ليست مستجدة... كيف كانت أزمة المياه الحادة في غزة قيد التطوير منذ عقود؟

إمدادات المياه عُدّت غير آمنة عام 2017... والحرب تجعل الوضع أكثر خطورة

فتاة تسير وهي تحمل زجاجات بلاستيكية مملوءة بالمياه في أحد شوارع مدينة رفح جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
فتاة تسير وهي تحمل زجاجات بلاستيكية مملوءة بالمياه في أحد شوارع مدينة رفح جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

ليست مستجدة... كيف كانت أزمة المياه الحادة في غزة قيد التطوير منذ عقود؟

فتاة تسير وهي تحمل زجاجات بلاستيكية مملوءة بالمياه في أحد شوارع مدينة رفح جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
فتاة تسير وهي تحمل زجاجات بلاستيكية مملوءة بالمياه في أحد شوارع مدينة رفح جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

فرّت لمى البالغة من العمر 22 عاماً من حي الرمال بمدينة غزة، عندما سوَّت القوات الإسرائيلية مساحات واسعة منه بالأرض، ضمن حملة قصف استمرت أياماً في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ودُمر منزل لمى. انتقلت هي وعائلتها جنوباً إلى دير البلح، في وسط القطاع، وسرعان ما وجدوا أنفسهم يكافحون من أجل الوصول إلى أبسط ضرورات الحياة: الماء، وفقاً لتقرير لصحيفة «تليغراف».

وقالت لمى: «لا توجد مياه للتنظيف، ولا مياه للمراحيض، ولا لأي شيء». مياه الشرب القليلة التي يمكن أن تجدها الأسرة مالحة للغاية لدرجة أنها غير صالحة للشرب تقريباً.

ومثل لمى، يكافح 1.9 مليون نازح من غزة الآن من أجل البقاء على قيد الحياة على بضعة لترات فقط من الماء كل يوم للاستهلاك والطهي واحتياجات النظافة الشخصية، مع دخول الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة شهرها الرابع.

وقال جوناثان كريكس، رئيس قسم الاتصالات والمناصرة في منظمة «اليونيسف» بفلسطين: «بالنسبة للنازحين داخلياً (في غزة)، هناك ما يُقدَّر بنحو 1.5 إلى 2 لتر من المياه المتاحة لهم كل يوم». ومعيار الطوارئ الدولي المحدد هو 15 لتراً للشخص الواحد يومياً (أي ما يقرب من 10 أضعاف ما يحصل عليه الناس في غزة الآن). ووفقاً لـ«الأمم المتحدة»، فإن ما لا يقل عن 70 في المائة من سكان غزة يشربون المياه المالحة والملوثة.

هل الأزمة مستجدة؟

في حين أن الوضع الآن أكثر خطورة من أي وقت مضى، فإن أزمة المياه في غزة كانت في طور التشكل منذ عقود.

وفي وقت مبكر من عام 2017، قدرت «اليونيسف» أن 96 في المائة من المياه من طبقة المياه الجوفية الوحيدة في غزة غير صالحة للاستهلاك البشري. وقبل أن تشن إسرائيل هجومها على غزة، أكتوبر الماضي، كان مصدر المياه الجوفية يوفر 81 في المائة من إمدادات القطاع. وقدمت 3 محطات لتحلية المياه و3 أنابيب من شركة المياه الإسرائيلية «ميركوروت» النسبة المتبقية البالغة 5 في المائة و14 في المائة على التوالي.

ولا يزال كثيرون في غزة يتذكرون الوقت الذي كان بإمكان الجميع تقريباً فيه الحصول على المياه النظيفة في منازلهم، قبل أن يبدأ منسوب المياه الجوفية في القطاع بالانخفاض، وتصبح طبقة المياه الجوفية ملوثة بمياه البحر والنفايات غير المعالَجة بسبب عدم كفاية البنية التحتية لمياه الصرف الصحي.

قبل قرن من الزمان، ظل حوض المياه الجوفية الساحلي، الذي يمتد على طول الساحل الغربي لغزة وإلى شبه جزيرة سيناء في مصر، غير مستغَل نسبياً، حيث توفر الأمطار والينابيع الطبيعية كميات وافرة من المياه حتى للإنتاج الزراعي.

