توقيف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة بعد استجوابه

الحاكم السابق للمصرف المركزي في لبنان رياض سلامة (رويترز)
الحاكم السابق للمصرف المركزي في لبنان رياض سلامة (رويترز)
TT

توقيف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة بعد استجوابه

الحاكم السابق للمصرف المركزي في لبنان رياض سلامة (رويترز)
الحاكم السابق للمصرف المركزي في لبنان رياض سلامة (رويترز)

أوقف القضاء اللبناني اليوم (الثلاثاء)، الحاكم السابق للمصرف المركزي رياض سلامة، المستهدف بتحقيقات عدة في لبنان والخارج، بعد استجوابه بشأن قضية اختلاس أموال، وفق ما أفاد مصدر قضائي لوكالة الصحافة الفرنسية.

وقال المصدر، من دون الكشف عن هويته: «أوقف النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار، سلامة بعد استجوابه على مدى ثلاث ساعات حول شبهات اختلاس من مصرف لبنان تفوق أربعين مليون دولار». وهذه أول مرة يمْثل فيها سلامة أمام القضاء، منذ انتهاء ولايته في 31 يوليو (تموز) 2023.

وأكد مصدران قضائيان أيضاً ان سلامة متهم بالحصول على أكثر من 110 ملايين دولار عبر جرائم ما‬لية تشمل شركة «أوبتيموم» للوساطة‬‬.

ويشكل سلامة منذ ثلاثة أعوام محور تحقيقات محلية وأوروبية تشتبه بأنه راكم أصولاً عقارية ومصرفية بشكل غير قانوني، وأساء استخدام أموال عامة على نطاق واسع خلال توليه حاكمية مصرف لبنان، عدا عن تحويله الأموال إلى حسابات في الخارج و«الإثراء غير المشروع».

وبناءً على التحقيقات، أصدرت قاضية فرنسية في باريس والمدعية العامة في ميونيخ، العام الماضي، مذكرتَي توقيف بحقه جرى تعميمهما عبر الإنتربول. وقرّر القضاء اللبناني بناءً عليهما منعه من السفر وصادر جوازي سفره اللبناني والفرنسي.

إلا أن النيابة العامة في ميونيخ ألغت في يونيو (حزيران) مذكّرة التوقيف بحق سلامة، لأنه «لم يعد يشغل منصب حاكم مصرف لبنان المركزي وبالتالي لم يعد هناك أي خطر (...) بإتلاف أدلة». لكن القرار لا يعني أن التحقيق انتهى.

ورغم أن مذكرة التوقيف الصادرة من فرنسا التي يحمل سلامة جنسيتها لا تزال سارية، فإنها من دون طائل، إذ لا يسلّم لبنان مواطنيه لمحاكمتهم في دولة أجنبية.

وفرضت الولايات المتحدة إلى جانب كندا والمملكة المتحدة، عقوبات اقتصادية على سلامة وعلى أفراد عائلته لشبهات فساد، بما في ذلك تجميد أصولهم في البلدان الثلاثة.

ولطالما نفى سلامة التهم الموجهة إليه، متحدثاً عن «بيانات مزورة» وخلفيات «سياسية». ورغم التحقيقات التي طالته، أصرّ على البقاء في منصبه حتى إنهاء ولايته، مستفيداً من حماية سياسية وفّرتها له قوى رئيسية في البلاد.

ويُعد عهد سلامة (74 عاماً) الذي شغل منصب حاكم مصرف لبنان منذ 1993 حتى 2023 من الأطول في العالم لحكام المصارف المركزية.

وكان سلامة مهندس السياسات المالية في مرحلة تعافي الاقتصاد ما بعد الحرب الأهلية (1975-1990)، لكن على وقع الانهيار الاقتصادي غير المسبوق الذي يشهده لبنان منذ 2019، بات يُحمَّل مع أركان الطبقة الحاكمة مسؤولية الفشل في إدارة أزمات البلاد المتلاحقة.

وتحمّل جهات سياسية ومحللون ومواطنون في لبنان سلامة مسؤولية انهيار العملة الوطنية، وينتقدون بشكل حاد السياسات النقدية التي اعتمدها، باعتبار أنها راكمت الديون وسرّعت الأزمة، إلا أنه دافع مراراً عن نفسه بتأكيده أن المصرف المركزي «موّل الدولة ولكنه لم يصرف الأموال».


