الجيش اللبناني يحقّق في تفجيرات الـ«بيجر»... وتشكيك بتعاون «حزب الله»

«الحزب» يفضل إجراء تحقيقاته الداخلية… وميقاتي يطلب مساعدة دولية

ميقاتي مجتمعاً مع سفير هنغاريا لدى لبنان فيرنز تشيلاغ (رئاسة الحكومة)
ميقاتي مجتمعاً مع سفير هنغاريا لدى لبنان فيرنز تشيلاغ (رئاسة الحكومة)
TT

الجيش اللبناني يحقّق في تفجيرات الـ«بيجر»... وتشكيك بتعاون «حزب الله»

ميقاتي مجتمعاً مع سفير هنغاريا لدى لبنان فيرنز تشيلاغ (رئاسة الحكومة)
ميقاتي مجتمعاً مع سفير هنغاريا لدى لبنان فيرنز تشيلاغ (رئاسة الحكومة)

طلب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي المساعدة في تحقيقات تفجيرات الـ«بيجر» الذي يقوم بها الجيش اللبناني في وقت نقلت فيه وكالة «رويترز» عن مصدر لبناني مطلع قوله: «إن بطاريات هذه الأجهزة كانت ممزوجة بمركب شديد الانفجار يعرف باسم بيتين».

وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن الجيش بدأ التحقيقات، وتحديداً في الجزء المتعلق بالأجهزة وما تبقى من تلك التي قام بتفجيرها، أما فيما يتعلّق بالخرق الأمني فيتولى المهمة «حزب الله» الذي يقوم بالتحقيق الداخلي، ومن ثم يسلّم العملاء، إذا وُجدوا، بعد أن يحقق معهم، إلى الجيش، لكن يبقى السؤال، وفق المصدر: «هل سيخبر (الحزب) الجيش اللبناني من أين وكيف حصل على الأجهزة؟ إضافة إلى أنه يفضل أن يقوم بتحقيقاته؛ بحيث إنه إذا تم اكتشاف أي شخص من الدائرة الضيقة طبعاً فسيكون من الصعب أن يسلمه إلى الجيش»، من هنا تقول المصادر: «الأمور لا تزال في بدايتها، ولا نعلم كيف سيكون مسار الأمور، وإلى أي حد سيتعاون (حزب الله)»، مذكِّرة بما لفت إليه أمين عام «الحزب» حسن نصر الله، الخميس، حيث قال: «بالنسبة للحساب العسير فالخبر هو فيما سترونه لا فيما ستسمعون، ونحتفظ به في أضيق دائرة»، ما يدل على أن الشكوك باتت تحيط بكل من حولهم، وهناك إقرار باختراقات داخل «الحزب».

في موازاة ذلك، طلب ميقاتي المؤازرة والمساعدة التقنية الدولية في التحقيقات التي يقوم بها الجيش في ملف التفجيرات خلال لقائه سفيري اليابان وهنغاريا. وقال بيان صادر عن رئاسة الحكومة، إن ميقاتي استقبل سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان ليزا جونسون، وبحث معها الوضع الحالي في لبنان وجلسة مجلس الأمن الدولي لبحث ملف التفجيرات، كما استقبل كلاً من سفيري اليابان ماسايوكي ماغوشي وهنغاريا فيرنز تشيلاغ، وتم التشاور في موضوع التفجيرات التي وقعت في لبنان، وطلب منهما المؤازرة والمساعدة التقنية في التحقيقات التي يقوم بها الجيش في هذا الملف.

وكانت «وكالة الصحافة الفرنسية» قد أشارت إلى أن التحقيقات الأولية التي أجرتها السلطات اللبنانية أظهرت أن أجهزة الاتصال التي انفجرت، هذا الأسبوع، «تم تفخيخها قبل وصولها إلى لبنان»، وفق ما جاء في رسالة بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة إلى مجلس الأمن والتي اطلعت عليها الوكالة، الخميس.

