العراق: جداول الموازنة تفتح مبكراً معركة الانتخابات

موسم الحج النيابي يشلّ كرسي رئيس البرلمان

جانب من الجلسة الأخيرة التي عقدها البرلمان العراقي في 18 مايو لانتخاب رئيس له (إ.ب.أ)
جانب من الجلسة الأخيرة التي عقدها البرلمان العراقي في 18 مايو لانتخاب رئيس له (إ.ب.أ)
TT

العراق: جداول الموازنة تفتح مبكراً معركة الانتخابات

جانب من الجلسة الأخيرة التي عقدها البرلمان العراقي في 18 مايو لانتخاب رئيس له (إ.ب.أ)
جانب من الجلسة الأخيرة التي عقدها البرلمان العراقي في 18 مايو لانتخاب رئيس له (إ.ب.أ)

في وقت بدأت قوافل الحجاج العراقيين أولى رحلاتها إلى الديار المقدسة لتأدية مناسك الحج، فإن المعلومات المتداولة أن هناك ما يقرب من 70 نائباً في البرلمان العراقي على وشك التوجه إلى الحج أيضا. وعلى الرغم من أن سفر 70 نائباً، من أصل 329 نائباً، لا يخل بالنصاب القانوني لعقد أي جلسة، لكنه وفي ظل الاصطفافات السياسية الحادة يترك فراغاً قد يشل البرلمان.

البرلمان مدد قبل أسبوعين فصله التشريعي لمدة شهر من أجل انتخاب رئيس جديد للبرلمان وإقرار جداول الموازنة، لكن هذا الفصل الممدد يوشك على النهاية مع اقتراب عطلة عيد الأضحى التي تدوم في العراق عادة مدة أسبوع تقريباً. وخلال الأسبوعين المنصرمين لم يتمكن البرلمان من عقد سوى جلسة واحدة لانتخاب رئيس البرلمان، لكنها رُفعت بعد مشادات وعراك إثر خلافات حادة بشأن نتيجة التصويت وعدم الانتقال إلى الجولة الحاسمة.

من ناحية ثانية، ورغم أن الحكومة أرسلت جداول الموازنة بعد تأخير نتيجة الخلافات السياسية دام أكثر من خمسة أِشهر، لكن القوى السياسية في البرلمان، لا سيما الشيعية منها، وجدت فيها ما باتت تعدّه بمثابة دعاية مبكرة تصبّ في مصلحة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني. وفي الوقت الذي تتبادل القيادات السنية (حزب «تقدم» بزعامة محمد الحلبوسي و«السيادة» بزعامة خميس الخنجر) الاتهامات بشأن تعطيل جلسات البرلمان نتيجة الخلاف حول من يكون رئيساً للبرلمان, فإن القوى السياسية الشيعية بدأت تتبادل الاتهامات فيما بينها بسبب الخلاف حول جداول الموازنة بين المؤيدين لتوجهات الحكومة ومن ثم الدعوة إلى التصويت على الجداول وبين المعترضين عليها لجهة ما تعدّه الأطراف المناوئة للحكومة بعدم إنصاف المحافظات عبر تخفيض حصصها مقابل زيادة حصة إقليم كردستان.

مسؤول حكومي أبلغ «الشرق الأوسط»، طالباً عدم الإشارة إلى اسمه، بأن «مجموع ما تم تخصيصه من موازنة استثمارية للمحافظات يبلغ 41 تريليون دينار عراقي، في حين مجموع ما تم تخصيصه لإقليم كردستان في الإنفاق الاستثماري يبلغ 4 تريليونات». وأضاف أن «المقارنة التي جرت في الإعلام خاطئة؛ لأنها جرت بين تخصيصات تنمية الأقاليم، للمحافظات، وبين مجمل الإنفاق الاستثماري لإقليم كردستان». وأشار إلى أن «هناك من نظر إلى الموازنة الاستثمارية دون التطرق إلى مشروعات الوزارات التي بلغت 38.421 تريليون دينار والتي تنفذ في المحافظات عدا إقليم كردستان، تم إهمال هذه الأرقام بطريقة متعمدة وكأن هذه الأموال ستنفق على دولة مجاورة! في حين أن مشروعات الوزارات موزعة على المحافظات الـ15 بمختلف المحالات الخدمية والتنموية».

استمرار التعطيل

ومع أن هناك نوعاً ثالثاً من تبادل الاتهامات، لكن هذه المرة بين السنة والشيعة، ويتمثل بمهاجمة رئيس البرلمان بالإنابة محسن المندلاوي من قِبل أطراف سنية والدفاع عنه من قِبل أطراف شيعية، فإن المحصلة النهائية لذلك أن كرسي رئيس البرلمان لا يزال شاغراً، ولا يلوح في الأفق ما يوحي بإمكانية عقد جلسة كاملة النصاب لانتخاب الرئيس أولاً بسبب استمرار الخلافات السنية - السنية والشيعية - الشيعية بشأن المرشح المقبول، وثانياً كون سفر عدد كبير من النواب لأداء فريضة الحج سوف يؤثر ليس على النصاب الهش أصلاً وإنما على ترجيح كِفة أحد المرشحين (سالم العيساوي، عن «تحالف السيادة»، ومحمود المشهداني عن «تقدم»)؛ كون تقارب الأصوات بينهما يحُول دون إمكانية حصول أحدهما على الأغلبية المطلقة وهي 166 صوتاً من عدد أعضاء البرلمان. يضاف إلى ذلك سبب ثالث وهو اقتراب تمديد الفصل التشريعي من نهايته.

