رحلة طويلة وصعبة ومكلفة للسوريين العائدين من لبنان

الحكومة والمعارضة يجنون أرباحاً من الفارين من الحرب

سوريون كانوا يعيشون في لبنان وعادوا إلى سوريا داخل خيمة لمفوضية اللاجئين في جديدة يابوس بسوريا الاثنين (رويترز)
سوريون كانوا يعيشون في لبنان وعادوا إلى سوريا داخل خيمة لمفوضية اللاجئين في جديدة يابوس بسوريا الاثنين (رويترز)
TT

رحلة طويلة وصعبة ومكلفة للسوريين العائدين من لبنان

سوريون كانوا يعيشون في لبنان وعادوا إلى سوريا داخل خيمة لمفوضية اللاجئين في جديدة يابوس بسوريا الاثنين (رويترز)
سوريون كانوا يعيشون في لبنان وعادوا إلى سوريا داخل خيمة لمفوضية اللاجئين في جديدة يابوس بسوريا الاثنين (رويترز)

مع فرار المزيد من السوريين من القصف الإسرائيلي من لبنان للعودة إلى ديارهم، تحصل قوات الأمن الحدودية، على ربح أكبر من رسوم الدخول (باستثناء أسبوع واحد استثنته دمشق منذ بدء موجة النزوح من لبنان).

تقول المصادر لـ«وكالة الأنباء الألمانية»، إن كل سوري يعود إلى سوريا يُفرض عليه مبلغ من المال 100 دولار، وقد تصل إلى 600 دولار إذا كان العائد متوجهاً إلى مناطق تسيطر عليها المعارضة.

الرحلة طويلة وصعبة، ووفقاً لأولئك الذين قاموا بها، فهي باهظة الثمن بشكل متزايد، إذ استغرق الأمر من السوري خالد مسعود وعائلته سبعة أيام و1300 دولار للعثور على قدر من الأمان في شمال سوريا، حيث فروا من حملة القصف الإسرائيلية في لبنان. والآن، تعيش أسرته المكونة من ستة أفراد، بالإضافة إلى عائلة ابنته، في مخيم للاجئين بالقرب من معرة مصرين، شمال إدلب، في منطقة تسيطر عليها قوات المعارضة المناهضة للحكومة، ومسعود هو واحد من العديد.

المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي يتحدث إلى أحد الهاربين من هول الحرب على لبنان عند معبر جديدة يابوس السوري يوم الاثنين (أ.ب)

هذا الأسبوع، قال رئيس مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، إن ما لا يقل عن 220 ألف شخص عبروا من لبنان إلى سوريا، في أعقاب القصف الإسرائيلي، وإن نحو 80 في المائة منهم سوريون. وتشير السلطات اللبنانية إلى أن ما يصل إلى 400 ألف شخص ذهبوا إلى سوريا

بالنسبة للسوريين العائدين إلى بلدهم، فإن عبور الحدود من لبنان المجاور، ليس بالأمر البسيط. فمنذ عام 2011، شهدت سوريا حرباً بين حكومة بشار الأسد وقوات مناهضة للحكومة. ويُنظر إلى أي شخص فر من البلاد في أثناء الحرب بـ«ريبة».

وتقول منظمات حقوق الإنسان، التي توثق مثل هذه الحالات بانتظام، إن السوريين العائدين قد يتعرضون للاحتجاز والتعذيب والتجنيد القسري في الجيش السوري، أو حتى القتل.

مسلحون من المعارضة السورية يتابعون عودة السوريين من لبنان إلى محافظة إدلب الشمالية عبر معبر عون الدادات (أ.ف.ب)

بالنسبة للعديد من السوريين، فإن التوجه نحو المناطق التي لا تزال تحت سيطرة جماعات المعارضة، خيار أكثر أماناً. فكل من يأتي إلى هنا تقريباً يسلك طرقاً ريفية بين القرى. وللوصول إلى الريف الذي تسيطر عليه المعارضة حول إدلب، يتعين على معظم المسافرين المرور عبر ثلاث مناطق مختلفة تسيطر عليها ثلاث قوات أمنية مختلفة: الحكومة السورية، قوات حليفة لتركيا، ثم قوات الأمن الكردية، قبل العبور أخيراً إلى الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة السورية.

