الفصائل الفلسطينية في لبنان تعيد ترتيب إجراءاتها الأمنية

للتصدي لعمليات اغتيال كوادرها

فلسطينيون يحملون صورة خليل المقدح خلال تشييعه بمخيم عين الحلوة في صيدا (أ.ف.ب)
فلسطينيون يحملون صورة خليل المقدح خلال تشييعه بمخيم عين الحلوة في صيدا (أ.ف.ب)
TT

الفصائل الفلسطينية في لبنان تعيد ترتيب إجراءاتها الأمنية

فلسطينيون يحملون صورة خليل المقدح خلال تشييعه بمخيم عين الحلوة في صيدا (أ.ف.ب)
فلسطينيون يحملون صورة خليل المقدح خلال تشييعه بمخيم عين الحلوة في صيدا (أ.ف.ب)

باشرت الفصائل الفلسطينية في لبنان مؤخراً إعادة ترتيب إجراءاتها الأمنية بعد تكثيف إسرائيل عمليات الاغتيال التي تطول كوادر وقياديين فلسطينيين في لبنان، كان آخرهم قيادي في «شهداء الأقصى»، الجناح العسكري لحركة «فتح» الفلسطينية، خليل المقدح، يوم الأربعاء.

وبعدما كانت عمليات الاغتيال ضد الفصائل الفلسطينية في لبنان تتركز على حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» اللتين انخرطتا إلى جانب «حزب الله» في عمليات قتالية جنوباً، وإن بقيت رمزية وتحت إمرة الحزب، كان لافتاً اغتيال قيادي في «فتح»، وإن كانت إسرائيل بررت ذلك بارتباطه بـ«الحرس الثوري الإيراني» وتنسيق هجمات ضدها في الضفة الغربية المحتلة.

لا عمليات داخل المخيمات

ويأتي اغتيال المقدح بغارة استهدفت سيارته في مدينة صيدا، البعيدة نسبياً عن الحدود اللبنانية الإسرائيلية، بعد أيام على اغتيال القائد الميداني المنتمي لـ«كتائب القسّام»، سامر محمود الحاج، بنفس الطريقة وفي المنطقة نفسها.

وارتفع عدد قادة «حماس» الذين اغتالتهم إسرائيل في لبنان منذ بدء «طوفان الأقصى» إلى 19، إضافة إلى 8 من حركة «الجهاد الإسلامي». ولم تستهدف إسرائيل أياً من هؤلاء داخل المخيمات الفلسطينية المكتظة الموجودة في لبنان، وهو ما اعتبره البعض سعياً من قبلها لتجنب انخراط أكبر للفصائل الفلسطينية في لبنان في القتال الدائر جنوباً، ورغبة قي تجنب اشتعال جبهات جديدة ضدها، فيما رجح البعض أن الاكتظاظ في المخيمات يجعل أي ضربة مكلفة جداً بشرياً، كما أن تتبع الشخصيات في ظل الزحمة والشوارع الضيقة قد يكون صعباً.

ويؤكد مصدر فلسطيني مطلع أنه «إذا كان لدى العدو الإسرائيلي هدف في المخيم وكان متأكداً من تحقيق إصابة فلن يتردد بضربه»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «جغرافيا المخيم المعقدة قد تجعل عمليات قصف الأهداف داخله أصعب نسبياً».

إجراءات أمنية جديدة

ويشير المسؤول الإعلامي لـ«حماس» في بيروت، وليد كيلاني، إلى أنه خلال الشهر الحالي، تم استهداف اثنين من القياديين الميدانيين، الأول من «حماس» والثاني من «فتح»، وهما شهيدا مخيم عين الحلوة، ويبدو واضحاً أن الهدف من العمليتين كسر إرادة المقاومة وفصل ما يحصل في غزة عن لبنان، موضحاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «في ظل هذه العمليات، فإن معظم الفصائل الفلسطينية أعادت ترتيب إجراءاتها الأمنية، سواء في موضوع التنقلات أو السكن أو غيرها من تدابير الاحتياط اللازمة».

