استقرار الليرة اللبنانية لم يوقف ارتفاعات الأسعار… وتعميق الفقر

المؤشر التراكمي للتضخم تعدى نسبة 6300 %

ارتفعت تكلفة الغذاء في لبنان في الربع الأول من العام الماضي بنسبة 51 % (أ.ف.ب)
ارتفعت تكلفة الغذاء في لبنان في الربع الأول من العام الماضي بنسبة 51 % (أ.ف.ب)
TT

استقرار الليرة اللبنانية لم يوقف ارتفاعات الأسعار… وتعميق الفقر

ارتفعت تكلفة الغذاء في لبنان في الربع الأول من العام الماضي بنسبة 51 % (أ.ف.ب)
ارتفعت تكلفة الغذاء في لبنان في الربع الأول من العام الماضي بنسبة 51 % (أ.ف.ب)

تواصل مؤشرات التضخم في لبنان الاندفاع صعوداً، بفعل استمرار ارتفاع تكلفة الغذاء ربطاً بالأكلاف الإضافية الخارجية المترتبة على سلاسل الإمداد والنقل البحري جراء حرب غزة، ومعزّزة بارتفاعات أصابت بعض البنود الحيوية في الإنفاق المعيشي، لا سيما الزيادات اللاحقة بأكلاف إيجارات المساكن والتعليم ورسوم الخدمات العامة.

وأفضت البيانات المحدثة إلى تسجيل مستوى أعلى للرقم القياسي التراكمي للغلاء، والذي تعدّى حد 6300 نقطة مئوية بنهاية الفصل الأول من العام الحالي، مقارنة بنسبة قاربت 3700 نقطة للفترة عينها من العام الماضي، أي بزيادة بلغت 70 في المائة على أساس سنوي، في حين بلغ متوسّط الزيادة السنويّة في المؤشّر نحو 115 في المائة خلال الفصل الأوّل من العام الحالي.

ومع غياب خطّة لمعالجة الأزمة وبرنامج يؤدي إلى نموّ اقتصادي، فمن المرجّح، حسب أحدث تقييم صادر عن البنك الدولي، أن يزيد استنزاف رأس المال البشري والاجتماعي والطبيعي للبلاد، في حين يتوقّع انخفاض نسبة تضخّم الأسعار إلى 83.9 في المائة خلال العام الحالي، باعتبار أنّ جميع مكوّنات المؤشّر قد أصبحت مسعّرة بالدولار.

زيادات متواصلة

ولوحظ أنه رغم التقلّص النسبي الذي يسجله متوسط التضخم الشهري، بتأثير تلقائي من الاستقرار المتواصل في سعر صرف الليرة إزاء الدولار الأميركي، تسجّل كل مكوّنات المؤشّر زيادات مستمرة، بتأثير من بند تكلفة الغذاء الذي يشكل نسبة 20 في المائة من المجموع، حيث ارتفع هذا البند بنسبة تعدّت 51 في المائة خلال الفصل الأول، مكرساً بذلك تفاقم الاختلالات المعيشية الحادة التي تحاصر نحو 80 في المائة من إجمالي المقيمين، المصنفين في خانتي الفقر والفقر المدقع، من مواطنين ونازحين سوريين على وجه الخصوص.

وبالتوازي، برزت الزيادات المثيرة في بند تكلفة التعليم، التي سجلت ارتفاعاً بنسبة قاربت 600 في المائة بالمقارنة السنوية، كما طرأ ارتفاع كبير على بند تكلفة السكن بمكوناته المختلفة، وخصوصاً زيادة بنسبة 175 في المائة على رسوم القيمة التأجيرية للمالكين جراء اعتماد السعر الساري لليرة في سوق القطع في تحديد أكلاف الخدمات العامة والرسوم الحكومية، بينما سجلت الإيجارات ارتفاعاً سنوياً بمعدل 118 في المائة، وارتفعت أكلاف سكنية متصلة، كالغاز المنزلي والماء والكهرباء، بنحو 49 في المائة.

وبالمثل، وبنتيجة تحوّل جزء كبير من الاقتصاد اللبناني إلى اقتصاد نقدي بالدولار، ارتفع بند تكلفة الصحّة بنسبة 45 في المائة (يشكل نسبة 7.7 في المائة)، وبند تكلفة الاتّصالات بنسبة 29 في المائة (يشكل نسبة 4.5 في المائة)، بسبب لجوء أغلب المؤسّسات التعليميّة والاستشفائيّة وشركات الاتّصالات إلى التسعير بالدولار «الفريش»، بشكل جزئي أو كلّي، للخدمات التي تقدمها. كما أنّ بند أسعار المطاعم والفنادق ارتفع بنسبة 31 في المائة على صعيدٍ سنويّ (يشكل نسبة 2.8 في المائة)، ومعه زيادة بنسبة 71 في المائة في أسعار الاستجمام والتسلية والثقافة.