ومنذ ذلك الحين، ارتفع عدد الآبار المحفورة في غزة بشكل كبير لتلبية متطلبات العدد المتزايد من السكان، حيث أدى التوسع الإسرائيلي إلى نزوح موجات متتالية من الفلسطينيين وإجبار كثيرين على النزوح إلى القطاع.

وقال مارك زيتون، المدير العام لـ«مركز جنيف للمياه» أستاذ دبلوماسية المياه في «معهد الدراسات العليا» بجنيف: «لم تعد طبقة المياه الجوفية قادرة على تحمُّل عدد الأشخاص الذين أُجبروا على النزوح إلى غزة، أولاً في عام 1948، ثم في عام 1967».

ومع قيام العدد المتزايد من سكان غزة بسحب المياه التي يحتاجون إليها للبقاء على قيد الحياة، فإن تسرب مياه الأمطار لم يعد كافياً لإعادة تغذية طبقة المياه الجوفية بشكل طبيعي. وتتفاقم هذه المشكلة مع انخفاض هطول الأمطار السنوي بسبب تغير المناخ. واليوم، يستخرج سكان غزة، البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، ما يقرب من ثلاثة أضعاف التغذية السنوية المستدامة لطبقة المياه الجوفية. ويسمح الإفراط في الضخ بتسرب المياه المالحة من البحر الأبيض المتوسط، التي تتدفق لملء الفراغ.

طفل ينتظر للحصول على مياه الشرب وسط النقص الحاد في رفح بغزة (رويترز)

سيطرة إسرائيلية

لقد جعلت عقود من سوء الإدارة من شبه المستحيل تطوير البنية التحتية اللازمة لمنع التلوث وتقليل الطلب على طبقة المياه الجوفية.

في الفترة من عام 1967 إلى عام 2005، مارست إسرائيل سيطرتها على موارد المياه في قطاع غزة، وكان على الفلسطينيين الحصول على تصريح إسرائيلي لبناء الآبار ومحطات الضخ ومحطات المعالَجة. ورغم التزامات إسرائيل بموجب القانون الإنساني الدولي بتوفير احتياجات السكان الخاضعين للاحتلال، فإنها لم تطوِّر البنية التحتية للمياه للفلسطينيين في غزة، وركزت بدلاً من ذلك على البنية التحتية للمستوطنات الإسرائيلية.

ولم تتغير ثروات المياه في غزة منذ أن بدأت حركة «حماس» حكم القطاع في عام 2007، وقد فشلت البلديات المحلية التي تديرها الحركة في توفير المياه الكافية للأعداد المتزايدة من السكان، وفي عام 2021، حظرت «حماس» حفر الآبار غير المرخصة، متمسكة بمبررات بيئية.

وبينما استثمرت السلطات الفلسطينية وشركاؤها مليار دولار في البنية التحتية للمياه بغزة على مدى السنوات العشر الماضية، فإن الجزء الأكبر من هذا التمويل جاء في الأساس من الجهات المانحة والدول الأجنبية.

وفي الوقت نفسه، لا تزال مشاريع المياه والصرف الصحي في غزة تتطلب مشاورات وموافقات إسرائيلية، وتفرض إسرائيل قيوداً صارمة على واردات الإمدادات اللازمة لبناء وصيانة البنية التحتية للمياه والصرف الصحي.

وشهدت محطة معالجة مياه الصرف الصحي في وسط غزة، التي تمولها ألمانيا، تأخيرات متكررة قبل افتتاحها في عام 2021، ويرجع ذلك إلى حد كبير، كما يقول زيتون: «لأن مجرد إدخال المعدات وسط الحصار كان صعباً للغاية».

وواجهت محطة تحلية المياه في جنوب غزة، التي تدعمها «الأمم المتحدة»، في خان يونس، التي تم بناؤها بمنحة قدرها 10 ملايين يورو من «الاتحاد الأوروبي»، تأخيرات مماثلة قبل افتتاحها في نهاية المطاف عام 2017.