ولا يستبعد كيلاني أن تعمد إسرائيل إلى توجيه ضربات داخل المخيمات، مذكراً بأنه «في حرب يوليو (تموز) 2006 تم استهداف عدد من المخيمات، ومن ضمنها عين الحلوة. والمخيمات اليوم ليست بعيدة عما يحصل في غزة أو جنوب لبنان. فالعدو يعلم بوجود العديد من الشبان المستعدين للانخراط في المعركة إذا شنت إسرائيل حرباً موسعة وشاملة على لبنان».

ويعتبر كيلاني أن «عمليات الاغتيال التي تنفذ يريد منها العدو التحذير بأنه يمكن استهداف أي شخصية تنخرط في العمل المقاوم، لكن هذا بالطبع لا يخيفنا أو يرهبنا، بل بالعكس يزيدنا إصراراً على مواصلة الكفاح والنضال حتى تحرير فلسطين والعودة إليها».

لا تقوقع داخل المخيمات

بدورها، توضح مصادر حركة «فتح» في لبنان أن «القيادات الفلسطينية، وبعد تكثيف العدو عمليات الاغتيال، اتخذت إجراءات أمنية وحدّت من حركتها، لكنها لا زالت تمارس أعمالها بحيطة وحذر أكبر»، نافية في تصريح لـ«الشرق الأوسط» تقوقع هذه القيادات داخل المخيمات، مؤكدة استمرارها بممارسة نشاطها وواجباتها داخل وخارج المخيمات.

وتعتبر المصادر نفسها أن «المخيمات ليست في مأمن، وهي معرضة للاستهداف في أي لحظة، لكن الكثافة السكانية وصعوبة تتبع الشخصيات قد تكون أسباباً لعدم القيام بأي عملية داخلها حتى الآن، من دون استبعاد أن العدو لا يريد استفزاز المنظمات الفلسطينية بشكل أكبر وفتح جبهة جديدة في لبنان يكون العامل الفلسطيني فيها عاملاً أساسياً».


مقالات ذات صلة

تمرّد محدود في سجن طرابلس بشمال لبنان: عمليات تشطيب وشعارات طائفية

المشرق العربي تنفي إدارة سجن القبة في طرابلس (شمال لبنان) رواية السجناء المتمردين عن أسباب تمردهم (المركزية)

تمرّد محدود في سجن طرابلس بشمال لبنان: عمليات تشطيب وشعارات طائفية

نفذ عدد من السجناء تمرداً محدوداً داخل سجن القبة في طرابلس (شمال لبنان) متهمين القوى الأمنية المسؤولة عن حماية السجن بمضايقتهم وتعذيبهم لأسباب طائفية.

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي صورة خارجية لمحطة الجية الحرارية لتوليد الطاقة في لبنان 17 أغسطس 2024 (إ.ب.أ)

الجزائر ترسل أول شحنة فيول إلى لبنان لتشغيل معامل الكهرباء

أبحرت الناقلة الجزائرية «عين أكر»، الخميس، إلى لبنان محملة بشحنة أولى تبلغ 30 ألف طن من مادة الفيول بهدف إعادة تشغيل محطات الطاقة في البلاد.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي معمل الجية الحراري لإنتاج الكهرباء المتوقف عن العمل منذ سنتين (إ.ب.أ)

القضاء اللبناني يضع يده على أزمة الكهرباء... ويلوّح بتوقيفات

وضع القضاء اللبناني يده على أزمة الكهرباء، وإغراق البلاد في الظلام الشامل قبل 3 أيام.

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي مؤسسة كهرباء لبنان عاجزة كلياً عن إنتاج الكهرباء (أ.ف.ب)

وزير الطاقة اللبناني: الحصار الأميركي تسبب بدخولنا في العتمة الشاملة

أكد وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية وليد فياض أن الحصار الأميركي تسبب بدخول لبنان في العتمة الشاملة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عناصر من الصليب الأحمر اللبناني يخمدون حريقاً في بلدة شبعا إثر قصف إسرائيلي على المنطقة (د.ب.أ)

احتمالات توسّع الحرب تتراجع في لبنان على وقع المفاوضات

سجّلت عملية تسلّل للجيش الإسرائيلي إلى جنوب لبنان للمرة الثالثة منذ بدء المواجهات مع «حزب الله»، في وقت لا يزال فيه التوتر يسود في لبنان سياسياً وعسكرياً

