رجال دين عراقيون يدخلون على التصعيد بين «حزب الله» وإسرائيل

السوداني يبحث في نيويورك منع توسيع نطاق الحرب... السيستاني يتضامن مع اللبنانيين والصدر يطالب بخفض التمثيل الدبلوماسي الأميركي

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال إلقائه كلمة في «قمة المستقبل» على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك يوم الأحد (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال إلقائه كلمة في «قمة المستقبل» على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك يوم الأحد (إ.ب.أ)
TT

رجال دين عراقيون يدخلون على التصعيد بين «حزب الله» وإسرائيل

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال إلقائه كلمة في «قمة المستقبل» على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك يوم الأحد (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال إلقائه كلمة في «قمة المستقبل» على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك يوم الأحد (إ.ب.أ)

في وقت يُجري رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، مباحثات في نيويورك مع قادة ومسؤولين من دول عدة، في سياق المساعي الهادفة إلى منع توسيع نطاق الحرب في المنطقة، تُواصل الفصائل المسلحة العراقية الموالية لإيران إطلاق الصواريخ والمسيّرات على أهداف مختلفة داخل إسرائيل؛ تضامناً مع «حزب الله» وحركة «حماس»، في تطوّر يهدّد بجَرّ العراق إلى مواجهة مباشرة مع الدولة العبرية في حال قرّرَت الأخيرة تنفيذ رد عسكري على الفصائل.

ويُتوقع أن تحدِّد كلمة السوداني في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد ظهر الخميس، موقف العراق الرسمي مما يجري في المنطقة، بما في ذلك تأكيد حرصه على عدم تحويل الأرض العراقية ساحةً لتصفية الحسابات في أي مواجهة محتملة بين إيران والولايات المتحدة، أو بين إسرائيل والفصائل المسلّحة.

ولم تعلّق الأوساط الرسمية في العراق، حتى الآن، على تصعيد الفصائل المسلّحة لعملياتها، من خلال إطلاق الصواريخ والمسيّرات على أهداف داخل إسرائيل، ويقول خبراء ومراقبون سياسيون إن إسرائيل وضعت العراق على قائمة بنك الأهداف التي من المتوقَّع أن يجري استهدافها رداً على هجمات الفصائل، وهو ما يعني وضع مزيد من العراقيل أمام الجهود التي تبذلها الحكومة؛ لتذليل عملية إنهاء الوجود القتالي الأميركي في العراق، الذي تصنّفه تلك الفصائل الموالية لإيران بأنه احتلال.

وفي تطوّر لافت، دخل المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني على خط الأزمة، وقال السيستاني في بيان لمكتبه: «في هذه الأيام العصيبة التي يمر بها الشعب اللبناني الكريم، حيث يتعرّض بصورة متزايدة للعدوان الإسرائيلي الغاشم وبأساليب متوحشة، شملت تفجير أعداد كبيرة من أجهزة الاتصالات الشخصية ونحوها، واستهداف مساكن مكتظّة بالمواطنين من النساء والأطفال، وشنّ غارات مكثّفة على عشرات القرى والبلدات في الجنوب والبقاع (...)، تعبّر المرجعية الدينية العليا عن تضامنها مع أعزّتها اللبنانيين الكرام، ومواساتها لهم في معاناتهم الكبيرة، رافعةً أكُفّ الضراعة إلى الله العلي القدير أن يرعاهم ويحميهم، ويدفع عنهم شر الأشرار وكيد الفجّار، وأن يشمل شهداءهم الأبرار بالرحمة والرضوان، ويَمُنّ على الجرحى والمصابين بالشفاء العاجل».

وأضاف مكتب السيستاني: «وإذ تطالب المرجعية ببذل كل جهدٍ ممكن لوقف هذا العدوان الهمجي المستمر، وحماية الشعب اللبناني من آثاره المدمّرة، تدعو المؤمنين إلى القيام بما يُسهم في تخفيف معاناتهم وتأمين احتياجاتهم».

