إسرائيل تختبر تهيئة عشائر غزة لإدارة حكم مدني

«حماس» تتعهد المتعاونين بـ«حساب مؤجل»... ومصادر لـ«الشرق الأوسط»: الغالبية رفضت لكن بعضها وافق

دمار في حي الزيتون بمدينة غزة يوم الجمعة (رويترز)
دمار في حي الزيتون بمدينة غزة يوم الجمعة (رويترز)
TT

إسرائيل تختبر تهيئة عشائر غزة لإدارة حكم مدني

دمار في حي الزيتون بمدينة غزة يوم الجمعة (رويترز)
دمار في حي الزيتون بمدينة غزة يوم الجمعة (رويترز)

بدأت إسرائيل اتصالات رسمية مكثفة مع عشائر في قطاع غزة من أجل تسليمها حكم مناطق سكينة محددة في القطاع، في محاولة لتجربة تثبيت حكم بديل لحكم حركة «حماس»، وهو أحد أهداف الحرب الحالية على القطاع التي تقوم على تقويض حكم الحركة وإنهاء قدراتها العسكرية.

واستولت حركة «حماس» على الحكم في قطاع غزة عام 2007 بعد مشاركتها في انتخابات عام 2006 التي حققت فيها نجاحاً كبيراً بعد تنافس مع حركة «فتح»، قبل أن تتدهور العلاقات بين الحركتين، ما دفع «حماس» في منتصف عام 2007، لاتخاذ قرار بالسيطرة عسكرياً على القطاع، وهو الأمر الذي أدى إلى حالة انقسام وشرخ كبير في أوساط الفلسطينيين على مختلف الأصعدة، ما زال مستمراً حتى الآن.

وتسعى إسرائيل اليوم للمرة الأولى بعد 17 عاماً على حكم «حماس»، إلى إنهائه بالقوة، ويبدو أنها تريد تكرار تجارب أميركية «فاشلة» نفذت في العراق وأفغانستان، بعد إسقاط الحكم هناك، باتفاق مع عشائر وجهات محلية لإدارة حكم مدني بديل.

فلسطينيون ينتظرون إنزال مساعدات جواً في مدينة غزة يوم الجمعة (أ.ف.ب)

وقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمام مجلس الحرب الإسرائيلي، خطة ترمي إلى تشكيل حكم إدارة مدنية في غزة، بعد نزع سلاح الفصائل، وذلك في إطار خطة ما عرف بـ«اليوم التالي للحرب على غزة».

وأكدت مصادر لـ«الشرق الأوسط» أن مكتب منسّق الأنشطة الحكومية الذي يترأسه الضابط في الجيش الإسرائيلي غسان عليان، وهو درزي يتقن العربية، تواصل مع شخصيات من بعض العشائر في قطاع غزة التي كانت بالأساس على خلاف مع حركة «حماس».

ووفقاً للمصادر التي فضلت عدم ذكر أسماء تلك العشائر لأسباب اجتماعية، فإن الاتصالات نجحت جزئياً ولم تنجح في معظمها. وقالت المصادر: «كثير من العشائر رفضت الاقتراح الإسرائيلي بشأن تشكيل مجموعات مسلحة لحماية مناطق معينة ومحددة تقع في نطاق جغرافي، بحجة توفير الأمن وضبط الأوضاع، بل ومواجهة ما تبقى من جيوب لعناصر (حماس). لكن عشيرة كبيرة وافقت، وأخرى ما زالت في حالة مفاوضات».

دبابة إسرائيلية قرب الحدود مع قطاع غزة السبت (رويترز)

وأوضحت المصادر أن «الاتصالات الآن تركز على أفراد في عشيرة كبيرة يتمركز وجودها في جنوب غربي وشرق مدينة غزة، وهي عشيرة مسلحة، وتسببت في حوادث خطيرة خلال الحرب منها قتل كثير من عناصر (كتائب القسام)، الجناح المسلح لحركة (حماس) في حي الصبرة، والسيطرة على أسلحتهم وذخيرتهم، خلال محاولتهم التصدي لاقتحامات إسرائيلية متكررة للحي خلال الحرب».

