ذكرى «30 يونيو» بمصر... «الإخوان» في «تيه» بعد سقوط تاريخي

مئات الآلاف من المصريين قرب القصر الرئاسي شرق القاهرة في يونيو 2013 للتظاهر ضد حكم الرئيس الراحل محمد مرسي (أرشيفية - أ.ف.ب)
مئات الآلاف من المصريين قرب القصر الرئاسي شرق القاهرة في يونيو 2013 للتظاهر ضد حكم الرئيس الراحل محمد مرسي (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

ذكرى «30 يونيو» بمصر... «الإخوان» في «تيه» بعد سقوط تاريخي

مئات الآلاف من المصريين قرب القصر الرئاسي شرق القاهرة في يونيو 2013 للتظاهر ضد حكم الرئيس الراحل محمد مرسي (أرشيفية - أ.ف.ب)
مئات الآلاف من المصريين قرب القصر الرئاسي شرق القاهرة في يونيو 2013 للتظاهر ضد حكم الرئيس الراحل محمد مرسي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عام 11 عاماً من «سقوطها التاريخي»، خلال انتفاضة 30 يونيو (حزيران) 2013، تعيش جماعة «الإخوان المسلمين» المصرية، حالة من «التشرذم والتيه»، ما بين محاكمات محلية وملاحقات دولية وخلافات تنظيمية داخلية.

ويرى خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، أن الجماعة، التي حظرتها السلطات المصرية، وعدَّتها «تنظيماً إرهابياً»، بشكل رسمي عام 2014، تعيش حالة «موت سريري بعد سقوط تاريخي» أسهمت فيه حالة الانقسامات والصراعات بين قياداتها وسجن رموزها، متوقعين استمرار أفول نجمها وبألا تسمح السلطات المصرية بأي مسار عودة يُنقذها من حالة «التيه».

فبعد عام من وصول الإخوان في 2012 إلى كرسي الرئاسة، عبر مرشحهم محمد مرسي، خرج ملايين المصريين في 30 يونيو (حزيران) 2013، مطالبين برحيلهم، ومع تمسك الجماعة، برفض خيار الانتخابات المبكرة، سقط التنظيم وحوكم قياداته وكوادره بتهم مرتبطة بـ«التخابر وارتكاب عنف والتحريض عليه».

ومع خروجهم من الحكم، خرج آلاف من المنتمين للجماعة خارج مصر، ودشنوا منابر معادية للسلطات المصرية وحافظوا على منصات متلفزة وأخرى بمواقع التواصل الاجتماعي، لبثِّ ما عدّته السلطات «تحريضاً يومياً»، قبل أن تشهد الجماعة انقساماً تنظيمياً وفكرياً أدى إلى ظهور 3 مجموعات كلٌّ منها يدَّعي أنه القيادة وأن مَن سواه خارج عنها ولا يحمل اسمها.

ووسط هذا الانشطار التنظيمي بالخارج، دخل التنظيم «حالة العدم» في مصر، بعد حظره وملاحقة قياداته، ومع رفض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إجراء أي مصالحة معه، ووصفه المنتمين إليه بأنهم «أهل الشر».

وعلى مدار الـ11 عاماً، واجه «الإخوان» مئات القضايا في محاكمات طالت أعداداً كبيرة من قياداتها وكوادرها في مقدمتهم، مرشدها العام محمد بديع الذي نال في مارس (آذار) الماضي، حكماً نهائياً بالإعدام، سبقه 12 حكماً ضده تشمل السجن لسنوات تصل إلى 25 عاماً.

كما توفي محمد مرسي في أثناء جلسة من جلسات محاكمته عام 2019 بعد ست سنوات أمضاها في السجن.

وتحل الذكرى الـ11 لـ«30 يونيو»، و«الإخوان» تنكمش خارجياً، وينحسر تأثيرها في مسارات إعلامية ومنصات تحرض ضد السلطات المصرية.

تقول العميدة السابقة لكلية الإعلام بجامعة القاهرة الدكتورة ليلى عبد المجيد، لـ«الشرق الأوسط»، إن «جماعة الإخوان، لعبت قبل (30 يونيو) على مسارات الإعلام ومنصات التواصل في التجنيد والحشد، وبعد نجاح (30 يونيو) بدأت الجماعة مرحلة ثانية، انتهجت خلالها نهج عمليات العنف، مع نشر التحريض والتشكيك ضد الدولة عبر تلك المسارات مستغلين الأزمات الاقتصادية نتيجة الظروف العالمية والدولية».

