إدانات دولية بعد هجوم إسرائيلي جديد على «اليونيفيل»

والأمم المتحدة: انتهاك للقانون الإنساني الدولي

آليات لقوات «اليونيفيل» في منطقة مرجعيون عند الحدود الجنوبية (رويترز)
آليات لقوات «اليونيفيل» في منطقة مرجعيون عند الحدود الجنوبية (رويترز)
TT

إدانات دولية بعد هجوم إسرائيلي جديد على «اليونيفيل»

آليات لقوات «اليونيفيل» في منطقة مرجعيون عند الحدود الجنوبية (رويترز)
آليات لقوات «اليونيفيل» في منطقة مرجعيون عند الحدود الجنوبية (رويترز)

استهدف الجيش الإسرائيلي مجدداً قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، لليوم الثالث على التوالي، ما أدى إلى إصابة جنديين إضافيين، غداة دعوات من تل أبيب رفضتها القوة الدولية، للابتعاد 5 كيلومترات عن الحدود، ما أثار غضباً دولياً، عبرت عنه فرنسا باستدعاء السفير الإسرائيلي.

وأعلنت «الخارجية» اللبنانية أن هجوماً إسرائيلياً جديداً على مقر الكتيبة السريلانكية في قوات «اليونيفيل» بجنوب لبنان أسفر عن سقوط جريحين، غداة هجوم مماثل أدى إلى إصابة جنديين إندونيسيين من «القبعات الزرق» بجروح وأثار تنديداً دولياً. وأفادت «اليونيفيل»، في بيان لها، بتعرّض مقرها العام في الناقورة، صباح الجمعة، لانفجارات للمرة الثانية خلال 48 ساعة؛ حيث أصيب جنديان من قوات حفظ السلام بعد وقوع انفجارين بالقرب من برج مراقبة.

وأوضحت: «انهارت عدّة جدران في موقعنا التابع للأمم المتحدة رقم (1-31)، بالقرب من الخط الأزرق في اللبونة، عندما قصفت دبابة إسرائيلية محيط الموقع، وتحركت دبابات إسرائيلية بالقرب من موقع الأمم المتحدة. ظل جنود حفظ السلام التابعون لنا في الموقع، وتم إرسال قوة رد سريع تابعة لـ(يونيفيل) لمساعدة الموقع وتعزيزه». وأكدت: «هذه الحوادث تضع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، التي تعمل في جنوب لبنان بناءً على طلب مجلس الأمن بموجب القرار 1701 (2006)، في خطر شديد للغاية»، مشددة على أن «ما حدث يشكّل تطوراً خطيراً، وتؤكد (يونيفيل) ضرورة ضمان سلامة وأمن موظفي الأمم المتحدة وممتلكاتها واحترام حرمة مباني الأمم المتحدة في جميع الأوقات. كما أن أي هجوم متعمّد على جنود حفظ السلام يشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الإنساني الدولي وقرار مجلس الأمن 1701 (2006)».

أتى ذلك بعدما كانت القوات الأممية قد اتهمت الجيش الإسرائيلي، الخميس، بإطلاق النار «عمداً» على مواقعها، ما أدى إلى إصابة اثنين من عناصرها من الجنسية الإندونيسية، وأثارت الواقعة انتقادات دبلوماسية، وذهبت روما إلى حد الإشارة إلى أنها «يمكن أن ترقى إلى جرائم حرب».

وفي وقت لاحق، قال الجيش الإسرائيلي إن قواته نفّذت عملية في منطقة الناقورة (جنوب لبنان) بالقرب من قاعدة لقوة «يونيفيل»، مشيراً إلى أنه أصدر تعليمات للقوة بالبقاء في أماكن محمية، وعلى أثر ذلك فتحت القوات الإسرائيلية النار في المنطقة.

وتسعى إسرائيل إلى نقل قوات حفظ السلام التابعة لـ«يونيفيل» بعيداً عن الحدود لمسافة 5 كيلومترات، وهو ما أشار إليه، الخميس، مبعوث إسرائيل لدى الأمم المتحدة، داني دانون، لافتاً إلى أن إسرائيل توصي بنقل قوات «اليونيفيل» في لبنان لمسافة 5 كيلومترات شمالاً، «لتجنّب الخطر مع تصاعد القتال».

