«القوات اللبنانية» في الذكرى الـ30 لحلّها: عودة إلى الصدارة مسيحيّاً

بويز يشرح لـ«الشرق الأوسط» كيف اتخذ النظام السوري قرار التخلّص من سمير جعجع

رئيس «حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع (رويترز)
رئيس «حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع (رويترز)
TT

«القوات اللبنانية» في الذكرى الـ30 لحلّها: عودة إلى الصدارة مسيحيّاً

رئيس «حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع (رويترز)
رئيس «حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع (رويترز)

استحضرت الذكرى الثلاثون لحلّ حزب «القوات اللبنانية» مرحلة إمساك النظام الأمني السوري بمفاصل الحكم في لبنان، وإزاحة أي مكوّن لبناني يمكن أن يشكّل حالةً اعتراضيةً على إدارة هذا النظام لمؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، إذ جرى التمهيد لهذا القرار عبر جريمة تفجير كنيسة سيّدة النجاة في منطقة جونية، واتهمت «القوات اللبنانية» بها على الفور، وسجن قائدها سمير جعجع وعدد كبير من كوادرها، وتداعى مجلس الوزراء يومها إلى جلسة سريعة خصصت لإعلان القرار بحلّ هذا الحزب وحظر أي نشاط له على الأراضي اللبنانية.

إزاحة «القوات اللبنانية» عن المشهد شكلت ضربة قويّة للمسيحيين، خصوصاً أنها أعقبت عملية الإطاحة بميشال عون، في عملية عسكرية نفّذها الجيش السوري على قصر بعبدا.

ورغم أن المجلس العدلي برّأ جعجع وحزبه من جريمة تفجير الكنيسة، فإنه استكمل فتح الملفات القضائية له، ما أسفر عن سجنه أكثر من 11 عاماً.

يزبك: دفعنا ثمن معارضتنا خطف «اتفاق الطائف»

وعدَّ عضو كتلة «الجمهورية القوية»، النائب غياث يزبك، أنه «منذ أن أوكل الغرب إلى سوريا مهمّة الإشراف على تنفيذ اتفاق الطائف، انحرفت عن مبادئ عبور اللبنانيين إلى المصالحة، وجاءت معارضة (القوات اللبنانية) لهذا السلوك». وأوضح يزبك لـ«الشرق الأوسط» أن «القوات» ورئيسها وقادتها «دفعوا ثمن مواجهتهم لخطف اتفاق الطائف والدفاع عن مشروع بناء الدولة على أسس عادلة تحترم التنوع، كما تقف اليوم بوجه خطف الدولة من قبل (حزب الله)».

ورغم تبرئة جعجع وحزبه من جريمة تفجير الكنيسة، لم يكشف القضاء اللبناني ولا الأجهزة الأمنية عن الجهة التي نفذت تلك الجريمة حتى الآن. ورأى النائب يزبك أن «الوقائع تؤكد أن النظام السوري يقف وراء هذه الجريمة»، عاداً أن «القوات»، «لم تبدّل مبادئها وقناعاتها منذ إقرار اتفاق الطائف حتى اليوم، وهي انحازت إلى جانب الدولة ومشروع لبنان الواحد، ولا تزال».

ومع أن الحكومة التي اتخذت قرار حلّ «حزب القوات» كان يرأسها رفيق الحريري، فإن غالبية وزرائها كانوا من حلفاء سوريا.

بويز: «مناخ سوري» مهد لقرار حل «القوات»

وكشف وزير الخارجية الأسبق، فارس بويز، عن الأجواء التي سادت تلك الجلسة، وأعلن في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الاعتراض على القرار كان خجولاً، وأنه عارض شخصياً مثل هذا القرار قانونياً». وقال: «حتى لو سلمنا جدلاً أن جهازاً أمنياً في (القوات اللبنانية) نفذ العملية، لا يمكن تحميل الحزب المسؤولية والذهاب إلى حلّه، حتى قبل صدور حكم قضائي».

وتحدثّ بويز عن «مناخ سوري» مهّد لهذا القرار. وأضاف: «هناك فريق مسيحي لبناني على رأسه إيلي حبيقة وسليمان فرنجية والحزب السوري القومي الاجتماعي، أقنع الرئيس حافظ الأسد بأن بقاء جعجع على المسرح السياسي سيجعل من المستحيل توحيد الدولة وبناء جيش قوي»، مشيراً إلى أن «قيادات أمنية وعسكرية لبنانية سوّقت في دمشق لفكرة أنه لا يمكن بناء جيش قوي في لبنان بوجود سمير جعجع الذي يمتلك قوة سياسية وشعبية وعقائدية، تجعله قادراً على استمالة أكثرية الضباط المسيحيين، خصوصاً بعد الإطاحة بميشال عون»، مشدداً على أن هذا الفريق «تمكّن من تغيير رأي حافظ الأسد، الذي كان يميل إلى طي صفحة الماضي وتشكيل حكومة لبنانية متوازنة يشترك فيها كلّ من أيّد اتفاق الطائف، بمن فيهم (القوات اللبنانية)».

