استراتيجية «حزب الله» الانتقامية: تصعيد مدروس بخسائر محدودة

تراجع المواجهات في الجنوب بعد توتّر كبير على خلفية اغتيال قيادي في الحزب

خلال تشييع القيادي في «حزب الله» نعمة ناصر الذي اغتالته إسرائيل باستهداف سيارته يوم الأربعاء (د.ب.أ)
خلال تشييع القيادي في «حزب الله» نعمة ناصر الذي اغتالته إسرائيل باستهداف سيارته يوم الأربعاء (د.ب.أ)
TT

استراتيجية «حزب الله» الانتقامية: تصعيد مدروس بخسائر محدودة

خلال تشييع القيادي في «حزب الله» نعمة ناصر الذي اغتالته إسرائيل باستهداف سيارته يوم الأربعاء (د.ب.أ)
خلال تشييع القيادي في «حزب الله» نعمة ناصر الذي اغتالته إسرائيل باستهداف سيارته يوم الأربعاء (د.ب.أ)

تراجعت المواجهات على جبهة الجنوب بشكل ملحوظ، الجمعة، بعد يوم تصعيدي غير مسبوق، إثر اغتيال القيادي في «حزب الله» نعمة ناصر، الذي أدى إلى تكثيف عمليات الحزب انتقاماً وتنفيذ عمليات إطلاق الصواريخ والمسيّرات.

وتعكس عودة الهدوء الحذر إلى الجبهة، وفق خبراء القرار الإيراني عدم الانزلاق إلى الحرب، وهو يأتي ضمن سياق الاستراتيجية التي يتّبعها الحزب بعد كل عملية اغتيال تطال عناصر أو قياديين له بحيث يأتي الرد بحسب مستوى الشخصية، لكن ضمن إطار قواعد الاشتباك بخسائر محدودة في الجانب الآخر لا تعطي الذريعة لإسرائيل بتوسيع الحرب.

وهذا الأمر يتحدث عنه رئيس مركز «الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري - أنيجما» رياض قهوجي، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «(حزب الله) وضع نفسه في مأزق حين فتح جبهة الجنوب ضمن استراتيجية وحدة الساحات التي وضعتها إيران وربط وقف إطلاق النار في هذه الجبهة بوقف إطلاق النار في غزة، حيث لا تريد الحكومة الإسرائيلية وقف الحرب لأسباب خاصة برئيسها، وبالتالي الحرب التي ستدخل الشهر العاشر في لبنان ستبقى مستمرة إلى حين التوصل إلى اتفاق في غزة». ويضيف: «الحزب لا يريد الدخول في حرب كبيرة بناءً على القرار الإيراني، وهو بالتالي محكوم بقواعد اشتباك مدروسة وضعها لنفسه، في حين أن الإسرائيلي لا يتقيد بقواعد اشتباك معينة وينتهز الفرصة لاستنزاف الحزب، لا سيما عبر اغتيال قياداته»، معتبراً أن «المقاومة» تقوم برد استعراضي بعد كل عملية اغتيال، و«المائتي صاروخ وقصف معسكرات وقواعد عسكرية تطلق من دون نتائج تذكر باستثناء سقوط جريح هنا وآخر هناك، وإصابة مبنى أو اثنين في حين معظم الصواريخ تدمّر في الهواء أو تسقط في أحراج، وبالتالي لا يوازي ردّ الحزب مستوى الشخصية التي يتم اغتيالها». من هنا، يرى قهوجي أن «هذه الاستراتيجية سنراها في كل مرة يتم اغتيال شخصية في (حزب الله)، والمرجح استمرارها لأشهر مقبلة، في موازاة استمرار التحذيرات من الانزلاق إلى حرب».

والقرار الإيراني بالحرب تحدث عنه، الخميس، وكيل وزارة الخارجية الأميركية السفير ديفيد هيل قائلاً لقناة «سكاي نيوز»: «الضابط الرئيسي لما يحصل على جبهة في لبنان ليس في بيروت إنما في طهران»، مشدداً على أنه «ليس من مصلحة أحد أن يكون هناك حرب غير مسيطر عليها في هذه المرحلة».