أعضاء في كتائب «حزب الله» في بغداد يوم الأحد خلال تشييع القيادي أبو حيدر الخفاجي الذي قُتل بضربة إسرائيلية في دمشق يوم الجمعة (إ.ب.أ)

من جهته، دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، البرلمان العراقي إلى إصدار تشريع يقضي بخفض التمثيل الدبلوماسي للولايات المتحدة في العراق. وقال الصدر، في بيان له، إن «إسرائيل أسَّست كيانها على أساس تطرف ديني يهودي... وحُرّم ذلك على الأديان الأخرى، حَلَّ لها تهجير سكان فلسطين بكل وقاحة»، وأضاف: «رفضت (إسرائيل) قرارات المحكمة الدولية والقوانين الإنسانية بلا رادع، ولو فعلها غيرها لقامت الدنيا ولم تقعد».

وطالب الصدر البرلمان «باستصدار قرار برلماني بعيداً عن العنف لتقليل التمثيل الدبلوماسي الأميركي مرحلةً أولى، وإن لم تُطبِّقه الحكومة العراقية، فالمفروض أن مجلس النواب يمثّل الشعب العراقي، وأنا مستعِدّ لدعم القرار شعبياً».

وبينما لم تعلّق أي جهة رسمية عراقية، حكومية أو برلمانية، على ما تضمّنه بيانا السيستاني والصدر، قال سياسي مستقل، إنه «في الوقت الذي يعبّر بيان المرجع السيستاني عن موقف ديني تفرضه طبيعة ما يحصل من جرائم وانتهاكات يقوم بها الجيش الإسرائيلي، سواءً في قطاع غزة أم في جنوب لبنان، فإن مطالَبة الصدر باتخاذ إجراء ضد الولايات المتحدة الأميركية يُعَدّ أول تدخّل من الصدر حيال القضايا السياسية التي تخص حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني».

وقال السياسي المستقل لـ«الشرق الأوسط»، إن «الأوساط السياسية المختلفة كانت تترقَّب اتخاذ موقف من قِبل زعيم أكبر تيار شيعي في البلاد حيال التطورات المختلفة التي تجري داخل العراق، لا سيما بعد تصاعُد الخلاف داخل قوى الإطار التنسيقي، فضلاً عن الدعوات المتكرّرة إلى إجراء انتخابات مبكرة، فإن ما صدر عن الصدر بشأن الوجود الأميركي من شأنه أن يضيف عقدة جديدة في مسار التفاهمات بين السوداني والأميركيين».

وتابع أن «التطور الأهم، وهو ما بدا رسالة مبطَّنة للحكومة والأطراف الداعمة لها، هو ما أسماه (الصدر) الدعم الشعبي للقرار، وهو ما يعني احتمال زجّ الشارع في هذه المسألة المعقّدة في وقت تترقب الأوساط السياسية احتمال تحريك التظاهرات من جديد لمناسبة ذكرى انتفاضة تشرين عام 2019».

أعضاء في جماعة كتائب «حزب الله» العراقية في بغداد يوم الأحد خلال تشييع قيادي قُتل بضربة إسرائيلية في العاصمة السورية يوم الجمعة (رويترز)

وكانت «المقاومة الإسلامية في العراق» أعلنت أنها استهدفت، صباح الاثنين، قاعدة مراقبة لواء جولاني الإسرائيلي «في الأراضي الفلسطينية المحتلة» بطائرات مسيّرة. وأضافت الجماعة الموالية لإيران في بيان: «استهدف مجاهِدو المقاومة الإسلامية في العراق، صباح الاثنين، قاعدة مراقبة لواء جولاني الصهيوني بأراضينا المحتلة بواسطة الطيران المسير، وتؤكد المقاومة الإسلامية استمرارها في دكّ مَعاقل الأعداء». وأشار البيان إلى أن الهجوم جاء «نُصرةً لأهلنا في غزة»، ورداً على «المجازر التي يرتكبها الكيان الغاصب بحق المدنيين الفلسطينيين من أطفال ونساء وشيوخ»، حسب وكالة «رويترز».

وسبق أن أعلنت «المقاومة الإسلامية في العراق»، في وقت متأخر، الأحد، أنها نفّذت هجوماً بالطيران المسيّر على «هدف في غور الأردن بأراضينا المحتلة»، وأكّدت أنها ستواصل هجماتها «بوتيرة متصاعدة». وتوعّدت فصائل شيعية مسلحة في العراق بتنفيذ هجمات على إسرائيل تضامناً مع الفلسطينيين، وذلك بعد أن شن مسلحون من حركة «حماس» هجوماً على بلدات إسرائيلية في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، وهو ما أشعل فتيل الحرب في قطاع غزة، وفي بيانين منفصلين بشأن الهجوم على هدف في غور الأردن، قال الجيش الإسرائيلي إنه أطلق صواريخ لاعتراض طائرة مسيرة انطلقت من العراق، ورصدها وهي تعبر من سوريا إلى إسرائيل، ولم ترِد أنباء عن وقوع إصابات.