وجاء في نص الرسالة التي أُرسلت إلى المجلس عشية اجتماع حول هذا الموضوع أن «التحقيقات الأولية أظهرت أن الأجهزة المستهدفة، قد تم تفخيخها بطريقة احترافية... قبل وصولها إلى لبنان، وتم تفجيرها عبر إرسال رسائل إلكترونية إلى تلك الأجهزة». وأضافت البعثة أن إسرائيل مسؤولة عن التخطيط للهجمات وتنفيذها.

كذلك قال مصدر لبناني مطّلع على مكونات أجهزة الـ«توكي - ووكي» التي انفجرت، هذا الأسبوع، لوكالة «رويترز» إن بطاريات هذه الأجهزة كانت ممزوجة بمركب شديد الانفجار يُعْرف باسم بيتين، مشيراً إلى «أن الطريقة التي تم بها زرع المادة المتفجرة في البطارية جعلت من الصعب للغاية اكتشافها».

وفي المقابل، وفي حين لم يتم تحديد مصدر أجهزة الـ«بيجر»، قال جهاز الأمن البلغاري، الجمعة، إنه لم يجرِ استيراد أو تصدير أو تصنيع أي أجهزة اتصال لا سلكية (بيجر) في بلغاريا من تلك التي استُخدمت في هجوم لبنان، بعدما كانت السلطات البلغارية قالت، الخميس، إن وزارة الداخلية وأجهزة الأمن فتحت تحقيقاً في احتمال وجود صلة لإحدى الشركات ببيع أجهزة الـ«بيجر» لـ«حزب الله» التي انفجرت، هذا الأسبوع، في هجوم متزامن. واستبعدت بلغاريا أي تورط مباشر لشركة «نورتا غلوبل» التي تتّخذ في صوفيا مقراً، في إنتاج وتسليم أجهزة الاتصال (بيجر) التي كانت في حوزة عناصر «حزب الله». وقالت وكالة الأمن القومي في بيان: «بعد عمليات التحقيق التي أجريت، ثبت بشكل غير قابل للجدل أنه لم يتم في بلغاريا استيراد أو تصدير أو تصنيع أي معدات اتصال مماثلة لتلك التي انفجرت في 17 سبتمبر (أيلول) الحالي».

وكانت الوكالة قد أعلنت في اليوم السابق أنها تجري تحقيقات بعد مقال نُشر على موقع «تيليكس» المجري نقلاً عن مصادر مجهولة، مفاده أن الشركة المسجلة في صوفيا من قبل مواطن نروجي، استوردت أجهزة «بيجر» ونظمت تسليمها لـ«حزب الله».

وأضافت الوكالة أنه بالإضافة إلى ذلك، «لم تقم الشركة ولا صاحبها بمعاملات تتعلق بشراء أو بيع بضائع» أو على صلة «بقانون تمويل الإرهاب».


مقالات ذات صلة

مساعٍ لترتيب زيارة لقائد الجيش اللبناني إلى واشنطن

المشرق العربي قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل يشعل شعلة في نصب شهداء الجيش بوزارة الدفاع في ذكرى استقلال لبنان يوم 22 نوفمبر الماضي (مديرية التوجيه)

مساعٍ لترتيب زيارة لقائد الجيش اللبناني إلى واشنطن

دعم البطريرك الماروني بشارة الراعي خطوة لبنان باتجاه مفاوضات مدنية مع إسرائيل، وطمأن إلى أن «عهد الحرب والنزاعات والصدامات قد ولّى».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي سجناء في باحة سجن رومية قرب بيروت الذي يضم موقوفين ومدانين بعضهم من الجنسية السورية (أ.ف.ب)

وفد قضائي لبناني إلى دمشق لحلّ أزمة السجناء السوريين

يزور وفد قضائي لبناني رفيع العاصمة السورية دمشق، الأربعاء؛ لمناقشة مشروع اتفاقية قضائية تسمح بتسليم الموقوفين والمحكومين السوريين في لبنان لدمشق.