لاجئون سوريون في لبنان يعودون إلى وطنهم بعد رحلة إلى محافظة إدلب شمال غربي سوريا عبر معبر عون الدادات شمال منبج يوم الاثنين (أ.ف.ب)

وعلى الرغم من أن السوريين النازحين يسافرون عبر الطرق الخلفية، فلا تزال هناك نقاط تفتيش أمنية. وعند كل نقطة تفتيش، يُطلب منهم المال من أجل المرور. ولهذا السبب كلفت الرحلة عائلة مسعود 1300 دولار.

جني الأموال من البؤس

ومع استمرار إسرائيل في قصف لبنان، أصبحت تجارة النزوح مربحة. يقول هادي عثمان، وهو سوري يبلغ من العمر 20 عاماً، الذي وصل للتو من رحلة العودة إلى إدلب: «كل نقطة تفتيش تأخذ ما تريد. الأمر أشبه بالتجارة، والمبلغ الذي يطلبونه يعتمد على مزاجهم».

وقال عثمان وآخرون لـ«وكالة الأنباء الألمانية»، إن الناس يدفعون ما بين 300 و600 دولار، للعودة إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.

وقال أحد السكان المحليين في المنطقة الذي يعرف كيف يعمل النظام للوكالة، إن فروعاً مختلفة من الجيش السوري تتعاون مع ميليشيات أخرى، بما في ذلك القوات السورية الكردية، في المنطقة، لتسهيل مثل هذه المدفوعات. ولم يستطع المصدر المحلي التحدث إلا بشرط عدم الكشف عن هويته خوفاً من الانتقام، لأنهم يعتقدون أن الفرقة الرابعة المدرعة النخبوية في الجيش السوري، برئاسة شقيق الرئيس السوري، ماهر الأسد، متورطة أيضاً، خاصة مع الوافدين إلى الحدود اللبنانية.

نازحون ينتظرون قرب معبر «الطبقة» الحدودي (الشرق الأوسط)

وقال المصدر إن السوريين العائدين يتم إحضارهم إلى ساحة المدينة بين نقاط التفتيش. ويبقون هناك حتى يجري تجميع مجموعة أكبر ودفع الجميع عدة مئات من الدولارات، ثم يسافرون. وهذا من أسباب استغراق الرحلة وقتاً طويلاً.

ويعتقد المصدر أن الأموال يتم تقاسمها بعد ذلك بين المجموعات المختلفة التي تشرف على الطرق المؤدية إلى المنطقة التي تسيطر عليها المعارضة. ولم يتسن لـ«وكالة الأنباء الألمانية» التحقق من الأمر بشكل مستقل.

وأضاف المصدر أن النازحين السوريين غالباً ما يتعرضون للإهانة أو الاعتداء أو حتى الاعتقال، موضحاً أنه عادةً ما يتمكن الأشخاص من المرور إذا دفعوا.

ومع ذلك، في وقت سابق من هذا الأسبوع، ذكرت وسيلة إعلام سورية مستقلة، أن هناك ما لا يقل عن 40 اعتقالاً جرت في محطة حافلات في دمشق لشباب عائدين من لبنان.

«الناس خائفون ومتعبون ويبحثون عن مكان للإقامة. لو لم تكن الحرب في لبنان أسوأ من الوضع في سوريا، لكانوا قد بقوا هناك، على الرغم من العنصرية».


مقالات ذات صلة

تركيا: لا نزوح كبيراً إلى حدودنا مع سوريا هرباً من حرب لبنان

شؤون إقليمية نازحون سوريون من لبنان وصلوا الأربعاء إلى مناطق محاذية للحدود التركية شمال غربي سوريا عبر معبر «عون الدادات» بعد رحلة نزوح طويلة (د.ب.أ)

تركيا: لا نزوح كبيراً إلى حدودنا مع سوريا هرباً من حرب لبنان

أكد مصدر عسكري تركي مسؤول أنه لا توجد موجة جديدة من النزوح إلى حدود تركيا مع سوريا بعد الهجمات الإسرائيلية في لبنان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي أطفال نازحون يرسمون في مدرسة توفر لهم مأوى مؤقتاً وسط الأعمال العدائية المستمرة بين «حزب الله» وإسرائيل في بيروت (رويترز)

«لا عدالة لطلاب لبنان»... المدارس الخاصة «أونلاين» أو حضوري والرسمية للإيواء

تحاول جودي، الطالبة اللبنانية جاهدة التركيز على صفوفها المدرسية عبر «الأونلاين» وسط «طنين» طائرات الاستطلاعات الإسرائيلية، وأصوات انفجارات.