مقالات ذات صلة

مسيّرة إسرائيلية تقصف منطقة وطى الخيام في جنوب لبنان

المشرق العربي مبان مدمرة نتيجة القصف الإسرائيلي على قرية ميس الجبل في جنوب لبنان (إ.ب.أ)

مسيّرة إسرائيلية تقصف منطقة وطى الخيام في جنوب لبنان

ذكرت قناة «تلفزيون الجديد»، اليوم الجمعة، أن طائرة مسيّرة إسرائيلية أطلقت صاروخين على منطقة وطى الخيام في جنوب لبنان. ولم يذكر التلفزيون تفاصيل أخرى عن القصف.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
العالم العربي الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم معلناً «الانتصار الكبير» (رويترز)

قاسم يعلن «انتصار» «حزب الله» ويتعهّد صون الوحدة الوطنية وانتخاب رئيس

قال الأمين العام لـ«حزب الله» إن الحزب حقّق «انتصاراً كبيراً يفوق النصر الذي تحقق عام 2006»، وذلك «لأن العدو لم يتمكن من إنهاء وإضعاف المقاومة».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي اجتماع تكتل «الجمهورية القوية» برئاسة رئيس «القوات» سمير جعجع (حزب القوات اللبنانية)

جنبلاط: دور الجيش أسقط «الأمن الذاتي»... وجعجع: لا عودة إلى ما قبل 7 أكتوبر

عدّ رئيس «الاشتراكي» أن الدور الذي قام به الجيش اللبناني أسقط نظرية «الأمن الذاتي»، في حين أكد رئيس «القوات» أنه لا عودة إلى ما قبل 7 أكتوبر.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيباني مع رئيس البرلمان نبيه برّي في زيارة وداعية (رئاسة البرلمان)

السفير الإيراني يعود إلى بيروت بعد تعافيه من إصابة «البيجر»

يعود سفير إيران لدى لبنان مجتبي أماني يوم الأحد إلى بيروت لاستئناف عمله في سفارة بلاده.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
خاص ماكرون يرسم مجدداً خريطة طريق لمساعدة لبنان

خاص ماكرون يرسم مجدداً خريطة طريق لمساعدة لبنان

ملف لبنان على طاولة المباحثات بين الرئيس ماكرون والأمير محمد بن سلمان، ويدعو لوقف كافة انتهاكات اتفاق وقف النار وانتخاب «فوري» لرئيس الجمهورية.

ميشال أبونجم (باريس)

المكتب الأممي لتنسيق الشؤون الإنسانية في سوريا: موجة نزوح من حلب وإغلاق المطار

فصائل مسلحة سورية تسيطر على بلدات في محيط حلب (أ.ب)
فصائل مسلحة سورية تسيطر على بلدات في محيط حلب (أ.ب)
TT

المكتب الأممي لتنسيق الشؤون الإنسانية في سوريا: موجة نزوح من حلب وإغلاق المطار

فصائل مسلحة سورية تسيطر على بلدات في محيط حلب (أ.ب)
فصائل مسلحة سورية تسيطر على بلدات في محيط حلب (أ.ب)

قال المكتب الأممي لتنسيق الشؤون الإنسانية في سوريا، الجمعة، إن هناك تقارير عن عمليات نزوح واسعة من مناطق في ريف حلب الغربي ومناطق داخل المدينة مع إعلان فصائل مسلحة دخولها مدينة حلب.

وأضاف المكتب الأممي لتنسيق الشؤون الإنسانية في سوريا أن بعض العائلات نزحت من حلب وإدلب إلى أماكن إيواء جماعية في حماة.

وأشار المكتب إلى أنه تم إغلاق مطار حلب الدولي، وتعليق جميع الرحلات، مضيفاً أن «الوضع الأمني في حلب يتدهور بشكل سريع».

وسيطرت «هيئة تحرير الشام» وفصائل مسلحة أخرى على مدينة سراقب في محافظة إدلب، وفق ما أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، الجمعة، في إطار هجوم واسع تشنّه في شمال سوريا دخلت خلاله مدينة حلب.

وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أهمية سراقب (شمال غربي) أنها تمنع أي مجال للنظام من التقدم إلى حلب، وتقع على عقدة استراتيجية تربط حلب باللاذقية (غرب) وبدمشق».

دخلت مجموعات مسلحة بينها «هيئة تحرير الشام» وفصائل مدعومة من تركيا، الجمعة، مدينة حلب في شمال سوريا، وفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، بعد قصفها في سياق هجوم مباغت وسريع بدأته قبل يومين على القوات الحكومية، هو الأعنف منذ سنوات.

وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن الفصائل «دخلت إلى الأحياء الجنوبية الغربية والغربية» لكبرى مدن الشمال السوري.

وأضاف أنّها سيطرت على خمسة أحياء في ثانية كبرى مدن البلاد، مشيراً إلى أنّ الجيش السوري «لم يبدِ مقاومة كبيرة».

وهي المرة الأولى التي تدخل فيها فصائل مسلحة إلى حلب منذ استعاد الجيش السوري السيطرة الكاملة على المدينة عام 2016.

وأفاد مراسل لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» في حلب بوقوع اشتباكات بين الفصائل، والقوات السورية ومجموعات مساندة لها.

كذلك، قال شاهدا عيان من المدينة، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إنهما شاهدا مسلحين في منطقتهما، وسط حالة من الهلع.

وأودت العمليات العسكرية بحياة 277 شخصاً، وفقاً للمرصد، غالبيتهم مقاتلون من طرفي النزاع، ومن بينهم 28 مدنياً قضى معظمهم في قصف من طائرات روسية تدعم الجيش في المعركة.

وبدأ الهجوم خلال مرحلة حرجة تمر بها منطقة الشرق الأوسط مع سريان وقف إطلاق نار هش في لبنان بين إسرائيل و«حزب الله» الذي يقاتل منذ سنوات إلى جانب الجيش النظامي في سوريا.

ومع حلول يوم الجمعة، كانت الفصائل سيطرت على أكثر من خمسين بلدة وقرية في الشمال، وفقاً للمرصد السوري، في أكبر تقدّم منذ سنوات تحرزه المجموعات المسلحة السورية.

وكان المرصد أفاد، الخميس، بأنّ مقاتلي «هيئة تحرير الشام» وحلفاءهم تمكّنوا من قطع الطريق الذي يصل بين حلب ودمشق.

وتعرّض سكن جامعي في مدينة حلب الجمعة للقصف، ما أدى إلى مقتل أربعة مدنيين، بحسب وكالة «سانا» الرسمية.

وأدت المعارك إلى نزوح أكثر من 14 ألف شخص، نصفهم تقريباً من الأطفال، وفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

ومن مدينة حلب، قال سرمد البالغ من العمر (51 عاماً)، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «على مدار الساعة، نسمع أصوات صواريخ ورمايات مدفعية وأحياناً أصوات طائرات»، مضيفاً: «نخشى أن تتكرر سيناريوهات الحرب وننزح مرة جديدة من منازلنا».

وقال ناصر حمدو البالغ (36 عاماً) من غرب حلب، في اتصال هاتفي مع «وكالة الصحافة الفرنسية»: «نتابع الأخبار على مدار الساعة، وقطع الطريق يثير قلقنا اقتصادياً لأننا نخشى ارتفاع أسعار المحروقات وفقدان بعض المواد».

ووصلت تعزيزات من الجيش إلى حلب، وفق ما أفاد مصدر أمني سوري.

وقبل إعلان المرصد دخول «هيئة تحرير الشام» إلى المدينة، أشار المصدر الأمني إلى «معارك واشتباكات عنيفة من جهة غرب حلب». وأضاف: «وصلت التعزيزات العسكرية ولن يجري الكشف عن تفاصيل العمل العسكري حرصاً على سيره، لكن نستطيع القول إن حلب آمنة بشكل كامل ولن تتعرض لأي تهديد».

وتابع: «لم تُقطع الطرق باتجاه حلب، هناك طرق بديلة أطول بقليل»، متعهداً بأن «تفتح كل الطرق قريباً».

وتزامناً مع الاشتباكات، شنّ الطيران الحربي الروسي والسوري أكثر من 20 غارة على إدلب وقرى محيطة بها، وفق المرصد السوري، أدّت إلى مقتل شخص.