وسُجّل صباح الجمعة قصف متقطع طال بلدات جنوبية وأدى إلى سقوط جريح بعدما كان أُعلن عن إصابة سيدة مساء الخميس، في وقت لم تؤكد فيه رسمياً إسرائيل المعلومات التي نقلتها «سكاي نيوز عربية» عن الجيش الإسرائيلي، مساء الخميس، متحدثة عن مقتل ضابط إسرائيلي شمالاً في ضربة لـ«حزب الله».

ولفتت إلى أن الضابط قُتل بصاروخ أطلقه «حزب الله»، في خضم هجوم كبير شنّه الحزب من الأراضي اللبنانية»، وهو برتبة رائد احتياط يدعى إيتاي جاليا (38 عاماً)، وهو نائب قائد سرية في الوحدة 8679 التابعة للواء المدرع الاحتياطي «يفتاح».

وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بأن الطيـران الإسـرائيلي المسيّر قصف محيط ساحة بلدة مركبا، مشيرة إلى سقوط جريح، بعد ساعات على إصابة المواطنة نيفين غانم، إثر استهداف قوات العدو منزلها في بلدة شبعا، حيث نُقلت إلى المستشفى للعلاج.

سيدة تدخّن النرجيلة وأخرى ترفع شارة النصر على أنقاض أحد المنازل المدمرة في جنوب لبنان (أ.ب)

كما شنّ الطيران الإسرائيلي غارة مستهدفاً مرتفعات كسارة العروش في منطقة إقليم التفاح وغارة على الجبل الرفيع في جبل الريحان بمنطقة جزين، التي سبق أن استهدفها القصف الإسرائيلي مرات عدّة.

في المقابل، أعلنت «المقاومة الإسلامية» في بيانات متتالية عن استهدافها موقعي السماقة والرمثا في تلال كفرشوبا وموقع راميا.


مقالات ذات صلة

«حزب الله» يتجنّب استدراج إسرائيل لتوسعة الحرب بتركيز ردوده على الجولان

المشرق العربي أرشيفية لموقع إسرائيلي في الجولان تعرض لهجوم بصواريخ أطلقها «حزب الله» من جنوب لبنان (أ.ب)

«حزب الله» يتجنّب استدراج إسرائيل لتوسعة الحرب بتركيز ردوده على الجولان

يسعى «حزب الله» لتجنب توسعة الحرب مع إسرائيل، عبر تركيز ردوده على الغارات الإسرائيلية بالعمق اللبناني، باستهداف منشآت إسرائيلية في هضبة الجولان السورية المحتلة.

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي موقوفون سوريون لدى الجيش اللبناني ضمن الموجة الأخيرة من النازحين إلى لبنان (الشرق الأوسط)

تطورات شمال سوريا تدفع موجة جديدة من النازحين إلى لبنان

تتدفق موجة جديدة من النازحين السوريين إلى الأراضي اللبنانية، يتحدر معظمهم من مناطق شمال سوريا بعد توترات شهدتها المنطقة بين السوريين والجيش التركي.

حسين درويش (بعلبك (شرق لبنان))
شؤون إقليمية أرشيفية لموقع إسرائيلي في الجولان تعرض لهجوم بصواريخ أطلقها «حزب الله» من جنوب لبنان (أ.ب)

«حزب الله» يستهدف مركز استطلاع إسرائيلياً بجبل حرمون في الجولان

أعلن «حزب الله» اللبناني، مساء أمس (الأحد)، أنه هاجم بمسيرات مركز استطلاع تقنياً وإلكترونياً إسرائيلياً في جبل حرمون، شمال مرتفعات الجولان المحتلة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بري لـ «الشرق الأوسط» : حوار جامع ينهي الشغور الرئاسي اللبناني

