الاتفاقيات بين لبنان وإسرائيل بدأت في 1949... وغَلَبَ عليها الطابع الأمني

اتفاق سياسي واحد في 1983 لم يصمد طويلاً

قوة مشتركة من «اليونيفيل» والجيش اللبناني في الناقورة قرب الحدود الإسرائيلية (أرشيفية - أ.ف.ب)
قوة مشتركة من «اليونيفيل» والجيش اللبناني في الناقورة قرب الحدود الإسرائيلية (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

الاتفاقيات بين لبنان وإسرائيل بدأت في 1949... وغَلَبَ عليها الطابع الأمني

قوة مشتركة من «اليونيفيل» والجيش اللبناني في الناقورة قرب الحدود الإسرائيلية (أرشيفية - أ.ف.ب)
قوة مشتركة من «اليونيفيل» والجيش اللبناني في الناقورة قرب الحدود الإسرائيلية (أرشيفية - أ.ف.ب)

تسلط زيارة نائبة المبعوث الخاص للرئيس الأميركي للشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، إلى بيروت، الضوء على مبادرات دبلوماسية سابقة، واتفاقات بين لبنان وإسرائيل بدأت منذ عام 1949، وتعرض بعضها لخروقات ولم تخترقها إلا مفاوضات سياسية واحدة في عام 1983، لم تصمد أكثر من عدة أشهر.

ولا تزال العلاقة بين لبنان وإسرائيل ترزح تحت دائرة النار والنزاع والتوتر، على الرغم من المحاولات الدائمة للمجتمع الدولي في «تبريد الجبهات»، وفرض وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وشهدت العلاقة بين لبنان وإسرائيل محطات تفاوضية متعددة، إلا أن أياً منها لم يؤسس لهدوء دائم، بل كانت كلها تفاهمات مؤقتة لتنظيم الصراع أو تخفيف حدته. ومن خلال تحليل هذه الاتفاقيات، يتضح أن لبنان كان دائماً حريصاً على عدم تقديم أي اعتراف رسمي بإسرائيل، فيما كانت معظم الاتفاقات تهدف إلى تهدئة الأوضاع بدلاً من حل النزاع بشكل جذري.

وهنا، تستعرض «الشرق الأوسط» أهم الاتفاقات التي هدفت إلى تنظيم الأوضاع الأمنية والعسكرية بين لبنان وإسرائيل منذ عام 1949 وحتى اليوم.

اتفاقية الهدنة لعام 1949

تُعد اتفاقية الهدنة اللبنانية - الإسرائيلية لعام 1949 محطة بارزة في تاريخ لبنان الحديث ومسار الصراع اللبناني - الإسرائيلي. جاءت هذه الاتفاقية في أعقاب إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948 وما تلاه من نزاعات وأحداث دامية أثرت بشكل كبير على الأوضاع في المنطقة.​

بعد إعلان قيام دولة إسرائيل في 14 مايو (أيار) 1948، اندلعت مواجهات عسكرية بين القوات العربية والقوات الإسرائيلية الناشئة. في هذا السياق، شارك الجيش اللبناني في معركة المالكية في مايو 1948، حيث خاض مواجهات عنيفة مع القوات الإسرائيلية.

وفي ظل تلك التطورات، وبهدف وقف الأعمال العدائية، بدأت مفاوضات بوساطة الأمم المتحدة أسفرت عن توقيع اتفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل في 23 مارس (آذار) 1949، في رأس الناقورة.​ وأثمرت الاتفاقية «وقفاً للأعمال العدائية»، وتحديد خط الهدنة، واحترام الحدود الدولية، وإنشاء لجنة الهدنة المشتركة.

اتفاقية 1978

في مارس 1978، شهد جنوب لبنان تطورات عسكرية مهمة تمثّلت في الاجتياح الإسرائيلي المعروف بـ«عملية الليطاني» الذي استهدف إبعاد المقاتلين الفلسطينيين عن الحدود الشمالية لإسرائيل. رداً على ذلك، أصدر مجلس الأمن الدولي القرارين 425 و426 في 19 مارس 1978، اللذين أسفرا عن إنشاء قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل).​

ودعا القرار 425 إسرائيل إلى الانسحاب الفوري من الأراضي اللبنانية، وأقرّ إنشاء «اليونيفيل» لـ«تأكيد انسحاب القوات الإسرائيلية»، و«استعادة السلام والأمن الدوليين»، و«مساعدة الحكومة اللبنانية».

دورية مشتركة لقوات «اليونيفيل» والجيش اللبناني على طول الحدود اللبنانية - الإسرائيلية في بلدة كفركلا الجنوبية (أ.ف.ب)

اتفاق 17 أيار 1983

بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 ووصول القوات الإسرائيلية إلى العاصمة بيروت، تمت مفاوضات مباشرة بين الحكومة اللبنانية وإسرائيل برعاية أميركية، وهي المفاوضات المباشرة الوحيدة بين الطرفين، وأدت إلى توقيع «اتفاق 17 أيار 1983»، وهو الاتفاق الوحيد الذي سعى لتنظيم العلاقات السياسية والأمنية بين لبنان وإسرائيل.

