«حلم الأولمبياد» بعيد عن الرياضيين بشمال غربي سوريا

من أسبابه السلطات غير المعترف بها لدى المنظمات الدولية ونقص الدعم

TT

«حلم الأولمبياد» بعيد عن الرياضيين بشمال غربي سوريا

يؤدي أحد لاعبي الجمباز حركة الشقلبة وتظهر على الحائط خلفه شهادات التقدير والجوائز التي حصل عليها مدربه أحمد السواس (الشرق الأوسط)
يؤدي أحد لاعبي الجمباز حركة الشقلبة وتظهر على الحائط خلفه شهادات التقدير والجوائز التي حصل عليها مدربه أحمد السواس (الشرق الأوسط)

بين الرياضيين الذين يعيشون في شمال غربي سوريا، التي تقع تحت أكثر من نفوذ وسيطرة، من يشعر بالغبن نتيجة عدم تمكنه من المشاركة في الأولمبياد، ولا حلم العودة للمنافسة العالمية التي لا تفتح أبوابها لمناطق غير حاصلة على اعتراف دولي للمشاركة.

تحت إضاءة خافتة، يقف أحمد السواس سانداً ظهره إلى الجدار محاولاً الاستفادة القصوى من مساحة القاعة البسيطة التي يستخدمها للتمرين، قبل أن ينطلق للقفز والشقلبة 3 مرات ليستقر على فراش بسيط قرب الحائط المقابل.

لاعب الجمباز أحمد السواس (الشرق الأوسط)

قاعة التمرين التي عمل أحمد جاهداً على تجهيزها في مدينة الأتارب بريف حلب الغربي، توضح المصاعب المالية التي يعانيها لاعب الجمباز الذي شارك قبل 13 عاماً بأولمبياد روسيا للشباب: «لم أتلقَ دعماً يذكر من بعدها»، يقول الشاب ذو الـ27 عاماً لـ«الشرق الأوسط»، مشيراً إلى السلطات المتعاقبة على المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري.

«الدب ميشا» في حفل افتتاح أولمبياد موسكو 1980 (اللجنة الأولمبية الدولية)

مسيرة أحمد الرياضية بدأت قبل 21 عاماً في مدينة حلب، حيث تدرب وتألق في بطولات محلية، جعلته يحمل المركز الأول 7 سنوات على مستوى سوريا، قبل أن يتأهل للبطولة العالمية عام 2011، التي أحرز فيها المركز الثامن، وأصبح حلمه وهاجسه أن يعود للمنافسة الأولمبية لتحقيق المركز الأول.

يتعلق طفل بالهواء أثناء أدائه حركة قفز ضمن نادي ملوك الجمباز في الأتارب بريف حلب (الشرق الأوسط)

لكنه ما أن عاد إلى سوريا بدأت الحرب بالتجلي، وانقسمت مدينة حلب بين نظام ومعارضة، ولم يعد التدريب متاحاً للاعب الشاب، ولا حلم العودة للمنافسة العالمية.

هيئات بلا دعم

منذ بدء الاحتجاجات الشعبية عام 2011 في سوريا، بدأ تشكل الهيئات الممثلة للمعارضة التي حظيت بدعم دولي خلال السنوات الأولى من الحرب، بالتزامن مع قطع العلاقات مع دمشق، ولكن ذلك الدعم لم يصل إلى حد منحها الشرعية بديلاً عن الحكومة السورية.

مدينة إدلب الخاضعة لسيطرة «هيئة تحرير الشام» شمال غربي سوريا (أرشيفية - أ.ف.ب)

أما «الحكومة المؤقتة» التابعة لـ«الائتلاف الوطني السوري»، الذي يمثل أكبر هيئات المعارضة، فضمّت هيئة خاصة بالرياضة والشباب، وصل عدد منتسبيها في المحافظات الخارجة عن سيطرة النظام إلى نحو 42 ألفاً عام 2015، بحسب بطل كرة الطاولة، ظلال المعلم الذي تولى رئاستها.

«اشتركنا ببطولات دولية غير رسمية»، يقول المعلم لـ«الشرق الأوسط»، ويتابع: «حصل لاعبونا على كثير من الميداليات في هذه البطولات»، غير أنه يشير إلى دور تراجع السيطرة العسكرية والدعم السياسي لنشاط الهيئة الرياضية: «الهيئة حالياً، حبر على ورق من دون أي عمل، رغم وجود كادرها الإداري».

جهّز لاعب الجمباز أحمد السواس قاعته الرياضية باستخدام أدوات بسيطة ليتمكن من متابعة اللعب والتمرين (الشرق الأوسط)

أحمد السواس، لاعب الجمباز، انقطع عن ناديه ومدربه إثر بدء الأزمة السورية، لكنه لم يقبل بالتخلي عن رياضته لذلك أنشأ في مدينة حلب نادياً لتعليم الأطفال تلك الرياضة، وصل عدد المشتركين فيه إلى أكثر من 270 طفلاً، لكن استهداف النادي بضربة جوية أدت إلى وفاة طفلين وإصابة آخرين، وضعت نهاية للتدريب في المدينة.