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي ناقلة جنود مدرعة تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة (اليونيفيل) تقوم بدورية على طول طريق الخردلي جنوب لبنان - 17 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

لبنان يعوّل على المؤازرة الدولية لمنع إسرائيل من العودة للحرب

يمضي لبنان في التواصل مع الجهات الدولية المعنية للضغط على إسرائيل بهدف منع الحرب وتثبيت الاستقرار.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي 
رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع خلال المؤتمر العام للحزب 2025 (القوات)

جعجع: تنظيم «حزب الله» مشكلة لبنان الكبرى

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية»، سمير جعجع، أن التنظيم الأمني والعسكري لـ«حزب الله» هو «مشكلة لبنان الكبرى»، عادّاً أنه ليس هناك من سبب للتأخير في حلّ هيكله.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس «القوات» سمير جعجع متحدثاً في مؤتمر الحزب العام الذي عقد الأحد (القوات)

جعجع لعون وسلام: لا تضيعوا الوقت فالمشكلة في سلاح «حزب الله»

وجّه رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع رسالة مفتوحة إلى رئيسي الجمهورية جوزيف عون والحكومة نواف سلام.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

ما مصير أركان نظام بشار الأسد؟

عدد كبير من المسؤولين والضباط في النظام السابق استقر في روسيا (أرشيفية-رويترز)
عدد كبير من المسؤولين والضباط في النظام السابق استقر في روسيا (أرشيفية-رويترز)
TT

ما مصير أركان نظام بشار الأسد؟

عدد كبير من المسؤولين والضباط في النظام السابق استقر في روسيا (أرشيفية-رويترز)
عدد كبير من المسؤولين والضباط في النظام السابق استقر في روسيا (أرشيفية-رويترز)

بعد مرور سنة على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، تتزايد الأسئلة حول مصير أبرز أركان حكمه المتهمين بارتكاب انتهاكات واسعة بحق ملايين السوريين خلال 14 عاماً من الحرب.

ووفق تحقيق لصحيفة «نيويورك تايمز»، فإن 55 من كبار المسؤولين والضباط في النظام السابق فرّوا من البلاد بطرق متعددة، وإن عدداً كبيراً منهم استقر في روسيا.

كان من بين الفارين قائد «الفرقة الرابعة» ماهر الأسد ومدير استخبارات سلاح الجو السوري قحطان خليل، المتَّهَم بالمسؤولية المباشرة عن واحدة من أكثر المجازر دموية في الحرب الأهلية. ولحق به علي عباس وعلي أيوب، وهما وزيرا دفاع سابقان يخضعان لعقوبات بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم ارتُكبت خلال سنوات النزاع ورئيس هيئة الأركان عبد الكريم إبراهيم المتهم بتسهيل عمليات تعذيب وعنف جنسي ضد المدنيين ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية كمال الحسن ومدير مكتب الأمن الوطني علي المملوك واللواء بسام الحسن المتهم بالإشراف على الهجمات الكيميائية واختطاف الصحافي الأميركي أوستن تايس ومدير المخابرات العامة حسام لوقا.

ماهر الأسد

كان ماهر الأسد، قائد «الفرقة الرابعة» التي تُعدّ من أكثر وحدات النظام رهبة، يسابق الوقت لترتيب عملية فراره. وبحسب اثنين من المقرّبين، اتصل ماهر بصديق للعائلة وأحد رجال الأعمال المقرّبين منه، محذّراً إياهما من البقاء في منزليهما، وداعياً إلى الخروج فوراً وانتظاره في الخارج. وبعد دقائق، ظهر بسيارته المسرعة في الشارع، وتوقّف للحظات لاصطحابهما قبل أن ينطلق بهما بسرعة للحاق برحلته إلى موسكو. ووفق الصحيفة، يعيش ماهر الأسد حياة مترفة في منفاه، برفقة بعض قادته الكبار السابقين مثل جمال يونس.

كمال الحسن

يُتهم كمال الحسن، الذي تولّى رئاسة شعبة الاستخبارات العسكرية، بالإشراف على حملات اعتقال واسعة وتعذيب وإعدام معتقلين. غير أن عملية فراره لم تسر بسهولة. فقد أُصيب خلال تبادل لإطلاق النار مع مقاتلين من المعارضة أثناء محاولته مغادرة منزله في ضاحية قرب دمشق كانت تُعرف سابقاً بـ«قرى الأسد»؛ المنطقة التي أقام فيها عدد من كبار مسؤولي النظام في فلل فخمة. ووفق الصحيفة، اضطر الحسن إلى الانتقال متخفّياً من منزل إلى آخر قبل أن يتمكن في النهاية من الوصول إلى السفارة الروسية التي وفّرت له الحماية.