ونصّت بنود الاتفاق على الانسحاب التدريجي للقوات الإسرائيلية من لبنان، وإجراء ترتيبات أمنية على الحدود، وإنهاء حالة الحرب، وفتح مكاتب ارتباط بين الجانبين لمتابعة تنفيذ الاتفاق. بيد أنّ الاتفاق واجه رفضاً شعبياً وسياسياً داخل لبنان، وانهار بعد أقل من عام، ثم أُلغي الاتفاق رسمياً عام 1984 بقرار من مجلس النواب اللبناني.

تفاهم نيسان 1996

شنت إسرائيل في أبريل (نيسان) 1996 عملية «عناقيد الغضب» ضد لبنان بهدف ضرب قدرات «حزب الله» العسكرية، لكن القصف الإسرائيلي على مقر للأمم المتحدة في قانا، الذي أدى إلى مقتل أكثر من 100 مدني، أثار موجة استنكار دولية، ما دفع الولايات المتحدة وفرنسا إلى رعاية الاتفاق الذي عرف بـ«تفاهم نيسان».

الاتفاق الذي أنهى الحرب في ذلك الوقت نصّ على التزام الطرفين بعدم استهداف المدنيين في أي عمليات عسكرية، وحق المقاومة في مهاجمة القوات الإسرائيلية داخل جنوب لبنان المحتل دون استهداف المستوطنات الإسرائيلية، وإنشاء لجنة مراقبة لمتابعة تنفيذ التفاهم.

وعلى الرغم من أنّ «تفاهم نيسان» لم يمنع المواجهات العسكرية، فإنه ساعد في تقليل استهداف المدنيين، ومهّد الطريق لانسحاب إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000.

القرار الأممي 1701 (عام 2006)

بعد اندلاع حرب يوليو (تموز) 2006 بين «حزب الله» وإسرائيل، تدخلت الأمم المتحدة لوقف الحرب عبر إصدار القرار الدولي رقم 1701. ونصّ القرار على وقف الأعمال العدائية بين الجانبين، وانتشار الجيش اللبناني في الجنوب، وتوسيع مهمة قوات الأمم المتّحدة (اليونيفيل) لمراقبة الوضع على الحدود، ومنع أي قوات غير الجيش اللبناني من حمل السلاح جنوب نهر الليطاني.

جدير بالذكر أنّ القرار الذي أدى إلى وقف القتال لم يؤسس لهدوء دائم، إذ شهدت السنوات اللاحقة لصدوره عدة خروقات من الطرفين.

جنود من الجيش اللبناني أمام آليات تتبع قوات «يونيفيل» جنوب لبنان (صفحة الجيش اللبناني على «إكس»)

اتفاق ترسيم الحدود البحرية (2022)

توصّل لبنان وإسرائيل في 27 أكتوبر (تشرين الأول) 2022 إلى اتفاق لترسيم حدودهما البحرية، بوساطة أميركية. وهدف هذا الاتفاق إلى حل النزاع القائم بين البلدين وفتح المجال أمام استغلال الموارد الطبيعية في المنطقة المتنازع عليها.​ كما تضمن الاتفاق ترتيبات مالية بين إسرائيل ومشغّل البلوك 9 لضمان حقوق الطرفين في الموارد المكتشفة.​

اتفاق وقف إطلاق النار (2024)

بعد تصاعد المواجهات بين «حزب الله» وإسرائيل خلال حرب غزة 2023 - 2024، شهدت الحدود اللبنانية تصعيداً غير مسبوق، مما أدى إلى تدخل الولايات المتحدة وفرنسا للتوسط في اتفاق وقف إطلاق النار في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024.

ونصّ الاتفاق على انسحاب القوات الإسرائيلية من بعض المواقع المحتلة في الجنوب اللبناني، ومن جانبه تعهّد «حزب الله» بتفكيك وجوده العسكري قرب الحدود، تحديداً في منطقة جنوب نهر الليطاني، فضلاً عن البسط الكامل لسلطة الجيش اللبناني بالتعاون مع قوات «اليونيفيل» جنوب نهر الليطاني، والتزام الطرفين بعدم القيام بأي عمليات استفزازية.

ورغم التوصل إلى الاتفاق فإنّه لا يزال هشّاً، وسط مخاوف من انهياره بسبب التوترات المستمرة، والدفع إلى تمديد المفاوضات لتطبيق بنوده بشكل كامل.


