مصر تحتاط ضد «جدري القردة» رغم ضعف احتمالات انتشاره

«الصحة» نفت وجود إصابات... وبدأت توفير البروتوكول العلاجي

الطفح الجلدي من أبرز أعراض الإصابة بجدري القردة (رويترز)
الطفح الجلدي من أبرز أعراض الإصابة بجدري القردة (رويترز)
TT

مصر تحتاط ضد «جدري القردة» رغم ضعف احتمالات انتشاره

الطفح الجلدي من أبرز أعراض الإصابة بجدري القردة (رويترز)
الطفح الجلدي من أبرز أعراض الإصابة بجدري القردة (رويترز)

دفع إعلان منظمة الصحة العالمية، قبل أيام، بأن مرض «جدري القردة» يُشكل حالة طوارئ صحية عامة، مصر لاتخاذ مجموعة من الإجراءات الوقائية؛ تحسباً لحدوث تفشٍ محتمل، رغم خلو البلاد من المرض.

وعقب تفشي السلالة «1 بي» في الكونغو الديمقراطية وعدة مناطق بأفريقيا، أعلنت «الصحة العالمية» حالة طوارئ دولية في 14 أغسطس (آب) الجاري. لكن هانز كلوغه، المدير الإقليمي للمنظمة في أوروبا، شدد على أن جدري القردة ليس «كوفيد الجديد»، وأن العالم يعرف كيفية مكافحة المرض.

ونفت وزارة الصحة المصرية، الخميس، رصد أي حالة مصابة بجدري القردة في مصر، مشيراً إلى أنه «تتم مناظرة القادمين من الخارج من الدول الأفريقية لمنع دخول أي حالة وانتقال العدوى للآخرين».

ويُعرف جدري القردة، اختصاراً باسم «إمبوكس» (Mpox)، وهو عدوى فيروسية يمكن أن تنتشر بين الناس وأحياناً من البيئة إلى الناس عبر الأشياء والأسطح التي يلمسها شخص مصاب بالمرض.

وتظهر الأعراض الأولية لجدري القردة في صورة حمى مفاجئة، وقشعريرة، وآلام في الجسم تستمر لبضعة أيام، ثم ظهور طفح جلدي يبدأ على الوجه، وينتشر إلى بقية أجزاء الجسم، مثل باطن اليدين والقدمين.

أطفال في مخيم موجا للنازحين بإقليم نيراجونجو بالكونغو الديمقراطية وسط تفشي مرض جدري القردة (رويترز)

الموقف الوبائي في مصر

الدكتور خالد عبد الغفار، نائب رئيس الوزراء للتنمية البشرية، ووزير الصحة والسكان المصري، استعرض الموقف الوبائي للفيروس في مصر، مؤكداً خلال اجتماع لمجلس الوزراء، الخميس، أنه «طوال 2024، وحتى تاريخه، لا توجد لدينا حالات مُصابة بفيروس جُدري القِردة في مصر».

وأوضح الوزير الإجراءات التي اتخذتها الوزارة لمواجهة المرض، منها تحديث ونشر الدليل الإرشادي لمواجهة المرض في جميع المحافظات، كما تم تدريب العاملين في الحجر الصحي على اكتشاف الحالات المصابة وتطبيق الدليل.

وأكد الوزير، وفق وسائل إعلام مصرية، متابعة الموقف الوبائي عالمياً ومحلياً بشكل يومي، مع جاهزية فرق الاستجابة السريعة وتوفير الكواشف اللازمة.

وأشار إلى أن المنظومة الوطنية الوقائية للحفاظ على الصحة العامة تقوم على 4 محاور هي الاستعداد والجاهزية، والوقاية ومنع انتشار الأمراض المعدية، والاكتشاف المبكر، والاستجابة الفورية للأحداث الصحية. كما تشمل إجراءات الرقابة على الأغذية والمياه، والرصد البيئي لملوثات الهواء ونهر النيل، ومعالجة النفايات الطبية الخطرة.

دليل إرشادي

وأعلنت وزارة الصحة المصرية توفير البروتوكول العلاجي الخاص بعلاج جدري القردة بمستشفيات الحميات بالجمهورية، مشيرة إلى أنه تم توزيع الدليل الإرشادي الخاص بتشخيص وعلاج المرض على جميع المستشفيات. وأضافت أن الدليل يشمل إجراءات الحجر الصحي بمنافذ الدخول وطرق الإبلاغ عن الحالات المكتشفة.

