عباس يقبل استقالة أشتية ويتجه لتكليف مصطفى تشكيل حكومة خبراء

تشكيل الحكومة الجديدة أهم خطوة نحو تسلّم غزة التي لم تعد «حماس» قادرة على حكمها

TT

عباس يقبل استقالة أشتية ويتجه لتكليف مصطفى تشكيل حكومة خبراء

الرئيس محمود عباس خلال تسلمه كتاب استقالة أشتية في رام الله أمس (د.ب.أ)
الرئيس محمود عباس خلال تسلمه كتاب استقالة أشتية في رام الله أمس (د.ب.أ)

أخذ الرئيس الفلسطيني محمود عباس خطوة إلى الأمام بقبول استقالة حكومة محمد أشتية (عضو اللجنة المركزية لحركة فتح)، الاثنين، معلناً بذلك استعداد السلطة لتسلم قطاع غزة بعد الحرب، لكنها خطوة ما زالت تنتظر مسألتين في بالغ الأهمية. الأولى هي وقف الحرب وقبول إسرائيل بتسليم قطاع غزة إلى السلطة، وهذه مهمة يُفترض أن يضطلع بها الأميركيون. والثانية هي تفاهمات أوسع مع حركة «حماس»، وهي مهمة ستضطلع بها أطراف عربية.

وقال مصدران في رام الله وقطاع غزة مطلعان على سير المشاورات بخصوص الحكومة الفلسطينية، إن خطوة عباس جاءت بمثابة رسالة للعالم كله، وإلى إسرائيل، وكذلك «حماس»، بأنه جاهز لأخذ دوره في قطاع غزة، وهي رسالة لا تخلو من الضغط الكبير على كل الأطراف.

وأكد المصدران لـ«الشرق الأوسط» أن الخطوة التي ستتلوها خطوة تشكيل حكومة خبراء، جاءت في ظل تفاهمات مبدئية مع «حماس» مفادها أن الحركة لا تريد ولا تفكر في حكم قطاع غزة بعد الحرب، وهي مستعدة للقبول بحكومة خبراء.

وقال مصدر مسؤول في رام الله: «لم يعد بإمكانهم (حماس) حكم غزة وهم يدركون ذلك جيداً. هم لا يريدون (حكمها)».

وأكد المصدر المقرب من «حماس» في غزة أن الحركة لا تتطلع إلى حكم غزة الآن وإنما إنقاذها عبر حكومة خبراء معترف بها دولياً قادرة على ضبط الأمن، وإعادة الإعمار، واستعادة عافية الاقتصاد والأحوال المعيشية.

رئيس الوزراء الفلسطيني المستقيل خلال مؤتمر صحافي لإعلان استقالته في رام الله أمس (إ.ب.أ)

لكن المصدر أضاف أن الاتفاق النهائي ما زال لم ينضج.

وأضاف: «تريد (حماس) دوراً واضحاً في اختيار الوزراء والتوافق عليهم، وتريد الاتفاق مع السلطة على دور الحكومة ومرجعيتها. الحركة لديها أفكار متعلقة بتشكيل مرجعية وطنية لمراقبة عمل الحكومة، وتحديداً ملف الإعمار، كما أنها تريد الانتهاء من ترتيبات انضمامها لمنظمة التحرير، والاتفاق على إجراء انتخابات».

ويفترض أن تناقش هذه الأفكار جميعاً في لقاءات مقبلة بينها لقاء في موسكو مقرر في 29 من الشهر الحالي.

وأوضح المصدران أن المشاورات مع «حماس» مستمرة ولا تنتظر لقاء موسكو، وتشارك فيها دول عربية بينها قطر التي لعبت دوراً مركزياً في دفع تفاهمات ما يُعرف بـ«اليوم التالي» للحرب، وهي تفاهمات تقوم على تشكيل حكومة خبراء.

وكان رئيس الوزراء الفلسطيني الحالي (مسيّر أعمال) محمد أشتية قد قدّم استقالته الخطية للرئيس محمود عباس الذي أصدر مرسوماً بقبول الاستقالة وتكليفه ووزراءه المستقيلين بتسيير أعمال الحكومة مؤقتاً، إلى حين تشكيل حكومة جديدة.