وتراجع دعم عدد من الدول التي لجأ عناصر «الإخوان» إليها، وتكفلت جهود سياسية ودبلوماسية مصرية بتضييق الخناق على وجود الجماعة في تلك الدول.

فمن الاستقبال والترحاب صيف 2013، إلى دعم مشروط، ثم طلبات للمغادرة في السنوات الأخيرة... كان هذا هو حال الجماعة في تركيا وقطر، وسط أحاديث تنقلها منصات موالية للجماعة عن «خروج أعداد من قيادات ورموز التنظيم بالخارج من البلدين»، إلى جانب إغلاق قنوات مناصرة للجماعة، مثل «مكلمين» التي كان مقرها في إسطنبول، واستقرارها جميعا في لندن، بعد تحفظات تركية وقطرية على توجيه عناصر الجماعة انتقادات إلى السلطات المصرية.

انهيار مستمر

ولم تعرف الجماعة سقوطاً منذ تأسيسها في مصر عام 1928، مثل الذي فعلته انتفاضة 30 يونيو (حزيران) 2013، إذ لأول مرة يجري «إسقاطهم شعبياً»، بعيداً عن قرارات السلطات المصرية السابقة بالحل أو توقيف النشاط، كما يقول الباحث في شؤون جماعات الإسلام السياسي، ماهر فرغلي.

فرغلي، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «تنظيم الإخوان انهار داخل مصر، وجزء كبير منه داخل السجن وخارج البلاد»، لافتاً إلى أن «الموجودين من التنظيم خارج البلاد في حالة تشظٍّ وأجندات مختلفات وصراعات مالية وتنظيمية».

ويرى أن «بقاء التنظيم بين الاستقطاب الداخلي في صراعات التنظيم والسقوط التاريخي لها بمصر والانهيار، يؤكد أنه سيعاني مستقبلاً وسيبقى غائباً عن الساحة المصرية دون أن يرى هدنة أو مصالحة من السلطات بمصر». ولا يتوقع أي تغيير في أفكار الجماعة مستقبلاً، واستمرار انهيارها على المستويات كافة.

موت سريري

متفقاً معه، يرى الباحث المصري في شؤون الجماعات وحركات الإسلام السياسي، أحمد بان، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «مجرد اعتبار الجماعة في حالة تيه يعني أنه يمكن أن تكون هناك حياة للتنظيم مستقبلاً بعد أن يفكر، لكن الصحيح أن التنظيم في حالة من الموت السريري ويعيش مرحلة أفول ونهاية».

ولا يعتقد بان أيضاً أن الجماعة في حالة كمون اضطراري أو اختياري، موضحاً أن «هذا أيضاً يعني قدرة التنظيم على التعافي والعودة، والحقيقية أننا إزاء جماعة عقلها غائب، وتشهد انقسامات تنظيمية أدت إلى ظهور ثلاثة كيانات أو أكثر خارج البلاد».

ولا يتوقع بان أن «يتعافى تنظيم الإخوان مما وضع نفسه فيه بعد سقوطه المدوِّي والتاريخي الذي شارك في صنعه بيده».

ويرى أن «التنظيم في ظل هذه الانقسامات لا يمكن أن يكون له مستقبل وعودة لمسار القيادة المركزية الصارمة، التي اكتسبت الجماعة فاعلية بسببها لسنوات طويلة، وبالتالي لا يتوقع لهذا التنظيم أي فعل مؤثر في المدى المنظور».

ويعتقد أن حرص الجماعة على إبقاء منصة إعلامية لها، جزء من معركتها التي تعمل فيها على التشكيك في كل الأنظمة، ولا تستطيع تركها، مستدركاً: «لكنَّ هذا لا يعني قدرةَ لها على التأثير أو تغيير المشهد».

كابوس الإخوان

مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، اللواء محمد نور الدين، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «الإخوان جماعة إرهابية استطاعت ثورة 30 يونيو أن تكشف حقيقتها الإرهابية في عملياتها مع جماعات أخرى في سيناء وضد المساجد والكنائس».