ويُشدد الدليل على ضرورة الإبلاغ الفوري عن الحالات التي تتطابق مع تعريف المرض إلى مدير المستشفى، ومديرية الشؤون الصحية، والغرفة الوقائية بالوزارة. ويتضمن الإبلاغ معلومات عن المصدر، والبيانات الديموغرافية، وأعراض المصاب، وتاريخ ظهوره الإصابة، بالإضافة لعوامل الخطر مثل مخالطة الحالات المحتملة أو المؤكدة وتاريخ السفر إلى الدول المتأثرة.

كما تتضمن إجراءات الحجر الصحي، رفع درجة الاستعداد القصوى بجميع منافذ الدخول سواء «الجوية، والبحرية، والبرية»، وفحص القادمين من كل دول العالم باستخدام الكاميرات الحرارية أو أجهزة قياس درجة الحرارة عن بعد، والاكتشاف المبكر للحالات من خلال المراقبة البصرية للركاب.

وتتضمن الإجراءات اتخاذ احتياطات مكافحة العدوى القصوى عند التعامل مع الحالات المشتبهة، وتوفير الكوادر الطبية والمعدات اللازمة، ورفع وعي العاملين بالحجر الصحي حول إجراءات مجابهة جدري القردة، والتنسيق مع الشركاء المعنيين لضمان الإبلاغ الفوري عن أي حالات مشتبهة، بالإضافة إلى التأكد من تنظيف وتطهير الطائرات والتخلص الآمن من النفايات الخطرة تحت إشراف الحجر الصحي.

تدابير وقائية

وطمأن الدكتور مجدي بدران، عضو الجمعية المصرية للحساسية والمناعة وعضو الجمعية العالمية للحساسية، المصريين بأن البلاد خالية حالياً من جدري القردة، وأن خطر انتشاره على نطاق واسع بين السكان منخفض للغاية.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «انتشار المرض يقتصر على أجزاء محدودة في وسط أفريقيا، مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية، وخاصة في القرى النائية والغابات المطيرة الاستوائية، لكن مع العولمة والسفر الدولي، يمكن أن ينتقل لأي دولة».

رغم أن المرض ليس واسع الانتشار مثل الأمراض الفيروسات الأخرى، فإن التدابير الوقائية يجب أن تُطبّق بصرامة؛ لأن الفيروسات غير متوقعة، وتجربة جائحة «كوفيد - 19» تكفي للتأكيد على أهمية عدم الاستهتار بأي تهديد فيروسي، وفق بدران، الذي شدد على أن الوقاية يجب أن تكون من أولويات الدول حتى مع بطء الانتشار، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل من خلال الاتصال المباشر بسوائل الجسم أو الآفات الجلدية للمصابين، والرذاذ التنفسي في حالات التعرض المباشر.

وأكد بدران أن هناك أولويات أخرى أبرزها حماية الفئات المعرضة للخطر مثل ضعاف المناعة ومرضى الإيدز، لأنهم أكثر عرضة للمضاعفات الخطيرة، والوقاية من مضاعفات خطيرة مثل الالتهاب الرئوي والوفاة، وتشديد الإجراءات الاحترازية لمنع دخول الفيروس للبلاد، مثل الحجر الصحي وتتبع المخالطين. وأخيراً، التدابير الوقائية التي تساعد في منع تطور الفيروس وظهور طفرات جديدة.

وفيما يتعلق بالعلاج واللقاحات في مصر، شدد على أن يتم استخدام مضادات الفيروسات وفقاً لبروتوكول المعالجة، خاصة للحالات ذات عوامل الخطورة مثل الأطفال، والحوامل، أو من يعانون من ضعف المناعة، ويُوصى لهؤلاء بالرعاية الطبية والعزل لتقليل حدة المرض والمضاعفات، كما تُستخدم المضادات الحيوية فقط في حالة حدوث مضاعفات ناتجة عن العدوى البكتيرية الثانوية.

ولفت إلى أن اللقاحات المضادة للمرض متوفرة في مصر بكميات محدودة، وتُعطى عبر وزارة الصحة فقط للأشخاص ذوي المناعة الضعيفة.


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: جدري القردة ليس وباء جديداً مثل «كوفيد»

العالم المدير الإقليمي لـ«منظمة الصحة العالمية» في أوروبا هانس كلوغه (أرشيفية - رويترز)

«الصحة العالمية»: جدري القردة ليس وباء جديداً مثل «كوفيد»

قال المدير الإقليمي لـ«منظمة الصحة العالمية» في أوروبا، هانس كلوغه، اليوم (الثلاثاء)، إن جدري القردة ليس وباء جديداً مثل «كوفيد».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم العربي طفل فلسطيني يحمل لافتة مكتوباً عليها «ممنوع الدخول... مشروع الصرف الصحي» التي وُضعت بالقرب من أكوام القمامة التي أُلقيت بين خيام النازحين في دير البلح (د.ب.أ)

سلالة «فتاكة» من شلل الأطفال تتربص بغزة... لماذا عاد الفيروس الآن؟

تطور يُنذر بكارثة صحية حقيقية في غزة بعد تسجيل أول إصابة بفيروس شلل الأطفال في القطاع.