مقالات ذات صلة

بغداد تتهم طهران بتزوير وثائق عراقية لتصدير نفطها

المشرق العربي سفينة ضبطتها البحرية العراقية للاشتباه في تهريبها نفطاً يوم 18 مارس 2025 (رويترز)

بغداد تتهم طهران بتزوير وثائق عراقية لتصدير نفطها

كشف وزير النفط العراقي، حيان عبد الغني، عن إبلاغ بلاده واشنطن بأن طهران تستخدم وثائق عراقية مزورة لتصدير نفطها.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي جانب من العاصمة العراقية بغداد (أرشيفية - رويترز)

العراق وأميركا يناقشان استمرار التعاون ضد الإرهاب

أكد مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، والقائم بأعمال السفارة الأميركية في بغداد، السفير دانيال روبنستاين، الأحد، «أهمية دور العراق المحوري بالمنطقة».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
تحليل إخباري عبد المهدي خلال كلمة له في مؤتمر اليمن (مواقع التواصل)

تحليل إخباري ما «مضمون» زيارة عادل عبد المهدي اليمن؟

ما زال الظهور الأخير لرئيس وزراء العراق الأسبق، عادل عبد المهدي، في اليمن رفقة بعض القيادات الحوثية يثير مزيداً من التكهنات والجدل بشأن طبيعة الزيارة وأهدافها.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي جانب من إحدى جلسات البرلمان العراقي (إعلام البرلمان)

العراق: شعبية السوداني ودخول الصدر يربكان خطط القوى السياسية للانتخابات البرلمانية المقبلة

مع أن موعد الانتخابات البرلمانية في العراق، في نسختها السادسة، لا يزال بعيداً نسبياً (نهاية السنة الحالية)، فإن الاستعدادات لها بدأت مبكراً...

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني (إعلام حكومي)

تفاهم أميركي - كردي على الإسراع بتصدير نفط كردستان

حثّ مستشار الأمن القومي الأميركي، مايكل والتز، إقليم كردستان على الإسراع بتشكيل الحكومة واستئناف تصدير النفط عبر ميناء جيهان التركي.

فاضل النشمي (بغداد)

تمهيداً للحوار مع دمشق... قطبا الحركة الكردية في سوريا يعلنان اتفاقاً تاريخياً

قطبا الحركة الكردية يعقدان مؤتمراً صحافياً بمشاركة السفير الأميركي وليام روباك وقائد «قسد» مظلوم عبدي (أرشيفية نهاية 2020)
قطبا الحركة الكردية يعقدان مؤتمراً صحافياً بمشاركة السفير الأميركي وليام روباك وقائد «قسد» مظلوم عبدي (أرشيفية نهاية 2020)
TT

تمهيداً للحوار مع دمشق... قطبا الحركة الكردية في سوريا يعلنان اتفاقاً تاريخياً

قطبا الحركة الكردية يعقدان مؤتمراً صحافياً بمشاركة السفير الأميركي وليام روباك وقائد «قسد» مظلوم عبدي (أرشيفية نهاية 2020)
قطبا الحركة الكردية يعقدان مؤتمراً صحافياً بمشاركة السفير الأميركي وليام روباك وقائد «قسد» مظلوم عبدي (أرشيفية نهاية 2020)

أعلنت أحزاب كردية في سوريا، الاثنين، توصلها إلى صياغة اتفاق تاريخي يحدد رؤية موحدة بشأن مستقبلها في بلادها.

وتدعو هذه الوثيقة إلى الاعتراف بحق الأكراد في التمثيل السياسي، وضمان اعتراف الدستور بالشعب الكردي ولغته القومية، وأنجز الاتفاق برعاية أميركية - فرنسية، وبإشراف الزعيم الكردي العراقي مسعود بارزاني، وقائد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) مظلوم عبدي.