ويعتقد أن الجماعة «انتهى جناحها الإرهابي داخل مصر مع توالى العمليات الأمنية ضدهم ولا مستقبل لها بالبلاد، ولن يلاقوا ظهيراً شعبياً مرة أخرى مهما كانت الأزمات، وحالياً تنشط من الخارج عبر كتائب إلكترونية للتشكيك في جميع مؤسسات الدولة مستغلّين الأزمة الاقتصادية».

ويقترح أن «تتواصل جهود مواجهة الجماعة على المستوى الإعلامي والفكري وعبر الأزهر والكنيسة جنباً إلى جنب مع الضربات الأمنية، حتى يُقضى تماماً على كابوس الإخوان للنهاية».


مقالات ذات صلة

ضبط أجهزة كومبيوتر محمولة وأموال خلال مداهمة مقرّ جمعية إسلامية محظورة بألمانيا

أوروبا العلم الألماني في العاصمة برلين (أ.ب)

ضبط أجهزة كومبيوتر محمولة وأموال خلال مداهمة مقرّ جمعية إسلامية محظورة بألمانيا

صادرت الشرطة الألمانية أجهزة كومبيوتر محمولة وأموالاً، خلال عمليات مداهمة استهدفت جمعية إسلامية تم حظرها حديثاً، ويقع مقرّها خارج برلين.

«الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا طارق رمضان يغادر المحكمة مع محاميه ثيو بادان (أرشيفية- أ.ف.ب)

محكمة سويسرية تقضي بسجن طارق رمضان 3 سنوات بتهمة الاغتصاب

قضت محكمة استئناف سويسرية بسجن طارق رمضان، حفيد حسن البنا مؤسس جماعة «الإخوان المسلمين»، 3 سنوات، منها سنة مع النفاذ.

«الشرق الأوسط» (جنيف )
شمال افريقيا محاكمة سابقة لمتهمين من «الإخوان» في «أحداث عنف» بمصر (أ.ف.ب)

مصر: الإعدام لمدان بقتل شرطي خلال احتجاجات «عزل مرسي»

قضت محكمة مصرية، الثلاثاء، بالإعدام لشخص أدين في القضية المعروفة إعلامياً بـ«مقتل اللواء نبيل فراج»، مساعد مدير أمن الجيزة في كرداسة (غرب القاهرة).

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية جانب من استقبال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لنظيره التركي رجب طيب إردوغان في القاهرة يوم 14 فبراير الماضي (الرئاسة التركية)

الإعلام التركي يبدي اهتماماً واسعاً بزيارة السيسي المرتقبة لأنقرة

تحظى الزيارة المرتقبة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لتركيا بترقب كبير واهتمام واسع، عبَّرت عنه وسائل الإعلام التركية على مختلف توجهاتها.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شمال افريقيا مرشد الجماعة محمد بديع خلال إحدى جلسات محاكمته في وقت سابق بمصر (أرشيفية)

«محاولة للخروج من العزلة»... «الداخلية المصرية» ترد على «مزاعم توبة الإخوان»

نفت وزارة الداخلية المصرية تلقيها أي رسائل من أعضاء بجماعة الإخوان المسلمين داخل السجون يعلنون خلالها «انشقاقهم» عن الجماعة المحظورة.

محمد عجم (القاهرة)

«أوقفوا القصف»... الآلاف يتظاهرون في العالم دعماً لغزة بعد عام على بدء الحرب (صور)

متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يسيرون إلى داونينج ستريت (إ.ب.أ)
متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يسيرون إلى داونينج ستريت (إ.ب.أ)
TT

«أوقفوا القصف»... الآلاف يتظاهرون في العالم دعماً لغزة بعد عام على بدء الحرب (صور)

متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يسيرون إلى داونينج ستريت (إ.ب.أ)
متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يسيرون إلى داونينج ستريت (إ.ب.أ)

خرج آلاف المتظاهرين إلى الشوارع في عدة مدن رئيسية حول العالم، السبت، للمطالبة بوقف إراقة الدماء في قطاع غزة مع اقتراب حلول الذكرى السنوية الأولى للصراع في الجيب الساحلي، واتساع نطاقه في المنطقة.

وشارك نحو 40 ألف متظاهر في مسيرة وسط لندن، وتجمع آلاف آخرون في باريس وروما ومانيلا وكيب تاون.