لينا صالح (بيروت)
علوم جهاز لاختبار وظائف الرئة

أبحاث علمية تشير إلى «وراثة» مرض الانسداد الرئوي المزمن

متغيرات جينية ترتبط بالمرض لها تأثير كبير على وظائف الرئة لدى الأطفال الصغار

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
أوروبا فتاة مصابة بجدري القردة في الكونغو (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية» توصي بإطلاق خطط تطعيم في مناطق تفشي جدري القردة

أوصت منظمة الصحة العالمية الاثنين الدول التي سجلت إصابات بسلالة جديدة من جدري القردة ظهرت مؤخراً في أفريقيا بإطلاق خطط تطعيم في المناطق التي تم فيها رصد المرض.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
أفريقيا رجل مصاب بجدري القردة في جمهورية الكونغو الديمقراطية 16 يوليو 2024 (أسوشييتد برس)

جدري القردة: أكثر من 18 ألف إصابة مؤكدة أو محتملة في أفريقيا منذ بداية العام

أعلنت وكالة الصحة التابعة للاتحاد الأفريقي أنّه تمّ تسجيل إجمالي 18737 إصابة محتملة أو مؤكدة بجدري القردة منذ مطلع العام في أفريقيا، بينها 1200 حالة في أسبوع.

«الشرق الأوسط» (كينشاسا)

وفاة القدومي... صديق عرفات الذي عارض «أوسلو» ورفض العودة

الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وفاروق القدومي خلال لقاء في تونس عام 1992 (غيتي)
الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وفاروق القدومي خلال لقاء في تونس عام 1992 (غيتي)
TT

وفاة القدومي... صديق عرفات الذي عارض «أوسلو» ورفض العودة

الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وفاروق القدومي خلال لقاء في تونس عام 1992 (غيتي)
الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وفاروق القدومي خلال لقاء في تونس عام 1992 (غيتي)

توفي، الخميس، القيادي الفلسطيني الكبير فاروق القدومي، الشهير بـ«أبو اللطف»؛ أحد القادة التاريخيين المؤسسين لحركة «فتح»، تاركاً الرئيس الحالي محمود عباس بصفته آخر المؤسسين البارزين الأحياء (الحرس القديم).

ونعى عباس القدومي، الذي توفي في العاصمة الأردنية عمان، عن عمر ناهز 94 عاماً بعد رحلة طويلة مع المرض، وبعد أقل من شهرين على وفاة زوجته نبيلة النمر (أم اللطف).

وقال عباس إنه ينعى إلى الفلسطينيين وأحرار العالم «القائد الوطني والتاريخي الكبير، أحد القادة التاريخيين المؤسسين لحركة (فتح) والثورة الفلسطينية المعاصرة، المناضل فاروق رفيق أسعد القدومي (أبو اللطف)... أنعي أخاً وصديقاً ورفيق درب في النضال والعمل الدؤوب من أجل فلسطين، التي تفقد بغيابه واحداً من رجالاتها المخلصين المناضلين الأوفياء، الذين قدّموا الكثير لخدمة فلسطين وقضيتها وشعبها».

واتصل عباس، برامي ولطف فاروق القدومي، معزياً بوفاة والدهما.

فاروق القدومي يستقبل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في تونس عام 2011 (غيتي)

والقدومي كان واحداً من القلائل الذين انخرطوا في تأسيس وإطلاق حركة «فتح» عام 1965، عندما تعرّف إلى ياسر عرفات وصلاح خلف أثناء دراسته في مصر، ثم إلى خليل الوزير لاحقاً، وشاركوا جميعاً في تأسيس الحركة، مواكباً كثيراً من المعارك والانتصارات والأزمات والنكسات، حتى تراجع دوره إلى حد ما مع تأسيس السلطة الفلسطينية، إثر اتفاق «أوسلو» للسلام بداية التسعينات، وهو الاتفاق الذي عارضه بشدة وعلانية، رافضاً العودة إلى الأراضي الفلسطينية برفقه صديقه عرفات.

