العراق: قوى سياسية تستغل ثغرة البنزين والكهرباء للتحشيد ضد الحكومة

رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني يعاين الأعمال في مشروع مجسر وسط بغداد (إكس)
رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني يعاين الأعمال في مشروع مجسر وسط بغداد (إكس)
TT

العراق: قوى سياسية تستغل ثغرة البنزين والكهرباء للتحشيد ضد الحكومة

رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني يعاين الأعمال في مشروع مجسر وسط بغداد (إكس)
رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني يعاين الأعمال في مشروع مجسر وسط بغداد (إكس)

طبقاً لكل استطلاعات الرأي التي تجريها أجهزة مختلفة سياسية، وبحثية، فضلاً عن الانطباع العام لدى الجمهور العراقي، فإن الحكومة الحالية التي يترأسها محمد شياع السوداني هي الأكثر حضوراً في الشارع على صعيد الخدمات، والبنى التحتية.

ورغم عدم إطلاق الجداول الخاصة بالموازنة المالية لعام 2024، بيد أن مشاريع فك الاختناقات المرورية في العاصمة بغداد، والتي تتضمن نصب عشرات المجسرات، والأنفاق، والجسور باتت من الظواهر البارزة في سلسلة ما كانت قد وعدت به الحكومة الحالية برئاسة السوداني طبقاً لبرنامجها الحكومي، الأمر الذي وضع الأطراف السياسية، لا سيما في الساحة الشيعية التي كانت قد رشحت السوداني لمنصب رئيس الوزراء، في حالة من الحرج أمام الشارع العراقي.

فالقوى التي رشحت السوداني للمنصب بعد انسداد سياسي طال عدة شهور، وهي قوى الإطار التنسيقي الشيعي، كان من بينها من تولى سابقاً منصب رئيس الوزراء (نوري المالكي، حيدر العبادي، عادل عبد المهدي)، بينما باقي القوى الأخرى كان لديها وزراء في كل الحكومات السابقة التي تبدو الآن في نظر الشارع في حالة من التقصير، رغم إنفاق مئات مليارات الدولارات منذ أول حكومة منتخبة عام 2005 وإلى اليوم.

ومع أن بعض رؤساء الوزراء السابقين، ومن بينهم حيدر العبادي، أعلنوا عن تأييدهم لإجراءات السوداني التي تبدو حازمة على أصعدة مختلفة بما في ذلك إمكانية منحه ولاية ثانية، لكن زعيم دولة القانون ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الذي خرج السوداني من معطف حزبه «الدعوة» قبل أن ينسحب منه ويؤسس كياناً سياسياً جديداً «تيار الفراتين» لا يبدو راضياً عن العديد من إجراءات السوداني، فيما ترى بعض الأطراف أن الخلاف بينهما يبدو شخصياً، كون أي تمدد للسوداني خلال أي انتخابات مقبلة سوف يكون على حساب المالكي، وائتلاف دولة القانون.

وفي محاولة منه للحد من خطورة تقدم السوداني، بات المالكي يدعو إلى تعديل قانون الانتخابات باتجاه العودة إلى الدوائر المتعددة لا الدائرة الواحدة، وهي بقدر ما تبدو محاصرة للسوداني، فإنها مغازلة للتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر الذي يؤيد الدوائر المتعددة، فضلاً عن اقتراحه بأن يستقيل أي مسؤول تنفيذي بالدولة في حال أراد المشاركة في الانتخابات قبل 6 شهور من إجرائها، وهو مقترح مصمم ضد السوداني بالدرجة الأولى.

ثغرة البنزين

وفي الوقت الذي رأى خبراء المال والاقتصاد في العراق أن الإجراء الذي أقدمت عليه الحكومة برفع سعر البنزين المحسن والسوبر هو محاولة لبدء إجراءات تهدف إلى تحرير الاقتصاد العراقي من عقلية النمط الاشتراكي عبر تنويع مصادر الدخل، وإضافة أموال جديدة إلى الموازنة عبر فارق السعر الجديد، فإن خصوم السوداني حتى من داخل قوى الإطار التنسيقي بدأوا بتحريك وسائل إعلامهم والجيوش الإلكترونية لاستهداف هذا الإجراء من منطلق تأثيره على طبقة الفقراء من سائقي السيارات، لا سيما سيارات الأجرة نوع «سايبا» إيرانية الصنع.

