سجال بين بغداد وأربيل في ذكرى «كيماوي حلبجة»

السوداني يتعهد بإنصاف الكرد... ومطالبات بتعويض الضحايا وتحويل المدينة إلى محافظة

سيدة كردية تحمل صورة لأفراد أسرتها قضوا بالقصف الكيماوي على حلبجة عام 1988 (أ.ف.ب)
سيدة كردية تحمل صورة لأفراد أسرتها قضوا بالقصف الكيماوي على حلبجة عام 1988 (أ.ف.ب)
TT

سجال بين بغداد وأربيل في ذكرى «كيماوي حلبجة»

سيدة كردية تحمل صورة لأفراد أسرتها قضوا بالقصف الكيماوي على حلبجة عام 1988 (أ.ف.ب)
سيدة كردية تحمل صورة لأفراد أسرتها قضوا بالقصف الكيماوي على حلبجة عام 1988 (أ.ف.ب)

تحولت الذكرى 36 لقصف مدينة حلبجة الكردية بالسلاح الكيماوي، إلى مناسبة للسجال بين حكومتَي بغداد وأربيل حول قضايا خلافية تتعلق بحقوق الكرد وصلاحيات إقليم كردستان.

وتعرضت المدينة الواقعة شمال شرقي البلاد، في 16 مارس (آذار) 1988، إلى قصف بالأسلحة الكيماوية من قِبَل النظام السابق في العراق، أدى إلى مقتل أكثر من 5 آلاف من سكانها، وإصابة ضعف هذا العدد، كثير منهم يعانون من تأثيرات الغازات السامة حتى اليوم، وفقاً لتقديرات منظمات دولية ومحلية.

عائلات كردية في مقبرة تعود لضحايا القصف الكيماوي لمدينة حلبجة (أ.ف.ب)

ومنذ صباح السبت توافد زوار من جنسيات مختلفة إلى حلبجة للمشاركة في مراسم إحياء الذكرى السنوية، التي بدأت بوضع إكليل الزهور على نصب تذكاري يرمز إلى الضحايا.

وفي المؤسسات الحكومية بإقليم كردستان، بدأ يوم العمل الرسمي بالوقوف دقيقة صمت، فيما شهدت مرافق اجتماعية وثقافية جلسات حوار عن الفاجعة وظروفها التاريخية.

وقال الرئيس العراقي، عبد اللطيف جمال رشيد، السبت، في تدوينة على حسابه عبر منصة «إكس»: «قام النظام الاستبدادي بقصف المدينة بالأسلحة الكيماوية في جريمة يندى لها جبين الإنسانية، وقتل وأصاب وهجّر الآلاف من الكرد الذين لا ذنب لهم سوى أنهم أرادوا العيش بحرية وكرامة وسلام، أسوة بأقرانهم من المواطنين من باقي المكونات، الذين تعرضوا أيضاً لشتى أنواع القمع والاضطهاد»، حسبما نقلت عنه «وكالة الأنباء العراقية (واع)».

دقيقة صمت في قصر السلام ببغداد في ذكرى قصف حلبجة (إعلام رئاسة الجمهورية)

وفي بغداد، قال رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، السبت، إن الحكومة «تستذكر بألم هذه الجريمة وضحاياها، وتؤكد للأجيال وحشية النظام المقبور وجرائمه بحق أبناء شعبنا الكردي وباقي أطياف الشعب العراقي».

وأضاف السوداني، في بيان صحافي مقتضب: «ستبقى هذه المأساة حاضرة في الوجدان، وتحثنا نحو بذل المزيد لتعزيز نظامنا الديمقراطي».

في المقابل، عبَّر رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، عن خيبة أمله من «مماطلات بغداد حيال حقوق الشعب الكردي التي تتعرض، حسب تعبيره، لـ«المحو».

وقال بارزاني، في تدوينة له على موقع «إكس»، إن «جريمة الهجوم الكيميائي على حلبجة دليل على القمع والعقلية اللاإنسانية التي يعاني منها أعداء الكرد، الذين، وبعد مرور 36 عاماً على مأساتها، يحاولون اليوم في الدولة العراقية، ومع الأسف، محو حقوق شعب كردستان وإنكارها».

وشدد رئيس الإقليم، نيجيرفان بارزاني، على وجوب «تعويض حلبجة وكل ضحايا الإبادة العرقية والأنفال وسائر جرائم النظام السابق في الإقليم، ومن كل النواحي، وتقديم أفضل الخدمات لهم في المجالات كافة».