فتيات يملأن العبوات بمياه البحر لاستخدامها في مخيم مؤقت للنازحين برفح (أ.ف.ب)

تأثير الحرب

وعندما شنت إسرائيل هجومها على غزة في شهر أكتوبر الماضي، أجبرت السكان الذين يعانون من العطش بالفعل على وضع أكثر خطورة. وبحلول منتصف نوفمبر (تشرين الثاني)، توقفت جميع محطات معالجة مياه الصرف الصحي في قطاع غزة عن العمل، حيث تعرضت البنية التحتية لأضرار جسيمة بسبب القصف الجوي ونفاد الوقود اللازم لتشغيل المضخات.

في الوقت نفسه، تم تخفيض إجمالي كمية المياه المتاحة من جميع المصادر في غزة إلى 10 في المائة فقط من مستواها قبل 7 أكتوبر، في حين تشير تقديرات «الأمم المتحدة» إلى أن أكثر من نصف البنية التحتية لإمدادات المياه في غزة بحاجة الآن إلى الإصلاح أو إعادة التأهيل الكامل.

نازحون فلسطينيون في طريقهم للحصول على المياه في رفح جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

وللتخفيف من أزمة المياه، يقول كريكس إن «اليونيسف» لا تدعو فقط إلى إدخال المزيد من المساعدات الإنسانية الشاملة إلى غزة ولكن أيضاً إلى فرض قيود أقل على ما يمكن دخوله.

وقد تم تسليم المولدات اللازمة لتشغيل البنية التحتية المتهالكة، إلى جانب الأنابيب البلاستيكية للإصلاحات قصيرة المدى، إلى معبر رفح الحدودي على الحدود المصرية، إلا أن عمال الإغاثة لم يتمكنوا من نقل هذه الإمدادات إلى غزة نفسها.

ومع تصاعد أزمة المياه في القطاع، يستمر خطر الإصابة بأمراض خطيرة في التصاعد.


مقالات ذات صلة

معبر رفح وجبهتها يُسخّنان ملف غزة

العالم العربي فلسطينيون أمام معبر رفح من جهة قطاع غزة في نوفمبر 2023 (أ.ف.ب)

معبر رفح وجبهتها يُسخّنان ملف غزة

أعاد خلاف مصري – إسرائيلي حول فتح معبر رفح وهجوم لمسلحين يُرجح أنهم من «حماس» ضد قوات جيش الاحتلال في الجبهة ذاتها، تسخين ملف غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة – تل أبيب) محمد محمود (القاهرة )
المشرق العربي أطفال فلسطينيون يستدفئون بالنار في خان يونس (رويترز) play-circle 00:36

5 قتلى وعشرات المصابين في غارات إسرائيلية على خان يونس

قُتل 5 فلسطينيين على الأقل وأصيب آخرون، مساء الأربعاء، في قصف جوي ومدفعي إسرائيلي على جنوب وشرق قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي تركيب فني لصورة للقيادي الفلسطيني المعتقل لدى إسرائيل مروان البرغوثي في مسقط رأسه قرية كوبر في الضفة الغربية شمال رام الله 27 نوفمبر 2025 (أ.ب)

200 من مشاهير العالم يطالبون بالإفراج عن مروان البرغوثي

دعا أكثر من 200 من المشاهير، بينهم كتاب وممثلون وموسيقيون، في رسالة مفتوحة، الأربعاء، إسرائيل إلى إطلاق سراح السياسي المعتقل مروان البرغوثي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (رويترز) play-circle

غوتيريش: «أسباب قوية» للاعتقاد بارتكاب إسرائيل جرائم حرب في غزة

قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم الأربعاء، إن هناك «خطأ جوهرياً» في الكيفية التي أدارت بها إسرائيل عمليتها العسكرية في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم العربي فلسطينيون أمام معبر رفح من جهة قطاع غزة في نوفمبر 2023 (أ.ف.ب) play-circle

مصر تُكذّب مزاعم إسرائيل حول فتح معبر رفح للخروج فقط

كذّبت مصر مزاعم إسرائيلية حول الاتفاق على فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني لخروج سكان غزة فقط، في وقت هاجم فيه مقاتلو «حماس» جيش الاحتلال جنوب القطاع.

محمد محمود (القاهرة) «الشرق الأوسط» (غزة)

الشيباني: نشكر كندا على رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)
TT

الشيباني: نشكر كندا على رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)

شكر وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني «كندا على قرارها رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب». وأضاف، في بيان، اليوم (الثلاثاء): «نثمن دعم كندا لسوريا في مسيرتها الحالية نحو الاستقرار وإعادة الإعمار».

