إصرار على «الاستمرار والسلمية» في الذكرى الأولى لحراك السويداء

آلاف المحتجين في ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء 29 سبتمبر (السويداء 24)
آلاف المحتجين في ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء 29 سبتمبر (السويداء 24)
TT

إصرار على «الاستمرار والسلمية» في الذكرى الأولى لحراك السويداء

آلاف المحتجين في ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء 29 سبتمبر (السويداء 24)
آلاف المحتجين في ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء 29 سبتمبر (السويداء 24)

تصادف، السبت المقبل، الذكرى السنوية الأولى لانطلاق الحراك الشعبي السلمي المستمر في محافظة السويداء، والذي يُعد الأضخم في تاريخ المحافظة ذات الأغلبية السكانية الدرزية، وسط «إصرار على الاستمرار»، حتى تلبية مطالبهم في «الحرية والكرامة والعيش الكريم وإطلاق سراح المعتقلين والتغيير السياسي».

هذا الحراك تمّيز عن غيره من الاحتجاجات السابقة في المحافظة الواقعة جنوبي سوريا، بأنه حظي بتأييد ودعم الشيخ حكمت الهجري، الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز في سوريا، ما منحه زخماً كبيراً. كما تميّز بالاستمرارية والحفاظ على السلمية، والتمسك بالحقوق.

ومنذ بدء الحراك في 17 أغسطس (آب) 2023 في ساحة «السير» وسط مدينة السويداء وحتى اليوم، يوثّق ناشطون تنفيذ الأهالي وقفات احتجاجية بشكل يومي في الساحة التي بات المشاركون يطلقون عليها اسم «ساحة الكرامة». ويحمل المشاركون خلال وقفاتهم يافطات كتبت عليها عبارات تعبر عن مطالبهم بالحرية والكرامة والعيش الكريم وإطلاق سراح المعتقلين والتغيير السياسي، وفق القرار الأممي 2254.

ويؤكد العديد من النشطاء إصرارهم على مواصلة الاحتجاجات في الساحة التي شهدت في بداية الحراك مشاركة العشرات، وبعد فترة قصيرة راحت الأعداد تتزايد لتصل إلى آلاف في بعض الأيام، مع توافد المشاركين من كافة مدن وبلدات وقرى المحافظة إليها، بينما عمت المظاهرات أغلبية مناطق المحافظة.

انضمام فئات كثيرة من المجتمع في السويداء للحراك السلمي (الصورة من مظاهرة الجمعة الماضي - الراصد)

يقول لنا ناشط من السويداء خلال اتصال هاتفي: «الناس خرجت عن طورها بسبب الظلم والحرمان والفقر والقهر وفساد المسؤولين». ويضيف: «أغلبية الناس تجوع، والمسؤولون وأثرياء، وأمراء الحرب يبذخون. الناس أدركت أن السكوت لن يغير الحال، ولذلك ستستمر بالتظاهر؛ لأن سياسات وممارسات النظام أنهكت العباد والبلاد».

يتابع: «الناس فقدت الأمل بأي إصلاح، والحل في استمرارها بالتظاهر وانتزاع حقوقها في الحرية والكرامة والعيش الكريم والتغيير التي نص عليها الدستور، وهي تعرف أن الأمر قد يطول، ولكن دوام الحال من المحال، وهذا ما يجمع عليه الحراك».

لكن هناك من أهالي السويداء من يرى، وهم قلة قليلة، أن هذا الحراك «مضيعة للوقت، ولن يحقق أهدافه، ما دام أن روسيا وإيران تدعمان هذا النظام»، بحسب شاب يتحدر من مدينة شهبا التابعة للمحافظة ويقيم في دمشق.

صفحة «السويداء 24» في موقع «فيسبوك» كتبت في منشور، منتصف الأسبوع الحالي: «على مشارف الذكرى السنوية الأولى لانطلاق شرارة المظاهرات الشعبية الأضخم في تاريخ محافظة السويداء، تستمر وقفات التغيير اليومية في ساحة الكرامة بلا انقطاع»، موضحة أن «ساحة الكرامة» باتت ميداناً يجتمع فيه الناشطون يومياً غير آبهين بالتحديات أو العقبات.

دعم رئاسي روحي

الحراك الذي أطلق شرارته الأولى قرار حكومي برفع أسعار المحروقات بنسبة 200 في المائة، وأدّى إلى موجة غلاء عاتية، أفقدت السكان الذين يعانون من ظروف معيشية صعبة، القدرة على التحمّل.