وبحسب مصادر مشاركة في الاجتماعات، توصل قطبا الحركة الكردية «المجلس الوطني الكردي» و«الوحدة الوطنية» الكردية بقيادة «حزب الاتحاد الديمقراطي»، لتوقيع هذه الوثيقة بجهود ومساعٍ حثيثة فرنسية، ومشاركة المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا سكوت بولز، التي أقرت الاتفاق الذي وقع في 10 الشهر الحالي بين رئيس المرحلة الانتقالية لسوريا أحمد الشرع، ومظلوم عبدي، والذي سيشكل أحد أساسات رؤية الأكراد المستقبلية.

الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد «قسد» مظلوم عبدي يوقعان على الاتفاق بينهما بدمشق 10 مارس 2025 (أ.ف.ب)

ونص مشروع الاتفاق على أن تكون سوريا «دولة ديمقراطية تعددية لا مركزية سياسية»، واتفقت الأحزاب الكردية على أن تعتمد هذه الرؤية خلال التفاوض مع دمشق.

وينص الاتفاق بين الأحزاب الكردية على مجموعة مبادئ تشكل أرضية تفاوضية مع الإدارة الانتقالية الجديدة في سوريا، تتضمن حماية حقوق الشعب الكردي وكيفية صيانتها دستورياً، إلى جانب رؤية الكرد لمستقبل بلدهم، إضافة إلى أن تشكيل وفد موحد مشترك في محادثاته مع حكومة دمشق، واللامركزية السياسية، مطلب رئيسي للكرد، على أن يكون نظام الحكم فيدرالياً.

وجاء الإعلان عن الاتفاق بعد اجتماع تاريخي ضم رئاسة «المجلس الوطني الكردي» وقيادة «حزب الاتحاد الديمقراطي» الذي يقود أحزاب «الوحدة الوطنية الكردية»، في 18 الشهر الحالي، حيث التقوا لأول مرة في القاعدة الأميركية للتحالف الدولي في مدينة الحسكة، بمشاركة المبعوث الأميركي سكوت بولز، بعد قطعية استمرت نحو 5 سنوات منذ نهاية 2020.

واتفق الجانبان على رسم خريطة طريق مشتركة تفاوضية مع سلطات دمشق وتوحيد الصف الكردي في المرحلة الحالية، وتشكيل وفد موحد للدخول في مفاوضات مع الإدارة الانتقالية.

اجتماع سابق بين أحزاب المجلس الوطني الكردي والوحدة الكردية بحضور السفير الأميركي وليام روباك

وتتوزع الجماعات السياسية الكردية في سوريا بين إطارين؛ هما حزب «الاتحاد الديمقراطي السوري» الذي يعدّ أبرز الأحزاب التي أعلنت الإدارة الذاتية بداية 2014، ويمثل سياسياً «وحدات حماية الشعب» الكردية العماد العسكري لقوات «قسد»، في حين يمثل «المجلس الوطني الكردي» الإطار الثاني وتشكل نهاية 2011، ويمثل سياسياً قوة «بيشمركة روج أفا» التي ينتمي أفرادها إلى المناطق الكردية في سوريا، لكنها منتشرة في إقليم كردستان العراق المجاور، إلى جانب حزبي التقدمي والوحدة الكرديين، وأحزاب ثانية تعمل خارج هذه الأطر.

وتطرح قوات و«قسد» ومجلسها السياسي «مسد»، النظام الفيدرالي نظام حكم جديداً لسوريا المستقبل، وهذا ما يتفق عليه أحزاب «المجلس الكردي»، وتقديم شكل الحكم اللامركزية السياسية بمثابة إصلاح دستوري يعزز استقرار البلاد، وليس للتقسيم. وتؤكد هذه الجهات العسكرية والسياسية، أن توزيع السلطات لا يعني تفكيك الدولة، بل يضمن مشاركة جميع المكونات في الحكم، بعدما أثار «الإعلان الدستوري» انتقادات حادة بين الأوساط السياسية والشعبية الكردية، وعدّه «يتنافى» مع تنوع سوريا، ويضم بنوداً تتشابه مع حقبة حكم حزب «البعث» ونظام الأسد المخلوع.

يذكر أن الاتفاق الذي وقعه رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، وقائد «قسد» مظلوم عبدي، نص على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية، التي تسيطر عليها القوات في شمال شرقي البلاد ضمن هياكل الدولة، ووضع المعابر الحدودية ومطار القامشلي وحقول النفط والغاز والطاقة الواقعة بريف محافظة دير الزور هناك، تحت سيطرة الإدارة الجديدة في دمشق.