ولاحظ رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية، هاني بحصلي، أن بند المواد الغذائية هو الأقل تأثراً بالارتفاع الذي سجله مؤشر أسعار الاستهلاك على أساس سنوي، مع التنويه بتأثير عوامل خارجية، منها ارتفاع أسعار السلع عالمياً ورفع الدولار الجمركي من 1500 إلى 60 ألف ليرة، ثم إلى 85 ألف ليرة، في فترة 5 أشهر، إضافة إلى التوتر في البحر الأحمر وارتفاع أسعار الشحن.

ضرورة رفع الحد الأدنى للأجور

في السياق نفسه، وخلال ندوة نقابية، لفت الباحث في «الدولية للمعلومات»، محمد شمس الدين، إلى أن المؤشر التراكمي للتضخم يفرض رفع الحد الأدنى للأجور إلى نحو 50 مليون ليرة، في حبن تم إقرار تصحيح جزئي من قِبل لجنة مؤشر الغلاء إلى نحو 18 مليون ليرة، مبيناً أن ارتفاعات نسب التضخم السنوية، حسب أرقام الإحصاء المركزي، سجلت منذ عام 2019، وبالتتالي السنوي، نسب 2.9 في المائة، و84.9 في المائة، و154.8 في المائة، و171.2 في المائة، لتبلغ الذروة القياسية في عام 2023 بتسجيل نسبة 221.3 في المائة.

أما من ناحية أكلاف المعيشة، فأوضح أن الأسرة المكونة من 4 أفراد، تحتاج شهرياً للعيش بالحدّ الأدنى، إلى 52 مليون ليرة، أو ما يوازي 580 دولاراً أميركياً، تتوزع كبنود بين فاتورة السلة الغذائية والاستهلاكية البالغة نحو 240 دولاراً، ثم إيجار المسكن، وتكلفة التزود بالكهرباء، والفاتورة الرسمية لاشتراك المياه، وفاتورة الاتصالات، وتكلفة المواصلات، والتعليم والألبسة، وفوقها تكلفة الدواء أو الطبيب من دون تكلفة استشفاء.


مقالات ذات صلة

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

المشرق العربي لبنانيون يشاهدون من جانب الطريق الدخان يتصاعد نتيجة قصف إسرائيلي على ضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

نشرت القناة 12 الإسرائيلية تفاصيل عما وصفته بأنه «النقاط العالقة» بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني للوصول إلى وقف لإطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي خلال زيارته وزارة الدفاع (حسابه عبر منصة إكس)

ميقاتي: اللبنانيون مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم

أكد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أن «اللبنانيين مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم لإيمانهم بما تحمل لهم من معاني الحرية والسيادة»

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والملك عبد الله الثاني بن الحسين ويظهر الشيخ عبد الله بن زايد وأيمن الصفدي وعدد من المسؤولين خلال اللقاء (وام)

تأكيد إماراتي أردني على أهمية تكثيف الجهود لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، بحث مع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني بن الحسين، قضايا المنطقة والعلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
المشرق العربي مسيّرة إسرائيليّة من نوع (هرمز 450)

«حزب الله» يعلن إسقاط مسيّرة إسرائيلية من طراز «هرمز 450» فوق الطيبة

أعلنت جماعة حزب الله اللبنانية، في ساعة مبكرة من صباح اليوم الثلاثاء، أنها أسقطت مسيرة إسرائيلية بصاروخ أرض-جو في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (هرمز 450)
المشرق العربي عناصر من خدمة الطوارئ الإسرائيلية في مكان سقوط مقذوف في حيفا أطلق من لبنان (رويترز)

الجيش الإسرائيلي: سقوط صواريخ أطلقها «حزب الله» على حيفا وتضرر كنيس

أعلن الجيش الإسرائيلي تضرر كنيس في «هجوم صاروخي كبير» شنه «حزب الله» اللبناني على مدينة حيفا (شمال غرب)؛ ما أسفر عن إصابة شخصين.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

موجة نزوح جديدة في غزة... وإصابة مدير مستشفى «كمال عدوان» بقصف إسرائيلي

الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (د.ب.أ)
الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (د.ب.أ)
TT

موجة نزوح جديدة في غزة... وإصابة مدير مستشفى «كمال عدوان» بقصف إسرائيلي

الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (د.ب.أ)
الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (د.ب.أ)

أفادت وزارة الصحة في غزة، الأحد، بارتفاع عدد قتلى الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 44 ألفاً و211 وإصابة 104 آلاف و567 منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأوضحت الوزارة في بيان أن 35 شخصاً قُتلوا، وأصيب 94 خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية. وأكدت الوزارة أن هناك عدداً من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.