بدوره، أعلن الجيش الروسي، الجمعة، أن قواته الجوية تقصف فصائل «متطرفة».

عناصر تتبع فصائل مسلحة سورية تسيطر على بلدات في محيط حلب (أ.ب)

ونقلت وكالات أنباء روسية عن متحدث باسم مركز المصالحة التابع لوزارة الدفاع الروسية في سوريا قوله إن «القوات الجوية الروسية تنفذ هجمات بالقنابل والصواريخ على معدات وعناصر جماعات مسلحة غير شرعية ونقاط سيطرة ومستودعات ومواقع مدفعية تابعة للإرهابيين»، موضحاً أنها «قضت» على 200 مسلح خلال الـ24 ساعة الماضية.

ودعت تركيا، الجمعة، إلى «وقف الهجمات» على مدينة إدلب ومحيطها، معقل المعارضة المسلّحة في شمال غربي البلاد.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، عبر منصة «إكس»، إنّ الاشتباكات الأخيرة «أدت إلى تصعيد غير مرغوب فيه للتوترات في المنطقة الحدودية».

أطراف دولية

يعد القتال الناجم عن هذا الهجوم، الأعنف منذ سنوات في سوريا، التي تشهد منذ عام 2011 نزاعاً دامياً عقب احتجاجات شعبية أودى بحياة أكثر من نصف مليون شخص ودفع الملايين إلى النزوح، وأتى على البنى التحتية والاقتصاد في البلاد.

وفي عام 2015، تدخلت روسيا إلى جانب الجيش السوري، وتمكنت من قلب المشهد لصالح حليفها، بعدما خسر معظم مساحة البلاد.

وخلال شهرين من الحرب بين إسرائيل و«حزب الله» في لبنان، كثّفت الدولة العبرية ضرباتها للفصائل الموالية لإيران في سوريا.

وقدمت هذه الفصائل، وأبرزها «حزب الله»، دعماً مباشراً للقوات السورية خلال الأعوام الماضية، ما أتاح لها استعادة السيطرة على معظم مناطق البلاد.

والجمعة، عدّ المتحدّث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أن الوضع في حلب «انتهاك لسيادة سوريا». وأعرب عن دعم بلاده «للحكومة السورية في استعادة النظام في المنطقة وإعادة النظام الدستوري».

وشدّد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في بيان، «على دعم إيران المستمر لحكومة سوريا وأمتها وجيشها في كفاحها ضد الإرهاب»، بعد اتصال هاتفي أجراه مع نظيره السوري بسام الصباغ.

في إدلب، عدّ رئيس «حكومة الإنقاذ» التي تدير مناطق سيطرة «هيئة تحرير الشام» محمد البشير، الخميس، أن سبب العملية العسكرية هو حشد النظام «في الفترة السابقة على خطوط التماس وقصفه مناطق آمنة، ما أدى إلى نزوح عشرات الآلاف من المدنيين الآمنين».

وتسيطر «هيئة تحرير الشام» مع فصائل مسلحة أقل نفوذاً على نحو نصف مساحة إدلب ومحيطها، وعلى مناطق متاخمة في محافظات حلب واللاذقية وحماة المجاورة.

ويسري في إدلب ومحيطها منذ السادس من مارس (آذار) 2020 وقف لإطلاق النار أعلنته كل من موسكو الداعمة لدمشق، وأنقرة الداعمة للفصائل المسلحة، وأعقب هجوماً واسعاً شنّته القوات السورية بدعم روسي على مدى ثلاثة أشهر.

وشاهد مراسل لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، الجمعة، مقاتلين من فصائل عدة في مدينة الأتارب يتقدمون إلى مشارف مدينة حلب، في ظل انسحاب الجيش ودخول دبابات وآليات تابعة للفصائل المعارضة.

وقال مقاتل ملثّم، لمراسل «وكالة الصحافة الفرنسية»: «أنا مُهجَّر منذ خمس سنوات، والآن أشارك في المعارك، وإن شاء الله سنعيد أرضنا وبلدنا اللذين أخذهما النظام، وندعو إخوتنا الشباب الجالسين في منازلهم للانضمام إلينا كي نعيد البلد».