«التمييز» العراقية تتصدى للمحكمة الاتحادية بمرافعة عن الصلاحيات

الحلبوسي «لن يعود إلى البرلمان هذه الدورة»... وخبراء يتوقعون «تغييرات سياسية كبرى»

أعضاء المحكمة الاتحادية في العراق (أرشيفية - إعلام القضاء)
أعضاء المحكمة الاتحادية في العراق (أرشيفية - إعلام القضاء)
TT

«التمييز» العراقية تتصدى للمحكمة الاتحادية بمرافعة عن الصلاحيات

أعضاء المحكمة الاتحادية في العراق (أرشيفية - إعلام القضاء)
أعضاء المحكمة الاتحادية في العراق (أرشيفية - إعلام القضاء)

أربك قرار غير مسبوق من محكمة التمييز العراقية المشهد السياسي والقانوني، بعدما أكدت «بطلان» أحكام سابقة أصدرتها المحكمة الاتحادية.

ونهاية الأسبوع الماضي، فاجأت محكمة التمييز الأوساط العراقية بقرار مطول من 5 صفحات سعى لتنظيم صلاحيات المحكمة الاتحادية، وتناول أحكاماً خلافية صدرت خلال الفترة الماضية، وهو أمر غير مسبوق؛ لأن الأخيرة غالباً ما تقول إن قراراتها «باتة وملزمة للجميع».

جانب من إحدى جلسات المحكمة الاتحادية العراقية (أرشيفية - موقع القضاء)

ومع أن طعن «التمييز» لا يرتبط مباشرة بقرار إقالة الحلبوسي بل بشأن قضائي صرف، لكن المراقبين أكدوا أن باب الجدل فُتح الآن على مصراعيه بشأن صلاحيات المحكمة الاتحادية، وإمكانية الطعن بقراراتها.

ويتوقع خبراء وسياسيون أن القرار الأخير يمثل أول مساجلة قانونية ضد المحكمة الاتحادية، وتوقعوا أن تبدأ نقاشات جادة لتشريع قانون خاص بالمحكمة الاتحادية وآلية الرقابة عليها، وتعيين قضاتها، حتى لا تتحول إلى جزيرة معزولة تخلق وضعاً سياسياً خارج السياقات، على حد تعبير قيادي في الإطار التنسيقي.

وقالت «التمييز»، إنها «الهيئة القضائية العليا، ولها الرقابة على جميع المحاكم، بما في ذلك المحكمة الاتحادية»، وحكمت بِعَدِّ «أي حكم صادر من المحكمة الاتحادية معدوماً إذا كان يمس الشأن القضائي».

ورأى سياسيون وخبراء قانون أن قرار التمييز فتح باباً يصعب غلقه في ظل عدم استقرار النظام السياسي في البلاد، حتى في ظل وجود ما يسمى الفصل بين السلطات.

وحصلت المحكمة الاتحادية على صلاحيات كاملة وفق المادة 94 من الدستور العراقي لاتخاذ قرارات «باتة وغير قابلة للطعن وملزمة لكل السلطات»، لكن المشكلة الآن تكمن في عدم تشريع قانون خاص بالمحكمة؛ ما يفتح الجدل دائماً بشأن سلطتها على السلطات الأخرى، بما فيها محكمة التمييز.

ومنح الدستور الذي جرى التصويت عليه عام 2005 صلاحية حصرية لرئيس الجمهورية بوصفه حامياً للدستور، وهو ما يعني تدخُّله في حال حدوث ما يمكن عدُّه خروقات دستورية، لكن هذه الصلاحية بقيت عائمة؛ لأن الدستور لم يحدد آلية معينة يستطيع رئيس الجمهورية استخدامها.

ولم تعمل الأحزاب التي أسهمت في كتابة الدستور على صياغة صلاحيات رئيس الجمهورية، لا سيما حمايته للدستور بقانون؛ حتى لا يطغى الرئيس على سلطة رئيس الوزراء الذي بيده السلطة الفعلية؛ كونه ينتمي إلى الغالبية الشيعية في البلاد.

