فصائل إيران وقوات دمشق تصعّد ضد «قسد» في شرق سوريا

هجوم يوقع 13 قتيلاً بين المدنيين في ريف دير الزور

نزوح عشرات المدنيين من البلدات التي تعرضت للهجوم باتجاه البادية السورية  (المرصد السوري لحقوق الإنسان)
نزوح عشرات المدنيين من البلدات التي تعرضت للهجوم باتجاه البادية السورية (المرصد السوري لحقوق الإنسان)
TT

فصائل إيران وقوات دمشق تصعّد ضد «قسد» في شرق سوريا

نزوح عشرات المدنيين من البلدات التي تعرضت للهجوم باتجاه البادية السورية  (المرصد السوري لحقوق الإنسان)
نزوح عشرات المدنيين من البلدات التي تعرضت للهجوم باتجاه البادية السورية (المرصد السوري لحقوق الإنسان)

تتصاعد حدة الهجمات على مناطق «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)» في شرق سوريا، بعد تعرضها فجر الجمعة، لقصف عنيف ومكثف، بعشرات قذائف «الهاون» والمدفعية الثقيلة، انطلقت من مناطق تمركز مجموعات محلية موالية لإيران بريف محافظة دير الزور، في تصعيد يبدو مرتبطاً بالحرب الإسرائيلية على غزة، والتطورات الإقليمية، عقب اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية بالعاصمة الإيرانية، طهران.

وأفادت قوات «قسد» في بيان بمقتل 13 مدنياً وإصابة 5 آخرين بعد قصف نفذته قوات حكومة دمشق و«الدفاع الوطني» الموالية لإيران، على بلدتي الدحلة وجديدة بكارة بالريف الشرقي لدير الزور ليل الخميس/الجمعة، راح ضحيتها أفراد من عائلتين، بينهم 6 أطفال ونساء على وقع اشتباكات متواصلة منذ عدة أيّام بين الطرفين.

عناصر من ميليشيا تابعة لإيران (المرصد السوري لحقوق الإنسان)

ووصفت دمشق التصعيد الحاصل في دير الزور بأنه احتجاجات أهلية ضد «الإدارة الذاتية» ورفض خطواتها الانفصالية. وقالت «وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)» اليوم الجمعة: «إن مناطق ريف دير الزور التي ينتشر فيها مسلحو ميليشيا (قسد) الانفصالية تشهد احتجاجات واسعة من قبل الأهالي ضد هذه الميليشيا المرتبطة بقوات الاحتلال الأميركي، وتنفذ أجندته في التنكيل والاعتداء على الأهالي لإجبارهم على الانخراط بمخططاتهم الانفصالية وإقحام أبنائهم للقتال ضمن صفوفهم».

وتحدثت مصادر محلية من بلدة الدحلة عن وصول وفد عسكري، يضم قادة ومسؤولين من التحالف الدولي والقوات الأميركية؛ إذ تفقدوا المواقع التي تعرضت للقصف، وقدموا واجب العزاء لذوي الضحايا، كما جالت دورية عسكرية مشتركة من قوات التحالف و«قسد» في بلدات ذيبان والبصيرة وأبو حمام، وهذه المناطق الساخنة شهدت هجمات عنيفة خلال الأيام الماضية.

ومحافظة دير الزور تنقسم عسكرياً بين «قسد» المدعومة من الولايات المتحدة والتحالف الدولي المناهض لتنظيم «داعش»، وتسيطر على الضفة الشرقية والشمالية لنهر الفرات، بما في ذلك حقول النفط والغاز، وأكبرها حقلا «العمر النفطي» و«كونيكو للغاز»، في حين تسيطر القوات الحكومية وفصائل محلية موالية لإيران، أبرزها ميليشيا «الدفاع الوطني»، على الضفة الغربية للنهر الذي يمر عبر مركز مدينة دير الزور وبلدات الميادين والبوكمال المحاذية للحدود العراقية.

واستنكرت «الإدارة الذاتية» المجزرة المروعة في بلدتي الدحلة وجديدة بكارة، وحمّلت النظام السوري مسؤوليتها عبر بيان، قالت فيه: «يتجاهل النظام الانتهاك الواضح والمتكرر لسيادته في دمشق وغيرها من المناطق، لخلق الفتنة وضرب الاستقرار في المناطق التي تشهد استقراراً تاماً»، ودعم مجموعات وفصائل محلية تتبع حكومة دمشق للإشراف على إدارة المعارك في مناطق دير الزور.

