مبادرة كتلة «الاعتدال» لانتخاب رئيس للبنان تصطدم بـ«حزب الله»

الطريق سالكة إعلامياً... لكنها مقطوعة سياسياً لتسويقها

وفد «كتلة الاعتدال الوطني» خلال اجتماعه مع كتلة «حزب الله» في الضاحية (الشرق الأوسط)
وفد «كتلة الاعتدال الوطني» خلال اجتماعه مع كتلة «حزب الله» في الضاحية (الشرق الأوسط)
TT

مبادرة كتلة «الاعتدال» لانتخاب رئيس للبنان تصطدم بـ«حزب الله»

وفد «كتلة الاعتدال الوطني» خلال اجتماعه مع كتلة «حزب الله» في الضاحية (الشرق الأوسط)
وفد «كتلة الاعتدال الوطني» خلال اجتماعه مع كتلة «حزب الله» في الضاحية (الشرق الأوسط)

فوجئت كتلة «الاعتدال الوطني» بأن ردود الفعل الإيجابية على مبادرتها التي أطلقتها لإخراج الاستحقاق الرئاسي من التأزم بانتخاب رئيس للجمهورية لا توحي بأن الطريق سالكة سياسياً لانتخابه، برغم الترحيب الإعلامي الذي قوبلت به من معظم الكتل النيابية التي أبدت استعدادها للانخراط في اللقاء التشاوري الذي دعت إليه للتوافق على خريطة الطريق المؤدّية إلى إنهاء الشغور الرئاسي.

وبصرف النظر عن مضامين المداولات التي جرت بين كتلة «الاعتدال» والكتل النيابية لتأمين النصاب النيابي الجامع لتسهيل انعقاد اللقاء التشاوري، فإن توجّه قوى المعارضة، باستثناء حزب «الكتائب»، للمشاركة في اللقاء التشاوري إلى جانب كتلة «اللقاء الديمقراطي»، كان وراء إحراج الكتل النيابية المنتمية إلى محور الممانعة، التي كانت تراهن على أن الرفض سيأتي من المعارضة، ما يعفيها من الإحراج.

لكن محور الممانعة أخطأ في تقديره لموقف المعارضة، ما اضطره للدخول مباشرة على الخط لتعطيل المبادرة التشاورية وعدم الانخراط فيها، لقطع الطريق على احتمال توصل المشاورات إلى ترجيح الخيار الرئاسي الثالث، باستبعاد رئيس تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية ومنافسه الوزير السابق جهاد أزعور من السباق إلى رئاسة الجمهورية، إفساحاً في المجال أمام التوافق على مرشح يقف على مسافة واحدة من محور الممانعة والمعارضة، ويتمتع بالمواصفات التي حددتها اللجنة «الخماسية».

لقاء «الاعتدال» و«حزب الله»: لا تقدم

في هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» من مصادر سياسية أن لقاء كتلة «الاعتدال» مع كتلة «الوفاء للمقاومة» الناطقة بلسان «حزب الله» لم يحقق أي تقدّم، وانتهى كما بدأ، لأن لدى الحزب مجموعة من الهواجس، وهو في حاجة لمزيد من الوقت قبل أن يقول كلمة الفصل في دعوته للانخراط في التشاور لوضع حد لاستمرار الشغور في رئاسة الجمهورية.

وكشفت المصادر النيابية أن الحزب باقٍ على موقفه بدعم ترشيحه فرنجية، وبالتالي ليس في وارد التخلي عن دعمه لصالح البحث عن رئيس توافقي يصنّف على خانة الخيار الرئاسي الثالث، وقالت إن مثل هذا الخيار يدفعه إلى التوجّس والتمهّل في تحديد موقفه، وهو لن يبدّل خياراته الرئاسية لقطع الطريق على انتخاب رئيس لا يوفر الحماية للمقاومة ولا يطعنها في الظهر، وهذا ما ينطبق على المواصفات التي يجب أن يتمتع بها الرئيس العتيد.

ولفتت إلى أن تريّث الحزب في تحديد موقفه لم يأتِ من فراغ، وجاء متناغماً إلى حد بعيد مع تريّث كتلة تيار «المردة»، وتكتل «التوافق الوطني»، الذي يضم النواب فيصل كرامي، وطه ناجي، وعدنان الطرابلسي، وحسن مراد، ومحمد يحيى، في تحديد موقفهما، بذريعة أنهما في حاجة لمزيد من الوقت لدراسة العرض الذي قدّمته لهما كتلة «الاعتدال».