وأصدر الجيش الإسرائيلي أوامر إخلاء جديدة للسكان في مناطق بأحد الأحياء الواقعة في شرق مدينة غزة؛ ما أدى إلى موجة نزوح جديدة، الأحد، في الوقت الذي أعلن فيه مسعفون فلسطينيون إصابة مدير مستشفى في غزة خلال هجوم بطائرة مسيَّرة إسرائيلية.

وفي منشور على منصة «إكس»، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أوامر إخلاء جديدة في حي الشجاعية، وعزا ذلك إلى القذائف الصاروخية التي يطلقها مسلحون فلسطينيون من تلك المنطقة الواقعة في شمال قطاع غزة. وأضاف المتحدث: «من أجل أمنكم، عليكم إخلاؤها فوراً جنوباً».

وأعلنت «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، مسؤوليتها عن إطلاق الصواريخ، السبت، وقالت إن الهجوم استهدف قاعدة للجيش الإسرائيلي على الحدود، وفق ما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

أحدث موجة نزوح

أظهرت لقطات مصورة منشورة على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام فلسطينية سكاناً يغادرون حي الشجاعية على عربات تجرها حمير وعربات أخرى صغيرة، بينما كان آخرون يسيرون على الأقدام من بينهم أطفال.

وقال سكان ووسائل إعلام فلسطينية إن العائلات التي تعيش في المناطق المستهدفة بدأت في الفرار من منازلها منذ حلول الظلام، السبت، وحتى الساعات الأولى من صباح الأحد، وهي أحدث موجة نزوح منذ بدء الحرب قبل 13 شهراً.

وفي وسط قطاع غزة، قال مسؤولون في قطاع الصحة إن 10 فلسطينيين على الأقل قُتلوا في غارات جوية إسرائيلية على مخيمي المغازي والبريج منذ الليلة الماضية.

وأفادت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية بمقتل وإصابة عدد من الفلسطينيين، ظهر الأحد، في قصف إسرائيلي لمخيمي جباليا والنصيرات، في شمال ووسط قطاع غزة.

إصابة مدير مستشفى

في شمال غزة، حيث تعمل القوات الإسرائيلية منذ أوائل الشهر الماضي ضد مسلحي «حماس» الذين يحاولون إعادة تنظيم صفوفهم، قال مسؤولون بوزارة الصحة إن طائرة مسيرة إسرائيلية أسقطت قنابل على «مستشفى كمال عدوان»؛ ما أدى إلى إصابة مدير المستشفى حسام أبو صفية.

وقال أبو صفية في بيان مصور وزعته وزارة الصحة، الأحد: «لكن والله هذا شيء لن يوقفنا عن إكمال مسيرتنا الإنسانية، وسنبقى نقدم هذه الخدمة مهما كلفنا».

وأضاف من سريره في المستشفى: «(بيستهدفوا) الكل لكن والله هذا شيء لن يوقفنا... أنا أصبت وأنا في مكان عملي نحن نُضرب يومياً استهدفونا قبل هيك استهدفوا مكتبي وأمس 12 إصابة لأطبائنا العاملين وقبل قليل استهدفوني، ولكن هذا لن يثنينا سنبقى نقدم الخدمة».

وتقول القوات الإسرائيلية إن المسلحين يستخدمون المباني المدنية ومنها المباني السكنية والمستشفيات والمدارس غطاءً لعملياتهم. وتنفي «حماس» ذلك، وتتهم القوات الإسرائيلية باستهداف المناطق المأهولة بالسكان بشكل عشوائي.

نسف مئات المنازل

و«كمال عدوان» هو أحد المستشفيات الثلاثة في شمال غزة التي لا تزال بالكاد تعمل؛ إذ قالت وزارة الصحة إن القوات الإسرائيلية احتجزت وطردت الطاقم الطبي، ومنعت الإمدادات الطبية الطارئة والغذاء والوقود من الوصول إليهم.

وقالت إسرائيل في الأسابيع القليلة الماضية إنها سهلت توصيل الإمدادات الطبية والوقود ونقل المرضى من مستشفيات شمال غزة بالتعاون مع وكالات دولية مثل منظمة الصحة العالمية.

وقال سكان في 3 بلدات محاصرة في شمال غزة، جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، إن القوات الإسرائيلية نسفت مئات المنازل منذ تجدد العمليات في منطقة قالت إسرائيل قبل أشهر إنها جرى تطهيرها من المسلحين.

ويقول الفلسطينيون إن إسرائيل تبدو عازمة على إخلاء المنطقة بشكل دائم لإنشاء منطقة عازلة على طول الحدود الشمالية لغزة، وهو اتهام تنفيه إسرائيل.