واتهم بيان الإدارة قوى إقليمية، بينها تركيا وإيران بالعمل على «فرض الفوضى وتطويق جهود الاستقرار، خصوصاً بعد فشلها قبل أكثر من عام في النيل من إرادة أبناء دير الزور ورموزها الاجتماعية وعشائرها الأصيلة»، في إشارة إلى الدور التي تقوم بها الفصائل المحلية الموالية لإيران.

تقاطع مصالح طهران ودمشق

ربط فلاديمير فان ويلجنبرغ، وهو باحث مساهم في معهد «واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» ومؤلف كتاب «أكراد شمال سوريا: الحكم والتنوع والصراعات»، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، تقاطع مصالح دمشق وطهران بتجدد هجمات دير الزور، وقال: «لدى دمشق وإيران مصلحة متزايدة في استغلال الاضطرابات القبلية في دير الزور لممارسة ضغوط إضافية في المنطقة، في ظل النزاع المستمر بين إسرائيل و(حماس)».

وقفة احتجاجية في دوار الحصان بريف دير الزور الغربي ضد هجمات المجموعات المحلية المدعومة من إيران (المرصد السوري لحقوق الإنسان)

ورأى ويلجنبرغ أن الجماعات المدعومة من إيران ستكثف هجماتها على القوات الأميركية في شمال شرقي سوريا؛ إذ «من المرجح أن تستمر قوات العشائر في تنفيذ هجمات الكر والفر في دير الزور، على الرغم من أنه من غير المرجح أن تتمكن من السيطرة على المناطق الخاضعة لسيطرة قوات (قسد)».

وأكد أن نفوذ إيران والنظام السوري، وعلى الرغم من الجهود الحثيثة من الضفة الغربية من دير الزور لمحاولة إثارة الاضطرابات في المنطقة، «ظل محدوداً نوعاً ما في الضفتين الشرقية والشمالية، لأن سكان دير الزور معادون بمعظمهم لدمشق، ويعارضون تمدد وتعاظم الدور الإيراني فيها».

وتندلع اشتباكات مماثلة بين الحين والآخر بريف دير الزور كان آخرها في سبتمبر (أيلول) 2023، في المناطق التي يتمركز فيها مئات الجنود الأميركيين منذ عام 2019 للمساعدة في هزيمة «داعش»، كما تُشكل الممتدة بين مدينة البوكمال الحدودية مع العراق المجاور حتى مدينة الميادين، مركز ثقل لمجموعات محلية وأجنبية موالية لإيران.

تدريبات مشتركة لـ«قسد» وقوات «التحالف الدولي» ضد «داعش» في ريف الحسكة (أرشيفية - أ.ف.ب)

وكانت إلهام أحمد، رئيسة دائرة العلاقات الخارجية بالإدارة الذاتية، قالت في تصريح سابق إن الاشتباكات الدائرة بريف دير الزور ليست حوادث معزولة، وأن هناك أدلة على تورط ميليشيات مدعومة من إيران والحكومة السورية بالوقوف خلفها، لإثارة الاضطرابات وضرب استقرار المنطقة، وصرف انتباه السوريين عن الحركات الاحتجاجية في مدينة السويداء، جنوب سوريا، على حد تعبيرها.

ولإيران انتشار واسع في شرق سوريا، وتحديداً في محافظة دير الزور الحدودية مع العراق. ووفق مركز «جسور» ومؤسسة «إنفورماجين» لتحليل البيانات، تنتشر الميليشيات الإيرانية في سوريا منذ عام 2012، من بينها ميليشيا عربية وأخرى أجنبية يقودها «الحرس الثوري» الإيراني و«فيلق القدس» التابع له. وتوجد هذه الميليشيات في أكثر من 50 قاعدة، وقرابة 500 نقطة عسكرية، وقدر عدد هؤلاء بنحو 100 ألف مقاتل منضوين في 70 ميليشيا عسكرية.


مقالات ذات صلة

المعارضة التركية تتساءل عن اختفاء 700 ألف لاجئ سوري

شؤون إقليمية وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا (حسابه على إكس)

المعارضة التركية تتساءل عن اختفاء 700 ألف لاجئ سوري

تفجّر جدل واسع انتقل إلى البرلمان التركي عقب إعلان وزير الداخلية، علي يرلي كايا، أن هناك 729 ألف سوري لم يُعثر عليهم في عناوينهم المسجلة لدى سلطات الهجرة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي سوريون في إحدى أسواق مدينة درعا (سانا)

