إصلاحات المالية العامة «قيد التأجيل» المستمر في لبنان

ربطاً بتعثر خطط الحكومة والوعود بقوانين مستقلة

وزارة المالية اللبنانية (المركزية)
وزارة المالية اللبنانية (المركزية)
TT

إصلاحات المالية العامة «قيد التأجيل» المستمر في لبنان

وزارة المالية اللبنانية (المركزية)
وزارة المالية اللبنانية (المركزية)

تُقرّ وزارة المال في لبنان بتواصل تغييب موجبات الدين العام عن مشروع قانون الموازنة العامة، باستثناء الالتزام بالوفاء بمستحقات الديون الخارجية الإنمائية، وتكاليف المحروقات لمؤسسة الكهرباء، ومساهمات واشتراكات دورية في مؤسسات مالية دولية، مع التنويه بأن السير في الإصلاحات البنيوية المدرجة في خطة التعافي الحكومية يتطلب التوافق السياسي بعيداً عن التجاذبات القائمة.

ولا يشكل الوعد بإنجاز مشاريع قوانين مستقلّة للإصلاحات المرجوة مؤشراً كافياً، حسب مسؤول ماليّ معنيّ، لترقب تحولات نوعية في منهجية المقاربات الحكومية التي تتعثر تكراراً في إنجاز خطة متكاملة للإنقاذ والتعافي.

وفي حين تعاني الدولة من اختلالات بنيوية مستمرة في منظومة الحكم، بعد نحو سنتين من الشغور الرئاسي، المسبوق باقتصار المهام الحكومية دستورياً على «تصريف الأعمال» والانقسامات السياسية التي تحاصر السلطة التشريعية.

معارضة نيابية

وإلى جانب الواقع السياسي المأزوم ومخاطر توسع حرب الجنوب، يشير المسؤول المالي إلى أن الخطط الحكومية المتتالية ستظل تصطدم بمعارضة نيابية وسياسية واقتصادية واسعة تَحول دون بلورتها إلى مشروع وطني متكامل، ما دامت ترتكز إلى التهرب من مسؤولية الدولة عن موجبات الدين العام وتحميل القطاع المالي والمودعين الجزء الأكبر من الفجوة المالية المقدَّرة بنحو 73 مليار دولار.

ووفق التبريرات الرسمية، رُوعي عدم تحميل مشروع موازنة عام 2025 مسؤولية أكبر مما تحتمل في الوقت الراهن، مع تأكيد أن التزام تقديم الموازنتين الحالية والسابقة في موعدهما الدستوري كان له الأبعاد الإيجابية على الالتزام والاستقرار المالي، وإن كان تأثيرها على التعافي الاقتصادي ونهوضه يبقى محدوداً بانتظار بقية التشريعات التي تعيد هيكلة القطاع المصرفي وسواها.

ويركّز تقرير توضيحي معزَّز بالبيانات المالية المحققة والمتوقعة للعامين الحالي والمقبل، على واقع المالية العامة بعد عامين من الإجراءات والموازنات والحيثيات التي أملت إعداد الموازنة بما هي عليه، خصوصاً «أن الوزارة تجهد اليوم لإزالة كل العوائق أمام إعادة نشر البيانات المالية، ليكون الجميع على بينة من الواقع كما هو، باعتبار أن البيانات تحمل كل المعطيات المطلوبة وتجيب عن كل التساؤلات».

وفي المرتكزات الأساسية، يشير المسؤول المالي إلى خلوِّ التقرير من أي تقديرات محدَّثة لبيانات الناتج المحلي الذي تقلص بحدة بالغة من حدود 53 مليار دولار إلى أقل من 20 مليار دولار بفعل الأزمات، واستتباعاً تغيب تماماً أرقام النمو المرتقبة، سلباً أم إيجاباً، ربطاً بتداعيات المواجهات العسكرية المستعرة على الحدود الجنوبية، فيما تَرِد إشارة لافتة عن توحيد أسعار الصرف وإزالة التشوهات عبر استقرار سعر صرف الليرة ودعم السلطات النقدية في تعزيز احتياطيات العملات الأجنبية.

موازنات بلا بعد إصلاحي

وبدا لافتاً الإقرار الرسمي من وزارة المال، وفي ظل الظروف الراهنة، بمحدودية دور الموازنات من حيث البعد الإصلاحي وتأثيره الفعّال على الاقتصاد، وبقائها تحت سقف «الطوارئ والأولويات»، بهدف تأمين الاستقرار والحفاظ على العمل المؤسساتي إلى حين تخطي جميع العوائق وتفعيل خطة التعافي، بما يشمل خصوصاً تشريع قوانين الإصلاحات الجوهرية وإعادة هيكلة القطاع المصرفي والدين العام ورسم خطة استرجاع الودائع.

وبالفعل، يقتصر البعد الإصلاحي في مشروع قانون موازنة العام المقبل، وفق تقديرات الوزارة، على صيانة استقرار مستدام وتفعيل الانتظام المالي وتأمين الخدمات العامة بالشكل الأفضل في ظل التحديات القائمة، نظراً لأهمية إقرار الموازنة القائمة في موعدها الدستوري.

