لبنان: إصابات تفجيرات «البيجر» أشد من انفجار المرفأ

حالات بتر وعمى كلي... والأغلبية الساحقة من الإصابات بليغة

سيارة إسعاف تنقل الجرحى إلى المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت بعد انفجار أجهزة «البيجر» في عناصر من «حزب الله» (أ.ف.ب)
سيارة إسعاف تنقل الجرحى إلى المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت بعد انفجار أجهزة «البيجر» في عناصر من «حزب الله» (أ.ف.ب)
TT

لبنان: إصابات تفجيرات «البيجر» أشد من انفجار المرفأ

سيارة إسعاف تنقل الجرحى إلى المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت بعد انفجار أجهزة «البيجر» في عناصر من «حزب الله» (أ.ف.ب)
سيارة إسعاف تنقل الجرحى إلى المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت بعد انفجار أجهزة «البيجر» في عناصر من «حزب الله» (أ.ف.ب)

كان يوم الثلاثاء الأكثر دموية على الإطلاق في لبنان منذ اندلاع حرب غزة، فبعد الاختراق الأمني غير المسبوق بتفجيرات «البيجر»، وقع أكثر من 2800 إصابة في عناصر «حزب الله» وُصِفت غالبيتها الساحقة بالبليغة، وأدَّت لحالات بتر أطراف وفقدان بصر، بحيث يجمع العاملون بالشأن الصحي على أن الإصابات كانت أشد من انفجار مرفأ بيروت الذي وقع عام 2020.

ففيما يشبه مشاهد من فيلم بوليسي، انفجرت أجهزة الاتصال اللاسلكي (البيجر) يحملها عناصر من «حزب الله» ويستخدمونها في الاتصالات بهم من دون سابق إنذار، مسببةً إصابات بليغة لأكثر من 2800 شخص، وسقوط 12 قتيلاً، بينهم طفلان (8 سنوات) و(11 سنة).

كذلك أُصيب السفير الإيراني لدى لبنان، مجتبى أماني، بعد انفجار جهاز الاتصال الذي كان بحوزته، فيما قُتِل نجل عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب علي عمار مهدي.

سقط عناصر «حزب الله» أرضاً متأثرين بإصاباتهم في كل مكان: الشوارع والدكاكين والمنازل.

وبحسب وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال، فراس الأبيض، فإن حجم الضربة كان كبيراً، والمستشفيات استقبلت خلال نصف ساعة ما يقارب 2800 جريح.

وفي حين تركزت الإصابات في الوجوه والعيون والبطن والأيدي والأرجل، وفق أبيض، يقول نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة، سليمان هارون، لـ«الشرق الأوسط»، إنه لا إحصاءات حتى الساعة تُظهِر أين كانت الإصابات أكثر من غيرها. لكنه يوضح، بحسب مشاهدته، أنها كانت موزَّعة تقريباً بالتساوي، وذلك بحسب أين كان كل شخص يضع «البيجر»؛ على خصره، أو قريباً من وجهه، أو يحمله بيديه.

وبحسب مصادر لـ«رويترز»، فإن جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) زرع متفجرات داخل 5 آلاف جهاز اتصال لاسلكي (بيجر) استوردها «حزب الله» قبل أشهر من التفجيرات.

صورة التُقطت في 18 سبتمبر 2024 في الضاحية الجنوبية لبيروت تظهر بقايا أجهزة اتصال منفجرة معروضة في مكان غير معلن (أ.ف.ب)

إصابات بليغة وحالات بتر وعمى

ويؤكد هارون أن الأغلبية الساحقة من الإصابات (أي ما نسبته 99 في المائة منها) كانت بليغة، واحتاجت لإجراء عمليات ودخول مستشفى، مشيراً إلى أن عدد الموجودين في العناية الفائقة كبير جدّاً.

ويضيف: «الأغلبية الساحقة احتاجت لعمليات. والإصابات بأغلبها بليغة، ولم تكن هناك إصابات طفيفة».

ويشير إلى أن من بين الحالات الأكثر صعوبة كانت الإصابات في العيون والوجه، وتم تحويلها إلى مستشفى تخصصي لإجراء العمليات اللازمة.

فشهد مركز العيون في المتحف، وهو مستشفى متخصِّص بجراحة العيون للحالات الصعبة والعميقة، تدفقاً للحالات الصعبة، ولم يتوقف طبيب العيون النائب إلياس جرادي عن إجراء العمليات الأكثر صعوبة منذ وقوع الاختراق الأمني الثلاثاء.

جراح العيون وعضو مجلس النواب اللبناني إلياس يجري عملية جراحية لأحد المصابين (رويترز)

ويوضح جرادي لـ«الشرق الأوسط» أن المستشفى متخصص بالجراحات الدقيقة في العيون، واستقبل الحالات التي تتطلب اختصاصاً عميقاً، مشيراً إلى أن الحالات التي كان يتم تحويلها صعبة، وعددها كبير.