بري لـ «الشرق الأوسط» : حوار جامع ينهي الشغور الرئاسي اللبناني

أكد رئيس المجلس النيابي اللبناني، نبيه بري، أنه يرفض دعوة النواب إلى الحوار أو التشاور بمن حضر، لإخراج انتخاب رئيس الجمهورية من الدوران في حلقة مفرغة.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي امرأة من جنوب لبنان تسير أمام آليات لـ«يونيفيل» في مدينة صور خلال تقديم رعاية صحية للنازحين من جنوب لبنان (إ.ب.أ) play-circle 00:42

تصعيد جنوب لبنان يسابق محادثات أممية في تل أبيب

يسابق التصعيد العسكري في جنوب لبنان، الذي بلغ مدى أعمق على ضفتي الحدود، المساعي الدبلوماسية التي تقوم بها الأمم المتحدة؛ لمعالجة البنود العالقة في القرار 1701.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

إشارات باردة من دمشق حيال التقارب السوري - التركي

لقاء رجب طيب إردوغان وبشار الأسد في دمشق مايو 2008 (أ.ب)
لقاء رجب طيب إردوغان وبشار الأسد في دمشق مايو 2008 (أ.ب)
TT

إشارات باردة من دمشق حيال التقارب السوري - التركي

لقاء رجب طيب إردوغان وبشار الأسد في دمشق مايو 2008 (أ.ب)
لقاء رجب طيب إردوغان وبشار الأسد في دمشق مايو 2008 (أ.ب)

رغم عدم صدور رد رسمي واضح من دمشق حتى الآن على التصريحات التركية المرنة بخصوص ملف «التقارب السوري - التركي»، التي أوحت بقرب تثمير الحركة الدبلوماسية الجارية على خط موسكو - أنقرة مع مساعٍ عربية، فإن إشارات باردة بدأت تأتي من دمشق لتعيد الملف إلى المربع الأول، وهو «الحصول على ضمانات بانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، شرطاً للتقارب مع أنقرة».

طفل يتابع مرور مركبة عسكرية تركية خلال احتجاجات الباب شمال سوريا في 1 يوليو (أ.ف.ب)

وفي تقريرها يوم الاثنين، قالت صحيفة «الوطن» السورية القريبة من الحكومة، إن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان «أطلق ما يحلو له من تصريحات بشأن التقارب مع سوريا»، لكنه «تعمد» عدم الإتيان على ذكر «احتلال بلاده للأراضي السورية، ورفض إطلاق أي تصريح يوحي بإمكانية انسحاب قواته من الأراضي السورية المحتلة شمالاً»، بحسب «الوطن» التي رأت في ذلك «تجاهلاً» للمطالب السورية الواضحة بخصوص «احتلال أراضيها والإعلان علانية عن نية الانسحاب منها، والإشارة بالاسم إلى التنظيمات الإرهابية».

جنديان تركيان في أثناء دورية بمنطقة الجدار الحدودي بين تركيا وسوريا (وزارة الدفاع التركية)

مضمون التقرير يعني بحسب الصحيفة السورية، أن «أنقرة لا تبدو جاهزة لتنفيذ هذه المطالب». وكانت «الوطن» قد نقلت في وقت سابق عن مصادر متابعة في دمشق، قولها إن هناك «اتصالات مستمرة مع موسكو وعواصم عربية، تضمن أن يخرج أي لقاء مع الجانب التركي بـ(تعهد واضح وصريح وعلني بالانسحاب من كامل الأراضي السورية التي يحتلها الجيش التركي، ومن لف لفيفه وفق أجندة محددة زمنياً»، واعتبار ذلك «قاعدة أساسية يمكن البناء عليها للبحث في المتبقي من الملفات».