وقال أشتية قبل تقديم استقالته الخطية إن «المرحلة المقبلة وتحدياتها تحتاجان إلى ترتيبات حكومية وسياسة جديدة تأخذ في الحسبان الواقع المستجد في قطاع غزة».

وأشار إلى أن هذه الترتيبات يجب أن تأخذ في الحسبان أيضاً «محادثات الوحدة الوطنية، والحاجة الملحة إلى توافق فلسطيني - فلسطيني مستند إلى أساس وطني ومشاركة واسعة ووحدة الصف، وإلى بسط سلطة السلطة على كامل أرض فلسطين».

وعملت حكومة أشتية مدة 5 سنوات، في ظرف صعب ومعقد، شهد حصاراً إسرائيلياً كبيراً، وتفشي وباء «كورونا» والحرب الكبيرة الحالية على قطاع غزة.

محمد مصطفى

وبانتظار تفاهمات كاملة مع الأميركيين ومع «حماس»، يشترط عباس أن تشمل ضمانات متعلقة بالسيطرة والتمكين وفرض الأمن، وإعادة الأعمار، يستعد رئيس الوزراء الجديد محمد مصطفى لتسلم كتاب تكليفه.

ومصطفى وفق مصادر «الشرق الأوسط» هو رئيس الوزراء المفضل بالنسبة إلى عباس منذ سنوات طويلة، وكان يعتزم تكليفه أكثر من مرة في حكومات سابقة.

ويرأس مصطفى الحاصل على الدكتوراه في إدارة الأعمال والاقتصاد من جامعة جورج واشنطن، رئاسة مجلس إدارة صندوق الاستثمار الفلسطيني، وهو مستشار اقتصادي لعباس، إضافة إلى كونه عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ومسؤول الدائرة الاقتصادية فيها.

ويرى عباس في مصطفى أفضل من يستطيع قيادة الحكومة الفلسطينية الجديدة، والتعامل مع المرحلة المعقدة، علماً بأن هناك من ينسب له الفضل في تحويل صندوق الاستثمار الفلسطيني إلى واحدة من أقوى المؤسسات الاقتصادية في فلسطين والمنطقة، ووضعه في مكانة مرموقة عالمياً.

وتعيين مصطفى إذا حدث فإنه يستجيب لطلبات أميركية ودولية بإجراء إصلاحات في السلطة الفلسطينية، ويسحب الذرائع من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي لا يريد لحركة «فتح» ولا لحركة «حماس» أن تحكم قطاع غزة.

وسيشكل مصطفى حكومة من المستقلين الخبراء في مجالهم، بعيداً عن الفصائل الفلسطينية التي عادة ما تحكمت في الحكومات السابقة.

لكن برزت أيضاً أسماء أخرى قد تسعى «حماس» أو جهات عربية إلى ترشيحها لتشكيل حكومة الخبراء المنتظرة، بينهم سلام فياض، رئيس الوزراء الأسبق، وهو خبير اقتصادي كذلك، ويحظى بثقة الولايات المتحدة ودول أوروبية، وناصر القدوة، عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» المفصول منها بقرار من عباس، وهو مقرب من مروان البرغوثي القيادي الكبير في «فتح» الأسير في السجون الإسرائيلية، والذي يطرح اسمه كذلك خلفاً لعباس نفسه من بين أسماء أخرى.

وقالت مصادر في رام الله إن مصطفى يستعد فعلاً لتسلم كتاب تكليفه في أي وقت.


مقالات ذات صلة

«اتفاق بكين»: عباس يريد ترسيخ الشرعية... و«حماس» تحتاج إلى مظلة

المشرق العربي وزير الخارجية الصيني وانغ يي يتوسط موسى أبو مرزوق (يمين) القيادي في «حماس» ومحمود العالول القيادي في «فتح» (رويترز)

«اتفاق بكين»: عباس يريد ترسيخ الشرعية... و«حماس» تحتاج إلى مظلة

قبل توقيع فصائل فلسطينية اتفاقها الأخير في بكين، كانت هناك اتفاقات سابقة انتهت بشكل مشابه تقريباً؛ لكن ما صار جديداً هي حرب إسرائيلية قتلت أكثر من 39 ألف شخص.