رغم ذلك، لا يعمّم جرادي أن كل الإصابات هي بنفس الصعوبة، لأن الحالات التي تُرسَل لمركز العيون هي الصعبة، وبالتالي ليست مقياساً لكل الحالات. ويشير إلى أنه يوم الثلاثاء كان هناك أكثر من 7 أطباء عيون يجرون عمليات للمصابين من دون توقف، واليوم يكمل 3 أطباء إجراء العمليات فيما يرتاح القسم الآخر، ليتسلَّم من الأطباء الذين ما زالوا يعملون في عمليات الإنقاذ.

جراح العيون وعضو مجلس النواب اللبناني إلياس جرادي متأثر بعد مشاهدة الحالات التي أجرى لها عمليات (رويترز)

ويقول: «كان التلف بالعيون والوجه واليدين من أكثر الإصابات التي وصلت إلى المستشفى. وبالمجمل كمية التلف التي شهدناها كبيرة. استطعنا إنقاذ بعض المصابين، لكننا لم نتمكن من إنقاذ البعض الآخر».

ويضيف: «عدد كبير من المصابين الذين وصلوا إلى المستشفى حصل لديهم تلف كامل بالأعضاء المصابة، هناك حالات أُصيبت بالعمى وحالات بتر أطراف».

وعن المدة التي سيحتاج إليها الطاقم الطبي والمستشفيات للسيطرة على كل الحالات، يقول: «عشنا نفس المرحلة بانفجار المرفأ. سنحتاج إلى نحو أسبوع للسيطرة على الوضع».

ووقعت التفجيرات في وقت متزامن بمناطق لبنانية عدة، في الجنوب والبقاع وبيروت والضاحية الجنوبية، وتطلبت استجابة واسعة النطاق من «الصليب الأحمر» اللبناني استمرت حتى منتصف الليل.

وفي هذا الإطار، يقول المتحدث الإعلامي لـ«الصليب الأحمر» اللبناني، إياد المنذر، لـ«الشرق الأوسط»، إن الانفجارات غير مسبوقة؛ فكانت متزامنة، وسقط عدد كبير من الضحايا، لكن في أماكن متفرقة؛ ما استدعى استنفار عناصر «الصليب الأحمر» على امتداد الوطن.

وساهم «الصليب الأحمر» في عمليات الاستجابة من خلال 134 سيارة إسعاف و450 مسعفاً، ووضع 150 سيارة إسعاف إضافية و450 مسعفاً في مناطق أخرى، في حال تأهب لتقديم الدعم وعمل على نقل 177 مصاباً إلى المستشفيات القريبة، وكذلك من مستشفى إلى آخر، لا سيما خارج العاصمة، وفق ما قال في بيان.

أسوأ من انفجار المرفأ

ويقارن المنذر انفجارات «البيجر» بانفجار المرفأ، فيؤكد أن الأول الأصعب، موضحاً أن «انفجار المرفأ تسبَّب بعدد أكبر من الجرحى، لكن النطاق الجغرافي كان محصوراً ببيروت العاصمة. أما انفجارات (البيجر) فكانت على امتداد الوطن، وتطلبت مجهوداً أكبر لإيصال الجرحى إلى المستشفيات».

وفي عام 2020، وقع انفجار مرفأ بيروت، وهو انفجار ضخم حدث على مرحلتين في العنبر رقم 12 بمرفأ بيروت، عصر يوم الثلاثاء 4 أغسطس (آب)، مما أدّى إلى أضرار كبيرة وتهشيم الواجهات الزجاجية للمباني والمنازل في معظم أحياء العاصمة اللبنانية، بيروت، وبلغ عدد الجرحى آنذاك 7000 فيما قُتِل أكثر من 218 شخصاً، من بينهم المفقودون الذين لم يُعثَر لهم على أثر.

رجل يشاهد مقطع فيديو نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي يظهر رجلاً جريحاً في 17 سبتمبر 2024 بعد أن ضربت انفجارات مواقع في العديد من معاقل «حزب الله» حول لبنان (أ.ف.ب)

ويضيف هارون: «إن ما حصل يشبه سيناريو انفجار مرفأ بيروت، مع فارق أن الإصابات البليغة كانت أكثر بكثير أمس، فغالبية المصابين كانوا يحتاجون إلى استشفاء، وليس فقط الدخول إلى الطوارئ، كما حصل في انفجار المرفأ. وهنا تكمن الصعوبة».

من هنا، يشدد هارون على أن «المستشفيات تحتاج إلى دعم سريع من مستلزمات طبية وأدوية وأموال، لأن العمليات التي أُجرِيَت مكلفة جدّاً، والإصابات كانت بليغة»، معتبراً أنه «يجب أن يحصل تحرّك سريع من قبل وزارة الصحة لدعم المستشفيات».

ويضيف: «الأهم الآن إنقاذ الأرواح، ولاحقاً سنتطرق إلى موضوع الدعم، لأن الأمر كان مكلفاً جداً على المستشفيات من الناحية المادية، وأكثر بكثير من انفجار المرفأ، رغم أن عدد المصابين بانفجار المرفأ كان ضعف العدد الحالي تقريباً، لكن الأغلبية الساحقة احتاجت إلى متابعة في الطوارئ فقط. أما هذه التفجيرات كلها فقد استدعت دخول مستشفى وعناية فائقة وعمليات مكلفة في البطن والعظم والعيون، وسننقل ذلك في الأيام المقبلة إلى الوزير فراس الأبيض».