انتقل أحمد بعد التهجير عام 2017 إلى إدلب، ومن ثم إلى ريف حلب الغربي، حيث عمل جاهداً لإقامة نادٍ جديد، وتعاون مع الهيئة التابعة لـ«الحكومة المؤقتة»: «قدّموا لنا صالات ومعدات بسيطة»، قال اللاعب الشاب، مضيفاً أن ذلك الدعم توقف بعد 6 أشهر فقط.

وعندما سيطرت «حكومة الإنقاذ» التابعة لفصيل «هيئة تحرير الشام» على إدلب طردت مؤسسات «المؤقتة» نحو ريف حلب الشمالي عام 2019. لكن تغير السلطة لم تجلب مزيداً من الدعم، إذ على الرغم من تشكل «المديرية العامة للرياضة والشباب»، فإن طلبات أحمد لم تلقَ أي استجابة.

اليوم، يعمل لاعب الجمباز مدرباً للسباحة ومنقذاً في المسابح الخاصة والعامة، ليؤمن المال الذي يحتاجه لتأهيل صالته الخاصة لتدريب الجمباز، وهدفه بحسب ما قال لنا: «أن أتمكن من المنافسة لتحقيق المركز الذي أردته في الأولمبياد أو أن يتمكن أحد من أعضاء فريقي أو جميعهم، من المنافسة عالمياً، لأنني أعلم أننا نملك الموهبة والقدرة على تحقيق المراكز العليا».

تأهيل الجيل القادم

في مدينة إدلب، وفي صالة أسفل الملعب البلدي لكرة القدم، يجتمع عشرات الأطفال لتعلم المصارعة 3 أيام في الأسبوع، «لدينا خامات جيدة»، يقول المدرب وبطل المصارعة فاتح الريحاني، الذي نال جوائز متعددة محلياً وعالمياً خلال مسيرته التي بدأت منذ كان في عمر 6 سنوات عام 1981، حتى عام 2010 حين بلغ الـ35 وتقاعد عن اللعب.

تقاعد المصارع فاتح ريحاني منذ 15 عاماً لكنه لم يتخلَّ عن رياضته المفضلة بل اتجه للتدريب (الشرق الأوسط)

الريحاني يدرب الأطفال مجاناً ليضمن تربية جيل رياضي قوي قادر على التنافس، وعبّر لـ«الشرق الأوسط»، عن شكواه من أنه «لا ينقصنا سوى الدعم، فما أن نحصل عليه، سنكون قادرين على تنشئة أبطال على مستوى العالم».

يتعلم الأطفال في إدلب المصارعة منذ عمر صغير على الرغم من حرمانهم من فرص التنافس الخارجية (الشرق الأوسط)

يتولى الريحاني رئاسة اللجنة الفنية العليا للمصارعة في إدلب، لكنه لم يحصل من المديرية التابعة لـ«حكومة الإنقاذ»، سوى على الصالة التي لا تتوفر بها مراوح للتهوية أو بساط ضيق، ولا أدوات لتمرين العضلات.

الحرب جعلت من واقع الرياضيين أكثر صعوبة، حسب تقدير الريحاني، الذي أشار إلى الإصابات التي عانوا منها والتهجير من مكان لآخر، ومن ثم الإهمال من قبل حكومتي «المؤقتة» و«الإنقاذ».

ومن الأمثلة التي يرويها: «يطلبون منا أن نأخذ أجراً من اللاعبين، ولكن جميع اللاعبين في فقر شديد، لا نستطيع أن نفرض عليهم أجوراً مقبل التدريب، لذلك نقوم بالمهمة مجاناً، نبذل جهدنا وعرقنا بهدف أن ننشئ جيلاً رياضياً يحب المصارعة».

المصارع فاتح ريحاني رئيس اللجنة الفنية العليا للمصارعة في إدلب (الشرق الأوسط)

تجدر الإشارة إلى أنه خلال سنوات الحرب شارك عدد من اللاعبين السوريين في الأولمبياد خارج مظلة الحكومة في دمشق، ضمن فرق اللاجئين، لكنهم لم يحصلوا على ميداليات.


مقالات ذات صلة

تركيا تعيد للواجهة المبادرة العراقية للتطبيع مع سوريا بعد موقف روسيا

شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

تركيا تعيد للواجهة المبادرة العراقية للتطبيع مع سوريا بعد موقف روسيا

أعادت تركيا إلى الواجهة مبادرة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني للوساطة مع سوريا بعد التصريحات الأخيرة لروسيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)

بيدرسن: من الضروري عدم جر سوريا إلى النزاع

اعتبر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسن، بعد لقائه وزير الخارجية السوري بسام الصباغ في دمشق، أمس، أنه «من الضروري للغاية ضمان أن يكون هناك وقف.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)

بيدرسن: من الضروري عدم جر سوريا إلى النزاع في المنطقة

لم تصدر أي تفاصيل حول نتائج لقاء الموفد الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، الأحد، مع وزير الخارجية السوري بسام الصباغ في دمشق.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية أحد مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا (إعلام تركي)