«الشرق الأوسط» (بيروت)

نتنياهو وعد بايدن بمرونة في مفاوضات «الهدنة» ثم نكث

نتنياهو وبايدن خلال لقاء في تل أبيب بأكتوبر الماضي (رويترز)
نتنياهو وبايدن خلال لقاء في تل أبيب بأكتوبر الماضي (رويترز)
TT

نتنياهو وعد بايدن بمرونة في مفاوضات «الهدنة» ثم نكث

نتنياهو وبايدن خلال لقاء في تل أبيب بأكتوبر الماضي (رويترز)
نتنياهو وبايدن خلال لقاء في تل أبيب بأكتوبر الماضي (رويترز)

على الرغم من الامتعاض من تصرف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي نكث وعوده للإدارة الأمريكية مرتين في أسبوع واحد، أكدت مصادر سياسية في تل أبيب أن الرئيس جو بايدن، ونائبته كاملا هاريس، مصممان على التوصل إلى صفقة تبادل أسرى بين إسرائيل و«حماس»، وتوقف الحرب على غزة، ومواصلة عقد مباحثات في القاهرة بهذا الشأن، في حين يُقدِّر مراقبون في إسرائيل أن هذه المفاوضات تتعثر، بل و«مضيعة للوقت».

وكشفت المصادر الإسرائيلية تفاصيل ما جرى بين وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، ونتنياهو، فقالت إن الأخير وافق على المقترحات الأميركية فعلاً لكنه طلب ألا يتم الإعلان عن ذلك، حتى يمنع حلفاءه في اليمين من الخروج ضدها.

وبحسب مسؤول رفيع المستوى فإن نتنياهو قال إنه «في حال موافقة (حماس) على الشروط الإسرائيلية المتعلقة بتفاصيل تبادل الأسرى، يمكن أن تتنازل حكومته عن شروطها، وتنسحب بشكل تدريجي من محور فيلادلفيا (بين مصر وقطاع غزة)، وممر نتساريم (يقسم غزة عرضياً)، ولكن يجب أن توافق (حماس) أولاً على ذلك».

إلا أن بلينكن سارع وكشف عن هذه الموافقة، فخرج نتنياهو ضدها، ونفى أنه وافق. وبسبب هذا التصرف سُمِعَت انتقادات في البيت الأبيض للوزير بلينكن.

واتصل بايدن بنتنياهو، الليلة الماضية، ليل الأربعاء – الخميس، ليحثه على المرونة، وانضمت إلى المكالمة نائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، وطالبا نتنياهو بإنجاح الجهود الأميركية والتوصل إلى وقف إطلاق النار مع حركة «حماس».

وجاء في بيان للرئاسة الأميركية أن بايدن «شدد على الضرورة الملحّة لإنجاز اتفاق وقف إطلاق النار، والإفراج عن الرهائن، وناقش المحادثات المرتقبة في القاهرة لإزالة أي عقبات متبقية». كما أبلغ الرئيس الأميركي رئيس الحكومة الإسرائيلية بـ«الجهود الأميركية المبذولة لدعم الدفاع عن إسرائيل في مواجهة التهديدات الآتية من إيران»، والجماعات المرتبطة بها. وقال له إن «إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة من شأنه أن يساهم في تجنّب اتساع نطاق النزاع في الشرق الأوسط».

تراجع

ووفق ما أفيد في واشنطن، فقد وعد نتنياهو، بايدن وهاريس بإبداء المرونة. ولكن بعد ساعات من النشر عن هذا الوعد، عاد نتنياهو ليتراجع، ونشر للإعلام تحت اسم مصدر سياسي رفيع المستوى أنه لم يغير موقفه.

ويفترض أن يُعقد اجتماع الليلة للمجلس الوزاري الأمني المصغر في الحكومة الإسرائيلية؛ للتداول في تطورات المفاوضات. ويعد هذا المجلس هو صاحب الصلاحيات في إسرائيل لاتخاذ القرارات الاستراتيجية، وتبعاتها.