مقالات ذات صلة

الجيش الإسرائيلي يصدر إنذاراً بإخلاء مبان في حارة حريك وحدث بيروت

المشرق العربي دخان يتصاعد من ضاحية بيروت الجنوبية إثر القصف الإسرائيلي (أ.ب)

الجيش الإسرائيلي يصدر إنذاراً بإخلاء مبان في حارة حريك وحدث بيروت

أصدر الجيش الإسرائيلي، فجر اليوم (الأحد)، إنذاراً عاجلاً لسكان الضحاية الجنوبية، بإخلاء مبان في حارة حريك وحدث بيروت.

المشرق العربي أفراد من الجيش الإسرائيلي يشاركون في العملية البرية جنوب لبنان (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يفتح تحقيقاً في وفاة معتقل من «حزب الله»

ذكر راديو الجيش الإسرائيلي و«القناة 12» الإخبارية، السبت، أن الجيش فتح تحقيقاً في وفاة معتقل من جماعة «حزب الله» في أثناء احتجازه في لبنان.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

نتنياهو: «حزب الله» ارتكب «خطأ فادحاً» بمحاولة اغتيالي

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي إن جماعة «حزب الله» اللبنانية ارتكبت «خطأ فادحاً» بمحاولة اغتياله هو وزوجته، اليوم السبت، بعد استهداف منزل قضاء العطلات الخاص به.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
العالم وزراء دفاع مجموعة السبع في صورة جماعية قبل اجتماعهم في نابولي بإيطاليا (إ.ب.أ)

وزراء دفاع مجموعة السبع: نطالب إيران بوقف دعم «حماس» و«حزب الله»

طالب وزراء دفاع مجموعة السبع، السبت، إيران بالامتناع عن تقديم الدعم لـ«حماس» و«حزب الله» و«الحوثيين» وغيرهم.

المشرق العربي خلال أداء المحافظين الجدد اليمين الدستورية أمام الرئيس بشار الأسد (وكالة سانا)

دمشق: تغييرات إدارية في 5 محافظات تواجه تصعيداً متزايداً

تسلم 5 محافظين جدد مهامهم في محافظات دير الزور ودرعا واللاذقية وحماة والقنيطرة، وذلك بينما تلتهب أطراف عدة محافظات منها.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

الأمم المتحدة: الفلسطينيون يعانون «أهوالاً تفوق الوصف» في شمال غزة

نازحون فلسطينيون يغادرون مدرسة كانوا يلجأون إليها في بيت لاهيا (أ.ف.ب)
نازحون فلسطينيون يغادرون مدرسة كانوا يلجأون إليها في بيت لاهيا (أ.ف.ب)
TT

الأمم المتحدة: الفلسطينيون يعانون «أهوالاً تفوق الوصف» في شمال غزة

نازحون فلسطينيون يغادرون مدرسة كانوا يلجأون إليها في بيت لاهيا (أ.ف.ب)
نازحون فلسطينيون يغادرون مدرسة كانوا يلجأون إليها في بيت لاهيا (أ.ف.ب)

أكدت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، السبت، أن الفلسطينيين يعانون «أهوالاً تفوق الوصف» في شمال قطاع غزة المحاصر.

وقالت منسقة الشؤون الإنسانية بالإنابة، جويس مسويا، في منشور على منصة «إكس»: «أخبار مروعة من شمال غزة حيث لا يزال الفلسطينيون يعانون أهوالاً تفوق الوصف تحت الحصار الذي تفرضه القوات الإسرائيلية»، مضيفة: «يجب أن تتوقف هذه الفظائع»، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وقالت الأمم المتحدة، الجمعة، إن مليون طفل في قطاع غزة يعيشون «جحيماً على الأرض»، حيث قُتل نحو 40 طفلاً هناك كل يوم على مدى العام الماضي.

وقال جيمس إلدر، المتحدث باسم وكالة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إنه بعد مرور أكثر من عام على الحرب التي تشنها إسرائيل ضد حركة «حماس» في الأراضي الفلسطينية المحاصرة، «يظل الأطفال يعانون أذى يومياً لا يوصف».

وأضاف، للصحافيين في جنيف، أن «غزة هي التجسيد الحقيقي للجحيم على الأرض بالنسبة إلى مليون طفل فيها. والوضع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم»، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

ويشنّ الجيش الإسرائيلي منذ سنة هجوماً واسع النطاق في غزة، ردّاً على هجوم غير مسبوق نفّذه عناصر من حركة «حماس» داخل الأراضي الإسرائيلية في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وتقول وزارة الصحة الفلسطينية في غزة: «إن عدد قتلى العمليات الإسرائيلية في قطاع غزة تجاوز 42 ألف قتيل منذ بدء هجومها على القطاع في أكتوبر 2023».