الشيخ حكمت الهجري ضمن المتظاهرين في السويداء (السويداء 24)

كما ساهم إلى حد كبير في اكتسابه القوة والشرعية والزخم، إعلان الشيخ حكمت الهجري، الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز في سوريا في أيام الحراك الأولى، تأييده ودعمه مطالَب المحتجين بما فيها مطلب «التغيير السياسي» وفق القرار 2254.

ويقول لنا ناشط بارز في الحراك: «الكل يجلّ ويحترم الشيخ الهجري، الذي قال كلام حق واضحاً لا لبس فيه. لقد بات الأب الروحي للحراك، والكل يلتزم بما يقوله؛ لأنه يحظى بثقة الجميع، ومواقفه ثابتة، ولا يخضع للضغوط. لقد قطع شعرة معاوية مع النظام؛ لأنه يعرف أنه يماطل ويراوغ ولا يريد الإصلاح ولا التغيير».

سلمية رغم الاستفزازات

منذ بدء الحراك في السويداء، تجاهلت دمشق رسمياً الاحتجاجات ومطالب المشاركين، مع استبعادها القوة حتى الآن من قائمة الحلول، كما لم تظهر إشارات على إمكانية التفاوض مع المشاركين في الاحتجاجات بسبب إصرارهم على تحقيق مطالبهم.

محتجون يقتحمون الشعبة الغربية لحزب «البعث» وسط مدينة السويداء (السويداء 24)

وسط هذه الحال، أطلق حراس مبنى فرع حزب «البعث» الحاكم في سوريا، في 13 سبتمبر (أيلول) الماضي، النار على محتجين حاولوا إغلاق المبنى الكائن في مدينة السويداء، ما أسفر عن إصابة 3 متظاهرين بجروح في حادثة هي الأولى منذ بدء الاحتجاجات.

وأثارت الحادثة غضب الشيخ الهجري الذي ظهر في مقطع فيديو يدعو إلى «ضبط النفس»، وإلى البقاء في الشارع، وعدم التنازل عن المطالب، قائلاً: «نحن على حق، ومطالبنا لا نتنازل عنها... والشارع لنا ليوم ويومين وشهر وشهرين وسنوات. شعارنا السلمي للبلد والسلطة ولكل العالم والأمم المتحدة». ودعا إلى «الجهاد» ضد الوجود الإيراني بعد وصول معلومات إليه أن من أطلق النار هم من «الميليشيات الإيرانية».

وأوضح أن إيران وميليشياتها دخلوا لسرقة ثروات سوريا، كما استجلبوا مرتزقة من أجل ذلك، بالإضافة لتغيير عقول الناس في اتجاه لسنا مقتنعين به، لنشر فكرهم التخريبي.

ورغم سقوط أول قتيل من المتظاهرين برصاص قوات الأمن السوري، في 27 فبراير (شباط) الماضي، إثر إطلاق النار عليهم أمام مركز «التسويات» في مدينة السويداء، حافظ الحراك على سلميته، ودعا الشيخ الهجري إلى تشييع جواد الباروكي الذي وصفه بـ«شهيد الواجب»، في حين وصف مطلقي النار بـ«أيادي الغدر»، مشدداً على الحفاظ على المسار السلمي للحراك.

وبحسب ما ذكرت «السويداء 24»، الثلاثاء الماضي، فصلت القيادة المركزية لحزب «البعث» 100 عضو عامل في محافظة السويداء من صفوف الحزب؛ لافتة إلى أن أغلبية هؤلاء الأعضاء فصلوا بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات السلمية التي تشهدها السويداء منذ العام الماضي.

صفحة «الراصد» بدورها، ذكرت أن الناشطين وجهوا دعوة للاحتفال بمناسبة مرور سنة على الانتفاضة في ساحة الكرامة، الجمعة المقبل.

تجدر الإشارة إلى أنه بعد أيام من إعلان الهجري موقفه، صدر بيان مشترك لشيوخ العقل في الرئاسة الروحية للطائفة الدرزية، وهم: الشيخ حمود الحناوي، والشيخ يوسف جربوع، بالإضافة إلى حكمت الهجري، وعبروا فيه عن دعمهم لمطالب المحتجين، وطالبوا بـ«إعطاء الحقوق لأصحابها، ونيل العيش الكريم الذي فقدت جل مقوماته، بسبب الفساد المتفشي والإدارة الفاشلة». لكن البيان الذي حمل توقيع الحناوي وجربوع لم يتضمن مطلب «التغيير السياسي» وفق القرار 2254.

من ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء الجمعة الماضي مظاهرة تطالب بالتغيير السلمي والانتقال السياسي (الراصد)

وسبق أن شهدت محافظة السويداء احتجاجات متفرقة عند تنامي الانتفاضة السلمية في سوريا ربيع عام 2011، سرعان ما تم تطويقها آنذاك، وبدا أن أهالي المحافظة حينها اختاروا «الحياد»؛ بمعنى تلافي الاصطفاف مع الثورة أو مع النظام.

وحسب أرقام عام 2010 عن التعداد السكاني في البلاد، كان يعيش في سوريا نحو 700 ألف من المسلمين الموحدين الدروز، ما يعادل 3 في المائة من إجمالي عدد السكان البالغ حينها نحو 22 مليوناً ونصف مليون. وكانت غالبيتهم تعيش في محافظة السويداء، التي بلغ عدد سكانها آنذاك 375 ألف نسمة؛ 90 في المائة من المسلمين الموحدين الدروز، و7 في المائة مسيحيون، و3 في المائة من السنة.


مقالات ذات صلة

تركيا تدفع بتعزيزات عسكرية ضخمة إلى إدلب وحلب

شؤون إقليمية تعزيزات عسكرية في الطريق إلى معبر باب الهوى الحدودي بين تركيا وسوريا (وسائل إعلام تركية)

تركيا تدفع بتعزيزات عسكرية ضخمة إلى إدلب وحلب

دفع الجيش التركي بتعزيزات عسكرية ضخمة إلى نقاطه العسكرية المنتشرة في شرق إدلب وريف حلب الغربي الواقعة ضمن مناطق خفض التصعيد في شمال غربي سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة:)
شؤون إقليمية لقاء بين إردوغان والأسد في 2010 (أرشيفية)

أميركا لا تدعم التطبيع بين أنقرة ودمشق قبل الحل السياسي في سوريا

أحدثت التصريحات الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب إردوغان التي كرر فيها استعداده للقاء الرئيس السوري بشار الأسد من أجل تطبيع العلاقات بين البلدين ردود فعل متباينة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية أطفال سوريون وُلدوا في مخيمات اللجوء بتركيا (أرشيفية)

لاجئون وخبراء لـ«الشرق الأوسط»: عفو الأسد غير مقنع وسيضر السوريين في تركيا

أثار المرسوم الرئاسي السوري بشأن العفو عن بعض الهاربين في الداخل والخارج بشرط تسليم أنفسهم، جدلاً واسعاً في تركيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية العفو الرئاسي السوري هل سيحل مشكلة اللاجئين في تركيا؟ (أرشيفية)

هل يمنح عفو الرئيس السوري عن الهاربين تركيا فرصة للتطبيع وعودة اللاجئين؟

رأت أوساط تركية أن قرار العفو الذي أصدره الرئيس السوري بشار الأسد بشأن الفارين داخل البلاد وخارجها، يشكل فرصة لدفع التطبيع وعودة اللاجئين.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية مؤتمر صحافي لإردوغان والأسد في دمشق قبل عام 2011 (أرشيفية)

​لماذا تتحرك تركيا لإحياء مسار الحل السياسي في سوريا بالتوازي مع التطبيع؟

تكثف تركيا من تحركاتها لإعادة تفعيل المسار السياسي لحل الأزمة السورية في الوقت الذي تواصل فيه مساعيها لتطبيع العلاقات مع دمشق

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

شعبية نتنياهو ترتفع بفضل الحرب ضد «حزب الله»

دمار جرّاء الغارات الإسرائيلية على السكسكية بجنوب لبنان (رويترز)
دمار جرّاء الغارات الإسرائيلية على السكسكية بجنوب لبنان (رويترز)
TT

شعبية نتنياهو ترتفع بفضل الحرب ضد «حزب الله»

دمار جرّاء الغارات الإسرائيلية على السكسكية بجنوب لبنان (رويترز)
دمار جرّاء الغارات الإسرائيلية على السكسكية بجنوب لبنان (رويترز)

أظهر الاستطلاع الأسبوعي للرأي العام في إسرائيل، الذي تجريه صحيفة «معاريف» العبرية، واستطلاع آخر تجريه قناة «آي 24» (I 24)؛ أن حزب «الليكود»، برئاسة بنيامين نتنياهو، سيفوز بـ25 مقعداً في «الكنيست» إذا أُجريت الانتخابات اليوم. ويعني ذلك أن الحزب يحقّق تقدماً في نتائجه المتوقعة، وذلك بفضل النجاحات التي يراها الإسرائيليون في إدارته للحرب على لبنان.

