محمد الضيف.. شبح نجا مرات عدة، فهل ساعدت صوره الحديثة في الوصول إليه؟

قائد «كتائب القسام» استهدفته 6 ضربات إسرائيلية سابقة... ومصيره مجهول في السابعة

TT

محمد الضيف.. شبح نجا مرات عدة، فهل ساعدت صوره الحديثة في الوصول إليه؟

دمار واسع في مواصي خان يونس السبت (إ.ب.أ)
دمار واسع في مواصي خان يونس السبت (إ.ب.أ)

لم يرغب كثير من الفلسطينيين والإسرائيليين، على حد سواء، في تصديق الصورة التي نشرتها إسرائيل لمحمد الضيف، قائد «كتائب القسام»، نهاية العام الماضي، بعد عقود من الغموض الكبير حوله، وهو غموض سمح لمحبيه وأعدائه برسم صورتهم الخاصة عنه. فقد تخيّله الفلسطينيون شاباً بملامح صارمه للغاية وطلّة فيها الكثير من الهيبة، فيما روّجت إسرائيل لشخص عاجز مقعد بلا يدين أو قدمين وأعمى.

لكن الصورة أظهرت شخصاً آخر، وهي على الأغلب صورة قد تكون ساعدت في الوصول إليه في بيت صغير في مواصي خان يونس جنوب قطاع غزة، إذا ما تأكد فعلاً أنه كان بين عشرات القتلى الذين سقطوا في غارة أعلنت إسرائيل عن تنفيذها اليوم السبت. ونُقل عن مصادر في «حماس» أن الضيف ليس بين القتلى، فيما قالت إسرائيل إنها تتحقق من مصيره.

قبل هذه الصورة، لم يكن الضيف معروفاً لإسرائيل، ولا للعامة في قطاع غزة، وكان اغتياله بحاجة إلى معلومة من الداخل الفلسطيني فقط، إذ لم يظهر الرجل في أماكن عامة، أو كما يقول من سألتهم «الشرق الأوسط» في غزة: «لو نظرنا إليه لما عرفناه».

لا أحد يعرف الضيف سوى عائلته ومجموعة قليلة من أفراد «حماس»

ويمكن القول إن الضيف حافظ على هذه السرية حتى داخل «حماس» و«القسام»، لكنه تخلى قليلاً عن حذره، بعد حرب 2014، وبدأ يظهر في جولات داخل مواقع عسكرية لـ «القسام» ويلتقي قياداتها بشكل علني ويستقبل شكاوى ورسائل وغيرها من الأوراق التي تصل إليه.

وقالت مصادر لـ «الشرق الأوسط» إنه بعد هذه الحرب (2014) أصبح للضيف موقع يعرف باسم موقع عيسى، وهو موقع تدريب يحوي مكاتب لـ «القسام» في منطقة شارع 10 جنوب مدينة غزة. لكن الضيف نادراً ما كان يذهب إلى ذلك المكان.

وهذه ليست أول مرة تحدد فيها إسرائيل مكاناً مشتبهاً بوجود الضيف فيه، وتحاول قتله، فقد حاولت اغتياله أكثر من مرة، وأصابته بصورة مباشرة، مرة أولى عام 2001، ومرة ثانية عام 2002 في استهداف مركبة بشارع الجلاء حيث أصيب لكنه نجا من الموت، ومرة ثالثة عام 2003 في اجتماع مع قيادات حمساوية بحي الشيخ رضوان ونجا، ومرة رابعة عام 2004 بحي الشيخ رضوان في شقة سكنية بمنزل لعائلة أبو سلمية وقد أصيب حينها بجروح حرجة، ومرة خامسة في عام 2014 في منزل لعائلة الدلو وقد قُتل في الهجوم زوجته واثنان من أبنائه، ومرة سادسة في عام 2021 في حي الرمال وقد نجا.