واندلعت أحدث حرب في القطاع، بعدما هاجم مسلحون تقودهم حركة المقامة الإسلامية الفلسطينية (حماس) جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وأسفر الهجوم عن مقتل 1200 شخص، واحتجاز 250 رهينة، وفقاً لإحصاءات إسرائيلية.

جانب من المظاهرة (رويترز)

وقتل الهجوم الإسرائيلي اللاحق على غزة ما يقرب من 42 ألف فلسطيني، وفقاً لوزارة الصحة في القطاع، فضلاً عن تشريد كل السكان تقريباً البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة.

وقالت المتظاهرة أجنيز كوري، في لندن: «للأسف ورغم حسن نياتنا، لا تعبأ الحكومة الإسرائيلية بشيء، وهي ماضية ومستمرة في أعمالها الوحشية في غزة، والآن في لبنان وفي اليمن، وربما أيضاً قد تحدث في إيران».

وأضافت: «حكومتنا البريطانية، للأسف، توافق على ذلك، وتستمر في تزويد إسرائيل بالأسلحة».

متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يسيرون إلى داونينج ستريت (إ.ب.أ)

وفي برلين، شارك مؤيدون لإسرائيل في احتجاج على تنامي معاداة السامية، واندلعت مناوشات بين الشرطة وأشخاص يعارضون احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين.

وعلى مدار العام الماضي، أثار حجم القتل والدمار في غزة بعضاً من أكبر الاحتجاجات على مستوى العالم منذ سنوات، في موجة من الغضب قال مدافعون عن إسرائيل إنها خلقت مناخاً معادياً للسامية.

جانب من المظاهرة (إ.ب.أ)

واتسع نطاق حرب غزة في المنطقة، إذ استقطبت جماعات متحالفة مع إيران في لبنان واليمن والعراق. كما صعدت إسرائيل بشكل حاد حملتها ضد جماعة «حزب الله» اللبنانية المدعومة من طهران في الأسابيع القليلة الماضية، وأطلقت إيران وابلاً من الصواريخ على إسرائيل الأسبوع الماضي.

وفي باريس، قال المتظاهر اللبناني الفرنسي حسام حسين: «نخشى اندلاع حرب إقليمية؛ لأن هناك توترات مع إيران في الوقت الراهن، وربما مع العراق واليمن».

وأضاف: «نحن بحاجة حقاً إلى وقف الحرب، لأنه لا يمكن تحمل وطأتها بعد الآن».

جانب من المظاهرة (رويترز)

وفي روما، لوّح نحو 6 آلاف متظاهر بالأعلام الفلسطينية واللبنانية، في تحدٍّ لحظر على التظاهر في وسط المدينة قبل الذكرى السنوية لاندلاع الحرب في السابع من أكتوبر.

وفي حين يقول حلفاء إسرائيل، مثل الولايات المتحدة، إنهم يؤيدون حقها في الدفاع عن نفسها، تواجه إسرائيل تنديدات دولية واسعة النطاق بسبب أفعالها في غزة، والآن بسبب قصفها للبنان.

ورفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الانتقادات، وقال إن طريقة حكومته في إدارة الحرب تهدف لمنع تكرار الهجوم الذي شنته «حماس» قبل عام تقريباً.

علم لبنان في مظاهرة في روما (رويترز)

وفشلت الدبلوماسية الدولية التي تقودها الولايات المتحدة حتى الآن في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، فـ«حماس» تريد اتفاقاً ينهي الحرب، في حين تقول إسرائيل إن القتال لن ينتهي إلا بالقضاء على الحركة الفلسطينية.

وفي مانيلا، اشتبك ناشطون مع شرطة مكافحة الشغب، بعد منعهم من تنظيم مظاهرة أمام السفارة الأميركية في العاصمة الفلبينية، احتجاجاً على دعم الولايات المتحدة لإسرائيل بالأسلحة.

ومن المقرر أن تخرج مظاهرات في وقت لاحق من، السبت، في مناطق أخرى حول العالم، منها الولايات المتحدة وتشيلي لإحياء الذكرى الأولى لحرب غزة. كما ستنظم بعض المظاهرات الداعمة لإسرائيل مطلع الأسبوع.