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي فلسطينيون يفرون من الجزء الشرقي من خان يونس بعد أوامر إسرائيلية بالإخلاء (رويترز)

«هدنة غزة»: «تحركات جديدة» تعزز جهود «المرحلة الأولى»

تتراجع نقاط «الخلاف العلني» في مسار مفاوضات «هدنة غزة»، مع «تحركات جديدة»، تشمل مناقشات إسرائيلية للانسحاب من كامل القطاع بأول مراحل تنفيذ مقترح بايدن.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
آسيا نائب رئيس حركة «فتح» محمود العالول (يسار) وعضو المكتب السياسي لحركة «حماس» موسى أبو مرزوق (يمين) برفقة وزير الخارجية الصيني وانغ يي

«إعلان بكين»... الفصائل الفلسطينية تتفق على تشكيل «حكومة مصالحة»

أكد وزير الخارجية الصيني وانغ يي اليوم (الثلاثاء) حصول اتفاق بين 14 فصيلاً فلسطينياً لتشكيل «حكومة مصالحة وطنية مؤقتة» لإدارة غزة بعد الحرب.

«الشرق الأوسط» (بكين)
المشرق العربي فلسطينيون يحملون صور أقاربهم المحتجزين في السجون الإسرائيلية يحتجون وسط رام الله بالضفة الغربية في 21 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: ارتفاع عدد القتلى من الأطفال الفلسطينيين في الضفة الغربية

قالت «اليونيسيف» إن 143 من الأطفال والشباب الفلسطينيين، على الأقل، قُتلوا في الضفة الغربية والقدس الشرقية خلال الشهور التسعة الماضية.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي مركز لتوزيع المساعدات الغذائية في بيت لاهيا بشمال قطاع غزة الخميس (أ.ف.ب)

الرئاسة الفلسطينية ترفض نشر أي قوات أجنبية في غزة

رفضت الرئاسة الفلسطينية نشر أي قوات غير فلسطينية في قطاع غزة، قائلة إن «الأولوية» لوقف العدوان الإسرائيلي، و«ليس الحديث عن اليوم التالي للحرب».

«الشرق الأوسط» (رام الله)

ثلاثة شروط للحرب الإسرائيلية على لبنان... آخرها سياسي

جنود من الجيش اللبناني يتفقدون حطام سيارة بعد غارة جوية إسرائيلية استهدفت قرية برج الملوك على مسافة نحو 18 كيلومتراً من مدينة النبطية الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
جنود من الجيش اللبناني يتفقدون حطام سيارة بعد غارة جوية إسرائيلية استهدفت قرية برج الملوك على مسافة نحو 18 كيلومتراً من مدينة النبطية الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
TT

ثلاثة شروط للحرب الإسرائيلية على لبنان... آخرها سياسي

جنود من الجيش اللبناني يتفقدون حطام سيارة بعد غارة جوية إسرائيلية استهدفت قرية برج الملوك على مسافة نحو 18 كيلومتراً من مدينة النبطية الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
جنود من الجيش اللبناني يتفقدون حطام سيارة بعد غارة جوية إسرائيلية استهدفت قرية برج الملوك على مسافة نحو 18 كيلومتراً من مدينة النبطية الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)

قبل أن ينهي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو زيارته إلى واشنطن، وإعلانه أمام الكونغرس الأميركي أن حكومته عازمة على إنهاء التهديدات الأمنية التي يمثلها «حزب الله» على الجبهة الشمالية، أفادت هيئة البث الإسرائيلية بأن الجيش الإسرائيلي أبلغ القيادة السياسية «باكتمال الاستعدادات لإجراء مناورة برية كبيرة، وهو يَعِد قبل هذه المناورة بتنفيذ عملية جوية قوية في لبنان».