وسألت المصادر نفسها عن الأسباب الكامنة وراء تريّث كتلتي «المردة» و«التوافق الوطني» في تحديد موقفهما من دعوتهما للقاء تشاوري، وهل لتريثهما علاقة مباشرة بما يتردد أنهما لا يريدان حرق المراحل ويفضّلان التمهّل ريثما يقول «حزب الله» كلمته بعد استقباله كتلة «الاعتدال» في ختام لقاءاتهما بالكتل النيابية؟

كما سألت عما إذا كان الحزب، من خلال كتلته النيابية، أراد أن يستحضر ما لديه من هواجس لقطع الطريق على ترجيح كفة الخيار الرئاسي الثالث المدعوم من اللجنة «الخماسية»، التي تتمثل فيها الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر.

تأييد الخماسية لمبادرة «الاعتدال» يثير هواجس «حزب الله»

وما يزيد من ارتفاع منسوب الهواجس لدى الحزب يكمن في أن تحرك كتلة «الاعتدال» يلقى، كما يقول عدد من نوابها، كل تأييد من «الخماسية» التي تبارك كل حراك لبناني يراد منه تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية، باعتبار أن «الخماسية» تشكل مجموعة دعم ومساندة للمحاولات الرامية إلى إخراج انتخاب الرئيس من التأزم.

وتردد أن انفتاح كتلة «الاعتدال» على «الخماسية» يُقلق الحزب، في ضوء الدعم الذي تلقته منها، والذي جاء بعد اجتماعها بسفراء كل من المملكة العربية السعودية وليد البخاري، ومصر علاء موسى، وفرنسا هرفيه ماغرو، والمستشار السياسي في السفارة الأميركية، الذي فضّل، كما يقول النواب، الاستماع إلى وجهة نظرهم من دون أن يحدد موقفه من مبادرتهم لعقد لقاء تشاوري تحت قبة البرلمان.

كما تردد أن الحزب يتحسّب، منذ الآن، للموقف الذي يمكن أن يتّخذه النواب الذين يتموضعون في منتصف الطريق بين محور الممانعة والمعارضة، وعلى رأسهم المنتمون إلى كتلة «الاعتدال»، الذين لن يدعموا أي مرشح لرئاسة الجمهورية لا يحظى بتأييد عربي يعيد لبنان إلى حاضنته العربية من جهة، وإلى خريطة الاهتمام الدولي.

لذلك، لا يبدي الحزب حماسة للمشاركة في اللقاء التشاوري طالما أنه لم يتمكن حتى الساعة، كما تقول المصادر النيابية، من كسب مزيد من المؤيدين لفرنجية، ما يسمح بسحب الخيار الرئاسي الثالث من التداول، الذي يمكن أن يتصدّر جدول أعمال اللقاء في حال تقرر انعقاده.

«حزب الله» ما زال متمسكاً بتأييد فرنجية

كما أن تمسك الحزب بتأييده فرنجية أمر طبيعي، ولن يبدّل موقفه في المدى المنظور، كونه يفضّل إيداع الورقة الرئاسية لدى إيران، لعلها توظّفها لتحسين شروطها في مفاوضاتها غير المباشرة مع الولايات المتحدة، مع أن المصادر النيابية تنظر إلى مبادرة كتلة «الاعتدال» من زاوية أن أحداً لا يبيع موقفه مجاناً، وأن تأييد النواب للمبادرة ينمّ عن رغبتهم بتبرئة ذمتهم من التعطيل ولا شيء غير ذلك.

ويبقى السؤال؛ هل تأتي مبادرة كتلة «الاعتدال» في سياق ملء الفراغ في الوقت الضائع، في حال تيسّر انعقاد اللقاء التشاوري العالق مصيره على ما سيؤول إليه اجتماعها غداً (السبت) برئيس المجلس النيابي نبيه بري، لإطلاعه على خلاصة ما توصلت إليه في لقاءاتها النيابية لتسويق مبادرتها، في وقت يبدو، حتى إشعار آخر، أنه لم يحن أوان إدراج انتخاب الرئيس على جدول أعمال الناخبين المحليين، ريثما تعاود «الخماسية» تحركها لوضع إنجاز الاستحقاق الرئاسي على نار حامية، شرط أن يبادر النواب إلى التجاوب مع الدعوات الدولية لانتخاب الرئيس اليوم قبل الغد، لأن تعاونهم يحفّز الناخبين الكبار، سواء أكانوا إقليميين أو دوليين، لتوفير المساعدة لطيّ صفحة الشغور الرئاسي؟