علي المملوك

ولجأ مسؤول آخر إلى السفارة الروسية هو علي مملوك، المدير السابق لمكتب الأمن الوطني، والذراع الأبرز في بناء منظومة الاعتقال والتعذيب والإخفاء القسري التي طبعت عقود حكم آل الأسد. وقال صديق مقرّب منه وأحد أقاربه إن مملوك علم بانهيار النظام عند الرابعة فجراً عبر اتصال هاتفي. وحين حاول اللحاق بمسؤولين آخرين في طريقهم إلى المطار، تعرّض موكبه لكمين. ورغم عدم التأكد من الجهة التي هاجمته، فإن مصادره قالت إن «أعداءه كُثر».

ومملوك، الذي خدم مع الرئيس السوري السابق حافظ الأسد ثم مع بشار الأسد، كان يُنظر إليه باعتباره «الصندوق الأسود للنظام». وقال أحد أصدقائه: «لم يكن فقط شاهداً على كل شيء... كان يعرف كل شيء».

وتقول ثلاثة مصادر مطلعة إن مملوك تمكن من الفرار دون إصابة، ووصل إلى السفارة الروسية. وهناك بقي مع كمال الحسن إلى أن نظّم الجانب الروسي موكباً محمياً نقلهما إلى قاعدة حميميم، قبل أن يغادرا لاحقاً إلى روسيا.

بسام الحسن

نجح اللواء بسام الحسن في الهرب دون أن يلفت الأنظار، رغم أنه كان نائماً خلال الساعات الأولى المضطربة من سقوط النظام. وتقول ثلاثة مصادر مطّلعة إن أحد كبار قادته أيقظه قبل الخامسة فجراً بقليل لتنبيهه إلى انهيار الوضع.

وبحسب مصدرين على دراية بتفاصيل فراره، سارع حسن إلى تجهيز موكب من ثلاث سيارات تقلّ زوجته وأولاده البالغين وحقائب مكدّسة بالأموال. وكان قلقه من التعرّض لهجوم كبيراً إلى حد أنه وزّع أفراد أسرته على سيارات مختلفة، لضمان عدم إصابتهم جميعاً في حال تعرضت إحدى المركبات لكمين.

وعندما اقترب الموكب من مدينة حمص، على بعد نحو 160 كيلومتراً شمال دمشق، أوقف مقاتلون السيارة الأولى، وهي رباعية الدفع، وأجبروا زوجة حسن وابنته على النزول منها، آمِرين بترك كل ما بحوزتهما داخل السيارة، بما في ذلك الحقائب اليدوية، وفق شهادة أحد الحاضرين. ويبدو أن المقاتلين اكتفوا بالغنيمة، إذ لم ينتبهوا إلى أن المرأتين استقلّتا السيارة الثانية التي كان يجلس فيها أحد أبرز رجال النظام سمعةً ورُعباً.

وبعد تجاوزه الحاجز، تمكّن حسن من الوصول إلى لبنان ثم إلى إيران بمساعدة مسؤولين إيرانيين.

وبحسب «نيويورك تايمز»، عاد الحسن لاحقاً إلى بيروت في إطار صفقة يزوّد بموجبها أجهزة الاستخبارات الأميركية بمعلومات. ويقول مقربون إنه يمضي وقته حالياً في المقاهي والمطاعم الراقية برفقة زوجته.

حسام لوقا

وقال صديق مقرّب من لوقا إنه اتصل به مراراً ليلة 7 ديسمبر للاطمئنان على الوضع، وكان يتلقى في كل مرّة تطمينات بأن «لا شيء يدعو للقلق». ولكن عند الثانية فجراً، أجاب لوقا على الهاتف على عجل ليقول فقط إنه «يجهّز نفسه للفرار».