إلى ذلك، طالب المرشح المشهداني رئاسة البرلمان بتشكيل لجنة تحقيقية بشأن جلسة اختيار رئيس مجلس النواب. وقال المشهداني، الذي كان حصل خلال جولة التصويت الثانية على 137 صوتاً مقابل حصول منافسه سالم العيساوي على 158 صوتاً، وهو ما كان يفصله عن الفوز سوى 8 أصوات، إن الطلب يأتي للتحقق من نتائج التصويت، بعد رصد خطأ في عد الأصوات.

نواب يقترعون في 18 مايو لاختيار رئيس للبرلمان العراقي (إ.ب.أ)

وفي حين تستمر عملية التعطيل، سواء لانتخاب رئيس البرلمان أو لجداول الموازنة كانت الأنظار متجهة إلى اجتماع مساء الثلاثاء «الإطار التنسيقي الشيعي» لبحث حسم منصب رئاسة البرلمان وتمرير الموازنة، لا سيما أن هناك أطرافاً داخل قوى «الإطار التنسيقي» ترى أن هناك تقليصاً مقصوداً لحصص المحافظات لكي لا ينجح بعض المحافظين الذين يمكن أن يؤثروا على فرص التحالفات التي تسبق الانتخابات البرلمانية القادمة المقرر إجراؤها نهاية العام المقبل.


مقالات ذات صلة

هل يربح الصدر من أزمتي «التنصت» و«سرقة القرن»؟

المشرق العربي مقتدى الصدر يخطب في النجف يوم 19 أكتوبر 2023 (رويترز)

هل يربح الصدر من أزمتي «التنصت» و«سرقة القرن»؟

رجح مراقبون أن يكون زعيم التيار الصدري «أكبر رابح» من الأزمات السياسية التي تعصف بالحكومة والتحالف الشيعي الحاكم في العراق.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي «الإطار التنسيقي» حذر من «الانهيار» بعد أزمتَي «سرقة القرن» و«التنصت» (إكس)

«الإطار التنسيقي» يحذر من «الانهيار» بعد «سرقة القرن» و«التنصت»

تسعى قوى «الإطار التنسيقي» إلى تلافي ارتدادات محتملة على النظام السياسي بسبب تداعيات «سرقة القرن» وشبكة «التنصت» واتهام القضاء بالتورط في التستر على الفساد.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي متظاهرون عراقيون يتجمعون للاحتفال بذكرى احتجاجات مناهضة للحكومة في بغداد (أرشيفية - رويترز)

دعوات أميركية لتشريع قانون يُجرِّم الاختطاف في العراق

دعت الولايات المتحدة الجهات المعنية في العراق إلى إجراء تعديلات تشريعية بشأن ضحايا الاختفاء القسري، بعد 3 موجات من الخطف والتغيب.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي صورة متداولة لنور زهير المتهم الرئيسي بما تُعرف بـ«سرقة القرن» (فيسبوك)

العراق يعتزم ملاحقة نور زهير بإشارة حمراء لدى «الإنتربول»

يعتزم العراق تفعيل «الإشارة الحمراء» لدى الشرط الدولية (الإنتربول) للقبض على المتهم الرئيسي بـ«سرقة القرن» نور زهير.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي الأحزاب العراقية اتفقت على تشريع «العفو العام» قبل تشكيل الحكومة الحالية (رئاسة الوزراء العراقية)

المالكي يرفض فتح ملف «المخبر السري» في «قانون العفو»

رفض زعيم «ائتلاف دولة القانون»، نوري المالكي، مطالب الأحزاب السنية بشمول محكومين بقضايا إرهاب في «قانون العفو العام».

فاضل النشمي (بغداد)

العراق يواصل استعداداته لإجراء تعداد سكاني بعد توقف 27 عاماً

رجل عراقي يحمل حاجياته ويعبر زقاقاً في أحد أحياء بغداد القديمة (أ.ف.ب)
رجل عراقي يحمل حاجياته ويعبر زقاقاً في أحد أحياء بغداد القديمة (أ.ف.ب)
TT

العراق يواصل استعداداته لإجراء تعداد سكاني بعد توقف 27 عاماً

رجل عراقي يحمل حاجياته ويعبر زقاقاً في أحد أحياء بغداد القديمة (أ.ف.ب)
رجل عراقي يحمل حاجياته ويعبر زقاقاً في أحد أحياء بغداد القديمة (أ.ف.ب)

تواصل الحكومة العراقية جهودها الحثيثة لاستكمال إجراءات التعداد السكاني، المقرّر في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وإذا ما سارت العملية بشكل سلِس حتى ذلك التاريخ، فسيكون الأول من نوعه بعد 27 عاماً على آخر تعداد جرى عام 1997.