وفي الوقت الذي لم يتم رفع سعر البنزين العادي الذي تستخدمه هذه السيارات، وفيما تبدو الزيادة في السعر موجهة إلى سيارات الأثرياء الجدد في العراق الذين يستخدمون سيارات فارهة، فإن مساعي استغلال ما بدا أنها ثغرة يمكن النفاذ منها للتأثير في شعبية السوداني قائمة على قدم وساق.

ومما زاد من عملية محاولة إحراج الحكومة هي رفع أسعار المواد الغذائية في الأسواق، علما بأن السيارات التي تنقل أنواع المواد الغذائية والخضراوات لا تعمل بالبنزين لا العادي، ولا المحسن، بل تستخدم الكيروسين، وهو غير مشمول بإجراءات رفع الأسعار.

الكهرباء... أزمة تتجدد

وفيما شهد العراق الأسبوع الماضي موجة أمطار غزيرة، فضلاً عن انخفاض في درجات الحرارة، فإنه ومع قدوم شهر أبريل (نيسان) بدأت درجات الحرارة تسجل ارتفاعات ملحوظة، ما يؤشر إلى حلول فصل الصيف في وقت مبكر.

وفي ظل عدم إيجاد حلول لمشكلة الكهرباء، فإن مؤشرات الأزمة سرعان ما تنعكس سياسياً عبر استغلالها طالما أن الموسم السياسي ساخن هو الآخر مثل أحوال الطقس والمناخ.

وبينما وقع العراق عقداً مع إيران لمدة 5 سنوات لتوريد الغاز، فضلاً عن دخول الربط الكهربائي مع الأردن حيز التنفيذ قبل يومين، فإن عملية استغلال النقص في تجهيز الطاقة الكهربائية، الذي هو فشل متراكم من عهود الحكومات السابقة، بدأت وسائل الإعلام والجيوش الإلكترونية التابعة لجهات سياسية مناوئة لخطوات الحكومة الحالية تستعد لشن حملاتها، مستغلة حاجة الناس الملحة إلى الكهرباء في ظل صيف ساخن تسجل درجات الحرارة فيه ارتفاعات قياسية تصل إلى نصف درجة الغليان.


مقالات ذات صلة

لأول مرة منذ 1997... تعداد عام لسكان العراق في 20 و21 نوفمبر

المشرق العربي عراقيون يسيرون في أحد شوارع بغداد (رويترز)

لأول مرة منذ 1997... تعداد عام لسكان العراق في 20 و21 نوفمبر

دعت السلطات العراقية سكان البلاد، اليوم (الأحد)، إلى ملازمة منازلهم يومي 20 و21 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل بهدف إجراء تعداد عام للسكان والمساكن.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي مسافرون داخل مطار بغداد الدولي (أرشيفية - أ.ف.ب)

«فوضى» تضرب مطار بغداد... والحكومة تتدخل بالتحقيق

قالت مصادر حكومية إن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني «أمر بتشكيل لجنة للتحقيق في أسباب فوضى شهدها مطار بغداد الدولي»، جراء التضارب والتأخير في مواعيد الرحلات.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي صورة من قاعدة عين الأسد في الأنبار بالعراق 29 ديسمبر 2019 (رويترز)

أحزمة ناسفة وقيادات «صف أول»... تفاصيل الغارة على «داعش» غرب العراق

كشفت واشنطن وبغداد عن غارة مشتركة على مواقع لمسلحي «داعش» في الصحراء الغربية بالأنبار، أسفرت عن مقتل «قيادات» في التنظيم.

حمزة مصطفى (بغداد)
شؤون إقليمية موقع سقوط المسيّرة التركية في كركوك (إكس) play-circle 00:24

أنقرة تتحرى مع بغداد عن مسيّرة «أُسقطت» في كركوك

أكدت تركيا أنها والعراق لديهما إرادة قوية ومشتركة بمجال مكافحة الإرهاب كما عدّ البلدان أن تعاونهما بمشروع «طريق التنمية» سيقدم مساهمة كبيرة لجميع الدول المشاركة

سعيد عبد الرازق (أنقرة:)
المشرق العربي متظاهرون عراقيون يتجمعون للاحتفال بذكرى احتجاجات مناهضة للحكومة في بغداد (أرشيفية - رويترز)

دعوات أميركية لتشريع قانون يُجرِّم الاختطاف في العراق

دعت الولايات المتحدة الجهات المعنية في العراق إلى إجراء تعديلات تشريعية بشأن ضحايا الاختفاء القسري، بعد 3 موجات من الخطف والتغيب.