مقالات ذات صلة

سلام «يستشير» النواب في شكل حكومته… وتفاؤل بـ«أداء جديد»

المشرق العربي رئيس الوزراء اللبناني المكلف نواف سلام (إ.ب.أ)

سلام «يستشير» النواب في شكل حكومته… وتفاؤل بـ«أداء جديد»

برزت دعوات الكتل النيابية اللبنانية إلى تشكيل «حكومة كفاءات» مع إطلاق الرئيس المكلف، نواف سلام، الاستشارات النيابية غير الملزمة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جنود إسرائيليون ينتشرون قرب الجدار الفاصل مع لبنان (رويترز)

إسرائيل تدفع بتعزيزات إلى كفركلا وتواصل نسف بيوت جنوب لبنان

دفعت القوات الإسرائيلية الأربعاء بتعزيزات جديدة إلى المنطقة الحدودية في جنوب لبنان، استعداداً للتوجه إلى بلدة كفركلا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية المكلف نواف سلام (رويترز)

لبنان: سلام يحتوي تداعيات مقاطعة «الثنائي الشيعي» الاستشارات بلقاء بري

قاطع الثنائي الشيعي «حزب الله» و«حركة أمل»، الأربعاء، الاستشارات النيابية غير الملزمة التي عقدها الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، نواف سلام، في البرلمان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي 
رئيس الجمهورية اللبناني مجتمعاً مع رئيس البرلمان ورئيس الحكومة المكلف أمس (رويترز)

سلام: نشر السلطة في كل لبنان... وعدم إقصاء أحد

تكثفت الاتصالات في لبنان لمعالجة تداعيات تكليف نواف سلام تشكيل الحكومة الجديدة وسط معارضة «حزب الله» وحركة «أمل» التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري لهذا.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس الوزراء اللبناني المكلف نواف سلام يلوح بيده لدى وصوله للقاء الرئيس اللبناني جوزيف عون (إ.ب.أ) play-circle 01:44

ما مشكلة «الثنائي الشيعي» مع رئيس الحكومة المكلف نواف سلام؟

يستغرب كثيرون معارضة «الثنائي الشيعي (حزب الله) و(حركة أمل)» الشديدة تكليف القاضي نواف سلام تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة.

بولا أسطيح (بيروت)

اندفاعة عربية ودولية نحو دعم لبنان تدشّنها زيارة ماكرون

الرئيس اللبناني جوزيف عون ورئيس الحكومة المكلف نواف سلام في القصر الجمهوري (رويترز)
الرئيس اللبناني جوزيف عون ورئيس الحكومة المكلف نواف سلام في القصر الجمهوري (رويترز)
TT

اندفاعة عربية ودولية نحو دعم لبنان تدشّنها زيارة ماكرون

الرئيس اللبناني جوزيف عون ورئيس الحكومة المكلف نواف سلام في القصر الجمهوري (رويترز)
الرئيس اللبناني جوزيف عون ورئيس الحكومة المكلف نواف سلام في القصر الجمهوري (رويترز)

يشكّل انتخاب الرئيس اللبناني جوزيف عون وتسمية الرئيس المكلّف نواف سلام لتأليف الحكومة الأولى للعهد الجديد، موضع اهتمام عربي ودولي غير مسبوق، وهذا ما تترجمه الزيارات التي يبدأها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت، الجمعة، لتهنئة الرئيس عون والرئيس المكلف.

وفي حين جال وزير خارجية إسبانيا والاتحاد الأوروبي خوسيه مانويل ألباريس على المسؤولين اللبنانيين، الأربعاء، بالتزامن مع لقاءات مماثلة لوزير خارجية الدنمارك لارس لوكه راسموسن، من المقرر أن يصل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش السبت إلى بيروت، ثم يبدأ مسؤولون عرب وأجانب في الوصول إلى العاصمة اللبنانية بدءاً من الأسبوع المقبل.

وعدّ سفير لبنان السابق في واشنطن أنطوان شديد، أن «لبنان مهمّ جداً للمنطقة والعالم، والتغييرات التي تحصل الآن في لبنان هي جزء من المتغيرات التي تحصل على مستوى المنطقة». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «الاهتمام الدولي بلبنان لم يبدأ اليوم، بل تبلور خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة، وكان للولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وفرنسا الدور الأكبر في التوصل إلى قرار وقف إطلاق النار». وأشار السفير شديد إلى أن «الاستقرار في لبنان وانتظام العمل الدستوري مسألة مهمة جداً لإرساء الاستقرار في المنطقة، وتجلَّى ذلك بانتخاب رئيس الجمهورية وإطلاق عجلة تأليف الحكومة».