وبحسب وزير الدفاع، يوآف غالانت، الذي يؤيد المصادقة على الصفقة، فإنه يجب على نتنياهو أن يعرض الصفقة، ويوضح أن الموافقة عليها ستساهم في خفض التوتر في المنطقة، وأن عدم الموافقة تعني فتح الباب للتصعيد، وربما اشتعال حرب. وقال: «فليصوت الوزراء على هذا ويتحملوا المسؤولية».

نتنياهو بين وزير الدفاع يوآف غالانت (يسار) ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي (د.ب.أ)

وحذر مسؤول سياسي في إسرائيل من أن الولايات المتحدة ستخفض من جهودها للوساطة، وربما توقفها تماماً في حال وجدت أن الطرفين يتصارعان على مصالح ذاتية وحزبية. فقد سبق وأن تركوا ساحات صراع كهذه، عندما شعروا باليأس من التأثير على الأطراف. واليوم، حيث تعيش معركة انتخابات ساخنة، تجري إدارة الرئيس بايدن حسابات دقيقة وصعبة، حول الفوائد والأضرار من الوضع الحالي.

وكان بايدن وأعضاء فريقه يريدون تمرير مؤتمر الحزب الديمقراطي من دون حرب في الشرق الأوسط، وتم لهم ذلك، فإيران ترجئ الرد على اغتيال هنية وتبرد أعصابها. و«حزب الله» أيضاً لم يرد على اغتيال فؤاد شكر، وبدا أن المحور الإيراني لا يرغب في مواجهة اتهام بأنه خرّب إنجاز اتفاق يوقف الحرب على غزة.

اليمين المتطرف

بيد أن اليمين المتطرف المسيطر على حكومة نتنياهو ينظر إلى الأمور بشكل مختلف، ويعدها فرصة لتحقيق أطماعه التوسعية في الأراضي الفلسطينية، وحسم الصراع لصالح المشروع الاستيطاني.

وحذر رئيس تحرير صحيفة «هآرتس»، الوف بن، في مقال افتتاحي، من خطة حكومية لما يعرف بـ«اليوم التالي»، وبموجبها تسيطر إسرائيل على شمال القطاع وتدفع إلى الخارج نحو 300 ألف فلسطيني ما زالوا يعيشون هناك، حتى لو -كما اقترح الجنرال احتياط غيورا آيلاند، آيديولوجي الحرب- بتجويعهم حتى الموت أو طردهم إلى المنفى، كوسيلة لإخضاع «حماس».

وقال بن: «اليمين في إسرائيل ينظر بنهم إلى المنطقة ليكون فيها استيطان يهودي مع الإمكانية الكامنة العقارية الضخمة في هذه الطبوغرافيا المريحة والمشهد على شاطئ البحر».

فلسطينيون يقفون على شاطئ غزة خلال بناء الولايات المتحدة الرصيف المؤقت لإيصال المساعدات (رويترز)

وأضاف أنه «من تجربة 57 سنة من الاحتلال في الضفة الغربية وفي شرقي القدس، فإن الحديث يدور عن عملية طويلة تحتاج إلى الكثير من الصبر والقدرة على المناورات الدبلوماسية».

وتابع: «لن يقيموا في الغد مدينة يهودية كبيرة بقطاع غزة، بل هم يركزون على دونم تلو دونم، وكرفان تلو كرفان، وبؤرة استيطانية تلو الأخرى، مثلما يحصل في الخليل. وأما جنوبي القطاع، فسيتم إبقاؤه لـ(حماس)، التي ستضطر إلى الاهتمام بالسكان الذين ينقصهم كل شيء، والمحبوسين في حصار إسرائيلي، حتى بعد أن يفقد المجتمع الدولي الاهتمام بهذه الأزمة وينتقل إلى أزمات أخرى».

وشرح الكاتب الإسرائيلي أن «نتنياهو يُقدِّر أنه تقريباً بعد الانتخابات الأميركية سيخفت تأثير المتظاهرين الذين يؤيدون الفلسطينيين على السياسة الأميركية، حتى لو فازت كمالا هاريس. بالتأكيد إذا قلب دونالد ترمب الأمور رأساً على عقب وعاد إلى البيت الأبيض فإن نتنياهو يتوقع منه إطلاق يده في القطاع».