وتدعو قوات «اليونيفيل» التي تضم نحو 10 آلاف جندي حفظ سلام في جنوب لبنان، منذ عام، إلى وقف التصعيد بين إسرائيل و«حزب الله». وتتمركز القوة في جنوب لبنان لمراقبة وقف الأعمال القتالية على امتداد خط ترسيم الحدود مع إسرائيل، وهي منطقة تشهد اشتباكات خطيرة بين القوات الإسرائيلية ومقاتلي جماعة «حزب الله» المدعومة من إيران.

لبنان

وفي بيان لها، ندّدت «الخارجية» اللبنانية، الجمعة، بأشد العبارات «الاستهداف الممنهج والمتعمد الذي يقوم به الجيش الإسرائيلي» للقوات الأممية، مضيفة أن «قصفاً استهدف أبراج مراقبة في المقر الرئيسي لـ(يونيفيل) في راس الناقورة وفي مقر الكتيبة السريلانكية، ما أدى إلى سقوط عدد من الجرحى في صفوف (اليونيفيل)».

ووصف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الهجوم بـ«الجرم المستنكر»، واضعاً إياه «برسم المجتمع الدولي».

الأمم المتحدة

وأدان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، هذا الهجوم، قائلاً إنه «انتهاك للقانون الإنساني الدولي»، ومشدداً على أنه على إسرائيل عدم تكرار هذا الأمر، واصفاً إياه بأنه «غير مقبول».

وقال غوتيريش، بعد محادثات مع قادة دول جنوب شرقي آسيا بقمة في لاوس: «كان هناك بطبيعة الحال رد فعل من كثير من الأطراف تضامناً مع عنصري قوات حفظ السلام اللذين أُصيبا، وعبر إبلاغ إسرائيل بوضوح تام بأنّ هذا الحادث غير مقبول ويجب ألا يتكرّر».

فرنسا

وعدّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «استهداف القوات الإسرائيلية المتعمّد» لعناصر قوة الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان أمراً «غير مقبول على الإطلاق»، منبهاً إلى أن بلاده «لن تقبل» بإطلاق النار مجدداً على الجنود الأمميين بعدما حصل في اليومين الأخيرين.

وقال الرئيس الفرنسي، خلال قمة في قبرص لدول الاتحاد الأوروبي المطلة على البحر المتوسط: «ندين هذا الأمر. لن نقبل به، ولن نقبل بأن يتكرر ذلك»، موجهاً «الشكر» إلى الدول المشاركة لتعبيرها عن «موقف بالغ الوضوح إلى جانبنا في هذا الشأن».

وأضاف أن «كل ما يحصل في الشرق الأوسط له تأثير حاسم في المنطقة برمتها».

وأكد ماكرون للصحافيين أن «وقف إطلاق النار ضروري في غزة ولبنان على السواء».

وتابع: «ينبغي القيام بذلك الآن. في الوقت نفسه، بالنسبة إلى رهائننا» الذين لا يزالون محتجزين لدى حركة «حماس» منذ عام، «وبالنسبة إلى السكان المدنيين ضحايا العنف، ولتجنّب عدوى إقليمية قائمة وتهدّد استقرار المنطقة برمتها».

وقال أيضاً «إنه سبب دعوة فرنسا الملحة إلى وقف تصدير الأسلحة التي تُستخدم على مسرحي الحرب هذَين. ثمة قادة آخرون هنا قاموا بالأمر نفسه. نعلم جميعاً بأنها الرافعة الوحيدة التي يمكنها اليوم وضع حد» لما يحصل، مؤكداً «أنها ليست البتة دعوة إلى نزع سلاح إسرائيل في وجه التهديدات التي تُمارس ضدها وهذا الشعب الصديق».

إندونيسيا

وقالت وزيرة الخارجية الإندونيسية، ريتنو مارسودي، في بيان، إن «اثنين من عناصرها أُصيبا في الهجوم بالناقورة»، مؤكدة أن «مهاجمة طواقم وأملاك للأمم المتحدة هي انتهاك فادح للقانون الدولي الإنساني».

وندّد رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، بعد اجتماعه مع البابا فرنسيس في الفاتيكان، بالهجمات الإسرائيلية على قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، ودعا المجتمع الدولي إلى التوقف عن بيع الأسلحة إلى إسرائيل.

روسيا

كذلك، عبّرت «الخارجية» الروسية عن غضبها إثر هذه الحادثة، وكان وزير الدفاع الإيطالي جويدو كروزيتو قال، الخميس، إن القوات الإسرائيلية ارتكبت عملاً غير قانوني بإطلاق النار على مواقع تستخدمها قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان، ووصف ذلك بأنه جريمة حرب محتملة.

