعراق (أ.ب)

القضاء الأميركي يمنح 3 من معتقلي «أبو غريب» السابقين 42 مليون دولار

أصدرت هيئة محلفين أميركية، اليوم (الثلاثاء)، حكماً بمنح 42 مليون دولار لثلاثة معتقلين سابقين في سجن أبو غريب العراقي سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

إسرائيل تُدرِج النازحين ضمن «بنك الأهداف» العسكرية

امرأة تنوح على نعش أحد أقربائها الذي قتل في غارة إسرائيلية على بلدة علمات بجبل لبنان (أ.ف.ب)
امرأة تنوح على نعش أحد أقربائها الذي قتل في غارة إسرائيلية على بلدة علمات بجبل لبنان (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تُدرِج النازحين ضمن «بنك الأهداف» العسكرية

امرأة تنوح على نعش أحد أقربائها الذي قتل في غارة إسرائيلية على بلدة علمات بجبل لبنان (أ.ف.ب)
امرأة تنوح على نعش أحد أقربائها الذي قتل في غارة إسرائيلية على بلدة علمات بجبل لبنان (أ.ف.ب)

تخطت الغارات التي تنفذها إسرائيل يومياً في العمق اللبناني، الأهداف العسكرية التابعة لـ«حزب الله» وتفكيك قدراته وبنيته العسكرية، كما كانت تقول، لتطال بشكل ممنهج النازحين في مناطق بعيدة عن نقاط المواجهة، وغير محسوبة على الطائفة الشيعية التي تشكل حاضنة شعبية للحزب، وترتكب مجازر يومية يذهب ضحيتها عشرات الضحايا من النساء والأطفال، من دون أن تبرر أسباب هذه المجازر.

وحملت هذه العمليات تفسيرات باتت شبه واضحة، ومفادها أن الجيش الإسرائيلي «يلجأ إلى هذا الأسلوب لإحداث شرخ كبير ما بين الحزب وبيئته أولاً، وما بين النازحين والبيئات المستضيفة لهم ثانياً، ومحاولة خلق ردّات فعل شعبية رافضة لوجود النازحين الشيعة في المناطق المسيحية والسنيّة والدرزية، والتضييق عليهم في مراكز الإيواء البعيدة كلياً عن مناطق المواجهات».

نازحون قرب موقع استهداف لشقة سكنية في منطقة عرمون بجبل لبنان (أ.ف.ب)

استهداف النازحين

استهلّت إسرائيل استهداف المباني السكنيّة التي يقطنها نازحون، بغارة في 10 أكتوبر (تشرين الأول) على منطقة النويري الواقعة في عمق العاصمة بيروت (ذات الغالبية السنيّة)، وأسفرت عن مقتل 22 مدنياً وإصابة 177 آخرين، وأعلنت أن العملية «استهدفت رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في (حزب الله)، وفيق صفا، الذي لم يعرف مصيره حتى الآن»، ليتوالى بعدها استهداف المباني والشقق السكنية التي تستضيف نازحين.

وعدَّ الباحث السياسي وناشر موقع «جنوبية» المحلي، علي الأمين، أن «هذه العمليات لها مستويان، على المستوى الأول، تفرض على (حزب الله) مسؤولية منع عناصره وكوادره من الوجود بين النازحين، والثاني إصرار إسرائيل على تنفيذ الاغتيالات بغض النظر عن أضرارها الجانبية».

وذكّر الأمين في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن إسرائيل «دأبت منذ فتح جبهة الجنوب في الثامن من أكتوبر 2023، على تنفيذ عمليات اغتيال دقيقة لكوادر (حزب الله) من دون أن تصيب أي مدني، أما بعد توسّع الحرب لم تعد تهتمّ للضحايا المدنيين، بل أكثر من ذلك باتت تتعمّد تنفيذ الاغتيالات داخل مراكز النزوح».