دمشق تسعى إلى تسويات في درعا مقابل تسليم السلاح

وثَّق ناشطون في درعا مقتل أكثر من 37 شخصاً خلال شهر يوليو الماضي، بينهم 26 مدنياً، جراء تصاعد التوتر على خلفية الانفلات الأمني وانتشار السلاح.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية تركيا ورسيا تسعيان لإعادة الدوريات المشتركة على طريق «إم 4» كخطوة رمزية لنجاح جهود التطبيع مع دمشق (أرشيفية)

اتصالات «التطبيع» بين أنقرة ودمشق لم توقف التصعيد

تشهد مناطق خفض التصعيد في شمال غربي سوريا تصعيداً شديداً وهجمات متواصلة للجيش السوري.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

فيدان: لقاء إردوغان والأسد سيكون في دولة ثالثة حال انعقاده

قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، إن اللقاء بين الرئيسين التركي رجب طيب إردوغان والسوري بشار الأسد، قد يُعقد في دولة ثالثة حال الاتفاق عليه، ومن دون شروط مس

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي تقاعد المصارع فاتح ريحاني منذ 15 عاماً لكنه لم يتخلَّ عن رياضته المفضلة بل اتجه للتدريب (الشرق الأوسط) play-circle 03:57

«حلم الأولمبياد» بعيد عن الرياضيين بشمال غربي سوريا

بين الرياضيين الذين يعيشون شمال غربي سوريا التي تقع تحت أكثر من نفوذ وسيطرة من يشعر بالغبن لعدم تمكنه من المشاركة في الأولمبياد والعودة للمنافسة.

حباء شحادة (إدلب)

«حزب الله» مصرّ على «الرد» على اغتيال قائده العسكري… حتى لو حصل وقف النار في غزة

جندي إسرائيلي يتقصى الأضرار في سيارة أصيبت بشظايا صواريخ أطلقها «حزب الله» من جنوب لبنان (رويترز)
جندي إسرائيلي يتقصى الأضرار في سيارة أصيبت بشظايا صواريخ أطلقها «حزب الله» من جنوب لبنان (رويترز)
TT

«حزب الله» مصرّ على «الرد» على اغتيال قائده العسكري… حتى لو حصل وقف النار في غزة

جندي إسرائيلي يتقصى الأضرار في سيارة أصيبت بشظايا صواريخ أطلقها «حزب الله» من جنوب لبنان (رويترز)
جندي إسرائيلي يتقصى الأضرار في سيارة أصيبت بشظايا صواريخ أطلقها «حزب الله» من جنوب لبنان (رويترز)

أعلن «حزب الله» عن استعداده للتعامل مع أي تصعيد «بما يتلاءم مع أي ردة فعل» إسرائيلية تترتب على رده على اغتيال قائده العسكري فؤاد شكر، ويرى أن النقاش حول «تسوية أو مبادرة تؤدي إلى وقف إطلاق النار الدائم في غزة والضفة» يتم بعد رد الحزب وليس قبله، بالتزامن مع تصعيد متواصل، تزيد فيه إسرائيل الرقعة الجغرافية للاستهدافات داخل العمق اللبناني، بينما يرفع الحزب نوعية الذخائر التي يستخدمها لقصف أهداف إسرائيلية.

وبموازاة التهديدات المتصاعدة بالرد على اغتيال شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت في الأسبوع الماضي، وتهديدات إيران بالرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية في طهران، وصل قائد القيادة المركزية للجيش الأميركي (سنتكوم) مايكل كوريلا، إلى تل أبيب، في ثاني زيارة لإسرائيل خلال أسبوع، وفق ما أعلن الجيش الإسرائيلي الجمعة. وأجرى كوريلا تقييماً للوضع مع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هيرتسي هليفي، وقائد سلاح الجو تومر بار.

وفي تطور ميداني بارز، لاحقت مسيّرات إسرائيلية قيادياً في «حماس» يُدعى سامر الحاج وأصابت سيارته بصاروخين في مدينة صيدا، عاصمة الجنوب. وقُتل الحاج فيما أصيب مرافق كان معه في السيارة ونُقل إلى مستشفى.

وقالت مصادر فلسطينية في صيدا إن الحاج كان يشارك في اجتماع داخل مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين وتم استهدافه لحظة خروجه من المخيم.

البارجة الإسرائيلية «ساعر 6» تدخل إلى ميناء حيفا (أ.ف.ب)

تعامل مع أي تصعيد

ويعتزم «حزب الله» الرد على اغتيال شكر، وفق ما أكده 3 من قيادييه الجمعة. وقال عضو كتلته البرلمانية (الوفاء للمقاومة) النائب حسن عز الدين، إن «الرد على العدو الصهيوني آتٍ حتماً، سواء من المقاومة الإسلامية في لبنان أو من الجمهورية الإسلامية أو من اليمن أو العراق»، لافتاً إلى أن «الرد هو على تمادي العدو في جرائمه ومحاولته كسر الخطوط الحمر».