وتابع البيان: «إن هذا القرار يشكل لحظة مهمة لتعزيز العلاقات السورية – الكندية، ويمهِّد لمرحلة جديدة من الشراكات المتعددة... إن سوريا تشدد على استعدادها للعمل مع الشركاء الدوليين كافة والتواصل الإيجابي بما يسهم في دعم جهود التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار، ويصبّ في مصلحة الأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين».


توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
TT

توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)

أكّدت مصادر وزارية أنه لا خلاف بين الرؤساء الثلاثة، مع دخول المفاوضات اللبنانية - الإسرائيلية مرحلةً جديدةً بإدخال مدني إليها، هو سفير لبنان السابق لدى واشنطن، المحامي سيمون كرم، لترؤس الوفد اللبناني للجنة الـ«ميكانيزم»، بغية تفعيل اجتماعاتها للتوصل إلى اتفاق أمني، قاعدته الأساسية تطبيق وقف الأعمال العدائية، بخلاف اجتماعاتها السابقة التي غلبت عليها المراوحة، وتشاركت وقيادة القوات الدولية «اليونيفيل» في تعداد الخروق والغارات الإسرائيلية.

ولفتت إلى أن توافق الرؤساء على إخراج الـ«ميكانيزم» من الدوران في حلقة مفرغة، تلازم مع رسم حدود سياسية للتفاوض، محصورة بوقف الخروق والاعتداءات الإسرائيلية، والانسحاب من الجنوب، وإطلاق الأسرى اللبنانيين، وإعادة ترسيم الحدود وتصحيحها، انطلاقاً من التجاوب مع تحفّظ لبنان على النقاط المتداخلة الواقعة على الخط الأزرق والعائدة لسيادته.

رئيس الحكومة نواف سلام مجتمعاً مع السفير سيمون كرم (رئاسة الحكومة)

وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن لبنان يصر على حصر جدول أعمال المفاوضات ببنود أمنية لا يمكن تجاوزها للبحث في تطبيع العلاقات اللبنانية - الإسرائيلية، والتوصل إلى اتفاقية سلام بين البلدين، وهذا ما أجمع عليه رؤساء «الجمهورية»، العماد جوزيف عون، و«الحكومة»، نواف سلام، و«المجلس النيابي»، نبيه بري، الذي كان أول من اقترح إدخال مدنيين للـ«ميكانيزم»، ومن ثم أصروا على تكرار موقفهم في هذا الخصوص استباقاً لانعقاد الجولة الأولى من المفاوضات، بحضور الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس ومشاركة كرم فيها، بما يتعارض مع جدول أعمالها الذي حدده رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو.

وقالت إن نتنياهو يريد تكبير الحجر لتحريض «حزب الله» على الدولة وإرباكها، فيما يواصل جيشه خروقه واعتداءاته لتأليب بيئته عليه، وهذا ما تبين باستهدافه عدداً من المنازل الواقعة بين جنوب نهر الليطاني وشماله، رغم خلوها من مخازن لسلاح الحزب. ورأت بأنه يواصل ضغطه بالنار لإلزام لبنان بالتسليم لشروطه، وإن كان يدرك سلفاً أنه لا مجال أمام المفاوضات لخروجها عن جدول أعمالها التقني - الأمني، بالتلازم مع إصرار الحكومة اللبنانية على تطبيق حصرية السلاح بيد الدولة، ولا عودة عنه.

وتوقفت المصادر أمام تأكيد بري أنه كان أول مَن اقترح إدخال مدنيين للـ«ميكانيزم»، وسألت، أين يقف الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم من اقتراحه؟ وهل سبق أن اعترض على اقتراح «أخيه الأكبر» في هذا الخصوص؟ رغم أنه في كتابه المفتوح إلى الرؤساء الثلاثة أكّد رفضه للمفاوضات مع إسرائيل، ليعود لاحقاً إلى تصويب ما حمله كتابه هذا، بتكليفه قيادياً في الحزب بأن ينقل رسالة إليه مفادها أنه لم يكن هو المقصود به، لقطع الطريق على افتعال مشكلة داخل البيت الشيعي.

