عقوبات أميركية على جماعة إسرائيلية متطرفة في الضفة

واشنطن قدّمت لتل أبيب معلومات استخباراتية منذ بدء الحرب... وقبل إطلاق الرهائن في غزة

شاحنات مساعدات للفلسطينيين هاجمها مستوطنون متطرفون قرب الخليل بالضفة الغربية في 14 مايو الماضي (رويترز)
شاحنات مساعدات للفلسطينيين هاجمها مستوطنون متطرفون قرب الخليل بالضفة الغربية في 14 مايو الماضي (رويترز)
TT

عقوبات أميركية على جماعة إسرائيلية متطرفة في الضفة

شاحنات مساعدات للفلسطينيين هاجمها مستوطنون متطرفون قرب الخليل بالضفة الغربية في 14 مايو الماضي (رويترز)
شاحنات مساعدات للفلسطينيين هاجمها مستوطنون متطرفون قرب الخليل بالضفة الغربية في 14 مايو الماضي (رويترز)

أعلنت إدارة الرئيس جو بايدن فرض عقوبات على مجموعة «تساف 9» الإسرائيلية ذات الصلة بجنود الاحتياط والمستوطنين في الضفة الغربية بسبب مهاجمتها قوافل المساعدات المخصصة للمدنيين الفلسطينيين الذين يتضورون جوعاً في غزة. وجاء ذلك بينما كشف مسؤولون تفاصيل استخبارية مثيرة عن عمق المعلومات التي قدمتها الولايات المتحدة لإسرائيل قبل عملية إنقاذ الرهائن في النصيرات بوسط قطاع غزة، نهاية الأسبوع الماضي.

وفي خطوة هي الأحدث ضد الجهات المتطرفة التي تعتقد أنها تهدد فرص السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فرضت الولايات المتحدة عقوبات مالية، بموجب أمر تنفيذي وقّعه الرئيس بايدن، في فبراير (شباط) الماضي، بشأن أعمال العنف في الضفة الغربية، والذي كان يُستخدم في السابق لفرض قيود مالية على المستوطنين المتورطين في هجمات على الفلسطينيين، وكذلك على جماعة فلسطينية مسلَّحة. وقال مدير مكتب سياسة العقوبات لدى وزارة الخارجية، آرون فورسبرغ: «نستخدم السلطة لفرض عقوبات على مجموعة متزايدة باستمرار من الجهات الفاعلة، التي تستهدف الأفراد والكيانات التي تهدد السلام والأمن والاستقرار في الضفة الغربية، بغض النظر عن الدين أو العِرق أو الموقع». وزاد: «سنواصل استخدام كل الأدوات المتاحة لنا لتعزيز مساءلة أولئك الذين يحاولون القيام أو ارتكاب مثل هذه الأعمال الشنيعة. أثَرْنا هذا الأمر على كل مستويات الحكومة الإسرائيلية، ونتوقع أن تفعل السلطات الإسرائيلية الشيء نفسه».

فلسطينيون في خان يونس ينتظرون الحصول على مساعدات غذائية يوم 30 مايو الماضي (رويترز)

وكان أعضاء منظمة «تساف 9» (كلمة عبرية معناها «الأمر 9») قد نهبوا شاحنتين للمساعدات، في 13 مايو (أيار) الماضي، ثم أضرموا النيران فيهما قرب مدينة الخليل.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، ماثيو ميلر، إنه «على مدى أشهر، سعى أفراد من (تساف 9) مراراً إلى عرقلة تسليم المساعدات الإنسانية إلى غزة، بما في ذلك عن طريق إغلاق الطرق، وأحياناً بعنف، على طول طريقهم من الأردن إلى غزة، بما في ذلك عبور الضفة الغربية». وأضاف: «قاموا أيضاً بإتلاف شاحنات المساعدات، وإلقاء المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة على الطريق».