يحمل جثمان أحد ضحايا الضربة الإسرائيلية في مواصي خان يونس السبت (رويترز)

وإذا كان الضيف نجا من كل هذه المحاولات، وتحوّل إلى شبح بالنسبة إلى إسرائيل، فإن معرفة مصيره بعد المحاولة الأخيرة في مواصي خان يونس في الحرب الحالية المدمرة في شهرها التاسع، تحتاج إلى وقت.

وأعلنت إسرائيل استهداف الضيف الذي وضعته على رأس قائمة الأهداف منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكنها لم تعلن مقتله. وأغلب الظن أنها لن تعلن مقتله إلا عندما تكون قد تأكدت بنسبة 100 في المائة باعتبار اغتياله يمثل صورة نصر طالما بحثت عنها بعد الضربة التي تلقتها في السابع من اكتوبر.

فن هو الضيف الذي ظل اغتياله منذ 30 عاماً أحد أهداف الدولة العبرية، واصبح بعد السابع من اكتوبر هاجسها الأول؟

تطارد إسرائيل الضيف منذ عقود باعتباره المطلوب الرقم 1

من هو الضيف؟

قبل الحرب الحالية لم يكن يعرفه سوى أفراد عائلته، ومجموعة قليلة من «حماس»، والأغلب أنهم جميعاً في مرحلة ما لا يعرفون أين يكون الرجل. وظل هذا معمولاً به حتى نشرت إسرائيل صورته للعامه نهاية العام الماضي، واصبحت هذه الصورة رقم 4 له. الأولى قديمة للغاية ظهر فيها شاباً صغيراً، والثانية وهو ملثم، والثالثة صورة لظله، والرابعة إلى جانب أحد الأشخاص في مكان عام بشعر أشيب ولحية خفيفة وعين واحدة وفي وضع هادئ.

كان يحافظ على سرية كبيرة في كل تحركاته، حتى انه عندما توفيت والدته في يناير (كانون الثاني) 2011، لم يُعرف آنذاك هل حضر تشييعها أم لا. تردد آنذاك أنه حضر لكن لم يعرفه أحد، وقال بعضهم إنه لم يحضر أبداً لدواعٍ أمنية. وهناك من قال أيضاً إنه تخفَّى بزي مُسن وودّع والدته ثم مضى.

لا يستخدم الضيف أجهزة التكنولوجيا، كما يبدو، وهو ليس محباً للظهور، إذ لا تصدر عنه رسائل صوتية إلا نادراً، مثلما حصل عند إعلانه بداية معركة جديدة مع إسرائيل ومنها «معركة طوفان الأقصى» الحالية.

وحتى اثناء الحرب الحالية، لم تكن مطادرة إسرائيل للضيف في كل شبر في غزة، مطاردة سهلة قط، واستهدافه في مواصي خان يونس يُعد المحاولة الأولى التي يُكشف عنها بعد أكثر من 9 أشهر من الحرب.

وفي الواقع، رأس الضيف مطلوب لإسرائيل منذ منتصف التسعينات. فشمعون بيريز الذي كان رئيساً للوزراء عام 1996، طلب من الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات اعتقاله، قبل أن يبدي عرفات استغرابه من الاسم، وكأنه لا يعرفه، ليعترف بيريز لاحقاً بأنه اكتشف أن عرفات كان يحميه ويخفيه ويكذب بشأنه.

كان الضيف يتمتع بعلاقات قوية مع خصومه السياسيين في حركة «فتح».

خيام وأبنية مدمرة بعد الضربة الإسرائيلية في مواصي خان يونس السبت (أ.ف.ب)

نبذة شخصية

اسمه الحقيقي: محمد دياب إبراهيم المصري، وشهرته الضيف. وُلِد عام 1965 لأسرة فلسطينية لاجئة من بلدة القبيبة، واستقرت في مخيم خان يونس جنوب قطاع غزة. نشأ محمد في أسرة فقيرة للغاية، واضطر لترك الدراسة مؤقتاً لإعانة أسرته، وقد عمل مع والده في الغزل والتنجيد، ومن ثم أنشأ مزرعة صغيرة للدواجن، وعمل سائقاً قبل أن يصبح مطارداً من قبل إسرائيل.