تراجع أعداد اللاجئين السوريين في تركيا لأقل من 3 ملايين

تراجعت أعداد اللاجئين السوريين الخاضعين لنظام الحماية المؤقتة في تركيا إلى أقل من 3 ملايين لاجئ.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي تشييع اثنين من ضحايا هجوم تدمر في الحطابية بمحافظة حمص الجمعة (متداولة)

بعد هجوم تدمر... قيادات إيرانية تتحرك من سوريا نحو العراق

أنباء عن مغادرة قياديين في «الحرس الثوري الإيراني» وميليشيات تابعة لإيران، الأراضي السورية متجهة إلى العراق؛ خشية تعرضهم للاستهداف.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

الجيش الإسرائيلي يعلن وصوله إلى نهر الليطاني قبل اتفاق وشيك لوقف النار

TT

الجيش الإسرائيلي يعلن وصوله إلى نهر الليطاني قبل اتفاق وشيك لوقف النار

تصاعد الدخان جراء الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت اليوم (رويترز)
تصاعد الدخان جراء الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت اليوم (رويترز)

أعلن الجيش الإسرائيلي اليوم الثلاثاء، أن قواته وصلت إلى نهر الليطاني في جنوب لبنان، وهي المنطقة التي تريد الدولة العبرية من «حزب الله» أن يتراجع إلى حدودها في حال أبرم اتفاق لوقف إطلاق النار.

ونشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي صورا لجنود إسرائيليين عند نهر الليطاني.

ولاحقاً، أعلن الجيش الإسرائيلي تنفيذ غارات في منطقة نهر الليطاني. وقال الجيش في بيان إن قواته «هاجمت أهدافا إرهابية عدة، واشتبكوا مع الإرهابيين عن قرب وعثروا على عشرات المنصات وآلاف الصواريخ والمقذوفات ومخازن الأسلحة المخبأة في سفح جبل ودمروها».

إلى ذلك، تجددت الغارات الإسرائيلية العنيفة على ضاحية بيروت الجنوبية، عقب إنذارات وجّهها الجيش الإسرائيلي للسكان بإخلاء 6 مواقع.

ووجَّه المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إنذار إخلاء مرفقاً بخرائط إلى سكان مناطقتي برج البراجنة تحويطة الغدير.

وقال: «أنتم توجدون بالقرب من منشآت ومصالح تابعة لـ(حزب الله)»، محذّراً من ضربات وشيكة على منطقة الغبيري.

وتأتي الغارة وسط ترقب لاتفاق وشيك لوقف إطلاق النار في لبنان. وقال مسؤول إسرائيلي كبير لـ«رويترز» إن إسرائيل تبدو مستعدة للموافقة على خطة أميركية لوقف إطلاق النار الثلاثاء مما يمهد الطريق لإنهاء الحرب التي أسفرت عن مقتل آلاف المدنيين منذ اندلاعها بسبب الحرب الدائرة في قطاع غزة منذ 14 شهرا.

وأضاف المسؤول أن من المتوقع أن يعقد مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي اجتماعا برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في وقت لاحق اليوم الثلاثاء لمناقشة النص والموافقة عليه على الأرجح.

وأعلن في الولايات المتحدة وفرنسا أمس (الاثنين) أن المفاوضات تسير في الاتجاه الصحيح وأن الدولتين توشكان على إصدار بيان مشترك تعلنان فيه وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله».

وفيما تضاربت التصريحات ومعلومات المصادر حول موعد إعلان البيان، علمت «الشرق الأوسط» من مصادر واسعة الاطلاع في واشنطن، أن الجانبين الأميركي والفرنسي يستعدان لإعلان هدنة بين لبنان وإسرائيل لمدة 60 يوماً تتضمن بدءاً فورياً بإجلاء عناصر «حزب الله» وأسلحتهم من المنطقة الواقعة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني «بشكل يمكن التحقق منه»، مقابل انسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق التي احتلتها منذ بدء الغزو البري المحدود للأراضي اللبنانية. وسيستند الإعلان المرتقب إلى القرار 1701 وسيتضمن إنشاء «آلية مراقبة».

مقتل قيادي عسكري في «حزب الله»

وأعلن الجيش الإسرائيلي، في وقت لاحق، أنه يواصل استهداف القيادات الميدانية في «حزب الله»، مؤكداً «القضاء على قائد العمليات في قطاع الساحل لـ(حزب الله)».

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي: «أغارت طائرات حربية لسلاح الجو على منطقة صور وقضت على الإرهابي المدعو أحمد صبحي هزيمة قائد العمليات في قطاع الساحل لدى حزب الله».

وبحسب أدرعي كان هزيمة «يشرف على مخططات اقتحام الحدود وعمليات إطلاق قذائف مضادة للدروع نحو بلدات إسرائيلة انطلاقًا من القطاع الغربي قبل عملية سهام الشمال». وتابع: «المدعو هزيمة يشغل منصبه خلفًا للقائد السابق الذي تم القضاء عليه في 17 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. ولفت إلى أن «هذا الاستهداف ضربة اخرى لقدرات (حزب الله) في تنفيذ عمليات إرهابية من جنوب لبنان نحو الجبهة الداخلية الإسرائيلية على الحدود الشمالية».