التعاون الاستخباري

وفي تحقيق موسع أعدّته صحيفة «واشنطن بوست»، استناداً إلى معلومات من عشرة مسؤولين استخباريين حاليين وسابقين أميركيين، ومن المخابرات الإسرائيلية في واشنطن والقدس وتل أبيب، فإن عملية إنقاذ الرهائن الأربع التي نفذتها القوات الإسرائيلية، السبت الماضي، في النصيرات بغزة، استوجبت «عملية ضخمة لجمع المعلومات الاستخبارية كانت الولايات المتحدة فيها الشريك الأكثر أهمية لإسرائيل»، كاشفة أن الولايات المتحدة قدمت «معلومات ثانوية تضمنت صوراً جويّة، مقارنة بما جمعته إسرائيل قبل العملية»، التي أدت إلى مقتل أكثر من 274 فلسطينياً، مما يجعلها واحدة من أكثر الأحداث دموية في الحرب المستمرة منذ ثمانية أشهر. وأكدت أنه منذ هجوم «حماس» ضد المستوطنات والكيبوتزات الإسرائيلية، في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، «كثّفت الولايات المتحدة جمع المعلومات الاستخبارية» عن الحركة في القطاع، كما «شاركت كمية غير عادية من لقطات المسيّرات، وصور الأقمار الاصطناعية، واعتراضات الاتصالات، وتحليل البيانات باستخدام برامج متقدمة، بعضها مدعوم ببرامج كومبيوترية متقدمة، والذكاء الاصطناعي»، مما أدى إلى «شراكة ذات حجم نادر في تبادل المعلومات الاستخبارية، حتى بالنسبة لدولتين عملتا تاريخياً معاً في مجالات ذات اهتمام مشترك، بما في ذلك مكافحة الإرهاب، ومنع إيران من تصنيع سلاح نووي».

شاشة في مكان عام بتل أبيب تظهر عليها الرهينة المحرَّرة نوا أرغماني وهي تعانق والدها يوم 10 يونيو الحالي (رويترز)

وذكّرت الصحيفة بما قاله مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، من أن واشنطن «قدمت مجموعة مكثفة من الأصول والقدرات والخبرات» لإسرائيل. وأكد سوليفان أن القوات الأميركية لم تشارك في مهمة إنقاذ الرهائن الأربع، لكن «قدّمنا ​​الدعم، بشكل عام، لقوات الدفاع الإسرائيلية؛ حتى نتمكن من محاولة إعادة جميع الرهائن إلى الوطن، وبينهم الأميركيون الذين لا يزالون محتجَزين».

قلق في «الكونغرس»

ونسبت الصحيفة إلى مسؤولين آخرين، وبينهم مُشرعون في الكونغرس، أنهم «يشعرون بالقلق من أن المعلومات الاستخبارية التي تقدمها الولايات المتحدة يمكن أن تشق طريقها إلى مستودعات البيانات التي تستخدمها القوات العسكرية الإسرائيلية لشن غارات جوية أو عمليات عسكرية أخرى»، علماً بأن «واشنطن ليست لديها وسائل فعالة لمراقبة كيفية قيام إسرائيل باستخدام المعلومات الأميركية»، لكنها نقلت عن مسؤولين إسرائيليين أن إدارة الرئيس جو بايدن «حددت استخدام المعلومات الاستخبارية فقط لتحديد مكان الرهائن، وثمانية منهم يحملون الجنسية الأميركية، بالإضافة إلى القيادة العليا لـ(حماس)، بما في ذلك المهندس المفترض لهجمات 7 أكتوبر يحيى السنوار، وقائد الجناح العسكري لـ(حماس) محمد ضيف»، وكلاهما مصنّف على أن «إرهابي» منذ عام 2015 على لوائح وزارة الخارجية الأميركية. وأكدت مقتل ثلاثة من الرهائن الأميركيين الثمانية، ولا تزال جثثهم في غزة.

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال لقاء بتل أبيب مع عائلات المحتجَزين الإسرائيليين في غزة يوم 11 يونيو الحالي (أ.ب)

وكشفت «واشنطن بوست» أنه منذ هجوم «حماس»، بدأ أفراد من قيادة العمليات الخاصة المشتركة للجيش الأميركي العمل «بشكل يومي» مع ضباط وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه» في محطتهم بإسرائيل، مذكّرة بأن وزارة الخارجية أوفدت مبعوثاً خاصاً للرهائن التقى علناً المسؤول الإسرائيلي الرئيسي الذي يشرف على جهود إنقاذ الرهائن، وكذلك يعمل عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي أيضاً في إسرائيل للتحقيق في هجمات «حماس» على المواطنين الأميركيين والمساعدة في جهود استعادة الرهائن.