لينا صالح (بيروت)
المشرق العربي الشابة كريستي رحّال وزميلها «أبولو» يقدمان خدمة تصفيف الشعر المجانية للبنانيين النازحين بسبب الحرب في بيروت (الشرق الأوسط)

دعم نفسي ولمحة من الحياة العادية... مصفِّفا شعر يُقدمان تسريحات مجانية للنازحين اللبنانيين (صور)

تضع الشابة العشرينية كريستي رحّال معدات الحلاقة داخل سترة سوداء ترتديها، وتحمل كرسياً متحركاً معها خلال تجولها في شوارع العاصمة بيروت لمساعدة النازحين.

تمارا جمال الدين (بيروت)
المشرق العربي صورة نشرتها وزارة الهجرة لاستقبال 452 لبنانياً في منفذ القائم الحدودي مع سوريا

العراق: لا توطين للاجئين لبنانيين

قدّرت وزارة الهجرة العراقية وصول نحو 7 آلاف لاجئ لبناني إلى الأراضي العراقية، هرباً من الحرب الدائرة هناك، ونفت نية العراق «توطينهم» في البلاد.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي رجال إنقاذ يبحثون عن ناجين في موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت مبنى سكنياً جنوب بيروت (ا.ف.ب)

مقتل 5 من عناصر الدفاع المدني اللبناني في غارة إسرائيلية على  بلدة دردغيا

أعلت وزارة الصحة اللبنانية، ليل الأربعاء/الخميس، مقتل 5 من عناصر الدفاع المدني في غارة إسرائيلية على  جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

مع نزوح 600 ألف شخص... لبنان يواجه أزمة إنسانية «كارثية»

نازحون داخلياً في لبنان يفترشون الطرقات في ساحة الشهداء ببيروت وسط استمرار القصف الإسرائيلي (إ.ب.أ)
نازحون داخلياً في لبنان يفترشون الطرقات في ساحة الشهداء ببيروت وسط استمرار القصف الإسرائيلي (إ.ب.أ)
TT

مع نزوح 600 ألف شخص... لبنان يواجه أزمة إنسانية «كارثية»

نازحون داخلياً في لبنان يفترشون الطرقات في ساحة الشهداء ببيروت وسط استمرار القصف الإسرائيلي (إ.ب.أ)
نازحون داخلياً في لبنان يفترشون الطرقات في ساحة الشهداء ببيروت وسط استمرار القصف الإسرائيلي (إ.ب.أ)

يواجه لبنان أزمة إنسانية «كارثية» مع وصول عدد النازحين داخلياً إلى 600 ألف شخص، وفق ما حذّر مسؤولون في الأمم المتحدة، في حين تواصل إسرائيل هجومها ضد «حزب الله»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

وقالت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس بلاسخارت، في إحاطة صحافية: «يواجه لبنان صراعاً وأزمة إنسانية ذات أبعاد كارثية»، معربة عن «أملها في أن تكون إسرائيل الآن مستعدة لدعم الدعوات الكثيرة» لوقف التصعيد.

لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هدّد لبنان بـ«دمار ومعاناة على غرار ما يحصل في غزة» إذا «لم يحرر» نفسه من «حزب الله».

وكثّفت إسرائيل ضرباتها الجوية على معاقل «حزب الله» في لبنان منذ 23 سبتمبر (أيلول)، ما أسفر عن مقتل أكثر من 1190 شخصاً وأجبر أكثر من مليون على النزوح، بحسب تعداد لوكالة الصحافة الفرنسية استناداً إلى أرقام رسمية.

وقال المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان عمران رضا إن لبنان يواجه «واحدة من أكثر الفترات دموية» في تاريخه الحديث، مشيراً إلى أن 600 ألف شخص نزحوا داخلياً، أكثر من 350 ألفاً منهم أطفال.

وأضاف: «حتى الحروب لها قواعد».

من جهته، أفاد سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون: «نحن لا نستهدف المدنيين. لكن في الوقت نفسه، إذا رصدنا نشاطات لـ(حزب الله) أو نية لإطلاق صواريخ على إسرائيل، فسنفعل ما ستفعله أي دولة أخرى حيال ذلك».