يقول رفاقه في الحي الذي نشأ فيه، إنه كان وديعاً وصاحب دعابة وخفة ظل وطيب القلب ويميل إلى الانطواء. انضم الضيف إلى حركة «حماس» في نهاية عام 1987 عبر علاقته بالمساجد. عاد إلى دراسته وتلقى تعليمه في الجامعة الإسلامية في غزة، وتخرج فيها عام 1988، بعد أن حصل على درجة البكالوريوس في العلوم.

خلال ذلك، أنشأ الضيف فرقة «العائدون» الفنية الإسلامية، وكانت تعنى بشؤون المسرح، وعرف عن الضيف ولعه بالتمثيل؛ فقد أدى عدة أدوار مسرحية، ومن بينها شخصيات تاريخية. وكان الضيف مسؤولاً عن اللجنة الفنية خلال نشاطه في مجلس طلاب الجامعة الإسلامية.

اعتقلته إسرائيل عام 1989، وقضى 16 شهراً في سجون الاحتلال موقوفاً دون محاكمة، بتهمة العمل في الجهاز العسكري للحركة. بعد خروج الضيف من السجن، بدأ مع آخرين في تأسيس «القسام». وخلال التسعينات أشرف وشارك في عمليات لا تحصى ضد إسرائيل.

صورة مفترضة للضيف نشرتها إسرائيل العام الماضي

اعتقلته السلطة الفلسطينية في شهر مايو (أيار) من عام 2000 بطلب من إسرائيل، وكانت علاقته بالسلطة متقدمة وجيدة، وجرى اعتقاله ضمن تفاهمات.

في 2002 تسلم قيادة «القسام» بعد اغتيال قائدها العام صلاح شحادة وفي نفس العام أصيب في استهداف مركبته، وعالجه في مكان غير معروف قائد «حماس» عبد العزيز الرنتيسي (الذي اغتيل سنة 2004)، وكان طبيباً.

قبل أن يعثر الإسرائيليون على صورته في أحد حواسيب قطاع غزة، كان يعتقد مسؤولون إسرائيليون أن الضيف أصبح مُقعداً على كرسي، وفقد إحدى عينيه؛ وهو عاجز عن قيادة «حماس»، ثم اكتشفوا انه «خدعهم».

خرج الضيف في تسجيلات في السنوات الماضية قليلاً. كان مثل الشبح مع صورة معتمة ونصفه ظاهر فقط.

فهل ينجو الشبح الذي أصبح معروفاً للعامة مرة أخرى.. أو أن الغموض سيظل سيد الموقف؟


مقالات ذات صلة

«القسام» تعلن قتل وإصابة قوة إسرائيلية بتفجير فتحة نفق برفح

المشرق العربي فلسطيني يسير بجوار الدمار في خان يونس بقطاع غزة (د.ب.أ)

«القسام» تعلن قتل وإصابة قوة إسرائيلية بتفجير فتحة نفق برفح

أعلنت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة «حماس» اليوم (السبت) أنها قتلت وأصابت قوة إسرائيلية راجلة بتفجير فتحة نفق غرب رفح في جنوب قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة )
خاص دمار في موقع استهدفته إسرائيل في المواصي قرب خان يونس يوم 13 يوليو في إطار عملية لاغتيال قائدي «القسّام» محمد الضيف ورافع سلامة (أ.ف.ب) play-circle 04:00

خاص كيف تجند إسرائيل العملاء في غزة وما دورهم في الاغتيالات؟

أعادت محاولة اغتيال محمد الضيف، قائد «كتائب القسّام»، تسليط الضوء على مسلسل طويل من الاغتيالات التي نفّذتها إسرائيل. فما دور المتعاونين في هذه الاغتيالات؟

«الشرق الأوسط» (غزة)
الولايات المتحدة​ فلسطينيون يتفقدون مكان الحادث بعد غارة إسرائيلية على خيام النازحين في منطقة المواصي بخان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