وبعد ساعة، دخل ضباطه إلى مكتبه ليكتشفوا أنه غادر دون أن ينبس بكلمة، وأنه - وخلال خروجه - أمر محاسب الجهاز بفتح خزنة المقر، وفق ما أفاد به أحد ضباطه الذين حضروا الواقعة. وقد أخذ لوقا كل ما في داخلها من أموال، والتي قُدّرت بنحو 1.36 مليون دولار. وتقول ثلاثة مصادر من مسؤولين سابقين في النظام إنهم يعتقدون أن لوقا وصل إلى روسيا منذ ذلك الحين.


مساعٍ لترتيب زيارة لقائد الجيش اللبناني إلى واشنطن

قافلة من الآليات العسكرية اللبنانية قرب الحدود مع إسرائيل في بلدة علما الشعب بجنوب لبنان يوم 28 نوفمبر الماضي (أ.ب)
قافلة من الآليات العسكرية اللبنانية قرب الحدود مع إسرائيل في بلدة علما الشعب بجنوب لبنان يوم 28 نوفمبر الماضي (أ.ب)
TT

مساعٍ لترتيب زيارة لقائد الجيش اللبناني إلى واشنطن

قافلة من الآليات العسكرية اللبنانية قرب الحدود مع إسرائيل في بلدة علما الشعب بجنوب لبنان يوم 28 نوفمبر الماضي (أ.ب)
قافلة من الآليات العسكرية اللبنانية قرب الحدود مع إسرائيل في بلدة علما الشعب بجنوب لبنان يوم 28 نوفمبر الماضي (أ.ب)

دعم البطريرك الماروني بشارة الراعي خطوة لبنان باتجاه مفاوضات مدنية مع إسرائيل، وطمأن إلى أن «عهد الحرب والنزاعات والصدامات قد ولّى، واليوم بات عهد التفاوض والسلام»، وذلك وسط مساعٍ لترتيب زيارة لقائد الجيش العماد رودولف هيكل إلى واشنطن. ويأتي ذلك بعد ساعات على الإعلان عن اتفاق في الكونغرس الأميركي على «قانون تفويض الدفاع الوطني» الذي تضمن نصوصاً تربط بين زيادة الدعم للقوات المسلحة اللبنانية وبين هدف مواجهة التهديدات التي يمثلها «حزب الله» والتنظيمات الإرهابية الأخرى.

ويحتل دعم الجيش اللبناني قائمة أولويات السلطات اللبنانية ودول صديقة للبنان، وذلك بهدف تمكينه من تنفيذ مهامه، بما في ذلك قرار «حصرية السلاح» في أيدي الدولة فقط، وتثبيت الاستقرار على الحدود الجنوبية مع إسرائيل. وكان من المفترض أن يزور قائد الجيش، رودولف هيكل، العاصمة الأميركية الشهر الماضي، قبل تأجيل الزيارة عقب تبلّغه بإلغاء بعض اللقاءات المدرجة على جدول أعماله.

عناصر من الجيش يقفون على آليتهم مقابل موقع حانيتا الإسرائيلي المواجه لبلدة علما الشعب بجنوب لبنان في نوفمبر الماضي (إ.ب.أ)

زيارة قائد الجيش

وبينما يستعد الجيش لتنفيذ المرحلة الأولى من خطة «حصرية السلاح» في منطقة جنوب الليطاني الحدودية مع إسرائيل قبل نهاية هذا العام، كشف السفير الأميركيّ لدى لبنان ميشال عيسى عن وجود «اتصالات لعودة زيارة قائد الجيش رودولف هيكل إلى واشنطن». وإذ أعرب عن اعتقاده أنّ «الزيارة ستتم»، قال إثر زيارته وزير الخارجية يوسف رجي، إن «الأمور تصبح أوضح بالنسبة إلى زيارة قائد الجيش لواشنطن، ولكن لا شيء محدّداً حتى الآن».

وعن اجتماعات لجنة الإشراف على تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل (لجنة «الميكانيزم»)، قال عيسى: «لم ننتظر السلام من الاجتماع الأوّل، فعلى الأطراف أن تلتقي، ومن ثم يقدمون على الطاولة ما يمتلكون».