وتبقى الأهداف القصوى في ظل أوضاع سياسية وأمنية حرجة، حسب خلاصات وزارة المال: الحفاظ على الاستقرار النقدي، ولجم التضخم، وتيسير المرفق العام، وتأمين الموارد من خلال استكمال سياسة تعزيز الواردات وتفعيل الالتزام الضريبي عبر توسيع الوعاء الضريبي وملاحقة المتخلفين، وترشيد الإنفاق حسب الأولويات، وتأمين أرصدة في حسابات الخزينة من خلال الإدارة المالية المتأنية لمواجهة المخاطر وتسديد الالتزامات القائمة على الدولة اللبنانية، وذلك في غياب أي قدرة على التمويل من الأسواق المالية وإصدار سندات دين.

لا ضرائب جديدة

ورغم امتناع وزارة المال عن نشر البيانات الدورية للخزينة، تم تأكيد أن مشروع موازنة العام المقبل لم يتضمن أي ضرائب جديدة في باب الواردات المقدرة بنحو 4.6 مليار دولار، باستثناء ما يخص تصحيح بعض الرسوم التي لم تصحَّح في الموازنات السابقة التي تدهورت قيمها مع التضخم المحقق.

وفي المقابل، شكَّلت مخصصات العاملين في القطاع العام نحو نصف النفقات المقدَّرة بنحو 4.8 مليار دولار، مع تنويه الوزارة إلى أن عملية تصحيح الرواتب والأجور تتم تدريجياً وعلى مراحل، تزامناً مع الإمكانات التمويلية المتوفرة. علماً بأن أغلب المؤسسات العامة معطَّلة أو تعمل جزئياً بسبب الاختلالات الجسيمة بين المداخيل والمتطلبات المعيشية بحدودها الدنيا.


مقالات ذات صلة

إسرائيل تهجّر 70 % من سكان بعلبك في شرق لبنان

المشرق العربي مواطن يمشي على أنقاض مبنى في بلدة دورس في بعلبك (أ.ف.ب)

إسرائيل تهجّر 70 % من سكان بعلبك في شرق لبنان

عادت بلدة ميس الجبل عند الحدود الجنوبية إلى الواجهة مع قيام الجيش الإسرائيلي بتفخيخ وتفجير خط كبير بطول 500 متر.

كارولين عاكوم (بيروت)
المشرق العربي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مجتمعاً مع السفيرة الأميركية لدى لبنان ليزا جونسون (رئاسة الحكومة)

ميقاتي ينتقد «صمت المجتمع الدولي على جرائم العدوان الإسرائيلي»

أكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أنّ «تمادي العدو الإسرائيلي في عدوانه على لبنان والجرائم التي يرتكبها قتلاً وتدميراً، هي برسم المجتمع الدولي الساكت على ما يجري».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي مناصر لـ«حزب الله» يجول بين ركام ناتج من الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية (أ.ب)

إسرائيل تؤكد مقتل قيادي بارز من «حزب الله» في غارة على لبنان

أعلن الجيش الإسرائيلي أنه قتل قيادياً كبيراً في «حزب الله» قال إنه يشرف على إطلاق قذائف صاروخية وصواريخ مضادة للدروع على إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي جنود إسرائيليون يتجمعون بجوار منزل متضرر في شتوله شمال إسرائيل... وهو مجتمع تأثر بوابل من القذائف التي أطلقت من لبنان وسط أعمال عدائية عبر الحدود بين «حزب الله» وإسرائيل (رويترز)

«حزب الله» يعلن إطلاق رشقة «صاروخية كبيرة» على شمال إسرائيل

أعلن «حزب الله» اليوم (الاثنين) أنه أطلق رشقة «صاروخية كبيرة» على مدينة صفد في شمال إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (بيروت (لبنان))
شمال افريقيا وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن (الخارجية المصرية)

عبد العاطي لبلينكن: الأمن المائي قضية «وجودية» لمصر

أكّد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، لنظيره الأميركي أنتوني بلينكن، رفض مصر وإدانتها للتصعيد الإسرائيلي ضد وكالة «أونروا».


إسرائيل تندد بدعوات فرض حظر أسلحة عليها

داني دانون مبعوث إسرائيل لدى الأمم المتحدة (أ.ف.ب)
داني دانون مبعوث إسرائيل لدى الأمم المتحدة (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تندد بدعوات فرض حظر أسلحة عليها

داني دانون مبعوث إسرائيل لدى الأمم المتحدة (أ.ف.ب)
داني دانون مبعوث إسرائيل لدى الأمم المتحدة (أ.ف.ب)

ندد مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون، اليوم الاثنين، بخطابٍ من تركيا إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وقعت عليه أيضاً أكثر من 50 دولة، ويطالب بفرض حظر أسلحة على إسرائيل.

وقال دانون على منصة «إكس»: «أرسلت تركيا في وقت سابق اليوم طلباً إلى الأمين العام للأمم المتحدة دعت فيه إلى فرض حظر أسلحة على إسرائيل. وقع على الرسالة أكثر من 50 دولة دعماً للطلب»، واصفاً ذلك بأنه «تحرك آخر من محور الشر ضد إسرائيل على الساحة الدولية».

كان هاكان فيدان وزير الخارجية التركي قد قال في مؤتمر صحافي في جيبوتي، أمس، إن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أصبحت مصدر تهديد، ليس فقط لدول الشرق الأوسط، بل أيضاً على المستوى العالمي.

وعدَّ فيدان أن بيع أسلحة لإسرائيل يعني «المشاركة في الإبادة»، حسب ما نقلته عنه وسائل إعلام رسمية.