وأضافت: «أبلغ أفراد من تلك العشيرة إسرائيل بأنهم على استعداد للتعاون المبدئي معها في حال جرى القضاء على (حماس)، على أن يكون هذا التعاون قائماً ومبنياً على تقديم الخدمات للغزيين في المنطقة التي توجد بها العشيرة».

وتنتشر تلك العشيرة في أحياء تل الهوى والصبرة وأجزاء من حي الزيتون، وجميعها تقع جنوب غربي وشرق مدينة غزة، وأصبحت الآن أكثر سيطرة على الأوضاع في هذه المناطق.

وسمحت الصعوبات التي تواجهها قوات «حماس» بتحرك مسلحين تابعين لعشائر عدة، وهو وضع استغلته إسرائيل من أجل تجربة قدرة العشائر مبدئياً على حماية المساعدات المرسلة إلى غزة.

فلسطينيون يهرعون لجمع مساعدات أنزلتها طائرات أميركية على سواحل قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)

وطالب مسؤولون أمنيون إسرائيليون قيادتهم السياسية بالسماح لجماعات مسلحة في غزة بتأمين شاحنات المساعدات التي تدخل القطاع.

وقالت هيئة البث الإسرائيلية إنه بهدف منع عمليات النهب والسلب التي تتعرض لها شاحنات المساعدات الإنسانية التي تدخل القطاع، يحاول المسؤولون الأمنيون في إسرائيل الدفع بفكرة أن تقوم مجموعات مسلحة من السكان المحليين في غزة، وعشائر أخرى غير «حماس»، بتأمين شاحنات المساعدات.

وقال مسؤول أمني رفيع إن الأسلحة التي ستستخدمها العشائر لتأمين المساعدات لن تأتي من إسرائيل. لكنه أضاف أنه يتعين على إسرائيل أن تسمح بإدخال الأسلحة إلى تلك العناصر في غزة، بعد حصولها على موافقة الجهات الدولية مثل مصر والولايات المتحدة والأردن.

وأضاف المسؤول الأمني الكبير أن «الجيش لن يؤمن شاحنات المساعدات الإنسانية في غزة، وإذا أردنا وصول المساعدات إلى من يحتاجون إليها، فيجب علينا إنشاء بديل لـ(حماس) ليدير الشؤون المحلية في القطاع، حتى إن كان ذلك بواسطة الجماعات المسلحة من سكان غزة. أهل غزة وحدهم هم من سيديرون غزة، وسياستنا هي العمل حتى لا يتحولوا إلى ما يشبه (حماس)».

إنزال مساعدات أميركية جواً فوق غزة السبت (أ.ب)

وردت مصادر في حركة «حماس» لـ«الشرق الأوسط»، موضحة أن الحركة لديها معلومات وافية عن الاتصالات التي تجري وترصد بشكل دقيق أيضاً كل التجاوزات التي قام بها مسلحون بهدف الفوضى والتخريب بما في ذلك السطو على المساعدات، والتحريض على الحركة.

وأكدت المصادر أن قيادة «حماس» اتخذت قراراً بمحاسبتهم و«سيدفعون ثمن تصرفاتهم لاحقاً». وأضافت: «أولئك الذين يتعاونون مع الاحتلال وأولئك الذين تسببوا في قتل مقاومين لن ينجوا من الحساب».

وعملياً يوجد ما يمكن أن يوصف بأنه «ثأر» بين «حماس» وبعض العشائر، بعدما شنت الحركة بعد سيطرتها على قطاع غزة، حملة ضخمة هاجمت خلالها بعض العشائر، واستولت على أسلحتها في إطار ما سمته حينها «ضبط الأمن» داخل القطاع، ومنع انتشار الفوضى والسلاح المنفلت.

وأكدت مصادر «حماس» أن كل مخططات الاحتلال لما بعد الحرب على غزة ستفشل، ومصيرها محكوم عليه بذلك قبل أن تبدأ.

ولم تختبر إسرائيل بعد نجاعة خطتها التي ترفضها الولايات المتحدة ودول عربية تعمل على تسليم قطاع غزة للسلطة الفلسطينية، بعد إجراء إصلاحات داخلها.