قابلة للتنفيذ

في الأسابيع الأولى من الحرب، طلب المسؤولون الإسرائيليون من الولايات المتحدة «معلومات محددة، بالإضافة إلى تقنيات وخبرات لتحليل كميات كبيرة من الصور، وتركيب صور مختلفة لإنشاء مشهد أكثر تفصيلاً، بما في ذلك صور ثلاثية الأبعاد للتضاريس في غزة». ووفقاً لمسؤولين أميركيين، اعتمدت عملية إنقاذ الرهائن الناجحة، الأسبوع الماضي، على معلومات دقيقة قدّموها حول مكان وجودهم. وأضافت الصحيفة أن هذا المستوى من المعلومات الاستخبارية «القابلة للتنفيذ» هو ما «افتقرت إليه إسرائيل لسنوات في غزة، بسبب الاعتماد المفرط على التكنولوجيا والفشل في تجنيد شبكة من الجواسيس على الأرض».


مقالات ذات صلة

بعد مقتل نصر الله... مَن أبرز قادة «حزب الله» و«حماس» الذين اغتالتهم إسرائيل؟

المشرق العربي تجمع الناس ورجال الإنقاذ بالقرب من الأنقاض المشتعلة لمبنى دمر في غارة جوية إسرائيلية على مقر قيادة حزب الله (أ.ف.ب)

بعد مقتل نصر الله... مَن أبرز قادة «حزب الله» و«حماس» الذين اغتالتهم إسرائيل؟

مني «حزب الله» في لبنان وحركة «حماس» في غزة منذ اندلاع حرب غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بضربات قاسية استهدفت أبرز قياداتهما.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الخليج وزير الخارجية السعودي يتحدث خلال جلسة لمجلس الأمن بشأن غزة في نيويورك (الأمم المتحدة)

السعودية تدعو لشراكة جادة تحقق السلام في المنطقة

أكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أن بلاده تؤمن بأن تنفيذ حل الدولتين هو الأساس لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.

جبير الأنصاري (الرياض)
العالم العربي ممثل كوريا الجنوبية لدى الأمم المتحدة هوانغ جون-كوك يتحدث خلال جلسة مجلس الأمن (الأمم المتحدة)

كوريا الجنوبية تصف التصعيد في المنطقة بـ«غير المسبوق»

قال ممثل كوريا الجنوبية لدى الأمم المتحدة هوانغ جون-كوك، إن الضربة في الضاحية الجنوبية لبيروت «أدت إلى تعميق مشاغلنا»، واصفا التصعيد في المنطقة بـ«غير المسبوق».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الولايات المتحدة​ هاريس وزيلينسكي في البيت الأبيض في 26 سبتمبر 2024 (د.ب.أ)

اختلافات جوهرية في سياسات ترمب وهاريس الخارجية

استغلّ كل من ترمب وهاريس وجود قادة العالم في نيويورك لإثبات أهليتهما على صعيد السياسة الخارجية.

رنا أبتر (واشنطن)

ناجون من غارات الضاحية يفترشون الساحات العامة في بيروت

TT

ناجون من غارات الضاحية يفترشون الساحات العامة في بيروت

امرأة تساعد طفلها على الاغتسال في شارع بوسط بيروت إثر نزوحهم من الضاحية الجنوبية (إ.ب.أ)
امرأة تساعد طفلها على الاغتسال في شارع بوسط بيروت إثر نزوحهم من الضاحية الجنوبية (إ.ب.أ)

تنتظر فاطمة وأولادها الثلاثة عند الواجهة البحرية لبيروت مَن ينقلهم إلى مأوى مؤقت، بعد ساعات على نزوحها وعائلتها من الضاحية الجنوبية، إثر تهديد الجيش الإسرائيلي بقصف المنطقة. «لم ننم الليل.. ولم نجد مأوى، فانتظرنا هنا في العراء، ريثما نجد مأوى لنا».

وفاطمة واحدة من آلاف خرجوا من الضاحية، منتصف ليل الجمعة - السبت، بعد تهديد إسرائيل بقصفها. وضَّبت أغراض لأطفالها على عجل، ورافقت زوجها الذي كان قد أخرج السيارة من المرأب، إلى وجهة مجهولة. «لم نعرف إلى أين سنذهب»، تقول فاطمة: «فاخترنا بيروت لأنها المنطقة الأكثر أماناً والأقرب إلينا، لكننا لم نجد مأوى، فكان الشارع وجهتنا».