حمزة مصطفى (بغداد)

معظم القوى اللبنانية لا تمانع حواراً مع النظام السوري لإعادة النازحين

النازحون السوريون في لبنان تحوّلوا إلى مادة سجال داخلي (أ.ب)
النازحون السوريون في لبنان تحوّلوا إلى مادة سجال داخلي (أ.ب)
TT

معظم القوى اللبنانية لا تمانع حواراً مع النظام السوري لإعادة النازحين

النازحون السوريون في لبنان تحوّلوا إلى مادة سجال داخلي (أ.ب)
النازحون السوريون في لبنان تحوّلوا إلى مادة سجال داخلي (أ.ب)

عاد ملف النازحين السوريين في لبنان إلى الموائد السياسية اللبنانية، بعدما خرج الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، بتصريح مؤخراً أكد فيه أنه لا بد من حوار مع النظام السوري لحل مسألة النازحين السوريين.

وتصريح جنبلاط أظهر موقفاً جديداً يصب في سياق إجماع معظم اللبنانيين على وجوب الانكباب على حل هذه المشكلة؛ نظراً لتداعياتها الكبيرة على المستويات كافة.

لا مشكلة في التفاوض

عضو كتلة نواب الحزب التقدمي الاشتراكي (اللقاء الديمقراطي)، النائب بلال عبد الله، شرح، لـ«الشرق الأوسط»، خلفيات موقف جنبلاط، قائلاً إن مقاربة «اللقاء» والحزب لملف النزوح السوري تنطلق من «الوثيقة التي أصدرناها بهذا الخصوص، والتي تنمّ عن حرص على المصلحة الوطنية اللبنانية من خلال الإقرار بالعبء الاقتصادي لهذا النزوح ومشاكله على الصعيد الديموغرافي وغيرها، وما يتركه من هواجس لدى شريحة كبيرة من اللبنانيين، كما تنمّ عن حرص على ألا تكون هناك مقاربة عنصرية لهذا الملف، في ظل تراجع المجتمع الدولي عن مسؤولياته، وفي الوقت نفسه في ظل عدم حماسة النظام السوري لإعادة النازحين».

وأضاف: «انطلاقاً مما سبق، تقاربنا مع من يطالب بالتواصل مع النظام السوري لحل أزمة النزوح، كما أن مجلس النواب كلّف الحكومة وأعطاها الصلاحية الكاملة لإجراء حوار مع النظام والدولة السورية، لبحث كيفية إعادة النازحين السوريين إلى بلدهم، على قاعدة الحفاظ على أمن هؤلاء، وأن تكون هناك روزنامة معينة تخفف العبء عن لبنان».

وأضاف: «الرئيس جنبلاط أعاد تأكيد هذا الموضوع كي لا يُقال إن سبب عدم إعادة النازحين هو رفض التواصل مع سوريا، علماً بأن قناعتنا الثابتة هي أن النظام السوري يفاوض على هؤلاء للحصول أولاً على الشرعية الدولية التي لم يحصل عليها بعدُ، كما أنه يريد أموالاً بحجة إعادة الإعمار. وبالتالي، ما نقوله، اليوم، هو: إذا كان يجب أن نفاوض فلنفاوض لإعادة السوريين، وتأمين اللوائح المطلوبة، ووقف التهريب على الحدود».

اللواء إلياس البيسري المدير العام بالإنابة للأمن العام اللبناني (المركزية)

وقد جرى توكيل جهاز الأمن العام اللبناني بملف النزوح السوري، سواء لجهة التدابير الداخلية المتخَذة أم لجهة التنسيق المباشر مع سوريا، وجرى تسجيل زيارة لمدير عام الأمن العام، اللواء إلياس البيسري إلى دمشق لهذا الغرض.

مواقف متأخرة

من جهته، أشار عضو كتلة نواب «التيار الوطني الحر (تكتل لبنان القوي)»، النائب جيمي جبور، إلى أن لملف النزوح السوري «أبعاداً عدة؛ أحدها يفترض الحوار مع الدولة السورية بشكل رسمي وجِدي لوضع آليات العودة وبدء تطبيقها، لكن البعد الآخر يفترض إقناع المجتمع الدولي بأن لبنان لم يعد قادراً على تحمل أعباء النزوح».