وقال كروزيتو، في مؤتمر صحافي: «لم يكن هذا خطأ أو حادثاً. وقد يشكل جريمة حرب ويمثل انتهاكاً خطيراً جداً للقانون الإنساني الدولي»، معلناً أنه اتصل بنظيره الإسرائيلي للاحتجاج، كما استدعى السفير الإسرائيلي لدى إيطاليا للمطالبة بتفسير.

وأوضح كروزيتو: «طلبت من السفير أن يبلّغ الحكومة الإسرائيلية بأنه لا يمكن للأمم المتحدة وإيطاليا أن تتلقى الأوامر من الحكومة الإسرائيلية».

الصين

وعبّرت الصين، الجمعة، عن «قلقها البالغ وإدانتها الشديدة» للهجوم الإسرائيلي على مواقع وتجهيزات تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان (يونيفيل).

إسبانيا

بدوره، طالب رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، بـ«وضع حد لكل أشكال العنف» ضد قوة الأمم المتحدة المؤقتة المنتشرة في جنوب لبنان (اليونيفيل).

وقال سانشيز، خلال قمة في قبرص لدول الاتحاد الأوروبي المطلة على المتوسط، إن «ما حصل بمقر (اليونيفيل) في لبنان (...) غير مقبول على الإطلاق، ونطالب بوضع حد لكل أشكال العنف التي يتعرّض لها، ويا للأسف، الجنود الأمميون» في هذا البلد.


مقالات ذات صلة

بري لـ«الشرق الأوسط»: انتخابات الرئاسة في موعدها... ولا نشترط تفاهمات مسبقة حول الحكومة

المشرق العربي برّي مُصرّ على عدم تأجيل موعد الانتخابات (الوكالة الوطنية للإعلام)

بري لـ«الشرق الأوسط»: انتخابات الرئاسة في موعدها... ولا نشترط تفاهمات مسبقة حول الحكومة

أكد رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري أن المساعي مستمرة لإنجاح الجلسة النيابية المقررة في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل لانتخاب رئيس للجمهورية.

ثائر عباس (بيروت)
المشرق العربي رجل ينصب شجرة عيد الميلاد وسط أنقاض كنيسة ضربتها غارة إسرائيلية في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: لبنان بدأت «رحلة التعافي الشاقة» وإعادة البناء

قالت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، الجمعة، إن رحلة التعافي الشاقة وإعادة البناء في لبنان قد بدأت، مشيرة إلى استمرار وقوف الأمم المتحدة إلى جانب لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
تحليل إخباري عناصر الدفاع المدني يبحثون عن جثث تحت الأنقاض في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ب)

تحليل إخباري عملية انتشال جثث ضحايا الحرب الإسرائيلية على لبنان متواصلة

رغم مرور أكثر من 3 أسابيع على اتفاق وقف إطلاق النار لا تزال عمليات البحث عن مفقودين تحت الأنقاض مستمرة سواء في الضاحية أم في جنوب لبنان.

بولا أسطيح
المشرق العربي نزلاء سجن رومية ينتظرون قانون العفو العام (الوكالة الوطنية للإعلام)

لبنان يحضّر ملفات تسليم السجناء السوريين إلى بلادهم

بدأت وزارتا الداخلية والعدل في لبنان درس ملفات السجناء السوريين الموجودين لدى بيروت، تمهيداً لتسليمهم إلى بلادهم، تنفيذاً لقرار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي خلال اجتماع المعارضة يوم الأربعاء في مقر رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» النائب سامي الجميّل (الكتائب)

المعارضة تتحسب لتعذُّر تعديل الدستور لانتخاب قائد الجيش رئيساً للبنان

يدخل انتخاب رئيس للجمهورية في مرحلة غربلة أسماء المرشحين مع دعوة «اللقاء الديمقراطي» لانتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون.