وكانت الضاحية، حتى مساء الجمعة، ملاذاً لقسم من النازحين من الجنوب، ومن آخرين من سكانها ترددوا في الخروج منها، تجنباً للجوء إلى مدارس عامة، خصوصاً أولئك الذين لا خيارات لهم، ويحول ارتفاع الأسعار دون استئجار منازل تفوق قدراتهم المالية. ويقول بعض النازحين من الضاحية إن الأبنية كانت تضم على الأقل 20 في المائة من سكانها، وخرجوا جميعاً لحظة إطلاق إسرائيل التهديد بقصف المنطقة.

لم تمضِ ساعة ونصف الساعة على التهديد، حتى بدأ القصف. يقول النازحون إن الناس كانت لا تزال عالقة بزحمة السير على مدخل الضاحية الشمالي على طريق صيدا القديمة، وعلى طريق الحدث، وعلى طريق المطار بالنسبة للخارجين باتجاه عرمون وبشامون على مدخل بيروت الجنوبي، وعلق بعضهم لنحو 4 ساعات على طريق المطار.

نازحون من الضاحية يفترشون الأرض في وسط بيروت (إ.ب.أ)

وكانت ساحات بيروت، وواجهتها البحرية، الوجهة الأكثر أماناً بالنسبة لكثيرين.

أمضى النازحون ليلتهم بالعراء، حيث افترشوا الكورنيش البحري، والساحات القريبة من منطقة البيال. صباح السبت، كانت السيارات محملة بالأفرشة وحقائب أغراض النازحين، وينام أطفال في بعضها، بينما النساء والرجال يقفون إلى جانبها، أو يفترشون الأرض بمحاذاتها.

يقول قاسم النازح من الضاحية إنه لم يجد خياراً غير الساحات العامة ليلجأ إليها. «عندي طفلان، نجوت بهما من القصف»، يقول لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً: «الوضع محزن. أين نذهب؟ ما خياراتنا؟ لا مكان آمن هنا».

قرب منطقة الزيتونة باي، يتظلل رجل ستيني بحائط مبنى فندق. وصل إلى المنطقة فجر السبت، ولم يرافقه أحد. يقول إنه استقل حافلة نقل عام باتجاه طريق صيدا القديمة، وسار قليلاً قبل أن يقلّه نازح أيضاً بسيارته. يقول: «فرضت إسرائيل علينا حرباً مفاجئة. عائلتي باتت في مكان آمن، لكنني كنت رافضاً للخروج من منزلي». يفكر الرجل بـ«تفاصيل صغيرة»، حسب قوله، مثل: «الخجل من تكرار الطلب من موظفي الفندق أو المطاعم المحاذية السماح لقضاء حاجتي في حماماتها»، وهي واحدة من تفاصيل يفكر بها النازحون الذين يصفون أنفسهم بـ«ناجين من الموت بالضاحية».

عائلات نازحة في الضاحية بساحة الشهداء في وسط بيروت (رويترز)

تتكرر المشاهد، وتتراكم المآسي جراء النزوح. يرى كثيرون أن السُبُل أُغلقت أمامهم، ويترددون في اللجوء إلى المدارس التي فتحت الدولة اللبنانية أبوابها أمام النازحين ليلجأوا إليها. يجلس أحد النازحين أمام مسجد الصفا في منطقة رأس النبع متألماً، ويقول: «لن أبقى هنا. سأعود إلى الجنوب. لن أُذلّ. الموت تحت ركام منزلي أهون عليَّ من انتظار رغيف خبز يقدمه لي أحد»، ويشير إلى أنه سيغادر الجنوب عائداً بعد صلاة الظهر.

ويكشف حجم الدمار ما أحدثته الغارات الإسرائيليّة على الضاحية الجنوبية مع ساعات الصباح الأولى. وأفادت وسائل إعلام محلية بأن شوارع الضاحية بدت فارغة إلا من بعض الحرائق التي كانت لا تزال مشتعلة، وركام المنازل والمحال التجارية.

وأعلنت المديرية العامة للدفاع المدني استشهاد أحد عناصرها، كما أن حالة عنصر آخر حرجة، خلال تنفيذهما مهمة إغاثة وإنقاذ ليل الجمعة – السبت، نظراً لكثافة الغارات الإسرائيلية التي طالت ضاحية بيروت الجنوبية.