وسعت الحكومات المتعاقبة منذ عام 2005 إلى إجراء التعداد السكاني، لكن أسباباً سياسية وأمنية حالت دون ذلك.

وكانت العقبة الأكبر، حسب وزارة التخطيط، الخلاف بين العرب والأكراد حول المادة 140 من الدستور، المتعلقة بتطبيع الأوضاع في محافظة كركوك وبقية المناطق المتنازَع عليها، حيث كانت مطالب العرب والأكراد تتمحور حول «إجراء تعداد سكاني خاص للمناطق المتنازع عليها قبل إجراء التعداد العام»، قبل أن تحصل وزارة التخطيط على حكم من المحكمة الاتحادية، يقضي بـ«عدم التعارض بين الأمرين».

في الأثناء، كشفت وزارة التخطيط التي تقود جهود إجراء التعداد، عن النسبة التقديرية لإجمالي عدد السكان في العراق.

وقال المتحدث باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي، في تصريحات صحافية، الأحد، إن «النسبة التقديرية لسكان البلد تقدَّر بنحو 43 مليون نسمة، وذلك وفقاً لتقديرات العام الماضي 2023».

وأضاف أن «نسبة الرجال في البلد تبلغ 50.5 في المائة، بينما تبلغ نسبة النساء 49.5 في المائة، من مجموع سكان البلد».

وأشار الهنداوي إلى أن «وزارة التخطيط مستعدة، وبجهودها الفنية الكاملة، لغرض إجراء التعداد العام للسكان في نوفمبر المقبل».

وكان الهنداوي قال لـ«الشرق الأوسط» في وقت سابق، إن «التعداد ذو طبيعة تنموية خالصة، ولا يستهدف معرفة التركيبة السكانية القومية أو الطائفية، وتخلو الاستمارة المحدّدة لمعلومات المواطنين من ذِكر هاتين الصفتين، لكنها تأخذ بالاعتبار ديانة الأشخاص».

وأضاف أن «ما تفكّر فيه الدولة ليس عدد المواطنين العرب أو الأكراد، إنما يهمها أن تعرف أوضاع هؤلاء المالية والمعيشية والاجتماعية، لتكون قادرة على معالجتها».

وكانت بعض الشخصيات والأوساط السُّنية أبدت اعتراضاً على عدم وجود حقل خاص بـ«مذهب» الأشخاص في ورقة الإحصاء؛ لأن ذلك، في نظرها، يكرّس «المزاعم الشيعية» بأن أتباع «المذهب الشيعي» هم الأكثرية.

حُجّاج شيعة يرفعون أعلاماً ويعبرون مصفاة نفطية متوجّهين إلى كربلاء في ذكرى أربعينية الحسين في 2024 (أ.ف.ب)

لكن وزارة التخطيط التي تؤكد على الطابع التنموي للتعداد السكاني، تشير إلى إمكانية معرفة النسب التقريبية لكل مذهب أو قومية من خلال معرفة إجمالي عدد سكان المحافظة الواحدة؛ كونَ معظم المحافظات ذات لون مذهبي وقومي واحد، سواءً كان سُنياً أو شيعياً أو كردياً أو عربياً.

وفي مطلع سبتمبر (أيلول) الحالي، ترأّس رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الاجتماع الثالث للمجلس الأعلى للسكّان، لوضع اللمسات الأخيرة، ومتابعة التحضيرات الجاري العمل عليها لإجراء التعداد العام للسكّان، واتخذ في الاجتماع مجموعة قرارات تسهّل عملية الإعداد والتدريب لإجراء الإحصاء، ومن بين تلك القرارات «فرض حظر التجوال في عموم محافظات العراق يومي 20 و21 نوفمبر المقبل، لإجراء الإحصاء السكّاني».

وتقرَّر كذلك معالجة المتطلّبات مع حكومة إقليم كردستان العراق فيما يخص تدريب الكوادر الإحصائية لعملية الترقيم والحصر.

كما تقرَّر دعم وزارتي التربية والتعليم العالي والبحث العلمي للعملية الإحصائية، من خلال تهيئة القاعات الدراسية للتدريب، وكذلك مراكز الشباب، من خلال وزارة الشباب والرياضة، والإسراع في تحويل المتطلبات المالية والتخصيصات لتمويل مشروع التعداد.

وانطلقت مطلع الشهر الحالي عمليات الترقيم والحصر للمباني والمساكن والمنشآت، مع أخذ المعلومات الأوّلية عن عدد أفراد الأسرة، وتوزيع الأسر حسب الذكور والإناث، لتكون معلومات مهمة يستند إليها العدّاد حتى موعد إجراء التعداد المقرّر.