محمد شقير (بيروت)

صدام أميركي تركي حول دعم «الوحدات الكردية»... وإردوغان يتعهد بتصفيتها

مظاهرة دعم لـ«قسد» في القامشلي بمحافظة الحسكة ضد التصعيد التركي (أ.ف.ب)
مظاهرة دعم لـ«قسد» في القامشلي بمحافظة الحسكة ضد التصعيد التركي (أ.ف.ب)
TT

صدام أميركي تركي حول دعم «الوحدات الكردية»... وإردوغان يتعهد بتصفيتها

مظاهرة دعم لـ«قسد» في القامشلي بمحافظة الحسكة ضد التصعيد التركي (أ.ف.ب)
مظاهرة دعم لـ«قسد» في القامشلي بمحافظة الحسكة ضد التصعيد التركي (أ.ف.ب)

تصاعدت الخلافات التركية الأميركية حول التعامل مع «وحدات حماية الشعب الكردية»، التي تُعدّ أكبر مكونات قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس رجب طيب إردوغان أن «التنظيمات الإرهابية» في سوريا لن تجد من يدعمها أو يتعامل معها بعد الآن.

وصعّدت القوات التركية وفصائل الجيش الوطني السوري المُوالي لها، ضرباتها على مواقع «قسد» في منبج وعين العرب (كوباني)، بعدما نفت أنقرة ما أعلنته واشنطن عن تمديد لوقف إطلاق النار بين تركيا و«قسد». وواصلت القوات التركية، الجمعة، قصف محيط سد تشرين بريف منبج شرق حلب، وسط دعوات من قِبل الأهالي للتدخل، للحد من التصعيد، وضمان حماية المنشآت الحيوية.

تصعيد في منبج وعين العرب

وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن القذائف الصاروخية التركية دمرت أجزاء من السد، ما ينذر بعواقب بيئية وإنسانية خطيرة إذا استمر التصعيد، الذي بدأ باشتباكات عنيفة بين قوات «مجلس منبج العسكري» والفصائل الموالية لتركيا، بعد منتصف ليل الأربعاء-الخميس، استخدمت خلالها الأسلحة المتوسطة والثقيلة.

قصف تركي في منبج (أرشيفية-المرصد السوري لحقوق الإنسان)

وتزامنت الاشتباكات مع حركة نزوح كبيرة للمدنيين من المنطقة باتجاه المناطق الأكثر أمناً. وقُتل صحافيان، وأُصيب سائق سيارة في استهداف مسيَّرة تركية، بعد منتصف ليل الخميس-الجمعة، السيارةَ التي كانت تُقلّهم على الطريق الواصل بين سد تشرين وبلدة صرين في ريف عين العرب (كوباني) الجنوبي، في شرق حلب. وقُتل 5 من عناصر الفصائل المُوالية لتركيا أثناء محاولتهم التسلل إلى مواقع «قسد»، بعد اندلاع اشتباكات عنيفة بين الطرفين، في بلدة دير حافر بريف حلب الشرقي.

دعم إدارة سوريا الجديدة

وفي تصريحاتٍ أدلى بها لصحافيين مرافقين له في طريق عودته من القاهرة، حيث شارك في قمة مجموعة «الثماني النامية»، نُشرت الجمعة، قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن الوقت حان للقضاء على المنظمات الإرهابية الموجودة في سوريا، مشيراً إلى ضرورة القضاء على تنظيميْ «داعش» و«حزب العمال الكردستاني» وشركائهما (الوحدات الكردية - قسد)، الذين يهدّدون «بقاء» سوريا.

إردوغان في صورة تذكارية مع قادة مجموعة «دول الثماني» خلال قمتهم بالقاهرة (الرئاسة التركية)

وأكد أن تركيا ستدعم القيادة السورية الجديدة في الحرب ضد التنظيمات الإرهابية؛ من أجل إقامة سوريا جديدة آمنة ومستقرة، مضيفاً أنه «لا يعتقد أن أي قوة ستُواصل العمل مع مثل هذه التنظيمات في سوريا بعد الآن»؛ في إشارة، على وجه الخصوص، إلى أميركا التي تدعم الوحدات الكردية حليفاً ضد «داعش».

وتابع إردوغان أن تركيا ستساعد الإدارة السورية الجديدة أيضاً في بناء هيكل الدولة، وصياغة دستور جديد، وتتواصل معها بهذا الشأن، لافتاً إلى أن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان سيزور دمشق قريباً لمناقشة «الهيكل الجديد».

وكان أول مسؤول تركي، وأجنبي أيضاً، على مستوى رفيع زار دمشق والتقى الشرع، هو رئيس المخابرات إبراهيم كالين، الذي رافقه وفد تركي، يوم الخميس قبل الماضي، حيث أجرى مباحثات مع الإدارة الجديدة في سوريا. وبعد 48 ساعة فقط أُعيد فتح السفارة التركية في دمشق، يوم السبت الماضي، بعد 12 عاماً من إغلاقها بوصفها أول سفارة أجنبية تفتح أبوابها في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

وعبَّر إردوغان عن أمله في أن يؤدي تشكيل الإدارة السورية الجديدة، بقيادة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، قائد «هيئة تحرير الشام»، إلى مستوى جديد من العلاقات بين دمشق وأنقرة.