ولفت بويز إلى أن «جهاز المخابرات السوري ومعه مسؤولون سياسيون وضباط لبنانيون، عادوا وأقنعوا حافظ الأسد بفكرة الإطاحة بجعجع، وقدّموا تصوراً يفيد بأن الأخير سيتحكّم بعهد إلياس الهراوي كما تحكّم بشير الجميل بعهد إلياس سركيس، فكان قرار التخلص من (القوات) وقائدها».

مضايقات لزوجة جعجع وأنصاره

واستطاع النظام السوري خلال هيمنته على لبنان أن يضعف «القوات اللبنانية»، إذ إنه بالتزامن مع سجن جعجع ومطاردة كوادر الحزب وعناصره واعتقالهم لأي سبب، كانت ستريدا، زوجة سمير جعجع، تعيش ما يشبه الإقامة الجبرية، فكانت الحواجز الأمنية تطوّق منزلها في منطقة يسوع الملك (كسروان - جبل لبنان) ويتعرضّ زوارها إلى مضايقات شديدة جداً تصل أحياناً إلى احتجازهم والتحقيق معهم.

وقبيل خروج جعجع من السجن بأيام، حصلت الانتخابات النيابية، وشاركت فيها «القوات» لأول مرّة، ونالت أربعة مقاعد، أحدها شغلته ستريدا جعجع، مقابل فوز كاسح لـ«التيار الوطني الحرّ» برئاسة ميشال عون، العائد لتوّه من المنفى الباريسي، الذي حصد 70 في المائة من أصوات المسيحيين. ومع انتخابات 2009 بقي عون الأقوى مسيحياً، مع تراجع ملحوظ جراء تحالفه مع «حزب الله»، فيما نالت «القوات اللبنانية» التي كانت أحد أبرز مكونات «قوى 14 آذار» 8 مقاعد، قبل أن تحصد في انتخابات الـ2022 الأكثرية المسيحية بـ19 نائباً.

أسباب صعود شعبية «القوات»

هذا الصعود التدريجي في شعبيّة «القوات» عزاه فارس بويز إلى التركيبة الطائفية في لبنان، وأن «كلّ طائفة تريد خلق قوة تحميها في ظلّ تراجع الخيارات الوطنية». وقال: «عندما وصل ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية ظهرت أخطاؤه، وبدأت شعبيته تتراجع بشكل كبير، خصوصاً عندما استأثر مع صهره جبران باسيل بكل المواقع المسيحية في الدولة ولم يحقق أي إنجاز، لا سيما في وزارة الطاقة التي تحوّلت إلى محرقة حقيقية، وبقي متمسكاً بها».

ورأى بويز أن «(القوات اللبنانية) قدّمت تجربة جيّدة جداً، إذ تعاطت السياسة باحتراف، واختارت وزراء من أصحاب الكفاءات، مثل إبراهيم نجار على رأس وزارة العدل، والمحامي كميل بو سليمان في وزارة العمل، وهؤلاء لم يكونوا حزبيين، بل كانوا يتمتعون باستقلالية معيّنة، وقدموا تجربة رائدة في العمل الوزاري، كما أبلت بلاءً حسناً في السنوات الستّ الأخيرة، عندما ابتعدت عن الصفقات التي احترفها أخصامها»، عاداً أن «سقوط العونية السياسية عمّق النفوذ القواتي في المجتمع المسيحي إلى حدّ كبير».


مقالات ذات صلة

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

المشرق العربي لبنانيون يشاهدون من جانب الطريق الدخان يتصاعد نتيجة قصف إسرائيلي على ضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

نشرت القناة 12 الإسرائيلية تفاصيل عما وصفته بأنه «النقاط العالقة» بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني للوصول إلى وقف لإطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي خلال زيارته وزارة الدفاع (حسابه عبر منصة إكس)

ميقاتي: اللبنانيون مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم

أكد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أن «اللبنانيين مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم لإيمانهم بما تحمل لهم من معاني الحرية والسيادة»

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والملك عبد الله الثاني بن الحسين ويظهر الشيخ عبد الله بن زايد وأيمن الصفدي وعدد من المسؤولين خلال اللقاء (وام)