وجاء ذلك بالتزامن مع موافقة الكونغرس الأميركي على إلغاء العقوبات التي فُرضت على سوريا بموجب «قانون قيصر»، وتضمن النص النهائي لقانون «تفويض الدفاع الوطني» الأميركي، بعد التعديلات، «زيادة الدعم للقوات المسلحة اللبنانية بما يمكنها من مواجهة التهديدات التي يمثلها (حزب الله) وأي تنظيم إرهابي آخر يهدد أمن لبنان وجيرانه». ومدّد صلاحية الدعم إلى 31 ديسمبر (كانون الأول) 2026، بعدما كانت المهلة تنتهي في 31 ديسمبر 2025. ونصت «المادة 1226» من قانون «تفويض الدفاع الوطني» على «تعزيز الشراكة الأمنية مع الأردن ولبنان»، وجاء فيها: «يسعى وزير الدفاع، استناداً إلى الصلاحيات القائمة، إلى تقديم المساعدة - بما في ذلك التدريب والمعدات والدعم اللوجستي والإمدادات والخدمات - لحكومتَي الأردن ولبنان». وحدد الهدف من الدعم لحكومة لبنان بـ«زيادة قدرات القوات المسلحة اللبنانية بهدف نزع سلاح تنظيم (حزب الله) الإرهابي المدعوم من إيران».

قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل يشعل شعلة في نصب شهداء الجيش بوزارة الدفاع في ذكرى استقلال لبنان يوم 22 نوفمبر الماضي (مديرية التوجيه)

مفاوضات مدنية

وبموازاة ذلك، يمضي لبنان في المفاوضات المدنية مع إسرائيل بهدف تثبيت الاستقرار ومنع تجدد القتال على الجبهة الجنوبية. وبحث البطريرك الماروني بشارة الراعي مع الرئيس اللبناني جوزيف عون الأوضاع على الساحة المحلية والتطورات بعد تعيين السفير السابق سيمون كرم في لجنة «الميكانيزم»، وترؤسه أول اجتماع لها بوجود مفاوضين مدنيين يوم الأربعاء الماضي.

وقال الراعي بعد لقائه عون: «نحن نفرح اليوم بأن فجر السلام حطّ رحاله في لبنان بعد زيارة» بابا الفاتيكان ليو الرابع عشر، مضيفاً أنه «من الجدّي أن تحصل المفاوضات؛ لأنها على الأقل تبقى أفضل من الحرب، وخصوصاً بعد تعيين السفير كرم الذي يحظى بثقة دولية بشخصه، وهذا نقرأه على أنه من نتائج زيارة البابا، فنحن في زمن سلام وعلينا أن نعيشه، وهو ما يشكل فرحة للبنانيين؛ فعهد الحرب والنزاعات والصدامات قد ولّى، وبدأ عهد الجلوس والتفاوض معاً، وهو أمر مدعوم دولياً».

وقال الراعي: «لا أعلم لماذا لا تزال إسرائيل تهدد بالحرب، فالأميركيون قادرون و(يمونون) عليها كما يبدو، وقبولهم بالمفاوضات علامة جيدة، ولا يجب أن ننسى أن الجيش اللبناني يقوم بعمله، وينتشر كما يجب في جنوب الليطاني، وهو أمر معروف لدى إسرائيل والأميركيين».

وتابع الراعي: «لا خوف لديّ من اندلاع حرب؛ لأن اللغة حالياً هي لغة التفاوض والدبلوماسية والسياسة وليست لغة الحرب التي لا يريدها أحد، وخصوصاً أن الجيش اللبناني يقوم بالمهام الموكلة إليه».

وإذ أعرب عن اعتقاده «أننا لن نشهد حرباً جديدة»، قال الراعي: «نعتبر السفير كرم شخصية ممتازة للمفاوضات، ومن المفترض أن يكون من عيّنه الإسرائيليون في المقابل شخصاً قادراً على التفاوض. الأمور تحتاج إلى بعض الوقت، ولا يمكن الاستعجال، ولكن هذا هو الجو السائد؛ جو المفاوضات والسلام وليس جو الحرب، وهذا هو الأهم».

وأمل الراعي «أن يستوعب الجميع موقف رئيس الجمهورية والمفاوضات، والأخذ في الاعتبار أن المفاوضات لا تعني أننا ذاهبون إلى اتفاق مع إسرائيل، بل هي أولية، ولن يبقى أحد جانباً، ولا أحد يمكنه أن يضع جانباً أياً كان».