رفع العقوبات

وأكد أنه من المهم رفع العقوبات التي فُرضت على سوريا، خلال حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد، لتتمكن البلاد من إعادة الإعمار، مشيراً إلى أن تركيا ستدعم جارتها في عمليات إعادة الإعمار.

الرئيسان التركي والإيراني التقيا في القاهرة على هامش قمة «دول الثماني» لبحث الوضع بسوريا (الرئاسة التركية)

وعبَّر الرئيس التركي عن سعادته برؤية دول غربية وإسلامية تُجري اتصالات مع أحمد الشرع، لافتاً إلى أن المحادثات التي سيُجريها مع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب عند تولّيه الرئاسة، ستكون مهمة في ذلك الشأن.

وقال إردغان: «سنعزز علاقاتنا التجارية مع سوريا والعراق، وسيجلب ذلك ديناميكية جديدة لكل من سوريا وتركيا في شتى المجالات، سنتعاون في عدد من المجالات؛ من الدفاع، إلى التعليم والطاقة، حيث تواجه سوريا حالياً مشاكل خطيرة في مجال الطاقة، لكننا سنعالج كل تلك المشاكل بسرعة».

تحالف أميركا و«قسد»

وفي مقابل حديث إردوغان عن إنهاء وجود «العمال الكردستاني» و«وحدات حماية الشعب» الكردية في سوريا، أظهرت أميركا إصراراً على التعاون مع «الوحدات» بوصفها حليفاً وثيقاً في الحرب على تنظيم «داعش».

قوات أميركية في شمال شرقي سوريا (رويترز)

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون»، بات رايدر، إنه ليس هناك خطط لمغادرة القوات الأميركية سوريا، وستُواصل مهمتها مع حلفائها في الحرب على «داعش»، وليس هناك خطط أيضاً لحل «الوحدات الكردية»، أو قطع الصلة مع «قسد» بوصفها حليفاً في الحرب على «داعش».

وكشف رايدر أن عدد القوات الأميركية في سوريا يبلغ 2000 جندي، وهو رقم يزيد على التقديرات السابقة التي أشارت إلى وجود 900 جندي فقط، قائلاً: «كنت أبلغكم بوجود 900 جندي فقط، ولكن مع التدقيق في الأرقام، وجدنا أن العدد يصل إلى نحو ألفين».

واجتمع دبلوماسيون كبار من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، يوم الجمعة، مع أعضاء الإدارة السورية الجديدة التي شكلتها «هيئة تحرير الشام»، في أول اجتماع مباشر ورسمي بين واشنطن والحكام الجدد بعد سقوط الأسد.

وضم الوفد الأميركي المبعوث الرئاسي لشؤون الرهائن، روجر كارستينز، والمستشار المعيَّن حديثاً دانيال روبنستين، الذي كلف بقيادة جهود «الخارجية» الأميركية في سوريا، والدبلوماسية الأميركية البارزة في شؤون الشرق الأوسط، باربرا ليف.

وتُركز واشنطن على مبادئ لشمول واحترام حقوق الأقليات وتضمينها في عملية الانتقال السياسي، وتسعى لإشراك حلفائها الأكراد في السلطة، رغم المخاوف التي تُبديها تركيا، في حين لم يعارض الشرع هذا التوجه، داعياً لتوحيد البلاد ومنع تقسيمها.

البقاء الأميركي في سوريا

ورأى المحلل السياسي هنري باركي، في تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، أن انسحاب واشنطن من الملف السوري سيكون خطأ كبيراً يعيد الحياة إلى النفوذين الإيراني والروسي، لافتاً، على وجه الخصوص، إلى تنامي النفوذ التركي.

قوات أميركية مع عناصر من «قسد» في شمال شرقي سوريا (رويترز)

وكانت تركيا تُعوّل على تنفيذ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب تعهداته، التي أطلقها خلال فترته الرئاسية الأولى، بالانسحاب من سوريا والتخلي عن دعم الوحدات الكردية، وترك مهمة محاربة «داعش» لتركيا بوصفها أكثر دول حلف شمال الأطلسي «الناتو» التي قاتلت «داعش» في شمال سوريا مباشرة.