تأكيد إماراتي أردني على أهمية تكثيف الجهود لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، بحث مع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني بن الحسين، قضايا المنطقة والعلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
المشرق العربي مسيّرة إسرائيليّة من نوع (هرمز 450)

«حزب الله» يعلن إسقاط مسيّرة إسرائيلية من طراز «هرمز 450» فوق الطيبة

أعلنت جماعة حزب الله اللبنانية، في ساعة مبكرة من صباح اليوم الثلاثاء، أنها أسقطت مسيرة إسرائيلية بصاروخ أرض-جو في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (هرمز 450)
المشرق العربي عناصر من خدمة الطوارئ الإسرائيلية في مكان سقوط مقذوف في حيفا أطلق من لبنان (رويترز)

الجيش الإسرائيلي: سقوط صواريخ أطلقها «حزب الله» على حيفا وتضرر كنيس

أعلن الجيش الإسرائيلي تضرر كنيس في «هجوم صاروخي كبير» شنه «حزب الله» اللبناني على مدينة حيفا (شمال غرب)؛ ما أسفر عن إصابة شخصين.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
TT

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)

قال مسؤول دفاعي أميركي كبير إن قائداً كبيراً في «حزب الله» اللبناني كان قد ساعد في التخطيط لإحدى أجرأ وأعقد الهجمات ضد القوات الأميركية، خلال حرب العراق، قُتل في غارة إسرائيلية على سوريا.

واعتقلت القوات الأميركية علي موسى دقدوق، بعد مداهمة عام 2007، عقب عملية قتل فيها عناصرُ يتنكرون في صورة فريق أمن أميركي، خمسة جنود أميركيين. ووفقاً لموقع «إن بي سي» الأميركي، أطلقت السلطات العراقية سراحه لاحقاً.

وأضاف المسؤول الدفاعي الأميركي، وفق ما نقل عنه موقع «إن بي سي»، أن تفاصيل الضربة الجوية الإسرائيلية غير معروفة، متى حدثت، وأين وقعت في سوريا، وهل كان هدفها دقدوق تحديداً.

الغارة المعقدة، التي ساعد دقدوق في التخطيط لها، حدثت في مجمع عسكري مشترك أميركي-عراقي في كربلاء، في 20 يناير (كانون الثاني) 2007.

تنكَّر مجموعة من الرجال في زي فريق أمن عسكري أميركي، وحملوا أسلحة أميركية، وبعضهم كان يتحدث الإنجليزية، ما جعلهم يَعبرون من عدة نقاط تفتيش حتى وصلوا قرب مبنى كان يأوي جنوداً أميركيين وعراقيين.

كانت المنشأة جزءاً من مجموعة من المنشآت المعروفة باسم «محطات الأمن المشترك» في العراق، حيث كانت القوات الأميركية تعيش وتعمل مع الشرطة والجنود العراقيين. كان هناك أكثر من عشرين جندياً أميركياً في المكان عندما وصل المسلّحون.

حاصرت العناصر المسلّحة المبنى، واستخدموا القنابل اليدوية والمتفجرات لاختراق المدخل. قُتل جندي أميركي في انفجار قنبلة يدوية. بعد دخولهم، أَسَر المسلّحون جندين أميركيين داخل المبنى، واثنين آخرين خارج المبنى، قبل أن يهربوا بسرعة في سيارات دفع رباعي كانت في انتظارهم.

طاردت مروحيات هجومية أميركية القافلة، ما دفع المسلّحين لترك سياراتهم والهروب سيراً على الأقدام، وخلال عملية الهرب أطلقوا النار على الجنود الأميركيين الأربعة.

وفي أعقاب الهجوم، اشتبه المسؤولون الأميركيون بأن المسلّحين تلقّوا دعماً مباشراً من إيران، بناءً على مستوى التنسيق والتدريب والاستخبارات اللازمة لتنفيذ العملية.

وألقت القوات الأميركية القبض على دقدوق في مارس (آذار) 2007. وكما يذكر موقع «إن بي سي»، أثبتت أن «فيلق القدس»، التابع لـ«الحرس الثوري الإيراني»، كان متورطاً في التخطيط لهجوم كربلاء. واعترف دقدوق، خلال التحقيق، بأن العملية جاءت نتيجة دعم وتدريب مباشر من «فيلق القدس».

واحتجز الجيش الأميركي دقدوق في العراق لعدة سنوات، ثم سلَّمه إلى السلطات العراقية في ديسمبر (كانون الأول) 2011.

وقال المسؤول الأميركي: «قالت السلطات العراقية إنها ستحاكم دقدوق، لكن جرى إطلاق سراحه خلال أشهر، مما أثار غضب المسؤولين الأميركيين. وعاد للعمل مع (حزب الله) مرة أخرى بعد فترة وجيزة».