وقال جبور، لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نتفق مع جنبلاط جزئياً، مع إدراكنا أن هذه المواقف المتأخرة قد تكون مفيدة لإقناع الحكومة اللبنانية بالتعامل جدياً مع هذا العبء الكبير الذي يشكله الوجود السوري غير الشرعي على الأراضي اللبنانية، ويبقى أن الحدود السائبة بين لبنان وسوريا يتحمل الجيش اللبناني المسؤولية الكبرى في ضبطها، وهو يحتاج بذلك إلى قرار سياسي لم تُقْدم عليه الحكومة اللبنانية حتى الآن».

لتفاوض عربي مشترك

ولا يمانع عضو كتلة «تحالف التغيير»، النائب مارك ضو، التفاوض مع النظام السوري، ويَعدُّه «ضرورة»، لافتاً إلى وجوب أن يكون «تفاوضاً عربياً مشتركاً، أردنياً لبنانياً، وكذلك يشمل تركيا؛ للوصول إلى حل شامل للموضوع، لا إلى حل ثنائي».

ورأى ضو، في تصريح، لـ«الشرق الأوسط»، أنه «يمكن للنظام أن يؤمّن مناطق آمنة على الحدود اللبنانية السورية ضمن الأراضي السورية، لإقامة مخيمات تقوم قوى دولية مثل الأمم المتحدة بإدارتها».

رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يترأس أحد الاجتماعات للبحث في معالجة أزمة اللاجئين السوريين (حساب رئاسة الحكومة)

وعن أداء الحكومة اللبنانية في هذا الملف قال ضو: «لا نظن أن الحكومة تقوم بما يجب لحل المشكلة على صعيد دولي. وكل ما نراه هو استغلال الملف من قِبل البعض لكسب نقاط مع النظام السوري».

لإعادتهم فوراً

في المقابل، لا يزال موقف حزب «القوات اللبنانية»، برئاسة سمير جعجع، على حاله، وهو لا يؤيد التواصل مع النظام السوري، وعدَّ أنه لا دولة سورية للتواصل معها، وأن ما يقوم به مدير عام الأمن العام، اللواء إلياس البيسري، كافٍ.

وقالت عضو تكتل نواب حزب «القوات اللبنانية» (تكتل الجمهورية القوية)، النائبة غادة أيوب، لـ«الشرق الأوسط»: «مع انتفاء كل الأسباب السياسية والأمنية والعسكرية المرتبطة بالوجود السوري غير الشرعي في لبنان، بات لزاماً المباشرة فوراً بتطبيق القوانين اللبنانية المَرعية الإجراء والاتفاقية الموقَّعة بين الأمن العام ومفوضية اللاجئين، من خلال إعادة هؤلاء اللاجئين إلى بلدهم، أو إرسالهم إلى بلد آخر؛ لأن لبنان بلد عبور وليس بلد لجوء».

ولفتت إلى أن «الكلام عن وجوب حصول حوار بين لبنان وسوريا بملف السوريين الموجودين على أرضه بطريقة غير شرعية، لا داعي له؛ لأن هذا الملف تطبَّق فيه حصراً القوانين اللبنانية، وبالتالي من الأفضل تطبيق القانون فوراً وترحيلهم، وبعدها يجري إجراء حوار مع سوريا بأي شأن آخر مرتبط بالعلاقات بين البلدين، علماً بأن هناك تنسيقاً دائماً بين الأجهزة الأمنية».

وختمت أيوب: «بالنسبة للحكومة والجيش والأمن العام اللبناني، فهم مشكورون؛ للدور الذي يقومون به بالاستجابة لضبط الأوضاع، وتوجيه الإنذارات لكل من يخالف القوانين على الأراضي اللبنانية، لكن الحملة، التي بدأت منذ أشهر، تراجعت وتيرتُها بفعل الحرب، لكن هذا الخطر الداهم والوجودي الذي يهدد هوية لبنان لا يفترض أن يتوقف التصدي له، وعلى الأجهزة استكمال الإجراءات التي بدأتها، كما أن على الحكومة إصدار تقارير دورية؛ لمعرفة أعداد الذين يغادرون، والعقبات التي تقف بطريق إعادتهم إلى بلدهم، أو ترحيلهم إلى دولة أخرى».