التناقض في المواقف بين بغداد وأربيل، حتى في هذه المناسبة، جاء بعد أشهر من تصاعد الخلافات السياسية والقانونية حول مسألة تصدير النفط وتقاسم موارد الموازنة وتأمين رواتب موظفي الإقليم.

وتفاقم الأمر إثر سلسلة قرارات اتخذتها المحكمة الاتحادية، آخرها توطين رواتب موظفي الإقليم شرطاً لإطلاق الرواتب، بينما وصلت العلاقة إلى المحك، حينما انسحب القاضي الكردي عبد الرحمن زيباري من عضوية هذه المحكمة.

من جهتها، قالت السفيرة الأميركية في بغداد، إلينا رومانوسكي، إن الولايات المتحدة بالشراكة مع العراقيين والكرد، تدعم الضحايا وأسرهم في حلبجة، وتلتزم بجهود المساءلة والتعافي. وتابعت: «يجب علينا منع استخدام السلاح الكيماوي في جميع أنحاء العالم».

سجال قانوني

فتحت الذكرى ملف تعويض المدينة، وتحويلها إلى محافظة. وقال رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني، إن الحكومات العراقية المتعاقبة بعد سقوط النظام السابق لم تكن مستعدة لتعويض عوائل ضحايا، ولا لاستكمال إجراءات تحويل حلبجة إلى محافظة.

ورغم أن مجلس الوزراء أقر مشروع قانون استحداث محافظة حلبجة، في 13 مارس (آذار) 2023، فإن «مجلس النواب» لم يقر القانون حتى الآن.

وأصبحت حلبجة قضاء (وحدة إدارية أصغر من المحافظة) عام 1998، وأعلنها برلمان كردستان محافظة عام 1999، واعتمدتها كذلك حكومة الإقليم في 13 مارس 2014.

وكرر رئيس الحكومة المحلية في حلبجة، آزاد توفيق، السبت، مطالبته باستحداث المحافظة الـ19 بالعراق، مشدداً على «الحكومة الاتحادية عدم التمييز بين المواطنين من زاخو إلى أقصى الفاو».

وقال توفيق في كلمة ألقاها بمناسبة الذكرى: «أكثر من 5000 إنسان بريء قُتلوا جراء القصف، فماذا قدمت الحكومة الاتحادية لذويهم؟ وماذا ستُقدم؟».

كردي بالزي التقليدي يعاين صوراً لضحايا حلبجة داخل متحف في المدينة (أ.ف.ب)

خلاف عميق

سياسياً، رأى محمود خوشناو، وهو قيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، أن «فاجعة حلبجة تجمع بغداد وأربيل، لكن الطرفين السياسيين لم يفهما المغزى المشترك ويتغافلان عنه، ويخوضان في انقسام سياسي عميق».

وقال خوشناو، لـ«الشرق الأوسط» إن «الخلافات عميقة بعمق التمسك والتفرد بالسلطة، والسيطرة على مفاصل الدولة والعملية السياسية من الطرفين»، وأشار إلى أن «الأحزاب المتنفذة لم تتمكن حتى اللحظة من اختيار نقطة تلاقٍ تحقّق أهدافاً مشتركة وتحول الخلاف إلى توافق».

وتابع القيادي الكردي: «الفواعل الخارجية وأدواتها الداخلية تعمل ليل نهار على بقاء الاستنزاف والخلاف».

ورجح خوشناو أن تتصاعد الخلافات أكثر خلال الأشهر المقبلة إذا لم تحل المشكلة من جذورها.

من جهته، أكد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية، عصام فيلي، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك تقاطعاً واضحاً في العديد من الالتزامات بين المركز والإقليم رغم مساعي الحكومة لرأب الصدع لكنّ هناك أطرافاً لا تزال تدق إسفيناً بينهما».

وأضاف فيلي أن «سلسلة حوادث حصلت، بما فيها انسحاب القاضي الكردي، تؤكد أن هناك مَن يحاول تصعيد مستوى الخلاف بين الطرفين على كل الصعد، بما في ذلك إطلاق رواتب موظفي الإقليم»، مبيناً أن «المركز والإقليم بحاجة إلى احترام طبيعة النظام السياسي الذي تأسس بموجبه العراق الجديد».


مقالات ذات صلة

بغداد: المنطقة تحت النار وهناك تهديدات واضحة من إسرائيل لنا

المشرق العربي وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين (الخارجية العراقية)

بغداد: المنطقة تحت النار وهناك تهديدات واضحة من إسرائيل لنا

قال وزير خارجية العراق فؤاد حسين، الجمعة، إن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وجّه القوات المسلحة باتخاذ إجراءات بحق كل من يشن هجمات باستخدام الأراضي العراقية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد متحدثاً أمام «منتدى السلام» في دهوك (شبكة روداو)

وزير الخارجية العراقي: تلقينا تهديدات إسرائيلية «واضحة»

قدّم مسؤولون عراقيون تصورات متشائمة عن مصير الحرب في منطقة الشرق الأوسط، لكنهم أكدوا أن الحكومة في بغداد لا تزال تشدّد على دعمها لإحلال الأمن والسلم.