مسعفون قرب موقع استهداف إسرائيلي في بلدة بعلشميه بجبل لبنان (أ.ف.ب)

مناطق التنوع الطائفي

ولم تسلم المناطق اللبنانية التي اعتقد أهلها أنهم بمنأى عن تداعيات الحرب والاستهدافات الإسرائيلية، إذ بدأت في 14 أكتوبر في بلدة أيطو بمنطقة زغرتا ذات الغالبية المسيحية، بغارة أسفرت عن مقتل 22 مدنياً من النازحين أغلبهم من النساء والأطفال، تبعها عمليات مماثلة في بلدات تقع في جبل لبنان، هي: برجا (بلدة سنية في جبل لبنان)، عين يعقوب (بلدة سنيّة في عكار ـ شمال لبنان)، وأخيراً عمليتان في جبل لبنان، وتحديداً في بلدتي بعلمشيه (درزية)، وعرمون (سنيّة)، وأسفرت هذه الاستهدافات عن سقوط عشرات الضحايا من المدنيين الأبرياء، وتردد أن غايتها قتل كوادر من الحزب كانوا في زيارة إلى هذه الأبنية المستهدفة.

وشدد علي الأمين على أن هذه العمليات «بدأت تترك تأثيراً سلبياً لدى البيئة الشيعية والنازحين بالدرجة الأولى، أي أن كلفة اللقاء بمسؤول أو عنصر من الحزب لها أثمانٌ مرتفعة جداً على هذه البيئة، وعلى المجتمع المضيف أيضاً». وأشار في الوقت نفسه إلى أن «البيئة المضيفة سواء كانت من سنّية أو درزيّة أو مسيحيّة، باتت حذرة جداً من استقبال نازحين لديها، وهذا من شأنه أن يخلق شرخاً كبيراً ما بين الحزب وبيئته من جهة، وما بين النازحين والبيئات الأخرى من جهة ثانية، وللأسف هذه الوتيرة ستتصاعد في الأيام المقبلة، وهذا يفرض على (حزب الله) مسؤولية منع عناصره من الوجود بين النازحين حتى في مهمات لوجيستية».

وعن الغاية من استهداف تجمعات النازحين في المناطق ذات الغالبية السنيّة والدرزية والمسيحية وليس داخل المناطق الشيعية، عبّر الأمين عن أسفه بأنه «لم تبقَ هناك مناطق شيعية قابلة للعيش فيها، فإما أضحت مدمّرة وإما معرضة للتدمير يومياً، بدليل ما يحصل من غارات يومياً في الجنوب والضاحية الجنوبية والبقاع، التي بات أهلها بغالبيتهم العظمى نازحين لدى الطوائف الأخرى».

البحث عن ناجين تحت ركام منزل دمرته غارة إسرائيلية في بلدة جون بجبل لبنان (أ.ف.ب)

ارتكاب مجازر

وفي حين تمتنع إسرائيل عن ذكر الأسباب التي تقف وراء هذه العمليات، فإنه تردد أن «الغارات استهدفت مسؤولين في (حزب الله) بعضهم كان يوزع مساعدات مالية وعينية للنازحين، وبعضهم ممن كان يتفقد عائلته»، إلّا أن مصدراً مقرباً من «حزب الله» أشار إلى أن إسرائيل «لا تحتاج إلى ذريعة لارتكاب المجازر»، عادّاً أن «قتل المدنيين يعبّر عن إفلاسها الأخلاقي وسقوط كل ذرائعها من هذه الحرب».

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إذا سلّمنا جدلاً أن المسيرات الإسرائيلية تراقب مسؤولين من الحزب وتغتالهم في منازل تأوي نازحين، فلماذا لم تستهدفهم قبل وصولهم إلى هذه الأماكن، أو بعد مغادرتهم؟»، مؤكداً أن «الغاية من هذه الجرائم إحداث شرخ داخل المجتمع اللبناني، وخلق حالة رعب وذعر لدى طوائف أخرى من أبناء الطائفة الشيعية الهاربين من الجحيم الإسرائيلي وعدم استقبالهم».