بلينكن: واشنطن تشعر بالقلق العميق بعد الغارات الأخيرة في غزة

أبلغ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مسؤولَين إسرائيليين كبيرين خلال اجتماع في واشنطن بـ«القلق العميق» الذي يساور الولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية جانب من الدمار جراء الغارة الإسرائيلية على مخيم المواصي للنازحين في جنوب قطاع غزة السبت الماضي (رويترز)

«مراقبة دقيقة» لأسابيع... كيف تمكنت إسرائيل من «تحديد» موقع محمد ضيف؟

طوال أسابيع، ظلت إسرائيل تراقب فيلا في جنوب غزة، حيث اعتقدت أن أحد كبار مسؤولي حركة «حماس» كان يقيم مع عائلته، لكنها أحجمت عن توجيه ضربة عسكرية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
المشرق العربي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال مؤتمر صحافي من تل أبيب (رويترز)

نتنياهو: «ليس هناك تأكيد» لمقتل محمد الضيف في غزة

أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه «ليس هناك تأكيد» لمقتل قائد الجناح العسكري في «حماس» محمد الضيف، إثر استهدافه مع مسؤول آخر في الحركة.


نتنياهو بعد الضربات الإسرائيلية في اليمن: «سندافع عن أنفسنا بكل الوسائل»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (د.ب.أ)
TT

نتنياهو بعد الضربات الإسرائيلية في اليمن: «سندافع عن أنفسنا بكل الوسائل»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (د.ب.أ)

أكدت إسرائيل أنها ضربت السبت «أهدافاً عسكرية» في غرب اليمن الذي يسيطر عليه الحوثيون، بعدما تبنوا الجمعة هجوماً بطائرة مسيّرة على تل أبيب، مؤكدة أنها ستدافع عن نفسها «بكل الوسائل».

وقال الجيش الإسرائيلي، في بيان: «إن مقاتلات (إسرائيلية) قصفت أهدافاً عسكرية لنظام الحوثيين الإرهابي في منطقة ميناء الحديدة في اليمن رداً على مئات الهجمات التي طالت دولة إسرائيل في الأشهر الأخيرة».

ومساء السبت، قال المتحدث باسم الجيش دانيال هاغاري في تصريح متلفز، إن الميناء الذي هاجمه الطيران الإسرائيلي يستخدم «طريق إمداد رئيسياً لإيصال الأسلحة الإيرانية من إيران إلى اليمن، بدءاً بالمسيّرة التي استخدمت في الهجوم صباح الجمعة» في تل أبيب.

وأكد هاغاري أن ضربات السبت «نفذها الجيش الإسرائيلي بمفرده»، رغم أن الحوثيين يهاجمون أيضاً «دولاً أخرى»، موضحاً أن إسرائيل «أبلغت أصدقاءها» بالأمر.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مداخلة متلفزة: «لدي رسالة لأعداء إسرائيل: لا تخطئوا. سندافع عن أنفسنا بكل الوسائل، على كل الجبهات. أي طرف يهاجمنا فسيدفع ثمناً باهظاً جداً لعدوانه».

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في بيان إثر الضربات: «إن دماء المواطنين الإسرائيليين لها ثمن»، عادّاً أن «هذا الأمر تم إثباته بوضوح في لبنان وغزة واليمن وأماكن أخرى. إذا تجرأوا على مهاجمتنا فالنتيجة ستكون هي نفسها».

وأضاف غالانت أن «النيران التي تندلع الآن في الحديدة يمكن رؤيتها في كل أنحاء الشرق الأوسط ودلالتها واضحة».

وبعد هجوم بمسيّرة الجمعة في وسط تل أبيب، توعد غالانت بالرد على الحوثيين المدعومين من إيران.

وبعد أشهر من الهجمات على سفن قبالة اليمن وفي البحر الأحمر وخليج عدن، توعد الحوثيون، حلفاء حركة حماس في حربها ضد إسرائيل في غزة، بأن يجعلوا من تل أبيب «هدفاً رئيسياً» في هجماتهم المقبلة.