جانب من احتجاج في تل أبيب السبت نظمته عائلات إسرائيليين محتجزين في غزة للمطالبة بالإفراج عنهم (أ.ب)

واستبعد المحلل السياسي مصطفى إبراهيم أن تنجح خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي قدمها لـ«الكابينت»، بشأن إقامة حكم مدني بغزة في أعقاب الحرب، وفرض السيطرة الأمنية الإسرائيلية. وقال إبراهيم لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الخطة كانت الولايات المتحدة قد جربتها لسنوات في العراق ودول أخرى، وفشلت، وإسرائيل في ظل عجزها عن التعامل مع الواقع الموجود داخل قطاع غزة، تحاول استنساخ تجارب فاشلة على أمل أن يؤدي ذلك لإسقاط حكم (حماس)». وأضاف: «الخطة برمتها خطيرة، وستكون لها تداعيات كارثية في حال نفذت على الواقع الفلسطيني».

كما شكك مواطنون في أن تنجح إسرائيل بالقضاء الكلي على حركة «حماس». وقال محمد سلامة (49 عاماً)، وهو نازح من حي الزيتون إلى مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة. إن فكرة إدارة القطاع من قبل العشائر لن تنجح، لأنها قائمة على سياسة «هدفها تصفية القضية الفلسطينية، وهو أمر لا يمكن أن يحدث في ظل استمرار الاحتلال والقتل والتدمير، فالأجيال ولّادة، وصعب أن تنسى قضيتها المركزية».

وقال الشاب هيثم عمر (32 عاماً) إن تسليم إدارة القطاع للعشائر مجرد وهم، لا يمكن لإسرائيل أن تنجح في تحقيقه، لأن حركة «حماس» وإلى جانبها فصائل أخرى، ما زالت موجودة.

وتتفق سهى رابعة التي ما زالت تسكن في مخيم الشاطئ الذي دمر الاحتلال جزءاً كبيراً منه، مع أن فكرة تكليف العشائر لن تنجح، وقالت إن تكليف العشائر بأمن القطاع «خطة إسرائيلية لإثارة مزيد من الفوضى في غزة». وأضافت: «نريد سلطة فلسطينية حقيقية. نريد حياة كريمة. نريد أمناً وأماناً».


مقالات ذات صلة

رئيس الأركان الإسرائيلي من جباليا: «جيشنا لا يتعب»

المشرق العربي رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي خلال لقائه جنوداً إسرائيليين في جباليا بشمال قطاع غزة (موقع الجيش الإسرائيلي)

رئيس الأركان الإسرائيلي من جباليا: «جيشنا لا يتعب»

قال رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي لجنوده، خلال زيارته جباليا شمال قطاع غزة: «بالقوة التي تظهرونها هنا، نحن نضمن أمان مدنيينا وسنعيد الأسرى».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي صور الرهائن المحتجزين في قطاع غزة تظهر على حائط في تل أبيب (رويترز)

إسرائيل ترحب بقرار قطر الانسحاب من الوساطة في المفاوضات مع «حماس»

نقل موقع «واي نت» الإسرائيلي عن مسؤول إسرائيلي قوله، اليوم السبت، إن بلاده ترحب بقرار قطر الانسحاب من الوساطة في المفاوضات مع حركة «حماس» الفلسطينية.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية إسرائيليون يتظاهرون في تل أبيب للمطالبة بإبرام صفقة تبادل أسرى يوم 31 أكتوبر 2024 (رويترز)

مظاهرات في إسرائيل بمناسبة مرور 400 يوم على احتجاز الرهائن

ستنظم عائلات المحتجزين في غزة، يوم السبت، مظاهرات في أماكن مختلفة من إسرائيل لمرور 400 يوم منذ احتجاز أحبائهم بواسطة «حماس».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية صورة جماعية لقادة «الناتو» بقمة واتفورد في 4 ديسمبر 2019 (أ.ب)

إردوغان متفائل بولاية ترمب الثانية ويعوِّل على «دبلوماسية الهاتف»

تبدي تركيا تفاؤلاً حيال عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، فالعلاقات في عهد إدارة الرئيس جو بايدن لم تكن بأفضل حال.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية أحد اليهود الأرثوذكس في القدس القديمة يوم 5 نوفمبر الحالي (إ.ب.أ)

الهجرة إلى إسرائيل ترتفع في عام الحرب

أظهرت أرقام جديدة أن 11700 يهودي أميركي قدموا طلبات من أجل الهجرة إلى إسرائيل بعد بداية الحرب في قطاع غزة يوم السابع من أكتوبر العام الماضي.