وفي إشارة إلى الجهود الدبلوماسية التي تُبذل لمنع التصعيد وتجنب انزلاق المنطقة إلى حرب موسعة، قال عز الدين: «على كل الساعين لمحاولة ثني المقاومة والجمهورية الإسلامية عن ردها، أن يأتوا بعد الرد، حينها يمكن الكلام بأي تسوية أو مبادرة تؤدي إلى وقف إطلاق النار الدائم في غزة والضفة».

من جهته، أكد الوزير السابق محمد فنيش: «إننا في (حزب الله) نعيش الواقع ونتابعه ونتحمل مسؤوليتنا ولا نخشى تهديدات العدو، ونمتلك من وسائل الرد والردع والقوة والقدرة، ما يجعل العدو طيلة 10 أشهر لا يقدر على تجاوز حدود الاشتباك، وإذا تجاوز تقوم المقاومة بردها الذي يعيده إلى قواعد الاشتباك». وأضاف: «نحن لا نخشى التصعيد، وإذا كان هناك تصعيد فسنتعامل معه بما يتلاءم مع أي ردة فعل للعدو، فلا يثنينا عن متابعة قرارنا في مواجهة العدوان والردّ».

النيران تشتعل جراء غارة إسرائيلية استهدفت بلدة كفركلا بجنوب لبنان (رويترز)

توسعة الرقعة الجغرافية

وفي ظل تلك التهديدات والاستعدادات، تمضي إسرائيل في توسعة الرقعة الجغرافية للاستهدافات داخل العمق اللبناني، وتضم بلدات جديدة إلى بنك الأهداف، كان آخرها استهداف مبنى في منطقة حناويه الواقعة شرق مدينة صور فجر الجمعة، من غير أن تسفر الغارة عن أي خسائر بشرية. كما لاحقت المسيرات الإسرائيلية عنصرين لـ«حزب الله» في الناقورة، مما أدى إلى مقتلهما.

وأعلن مركز عمليات طوارئ الصحة العامة التابع لوزارة الصحة، في بيان الجمعة، أن الغارة التي نفذتها طائرة مسيرة إسرائيلية على بلدة الناقورة الجنوبية، «أدت إلى استشهاد شخصين».

وأكد الجيش الإسرائيلي أن طائرات حربية هاجمت مقر قيادة لـ«حزب الله» في منطقة حناويه وبنية تحتية في منطقة عيتا الشعب بجنوب لبنان. كما هاجمت الطائرات منصة إطلاق استخدمها «حزب الله» في منطقة عيتا الشعب، حيث أطلقت منها قذائف صاروخية الخميس، نحو منطقة بيرنيت في الجليل الأعلى.

وفي مقابل التصعيد الإسرائيلي، أعلنت وسائل إعلام مقربة من «حزب الله» أنه استخدم «صواريخ ثقيلة جداً» في استهدافه لمواقع إسرائيلية، من بينها قاعدة عسكرية في كريات شمونة. وأعلن «حزب الله» أن عناصره استهدفوا الجمعة مقر قيادة اللواء 769 الإسرائيلي في ثكنة كريات شمونة بصواريخ «الكاتيوشا»، رداً على اعتداءات إسرائيل على بلدة حناويه الجنوبية، كما «شنوا هجوماً جوياً بسرب من المسيّرات الانقضاضية على مقر قيادة الكتيبة ‏الساحلية التابع للواء الغربي المستحدث في ليمان»، واستهدفوا «أماكن تموضع وتمركز ضباطها وجنودها ‏وأصابوا أهدافها بدقة وأوقعوا فيهم إصابات مؤكدة»، حسبما جاء في بيان للحزب.

وأعلن في بيانات أخرى عن استهداف مبانٍ ‏يستخدمها جنود إسرائيليون في كريات شمونة، كما قصفوا مقر قيادة اللواء 769 في ثكنة كريات ‏شمونة بصواريخ «فلق» الثقيلة.

وأطلقت القوات الإسرائيلية النار من الرشاشات الثقيلة باتجاه جبلي «اللبونة» و«العلام» وأطراف بلدة الناقورة في جنوب لبنان. وقصفت المدفعية الإسرائيلية قبل بلدة الخيام الجنوبية، بحسب ما أعلنت «الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية الرسمية».