وأمام التصريحات التركية المتكررة حول تصفية الوحدات الكردية وإنهاء وجودها في سوريا، ومطالبتها بمغادرة المقاتلين الأجانب في صفوفها، ووضع السوريون أسلحتهم، وطرح قائد «قسد» مظلوم عبدي، مغادرة المقاتلين الأجانب سوريا، الذين أتوا من مختلف أنحاء الشرق الأوسط، في حال التوصل إلى وقف إطلاق النار مع تركيا.

«قسد» والاتفاق مع تركيا

وجاء التصريح، الذي أدلى به عبدي، لـ«رويترز»، بعدما نفى مسؤول في وزارة الدفاع التركية، الخميس، وجود أي اتفاق لوقف إطلاق النار بين تركيا أو فصائل الجيش الوطني السوري المدعوم منها، وقوات «قسد» في شمال شرقي سوريا، كما أعلن ذلك المتحدثُ باسم «الخارجية» الأميركية، ماثيو ميلر، يوم الثلاثاء، وعدَّ أنها كانت «زلة لسان» من المتحدث الأميركي؛ لأن تركيا لا يمكن أن تجلس مع تنظيمات إرهابية.

وأكد المسؤول التركي أن «التهديد الذي تواجهه أنقرة من الشمال السوري مستمر، وأن بلاده تواصل استعداداتها وإجراءاتها الوقائية حتى تتخلى الوحدات الكردية عن أسلحتها ويغادر المقاتلون الأجانب سوريا»، معرباً عن اعتقاده بأن فصائل «الجيش الوطني السوري» ستُنهي وجود الوحدات الكردية في سوريا.

قلق غربي

وتأكيداً لقلق حلفاء تركيا الغربيين من نهج أنقرة، دعت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، قبل مباحثات مع نظيرها التركي، هاكان فيدان في أنقرة، يوم الجمعة، تركيا إلى المساهمة في استقرار سوريا وحماية الأقليات هناك، على خلفية الدور الذي تؤديه أنقرة في دعم فصائل مسلحة شمال سوريا.

وصول وزيرة الخارجية الألمانية إلى أنقرة لمباحثات مع نظيرها التركي حول سوريا (د.ب.أ)

وقالت: «يجب ألا تصبح سوريا لعبة في أيدي قوى أجنبية أو تجربة لقوى متطرفة، إذا كانت ستجري إعادة بناء سوريا وعودة المواطنين إليها، فإن هذا لن ينجح إلا إذا لم يعد هناك أي خوف من التعرض للاضطهاد»، مشددة على أن هذا أيضاً من مصلحة الحكومة التركية، لأن هناك نحو 3 ملايين لاجئ سوري يعيشون في تركيا.

ولفتت بيربوك إلى أن الأكراد في بلدة عين العرب (كوباني) يخشون هجوماً تركياً كبيراً، و«هذا يُظهر أن السلام لا يزال بعيد المنال، وأن مستقبل سوريا لا يزال معلقاً بخيط رفيع».

بدوره، قال وزير الدفاع التركي، يشار غولر، إن تركيا تتخذ خطوات عسكرية ودبلوماسية مختلفة لضمان الاستقرار في المناطق الآمنة بشمال سوريا، في إطار مبدأ تأمين الوطن، فيما وراء الحدود وبما يتسق مع القانون الدولي. وأضاف غولر، أمام البرلمان، يوم الجمعة، خلال المناقشة الختامية لموازنة وزارة الدفاع لعام 2025 قوله: «لقد تم التأكيد لكل منصة بأن القيام بعمليات خارج الحدود يأتي في نطاق الدفاع الشرعي عن النفس، وهو حق طبيعي لتركيا».

السوريون يواصلون المغادرة عبر المعابر الحدودية مع سوريا (أ.ب)

وتطرّق غولر إلى عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، قائلاً إن تركيا وضعت خطة من مرحلتين لعودة السوريين، الأولى هي تنظيم عودة السوريين المقيمين في المخيمات المحيطة بمحافظة إدلب في شمال غربي سوريا، والثانية تشمل المقيمين في المدن بأنحاء تركيا، ونُجري دراسات لضمان العودة الآمنة والطوعية للاجئين، وإن التطورات السياسية الأخيرة في سوريا والإطاحة بنظام بشار الأسد أسهما في تسريع هذه العملية.