ضمانة عون وسلام

ويشكّل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف الآن، ضمانة إطلاق مسيرة الدولة وعدم عودة عقارب الساعة إلى الوراء، وذكّر السفير أنطوان شديد بأن «زيارة الرئيس الفرنسي هي فاتحة زيارات عدد من القادة الدوليين والعرب؛ للتعبير على الدعم المطلق للدولة اللبنانية برئيسها وحكومتها وجيشها ومؤسساتها الدستورية». وقال: «نحن أمام مرحلة من الدعم الدولي غير المسبوق للعهد وللدولة، والمهم أن يتلقف لبنان هذا الدعم بإيجابية، وأعتقد أن ما أعلنه الرئيس عون أمام الوفود التي زارته، عن هجمة عربية دولية تجاه لبنان لتقديم الدعم والمساعدة في عملية بناء الدولة يعبّر عن الحقيقة التي يعرفها الرئيس عون، عمّا ينتظر لبنان من الأشقاء والأصدقاء في المرحلة المقبلة».

من جهته، عدَّ الوزير السابق رشيد درباس أن «الاهتمام الدولي بلبنان، يؤشر بوضوح إلى أن لبنان خرج من حالة الاضطرابات والاختلال الأمني، ولم يعد منصّة للتخريب على أمن المنطقة». ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «زيارة الرئيس الفرنسي وما يليها من توافد لقيادات عربية وعالمية إلى بيروت، يعطي انطباعاً بعودة الثقة إلى اللبنانيين بمجرد أن انتخبوا رئيساً للبلاد وشكَّلوا حكومة»، مشيراً إلى أن «هذا الانفتاح مقدمة لمساعدة لبنان على الاستثمار في عوامل الأمان والتنمية وتخفيف النزاعات وخروجه من العدمية والفوضى».

وقال: «إن مجيء الرئيس ماكرون أو غيره من الشخصيات العالمية، دليل على أنهم باتوا شركاء مع اللبنانيين في بناء الدول ومؤسساتها، ومنخرطين في عملية تعامي لبنان عن الأمراض التي كانت تسكنه».

ويقرأ البعض في هذه الزيارات تدخلاً في الشؤون اللبنانية، إلّا أن درباس رأى أن «بعض اللبنانيين وتحديداً الثنائي الشيعي لم يقرأوا المتغيرات في المنطقة ولا التقلبات في موازين القوى، بل أصروا على خطاب حماسي يعمي البصيرة»، لافتاً إلى أنه «عندما كان لدى هذا الفريق (الثنائي الشيعي) الحقّ بالشراكة القوية في تسمية رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة، رفضوا كلّ العروض وأصروا على إضاعة الفرص، إلى أن فُرضت الخيارات عليهم من الخارج»، متمنياً «الانتهاء من مرحلة تضييع الفرص على البلد وانتهاك الدستور تحت حجّة الحفاظ على السيادة التي بذريعتها أصبحنا على عداء مع كل الأشقاء والأصدقاء، ومزاعم تحرير فلسطين ومقولة أن إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت».

مقاطعة شيعية غير مطمئنة

وعكست مقاطعة كتلتي الثنائي الشيعي (أمل وحزب الله) الاستشارات أجواء سلبية عشية توافد المسؤولين الدوليين والعرب على لبنان، ورأى المحلل السياسي توفيق هندي أن «الخيار الذي ذهب إليه الثنائي الشيعي بمقاطعة الاستشارات غير الملزمة لا يطمئن ولا يلاقي إرادة اللبنانيين في الداخل وإرادة الأشقاء والأصدقاء في الخارج»، مبدياً أسفه كيف أن «هذا الفريق يعلن مقاطعته الاستشارات غير الملزمة، وبالوقت نفسه يؤكد على رغبته المشاركة في الحكومة»، مشدداً على أن «خطاب القسم الذي ألقاه الرئيس جوزيف عون جاء على قدر آمال اللبنانيين، وشكَّل بارقة رجاء لدول العالم، ولاقاه بذلك كلام الرئيس المكلف نواف سلام من القصر الجمهوري عندما وضع الخطوط العريضة لمشروع بناء الدولة».