لكن هذه النتائج تشير إلى أن «الليكود» ما زال بعيداً عن الأرقام التي تتيح له البقاء في الحكم وتشكيل حكومة. إذ إن الزيادة في عدد نوابه، مقارنة باستطلاعات الرأي السابقة، تأتي بالأساس على حساب حلفائه في اليمين. في المقابل، ما زال المعسكر المعارض له يحقّق نتائج أفضل. فقد أشار الاستطلاعان إلى أنه في حال تشكيل رئيس الوزراء السابق، نفتالي بينيت، حزباً جديداً وتحالفاً جديداً مع جهات أخرى فإنه سيكتسح المعركة ويحصل على ما يمكنه من هزم نتنياهو وتشكيل حكومة ذات أكثرية ساحقة.

ومع أن هذه النتائج تعبّر عن استمرار رغبة الإسرائيليين في التخلص من نتنياهو، إلا أن الارتفاع في شعبيته 4 مقاعد خلال الشهر الأخير تبثّ روح التفاؤل في صفوف حزبه ومعسكره. ويعتقد مناصرو نتنياهو أنه سيستطيع استعادة شعبيته ببطء، ولكن بثقة.

وحسب استطلاع «معاريف»، الذي أجراه معهد «لزار» للبحوث، وبمشاركة «Panel4All»، فإن المعسكر المؤيد لنتنياهو يهبط من 64 مقعداً حالياً إلى 53 مقعداً، فيما لو بقيت تركيبة الأحزاب كما هي.

بينما المعارضة ستحصل على 53 مقعداً، تُضاف إليها 10 مقاعد للأحزاب العربية (6 مقاعد لـ«تحالف الجبهة» بقيادة أيمن عودة و«الحركة العربية للتغيير» بقيادة أحمد الطيبي، و4 مقاعد لـ«الحركة الإسلامية» بقيادة منصور عباس). وفي هذه الحالة تستطيع المعارضة تشكيل حكومة، إذا غيّرت موقفها وقبلت تشكيل تحالف مع قائمة منصور عباس. وإذا لم تقبل، ولم تجد حليفاً لها من معسكر نتنياهو، فإن الانتخابات ستُعاد مرة أخرى، وسيبقى نتنياهو في الحكم لعدة شهور أخرى حتى تُجرى انتخابات جديدة.

وتشير نتائج استطلاع «آي 24» إلى نتائج شبيهة جداً.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتحدث أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم الجمعة (رويترز)

وقد جاء لافتاً للنظر جواب المواطنين الإسرائيليين عن السؤال حول رأيهم في وقف إطلاق النار. فحسب استطلاع «آي 24»، قال 63 في المائة من المستطلعين إنهم يؤيّدون استمرار القتال، و28 في المائة فقط يؤيّدون وقف إطلاق النار الذي قد يؤدي إلى تسوية في الشمال (مع لبنان)، و9 في المائة لا يوجد لديهم أي موقف.

وحسب استطلاع «معاريف» جاءت النتائج أكثر حدة؛ فقد أعرب 57 في المائة عن اعتقادهم أن على إسرائيل مواصلة الحرب على لبنان من خلال الغارات الجوية فقط، في حين عدّ 24 في المائة أن على إسرائيل شن اجتياح بري في لبنان، وقال 19 في المائة إن لا موقف لديهم. ويتبيّن من الاستطلاع أن 69 في المائة من ناخبي أحزاب المعارضة يؤيدون استمرار الغارات الجوية فقط على لبنان، في حين يؤيّد ذلك 48 في المائة من ناخبي أحزاب الائتلاف، مقابل 38 في المائة من هؤلاء الناخبين الذين يؤيّدون اجتياحاً برياً.

ويؤيّد 48 في المائة من الجمهور في إسرائيل استمرار الحرب على غزة، في حين يؤيّد 42 في المائة وقف الحرب والتوصل إلى اتفاق تبادل أسرى مع حركة «حماس»، ولم يعبر 10 في المائة عن موقفهم.

وقال 86 في المائة من ناخبي أحزاب الائتلاف اليميني الحاكم، إنهم يؤيّدون استمرار الحرب على غزة، في حين يفضّل 66 في المائة من ناخبي أحزاب المعارضة وقف الحرب واتفاق تبادل أسرى.

وقال 66 في المائة من الإسرائيليين إنهم يرفضون المبادرة الأميركية - الفرنسية لوقف إطلاق النار في لبنان. وقد بلغت هذه النسبة بين المواطنين اليهود 74 في المائة، لكن تأييد غالبية المواطنين العرب لهذه المبادرة خفّف من حدة هذا الرفض.