مصادر من «حماس»: محادثات «أكثر جدية» حول المرحلة الثانية من اتفاق غزة

عناصر من «حماس» تؤمّن منطقة بمدينة غزة يبحث فيها فريق مصري برفقة أفراد من «الصليب الأحمر» عن جثة آخر رهينة إسرائيلي يوم الاثنين (أ.ف.ب)
عناصر من «حماس» تؤمّن منطقة بمدينة غزة يبحث فيها فريق مصري برفقة أفراد من «الصليب الأحمر» عن جثة آخر رهينة إسرائيلي يوم الاثنين (أ.ف.ب)
TT

مصادر من «حماس»: محادثات «أكثر جدية» حول المرحلة الثانية من اتفاق غزة

عناصر من «حماس» تؤمّن منطقة بمدينة غزة يبحث فيها فريق مصري برفقة أفراد من «الصليب الأحمر» عن جثة آخر رهينة إسرائيلي يوم الاثنين (أ.ف.ب)
عناصر من «حماس» تؤمّن منطقة بمدينة غزة يبحث فيها فريق مصري برفقة أفراد من «الصليب الأحمر» عن جثة آخر رهينة إسرائيلي يوم الاثنين (أ.ف.ب)

وسط سعي حثيث للانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، صرَّحت مصادر مطلعة من حركة «حماس» بأن محادثات «أكثر جدية» تجري حالياً سواء داخل الحركة، أو مع الوسطاء، أو بينهم وبين إسرائيل، للتمهيد لمرحلة مفاوضات غير مباشرة متقدمة.

وصرَّحت المصادر لـ«الشرق الأوسط» بأن الحركة تنتظر من الوسطاء تحديد موعد هذه الجولة من المفاوضات غير المباشرة المرتقبة حال تم التوصل لاتفاق بشأنها بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو أمر توقعت أن يكون بنهاية الشهر الحالي أو بداية المقبل.

وعُقدت عدة جلسات منفصلة ما بين قيادة «حماس»، وأطراف من الوسطاء منها ثنائية وثلاثية، في عدة عواصم منها الدوحة والقاهرة، وكذلك في مدينة إسطنبول. كما جرت اتصالات في سياق المحادثات الحالية. وأشارت المصادر إلى ترتيبات لعقد المزيد منها.

ورأت المصادر أن الضغوط الأميركية وتحركات الوسطاء «جعلت هذه المحادثات أكثر جدية».

وقال أحدها: «لم يعد هناك مبرر أمام إسرائيل للتذرع لمنع الانتقال إلى المرحلة الثانية، وذلك رغم الظروف الصعبة التي تواجه عملية البحث عن جثة آخر مختطف إسرائيلي داخل قطاع غزة»، الذي تصر الحكومة الإسرائيلية على تسليمه قبل الانتقال إلى المرحلة التالية من الاتفاق، فيما يتفهم الوسطاء ظروف عملية البحث المعقدة عنه.

فلسطينية تحمل طفلها في أثناء تفقدها وآخرون ركام بيتهم المدمر بمخيم جباليا يوم 5 فبراير 2025 (أ.ب)

وتؤكد «حماس» حرصها على إغلاق ملف تبادل الجثث، وإنجاز المرحلة الأولى من الاتفاق بالكامل، وسط اتهامات إسرائيلية متكررة بالامتناع أو التأخير عن تسليم الجثث؛ غير أن الحركة كانت تؤكد أن العقبة تتمثّل في عدم توافر إمكانيات البحث عنها، إلى أن دخلت القطاع فرق هندسية مصرية ومعدات أسهمت في عملية انتشال جميع الجثث عدا جثة واحدة تواجه عملية البحث عنها صعوبات بالغة.

وبعد عدة محاولات سابقة استُؤنفت، الاثنين، لليوم الثاني على التوالي عملية البحث عن آخر جثة إسرائيلية في شرق حي الزيتون، إلى الجهة الشرقية الجنوبية من مدينة غزة، وذلك بعد الاتفاق على استئناف البحث بتوافق إسرائيلي مع الوسطاء.