تشييع 7 قتلى سقطوا برصاص القوات التركية في ريف حلب الشمالي الأسبوع الماضي (الشرق الأوسط)

مصادر متابعة في دمشق قالت لـ«الشرق الأوسط»، إن الملف السوري - التركي لم ينضج بعد، وإن أظهرت التصريحات التركية خلال اليومين الماضيين عكس ذلك، حتى لو توفرت الإرادة السورية - التركية لتحقيق التقارب، لأن هذا الملف مرتبط بعدة ملفات أخرى شائكة ومعقدة، منها ملف إعادة اللاجئين إلى سوريا، علماً بأن عدد المسجلين منهم في تركيا يقدر بأكثر من 3 ملايين لاجئ. كذلك ملف العلاقة مع الإدارة الذاتية، وملف الفصائل المسلحة المحلية في الشمال، وملف المقاتلين الأجانب.

وأضافت المصادر أن تحقيق تقدم على مسار التقارب السوري - التركي، يرتب على الطرفين تقديم تنازلات للأطراف الأخرى، أو التوصل إلى تسويات معها تضمن استقرار المنطقة اللازم لتثمير التقارب «إن حصل». ورأت المصادر أن «الأرض لا تزال غير جاهزة».

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تباحث مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان، على هامش قمة منظمة «شنغهاي» للتعاون، إجراء اجتماع يتعلق بتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق في تركيا، وفق وكالة «تاس» الروسية التي نقلت عن الرئيس التركي، قوله إن «بوتين يدرس خيار عقد اجتماع في تركيا، ولرئيس وزراء العراق أيضاً نهجه الخاص إزاء هذه القضية، نحن نتحدث دائماً عن الوساطة، ولكن لماذا لا يستطيع جيراننا أن يكونوا وسطاء؟».

وصرح إردوغان في طريق عودته من برلين إلى أنقرة، الأحد: «سنوجه دعوتنا إلى الرئيس الأسد وقد تكون في أي لحظة، ونأمل في أن نعيد العلاقات التركية - السورية إلى ما كانت عليه في الماضي»، مشيراً إلى أن أنقرة تنتظر خطوة من دمشق، لتعود وتوضح الرئاسة التركية، اليوم (الاثنين)، أنه «ليس لديها أي معلومات حول موعد ومكان لقاء الأسد وإردوغان»، وفق وسائل الإعلام التركية.

التصريحات التركية المرنة تجاه دمشق خلال الأيام الماضية، لم تلقَ ترحيباً من السوريين المعارضين وخرجت مظاهرات حاشدة منذ مطلع الشهر الحالي ضد توجهات الحكومة التركية في مناطق سيطرتها «درع الفرات ونبع السلام وغصن الزيتون داخل الأراضي السورية، أسفرت عن مقتل 7 أشخاص»، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي قال إن المظاهرات الشعبية المناهضة لتركيا (في الشمال السوري)، التي امتدت إلى مناطق سيطرة هيئة «تحرير الشام» أنهيت بإجراءات تعسفية، عبر «شن حملة اعتقالات واسعة ضد المشاركين في المظاهرات، وإجبار بعض المعتقلين على الظهور بمقاطع مصورة وخلفهم العلم التركي وهم يقدمون الاعتذار للحكومة التركية والشعب التركي لقيامهم بحرق وطمس العلم التركي».

احتجاجات لسوريين أمام باب السلامة الحدودي مع تركيا يوم الاثنين (رويترز)

في سياق آخر، أفاد المرصد، الاثنين، بأن المعابر الحدودية الفاصلة بين سوريا وتركيا استؤنف فتحها أمام الحركة التجارية وعبور المدنيين بشكل طبيعي، وهي معابر الراعي - الحمام - تل أبيض - جرابلس. كما استأنف معبر باب السلامة دخول الشاحنات التجارية فقط، بعد إقدام الجانب التركي على إغلاقه «عمداً» بسبب تصاعد وتيرة الأحداث في مناطق سيطرته داخل الأراضي السورية.

في السياق، أفاد المرصد بعودة خطوط الإنترنت من جديد إلى الخدمة بشكل طبيعي في جميع المناطق شمال حلب، بعد انقطاعها عقب الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها المنطقة في ردة فعل غاضبة على استهداف سوريين لاجئين في تركيا.