وعلى الرغم من معارضته «أوسلو»، حافظ القدومي على موقعه في حركة «فتح» واللجنة التنفيذية للمنظمة، وظل قريباً من عرفات، قبل أن يصبح موقفه بشأن الرجل الذي يجب أن يخلف عرفات، حاسماً في إنهاء بوادر انشقاقات، داعماً الرئيس الحالي محمود عباس في ترشحه للمنصب.

عندما خرجت زوجة عرفات، سهى عرفات، عام 2004 متهمة عباس وآخرين بأنهم ذاهبون إلى باريس؛ حيث كان يعالج عرفات، ويقضي أيامه الأخيرة، من أجل أن يرثوه، انتظر «الفتحاويون» موقفاً من القدومي الذي دعم في نهاية الأمر صديقه عباس.

لكن شهر العسل لم يطل، إذ انقلب على عباس بعد أعوام قليلة، مطلقاً في العام 2009 اتهامات ضده بالمشاركة في تسميم عرفات، وهو الهجوم الذي ردّته مركزية «فتح» آنذاك، وأدى إلى إعفائه لاحقاً من منصبه رئيس الدائرة السياسية لمنظمة «التحرير»، ثم أخرج توالياً في الانتخابات التي شكلت مركزية جديدة لـ«فتح» عام 2010، ولجنة تنفيذية جديدة للمنظمة في سنوات لاحقة.

كان للقدومي آراء واضحة وعلنية ضد «أوسلو» وضد قادة في السلطة و«فتح»، وبخصوص العمل السياسي والمسلح والمصالحة، وإصلاح منظمة «التحرير»، والدولة الفلسطينية.

لم يرحل القدومي وهو على خلاف مع عباس، إذ تصالحا في لقاءين في عمان 2010، وفي تونس 2011.

وأنهى لقاء تونس الشهير الذي جرى في منزل القدومي عندما زاره عباس هناك بعد وعكة صحية ألمّت به، كل الخلافات، وأسس لصفحة جديدة من العلاقات.

لكن تقدم القدومي في السن وبُعده عن مركز صناعة القرار ومرضه، أبقته بعيداً إلى حد ما عن المشهد.

فاروق القدومي مع وزير الخارجية الإيطالي إميليو كولومبو عام 1982(غيتي)

نعته حركة «فتح» وقادتها «القائد الوطني والتاريخي الكبير»، وقالت: «برحيله فقدت الحركة قامة وطنية كبيرة، ومناضلاً أمضى حياته مدافعاً عن شعبنا وقضيته الوطنية وحقوقه المشروعة في العودة وتقرير المصير والحرية والاستقلال».

ونعته منظمة «التحرير» وفصائلها والحكومة الفلسطينية، كما نعته حركة «حماس» بصفته «مثالاً للثبات على المبادئ الثورية، وصوتاً قوياً في مواجهة كل محاولات التفريط والتنازل عن حقوق شعبنا، ورافضاً كل مشاريع التسوية والتصفية، وفي مقدمتها اتفاق (أوسلو) المشؤوم الذي حذّر مبكراً من مخاطره على قضيتنا العادلة».

وُلد القدومي في الضفة الغربية عام 1930. ودرس المرحلة الأساسية في مدرستي جينصافوط في قلقيلية والمنشية في مدينة يافا، والمرحلة الثانوية في مدرسة العامرية في مدينة يافا، ونال درجة البكالوريوس في الاقتصاد من الجامعة الأميركية في القاهرة عام 1958.

فاروق القدومي خلال فترة شبابه حيث شارك في تأسيس حركة «فتح» (غيتي)

انخرط القدومي في العمل الوطني السياسي في فترة مبكرة من حياته؛ وانضم إلى حزب «البعث العربي الاشتراكي» منذ أربعينات القرن الماضي، وأثناء دراسته بمصر التقى ياسر عرفات (أبو عمار)، وفي وقت لاحق شارك في تأسيس حركة «التحرير الوطني الفلسطيني» التي أعلنت عن عمليتها الأولى في بداية 1965.

أصبح عضو اللجنة المركزية منذ عام 1965، وممثلها في القاهرة، وكان مسؤول علاقاتها الخارجية، وشغل أمين سر اللجنة المركزية لحركة «فتح»، ثم أصبح عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة «التحرير» الفلسطينية عام 1969، وعضواً في المجلس الوطني، ورئيساً للدائرة السياسية لمنظمة «التحرير» عام 1973، ومسؤول دائرة الشؤون الخارجية لمنظمة «التحرير» عام 1989.

بعد عام 1982، كان ضمن قيادات منظمة «التحرير» الفلسطينية التي استقرت في تونس.

ظل في تونس، ورفض العودة إلى الأراضي الفلسطينية عام 1993، وظل يتنقل بين تونس وعمان إلى أن توفي فيها.