«الشرق الأوسط» (أربيل)
المشرق العربي «تشاتام هاوس» البريطاني نظّم جلسات حول مصير العراق في ظل الحرب (الشرق الأوسط)

العراق بين حافتَي ترمب «المنتصر» و«إطار قوي»

في معهد «تشاتام هاوس» البريطاني، طُرحت أسئلة عن مصير العراق بعد العودة الدرامية لدونالد ترمب، في لحظة حرب متعددة الجبهات في الشرق الأوسط.

علي السراي (لندن)
المشرق العربي السوداني خلال اجتماع مجلس الأمن الوطني الطارئ (رئاسة الوزراء العراقية)

العراق: 12 خطوة لمواجهة التهديدات والشكوى الإسرائيلية لمجلس الأمن

أثارت الشكوى الإسرائيلية الموجهة إلى مجلس الأمن الدولي بشأن الهجمات التي تشنها الفصائل المسلحة العراقية عليها غضب حكومة محمد شياع السوداني.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي السوداني يزور مقر وزارة التخطيط المشرفة على التعداد صباح الأربعاء (رئاسة الوزراء العراقية)

العراق: انطلاق عمليات التعداد السكاني بعد سنوات من التأجيل

بدت معظم شوارع المدن والمحافظات العراقية، الأربعاء، خالية من السكان الذين فُرض عليهم حظر للتجول بهدف إنجاز التعداد السكاني الذي تأخر لأكثر من 10 سنوات.

فاضل النشمي (بغداد)

الخارجية الفلسطينية: قرار إلغاء الاعتقال الإداري للمستوطنين يشجعهم على ارتكاب الجرائم

قوات إسرائيلية تقوم بتأمين مَسيرة للمستوطنين في البلدة القديمة بالخليل (وفا)
قوات إسرائيلية تقوم بتأمين مَسيرة للمستوطنين في البلدة القديمة بالخليل (وفا)
TT

الخارجية الفلسطينية: قرار إلغاء الاعتقال الإداري للمستوطنين يشجعهم على ارتكاب الجرائم

قوات إسرائيلية تقوم بتأمين مَسيرة للمستوطنين في البلدة القديمة بالخليل (وفا)
قوات إسرائيلية تقوم بتأمين مَسيرة للمستوطنين في البلدة القديمة بالخليل (وفا)

قالت وزارة الخارجية الفلسطينية، اليوم الجمعة، إن قرار إسرائيل إلغاء الاعتقال الإداري للمستوطنين يشجعهم على ارتكاب المزيد من الجرائم.

وأضافت الخارجية، في بيان أوردته وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، أنها تنظر بخطورة بالغة لقرار وزير الدفاع الإسرائيلي إلغاء الاعتقال الإداري بحق المستوطنين «الذين يرتكبون جرائم وانتهاكات ضد المواطنين الفلسطينيين، علماً بأن عدد الذين تم اعتقالهم قليل جداً، وعلى مبدأ اعتقالات شكلية بنمط الباب الدوار».

ورأت الوزارة أن هذا القرار يشجع المستوطنين المتطرفين «على ممارسة الإرهاب ضد الفلسطينيين وأرضهم وممتلكاتهم، ويعطيهم شعوراً إضافياً بالحصانة والحماية».

وطالبت الخارجية الفلسطينية «بتحرك دولي فاعل للجم إرهاب ميليشيات المستوطنين، ووضع حد لإفلاتهم المستمر من العقاب، وحماية شعبنا من تغول الاحتلال».

وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، اليوم الجمعة، أنه قرر إنهاء استخدام الاعتقال الإداري بحق المستوطنين اليهود في الضفة الغربية المحتلة.

وقال كاتس في بيان إنه قرر «وقف استخدام مذكرات الاعتقال الإداري ضد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية، في واقع تتعرض فيه المستوطنات اليهودية هناك لتهديدات إرهابية فلسطينية خطيرة، ويتم اتخاذ عقوبات دولية غير مبررة ضد المستوطنين».

وأضاف: «ليس من المناسب لدولة إسرائيل أن تتخذ خطوة خطيرة من هذا النوع ضد سكان المستوطنات»، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».