ورغم اختلاف التفسيرات حول أبعاد هذه المناورة وتوقيتها، فإنها أجمعت على أن تل أبيب ماضية بخطط الهجوم الواسع على لبنان، ما لم يخضع «حزب الله» لشرط الانسحاب من منطقة جنوب الليطاني. وقدّم الخبير العسكري والاستراتيجي العميد خليل الحلو، قراءته لهذه المناورة، مشيراً إلى أن «ثلاث وحدات عسكرية جديدة انتقلت في الأسابيع الماضية إلى الجبهة الشمالية ووُضعت بحال استنفار استعداداً لعملية عسكرية كبيرة». وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن هذه الوحدات «بحاجة إلى التدريب على العمل مع بعضها وتوزيع المهام على الجبهة». وقال: «عندما يعلن الجيش الإسرائيلي أنه سيقوم بمناورة فيمكن أن تكون مجرّد تمرين، لكن يمكن أن تمهّد لهجوم عسكري يحمل عنصر المفاجأة ونصبح أمام عملية كبيرة على الأرض»، مذكراً بأنه «منذ انتهاء حرب تموز في عام 2006، وإسرائيل تستعدّ لحرب جديدة وطويلة مع (حزب الله)، لكن هذه الحرب تحتاج إلى اجتماع ثلاثة مقومات: الأول الاستعداد اللوجستي والثاني العسكري والأمني والثالث الاستعداد السياسي، وأكثر ما نخشاه أن تكون إسرائيل أنجزت الاستعداد السياسي بعد زيارة نتنياهو إلى واشنطن».

وسبق الإعلان عن هذه المناورة، زيارة قام بها قائد الجبهة الشمالية إلى الحدود مع لبنان، حيث ذكّر بأن الغارة على ميناء الحديدة في اليمن وتدميره، هي رسالة واضحة إلى إيران و«حزب الله» بأن سلاح الجو الإسرائيلي قادر على أن يطال كل الأهداف. ولفت العميد خليل الحلو إلى أن إسرائيل «عازمة على إبعاد (حزب الله) عن الحدود الشمالية بأي ثمن، بما في ذلك العمل العسكري الذي يضعه نتنياهو على الطاولة، والذي أكد عليه في كلمته أمام الكونغرس الأميركي»، لافتاً إلى أنه «رغم الاستعدادات للوحدات البرية، فإن سلاح الجو الإسرائيلي هو الذي يلعب دوراً حاسماً في الحرب».

الإعلان عن هذه المناورة، يأتي بعد أقلّ من شهرين على مناورة كبيرة وواسعة أجراها الجيش الإسرائيلي في 28 مايو (أيار) الماضي، لاختبار مدى استعداد قواته وأجهزته لنشوب حرب شاملة على الجبهة الشمالية للبلاد، وقالت هيئة البث الإسرائيلية حينها، إنّ المناورة «نُفذت بشكل مفاجئ؛ إذ إن الهدف منها تعزيز جاهزية الجيش الإسرائيلي، لمختلف السيناريوهات على الجبهة الشمالية مع لبنان».

ووضع مدير «معهد المشرق للدراسات الاستراتيجية» الدكتور سامي نادر، المناورة الجديدة في سياق «الضغط على لبنان، خصوصاً أنها تأتي بالتزامن مع زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى الولايات المتحدة ولقاءاته مع كبار القادة في الإدارة الأميركية ولدى الحزبين الجمهوري والديمقراطي». وأكد نادر لـ«الشرق الأوسط»، أن «تل أبيب مصرّة على إزالة التهديد على الجبهة الشمالية سواء بالعمل الدبلوماسي أو بالخيار العسكري الذي استكملت الاستعدادات له، في حين يصرّ (حزب الله) على العودة إلى ما كان عليه الوضع في 6 أكتوبر (تشرين الأول) 2023؛ أي قبل عملية (طوفان الأقصى)، ويبدو أن الجيش الإسرائيلي ذاهب باتجاه تنفيذ تهديدات نتنياهو بخلاف ما يُحكى عن خلاف ما بين رئيس الحكومة والقيادة العسكرية».

ورغم الجهود التي بذلتها وتبذلها الإدارة الأميركية ودول القرار، لمنع فتح جبهات جديدة خصوصاً مع لبنان، يشدد الدكتور سامي نادر على أن إسرائيل «مصممة على تغيير قواعد الاشتباك، وما زاد من هذا الإصرار ما كشفه (حزب الله) في الأيام والأسابيع الأخيرة عن بناء قدرات جوية كبيرة تهدد أمن إسرائيل، وإن كانت هذه القدرات لا تقاس بما تمتلكه تلّ أبيب من سلاح نوعي وكمّي لا يقارن بما لدى الحزب وكل محور الممانعة».