صورة نشرتها المحكمة الاتحادية لإحدى جلساتها في فبراير الماضي (إعلام القضاء)

صراع صامت

مع وجود صراع صامت بين مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية، فإن الأخيرة اتخذت قرارات بدت من وجهة نظر بعض الأطراف السياسية غير عادلة وظالمة وغير دستورية، خصوصاً الكرد والسُّنة.

كردياً، قضت المحكمة الاتحادية بأحكام كثيرة عُدَّت ضد الكرد، من بينها حرمان وزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري من الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، فضلاً عن قرارات أخرى آخرها ما يتعلق بانتخابات إقليم كردستان وكوتا الأقليات؛ ما جعلهم يطلقون عليها لقب «محكمة الثورة»، في إشارة إلى المحكمة التي كانت تعمل أيام حزب «البعث» المنحل.

أما سُنّياً، فإن من بين أبرز القرارات التي اتخذتها إسقاط عضوية رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي من عضوية البرلمان العراقي خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي بتهمة التزوير، وهي من التهم الجنائية التي هي من وجهة نظر محكمة التمييز خارج صلاحيات المحكمة الاتحادية.

ومن أحكام «الاتحادية» التي نالت الاهتمام السياسي على نطاق واسع قرار هذه المحكمة إنهاء عضوية الحلبوسي الذي علق على قرار التمييز عبر تصريح تناقلته وسائل إعلام محلية، وقال إنه «لا يسعى للعودة للبرلمان العراقي هذه الدورة».

وأوضح الحلبوسي أن «كل من يدافع عن التجاوزات المتكررة على السلطة التشريعية عليه التأكد بما لا يقبل الشك أن كثيراً من المسارات الخاطئة التي تضعف الدولة ومؤسساتها وعدم الالتزام بمبدأ الفصل بين السلطات سيوضع لها حد بهمَّة الخيرين والحريصين على البلد».

وقال مقربون من الحلبوسي إن قرار محكمة التمييز لن يغير عملياً الموقف من منصب الرئيس هذه الدورة، لكنه سيضيف دفعة قوية للحلبوسي وحزبه «تقدم» في الانتخابات البرلمانية المقبلة.

أبعاد خطيرة

في السياق نفسه، قال باسل حسين، رئيس مركز «كلواذا» للدراسات، لـ«الشرق الأوسط» إن «محكمة التمييز أكدت أن الاختصاص التشريعي هو من الصلاحيات الحصرية لمجلس النواب، كما نصت المادة (61/ أولاً) من الدستور»؛ ما يعني أن الدستور العراقي «لا يمنح المحكمة الاتحادية سلطة تعديل النصوص القانونية النافذة، بل يقتصر دورها على الطعن في دستوريتها كلياً أو جزئياً بناءً على الدعوى المقدمة إليها».

وأضاف حسين: «قرار محكمة التمييز يصطدم مع المادة (94) من الدستور رغم وجاهة الرأي الذي تبنته محكمة التمييز؛ ما يعني تعارضاً في النصوص القانونية؛ حيث استندت محكمة التمييز في قرارها إلى المادة (12) من قانون التنظيم القضائي رقم (160) لسنة 1979، لكن هذا الاستناد يتعارض بوضوح مع المادة (13) من الدستور التي تنص على أن الدستور هو القانون الأسمى والملزم في جميع أنحاء العراق، ولا يجوز سَنّ قانون يتعارض معه».

ورجّح حسين «آثاراً مستقبلية خطيرة بشأن هذا التصادم»، وأن «الخطورة الكامنة ليست فقط في الأثر الفوري للقرار، بل في الآثار المترتبة على إبطال قرارات المحكمة الاتحادية مستقبلاً، وهو ما يؤدي إلى نتائج كارثية على النظام القانوني والدستوري، ويهدد بانهيار مبادئ عدة؛ ما يجعل النظام كله على المحك».