قضية السلاح

حسب المصادر، يجري حالياً التجهيز «للقاء وطني فلسطيني جامع» للاتفاق الداخلي على القضايا المصيرية فيما يتعلق بحكم قطاع غزة وإدارته، وكذلك سلاح الفصائل، والعديد من القضايا الملحة والمهمة التي يجب أن يُتخذ فيها القرار في إطار إجماع متكامل.

وأشارت المصادر إلى أن اللقاء، في حال الانتهاء من التجهيزات اللازمة له، سيُعقد في القاهرة، ومن المفترض أن يضم قيادات من حركة «فتح».

وقالت المصادر إن المحادثات والاتصالات الحالية تأتي في إطار طرح الأفكار بوضوح فيما يتعلق بعملية نشر ومهام قوة الاستقرار الدولية، إلى جانب النقاش حول مصير سلاح الفصائل «من دون نزعه بالقوة»، وإنما في إطار اتفاق وطني داخلي واضح، وكذلك مع الوسطاء.

وأشارت المصادر، في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن هناك تبادلاً للأفكار بين قيادة حركة «حماس» والوسطاء بشأن قضية السلاح، مبينةً أن قضية حكم القطاع وتسليم إدارته إلى لجنة «تكنوقراط» تم الاتفاق عليها تُعد «القضية الأسهل» بالنسبة إلى التنفيذ، وأن الحركة جاهزة فوراً لتسليم إدارة القطاع إلى هذه اللجنة دون أي عقبات.

وأضافت أن هناك تقارباً في وجهات النظر بين ما تراه قيادة «حماس» وبعض الفصائل الفلسطينية وما يراه الوسطاء العرب بشأن إمكانية تسليم السلاح إلى جهة فلسطينية ضمن توافق واضح يضمن عدم تسليمه إلى إسرائيل أو الولايات المتحدة، وبما يضمن عملية سياسية واضحة المعالم بشأن مصير القضية الفلسطينية.

واقترحت الحركة التوصل لاتفاق هدنة طويلة الأمد لا تقل عن عشر سنوات «بضمان تجميد استخدام السلاح ضمن تعهدات وضمانات واضحة».

فلسطينية تسير أمام ركام «قصر الباشا» التاريخي بمدينة غزة يوم 13 نوفمبر 2025 (أ.ب)

وقال مصدر: «قيادة (حماس) منفتحة على كل الخيارات بما ينزع الذرائع من بساط الاحتلال الإسرائيلي للعودة إلى الحرب، وبما يضمن حقوق الشعب الفلسطيني مع أولويات رفع الحصار وإعادة الإعمار»، مشيراً إلى أن قيادة الحركة تتواصل باستمرار مع الفصائل الأخرى لبحث كل هذه القضايا والوصول إلى إجماع بشأنها.

الخط الأصفر

وحول تصريحات رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، التي قال فيها إن «الخط الأصفر يشكل خط حدود جديداً وخط دفاع متقدماً للمستوطنات وخط هجوم»، قالت المصادر إن المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار تنص بشكل واضح وصريح على انسحاب إضافي من قِبل قوات الاحتلال إلى خط جديد آخر، متفق عليه حسب الخرائط التي اعتُمدت في بداية الاتفاق.

ورأت المصادر أن الهدف من تلك التصريحات «الاستهلاك الإعلامي»، وأنه عند الوصول لنقطة الاتفاق بشأن المرحلة الثانية ستُجبر إسرائيل على تنفيذ استكمال عملية الانسحاب وفق الخرائط المحددة والمشار إليها بالاتفاق في المرحلة الأولى.

ومن المفترض أن يلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نهاية الشهر الحالي، لبحث الوضع في قطاع غزة والانتقال إلى المرحلة الثانية، في وقت كُشف فيه النقاب عن لقاءات أجراها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير مع مسؤولين في السلطة الفلسطينية وإسرائيل بشأن خطة حكم القطاع وقضايا أخرى، بوصفه من الشخصيات التي ستقود ما يُعرف باسم «مجلس السلام» الذي سيترأسه ترمب، وفق اتفاق وقف إطلاق النار.