مقالات ذات صلة

اشتباكات داخل مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بيروت

العالم العربي جانب من مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين بجنوب بيروت (أرشيفية - أ.ف.ب)

اشتباكات داخل مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بيروت

اندلعت اشتباكات مسلحة بمخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بيروت بين «تجار مخدرات» وأسفرت عن سقوط إصابات.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي لبنانية تدلي بصوتها بالانتخابات البلدية والاختيارية في مدينة بيروت الأحد (إ.ب.أ)

خرق يتيم «يخدش» المناصفة في انتخابات بلدية بيروت

تردد، مع استمرار فرز عدد من الأقلام، بأن الباب قد يكون مفتوحاً أمام دفعة جديدة من الخرق لعضوين من المسيحيين على اللائحة التي تضم ائتلاف الأحزاب والشخصيات.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي رئيس «القوات» سمير جعجع يحتفل مع نواب وأعضاء الماكينة الانتخابية بفوز اللائحة المدعومة من الحزب في انتخابات زحلة (إعلام القوات)

صعود لافت في شعبية «القوات اللبنانية» بزحلة

رسمت نتائج الانتخابات البلدية في مدينة زحلة صورةً جديدةً للمشهد السياسي في المدينة، حيث تمكنت اللائحة المدعومة من حزب «القوات اللبنانية» حصد جميع المقاعد.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جنود لبنانيون يقفون بجوار سيارة مدمرة استهدفتها مسيرة إسرائيلية في جنوب لبنان (أ.ف.ب) play-circle

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل عنصر في «حزب الله» في جنوب لبنان

قال الجيش الإسرائيلي اليوم الاثنين إنه قتل عنصراً في جماعة «حزب الله» اللبنانية في قصف جوي على حولا في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
رياضة عالمية اللجنة طردت ثلاثة رؤساء اتحادات ضمن التكتل الداعم لضم الاتحادات الجديدة (الأولمبية اللبنانية)

انبثاق لجنتين أولمبيتين في لبنان نتيجة انقسام رياضي حاد

أدى الانقسام الحاد بين الاتحادات الرياضية في لبنان إلى انبثاق لجنتين أولمبيتين، وسط مخاوف من إمكانية إيقاف دولي للرياضة في البلاد.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

مقتل 44 فلسطينياً غالبيتهم من الأطفال والنساء بغارات إسرائيلية على غزة

الدخان يتصاعد جراء ضربة إسرائيلية شمال قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)
الدخان يتصاعد جراء ضربة إسرائيلية شمال قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)
TT

مقتل 44 فلسطينياً غالبيتهم من الأطفال والنساء بغارات إسرائيلية على غزة

الدخان يتصاعد جراء ضربة إسرائيلية شمال قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)
الدخان يتصاعد جراء ضربة إسرائيلية شمال قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)

أعلن الدفاع المدني الفلسطيني اليوم الثلاثاء مقتل 44 فلسطينياً بينهم أطفال، في غارات جوية شنتها الطائرات الإسرائيلية على مناطق متفرقة في قطاع غزة.

وقال المتحدث باسم الجمعية محمود بصل لوكالة الصحافة الفرنسية: «نقلت طواقم الدفاع المدني 44 شهيداً على الأقل غالبيتهم من الأطفال والنساء، وعشرات الجرحى جراء مجازر جديدة ارتكبها الاحتلال بحق المدنيين العزل فجر اليوم (الثلاثاء) في مناطق عديدة في قطاع غزة».

وأوضح بصل أن طواقم الدفاع المدني نقلت "15 شهيداً من عائلة نصار، وعدداً من المصابين غالبيتهم من الأطفال إثر قصف طائرات حربية لمحطة راضي للوقود غرب مخيّم النصيرات" في وسط قطاع غزة.

وأشار إلى نقل "12 شهيدا" وعدد من المصابين جراء استهداف من الطيران الإسرائيلي منزلاً لعائلة أبو سمرة في دير البلح وسط قطاع غزة.كما أفاد بسقوط "8 شهداء على الأقل وعدد من المصابين" نقلوا إلى المستشفى المعمداني، في استهداف لمدرسة "موسى بن نصير" التي تؤوي آلاف النازحين في حي الدرج وسط مدينة غزة (شمال)، متحدثا عن إصابة "الغرف الصفية المزدحمة بالنازحين مباشرة".

وفي مخيم جباليا في شمال قطاع غزة، قتل تسعة أشخاص بينهم "عدد من الأطفال" جراء غارة جوية استهدفت منزل لعائلة عائلة المقيد في المخيّم، وفقا للمتحدث باسم الدفاع المدني.

ونوّه بصل "لا يزال عدد من المفقودين تحت الأنقاض لا تستطيع طواقم الدفاع المدني الوصول إليهم بسبب القصف الإسرائيلي المتكرر في شمال قطاع غزة، وفي خان يونس ورفح" بجنوب القطاع.

ومنذ بدء الحرب، بلغ عدد القتلى الفلسطينيين في قطاع غزة 53486، وفقا لحصيلة أوردتها أمس (الإثنين)، وزارة الصحة التابعة لحماس.وبين القتلى 3340 قتيلا على الأقل قضوا منذ استئناف إسرائيل ضرباتها وعملياتها العسكرية في 18 مارس (آذار) الماضي، بعد هدنة هشة استمرت لشهرين.

وهدد قادة بريطانيا وفرنسا وكندا، أمس، باتخاذ إجراءات ضد إسرائيل إذا لم توقف حملتها العسكرية التي استأنفتها على غزة وترفع القيود المفروضة على المساعدات، مما يزيد الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن، الجمعة، بدء عملية جديدة في قطاع غزة، فيما حذر خبراء دوليون من مجاعة تلوح في الأفق.