كفاح زبون (رام الله)

العراق يرفض استخدام أرضه للعدوان على دول المنطقة

الأعرجي مستقبلاً الملحق العسكري الإيراني مجيد قلي بور في بغداد السبت (وكالة الأنباء العراقية)
الأعرجي مستقبلاً الملحق العسكري الإيراني مجيد قلي بور في بغداد السبت (وكالة الأنباء العراقية)
TT

العراق يرفض استخدام أرضه للعدوان على دول المنطقة

الأعرجي مستقبلاً الملحق العسكري الإيراني مجيد قلي بور في بغداد السبت (وكالة الأنباء العراقية)
الأعرجي مستقبلاً الملحق العسكري الإيراني مجيد قلي بور في بغداد السبت (وكالة الأنباء العراقية)

أعلن مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، رفض الحكومة العراقية استخدام أراضيه وأجوائه منطلقاً لضرب إيران أو أي من دول المنطقة.

وقال الأعرجي لدى لقائه الملحق العسكري الإيراني في بغداد، اللواء مجيد قلي بور، إن «العراق يرفض بشدّة استخدام الأجواء العراقية للتجاوز على الجارة إيران أو أي دولة من دول المنطقة». وقال بيان صادر عن مكتب الأعرجي إنه «بحث مع بور سبل تعزيز أمن واستقرار البلدين وتفعيل مذكّرات التفاهم لضبط الحدود، وكذلك استمرار التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والتهريب».

تطمينات متبادلة

وأكد الأعرجي طبقاً للبيان «موقف العراق الرافض وبشدة لاستخدام الأجواء العراقية للتجاوز على الجارة إيران أو أي دولة من دول المنطقة».

ويأتي استقبال الأعرجي للملحق العسكري الإيراني عشية الاتصال الهاتفي الذي أجراه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

في هذا الوقت، قدمت إيران تطمينات للعراق بعدم استخدام أجوائه في حال تنفيذها ضربة لإسرائيل. وطبقاً لما أعلنه وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، فإن إيران كانت أعلنت أنها سوف تستهدف أي دولة تستخدم إسرائيل أجواءها عند قيامها بضرب إيران.

مطالب المالكي

إلى ذلك، دعا رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، السبت، إلى حماية الأوضاع الداخلية في العراق من التطورات الإقليمية التي من الممكن أن تلقي بثقلها على الأمن والاستقرار السياسي في البلاد.

نوري المالكي (غيتي)

وقال المالكي في كلمة متلفزة إن «العراق في هذه الدائرة من التحديات التي تشهدها المنطقة والتطورات والاحتمالات، بين أمرين؛ الأول: أن العراق ليس دولة هامشية وإنما دولة أساسية في المنطقة، ويجب ألا يغيب عن آفاق هذا الصراع وتحدياته أو يغير بإرادة خارجية، والثاني أن يتوجه العراق بشكل مركز لحماية الأوضاع الداخلية من التطورات التي تحصل وتلقي بظلالها على الوضع الأمني والاستقرار السياسي الداخلي. وشدّد على أنه «يجب أن تحصل سيطرة على الأمن الوطني، ويساهم العراق في الوقت نفسه باستقرار الوضع الأمني في المنطقة».

مواجهة الإرهاب

وتابع المالكي أن «الذي يهدد أمننا قطعاً هو الإرهاب ومن يقف خلف هذه المجاميع المجرمة، وثانياً ضعف العملية السياسية ومحاولة اختراقها وتفجير أزمات داخلية تستهدف بنية الدولة وأمنها واستقرارها». وحثّ المالكي «الحكومة والقوى السياسية على أن يأخذوا دورهم وواجباتهم لكي يكون العراق على قدر من الموقف الوطني القوي الناضج»، وأوضح أنه «ينبغي الاستعداد لمواجهة التحديات الأمنية من خلال الاهتمام بالقوات المسلحة في الداخلية والدفاع، منوهاً بأنه «من الأهمية تعزيز العمليات الأمنية لملاحقة بؤر الإرهاب والخلايا النائمة لمنع استغلالها لمن يريد إرباك العملية السياسية».