مقالات ذات صلة

السعودية والعراق يعززان التعاون العسكري

الخليج الأمير خالد بن سلمان خلال استقباله ثابت العباسي وزير الدفاع العراقي في الرياض (وزارة الدفاع السعودية)

السعودية والعراق يعززان التعاون العسكري

أبرمت السعودية والعراق، الاثنين، مذكرة تفاهم للتعاون في المجال العسكري، وذلك خلال استقبال الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي، نظيره العراقي ثابت العباسي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي وزير الداخلية الإيراني إسكندر مؤمني يترأس اجتماعاً مشتركاً مع نظيره العراقي عبد الأمير الشمري في طهران اليوم (تسنيم)

وزير الداخلية العراقي بطهران في مهمة «غامضة»

وصل وزير الداخلية العراقي إلى طهران، وسط تكهنات بأنه يحمل رسالة خاصة، لبحث «عدم زج العراق في الصراع الإسرائيلي مع غزة ولبنان»، وفقاً لمصادر مطلعة.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي صورة نشرها مكتب السيستاني من استقباله ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الجديد لدى العراق العماني محمد الحسان (أ.ف.ب)

السيستاني يدعو إلى حصر السلاح بيد الدولة ورفض التدخلات الخارجية

حدد المرجع الشيعي الأعلى في العراق، آية الله علي السيستاني، 7 عوامل لتحقيق «استقرار العراق»، خلال لقائه ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الجديد في العراق.

حمزة مصطفى (بغداد)
العالم العربي السيستاني خلال استقبله اليوم ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثتها في العراق (يونامي) محمد الحسان والوفد المرافق معه (واع)

السيستاني: يجب منع التدخلات الخارجية في العراق وحصر السلاح بيد الدولة

قال المرجع الشيعي بالعراق علي السيستاني، اليوم الاثنين، إنه يجب منع التدخلات الخارجية بمختلف صورها وحصر السلاح في يد الدولة.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «كتائب حزب الله» العراقية سبق أن هددت بزيادة هجماتها مع قرب الانتخابات الأميركية (إكس)

قلق عراقي بعد تحديد إسرائيل «بنك أهداف»

تسود حالة من القلق في الأوساط الرسمية والشعبية العراقية بشأن طبيعة «بنك الأهداف» الذي أفادت تقارير إسرائيلية بأن تل أبيب حددته رداً على هجمات الفصائل المسلحة.

حمزة مصطفى (بغداد)

إسرائيل تندد بدعوات فرض حظر أسلحة عليها

داني دانون مبعوث إسرائيل لدى الأمم المتحدة (أ.ف.ب)
داني دانون مبعوث إسرائيل لدى الأمم المتحدة (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تندد بدعوات فرض حظر أسلحة عليها

داني دانون مبعوث إسرائيل لدى الأمم المتحدة (أ.ف.ب)
داني دانون مبعوث إسرائيل لدى الأمم المتحدة (أ.ف.ب)

ندد مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون، اليوم الاثنين، بخطابٍ من تركيا إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وقعت عليه أيضاً أكثر من 50 دولة، ويطالب بفرض حظر أسلحة على إسرائيل.

وقال دانون على منصة «إكس»: «أرسلت تركيا في وقت سابق اليوم طلباً إلى الأمين العام للأمم المتحدة دعت فيه إلى فرض حظر أسلحة على إسرائيل. وقع على الرسالة أكثر من 50 دولة دعماً للطلب»، واصفاً ذلك بأنه «تحرك آخر من محور الشر ضد إسرائيل على الساحة الدولية».

كان هاكان فيدان وزير الخارجية التركي قد قال في مؤتمر صحافي في جيبوتي، أمس، إن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أصبحت مصدر تهديد، ليس فقط لدول الشرق الأوسط، بل أيضاً على المستوى العالمي.

وعدَّ فيدان أن بيع أسلحة لإسرائيل يعني «المشاركة في الإبادة»، حسب ما نقلته عنه وسائل إعلام رسمية.