كما سألت قاسم، ألم يوافق الحزب على اجتماعات الـ«ميكانيزم»، ما دام «أخوه الأكبر» هو مَن يفاوض باسمه وكان وراء التوصل لاتفاق وقف النار مع الوسيط الأميركي آنذاك أموس هوكستين؟ وقالت إنه ليس لدى الحزب من أوراق سوى رفع سقف اعتراضه على المفاوضات، ولم يعد يملك ما يسمح له بأن يعيد خلطها في ضوء اختلال ميزان القوى لمصلحة إسرائيل، بعد أن أفقده إسناده غزة منفرداً توازن الردع وقواعد الاشتباك.

الدخان يتصاعد في بلدة المجادل في جنوب لبنان إثر استهدافها بقصف إسرائيلي يوم الخميس (أ.ف.ب)

ولفتت المصادر إلى أن الحزب يفتقد إلى أي بدائل لقلب موازين القوى، ويكتفي بتسجيل اعتراض من العيار الثقيل على المفاوضات، من دون أن يكون في وسعه ترجمته عسكرياً، رغم إصراره على تمسكه بسلاحه واتهامه حكومة سلّام بارتكاب خطيئة بموافقتها على حصرية السلاح التي يُفترض أن تتقدم بدءاً من شمال الليطاني حتى حدود لبنان الدولية مع سوريا، بالتلازم مع تسجيل تقدم في المفاوضات.

ورأت أن الحزب مضطر لوزن موقفه، لأنه ليس وارداً كسر علاقته بعون وتهديد تحالفه ببري، ما يُسبّب انكشافه فيما هو بأمس الحاجة لحماية الداخل، إضافة لما يترتب على «خدش» علاقته بهما من تداعيات سلبية على الطائفة الشيعية، لا يريدها ويتفداها، وما هو المانع من أن يضع ما لديه من أوراق بعهدة بري، كونه الأقدر منه على مراعاته للمزاج الشيعي الذي ينشد تحرير الجنوب، وإفساحاً في المجال أمام عودة أهله إلى قراهم، ولا يرى من منقذ غيره، ويتطلع إليه خصومه على أنه الممر الإلزامي للتوصل إلى تسوية تُعيد إدراج لبنان على لائحة الاهتمام الدولي، وتفتح كوّة لإعادة إعمار البلدات المدمرة، خصوصاً أنه يحظى بعلاقات دولية وعربية، بخلاف الحزب الذي لم يعد له سوى إيران.

وأكدت المصادر أن دخول المفاوضات في مرحلة جديدة كان وراء الضغط الأميركي على إسرائيل لمنعها من توسعتها للحرب، بعد أن استجاب لبنان لطلبها بتطعيم الـ«ميكانيزم» بمدني كُلّف برئاسة وفده، وتمنت على «حزب الله» الوقوف خلف الدولة في خيارها الدبلوماسي، وأن مخاوفه من أن تؤدي إلى ما يخشاه بالتوصل مع إسرائيل إلى اتفاقية سلام ليست في محلها، ما دام أن حليفه بري هو أول من أيد تطعيمها بمدنيين، وبالتالي ما المانع لديه من أن يعطيها فرصة ليكون في وسعه بأن يبني على الشيء مقتضاه لاحقاً، بدلاً من أن يُبادر من حين لآخر إلى «فش خلقه» بسلام، رغم أنه ليس فاتحاً على حسابه، وينسق باستمرار مع عون، ويتعاونان لتطبيق حصرية السلاح التي نص عليها البيان الوزاري للحكومة.

وكشفت أن التواصل بين عون وبري لم ينقطع، وهما قوّما قبل انعقاد الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء الأجواء التي سادت اجتماع الـ«ميكانيزم» في الناقورة، وقالت إن بري كان أوصى النواب المنتمين لكتلته النيابية، والمسؤولين في حركة «أمل»، بعدم التعليق لا سلباً ولا إيجاباً على كل ما يختص بالمفاوضات، وأن توصيته جاءت بناءً على رغبته في حصر الموقف به شخصياً لتفادي إقحام محازبي الطرفين في سجال، سرعان ما يتحول إلى مناوشات في الشارع، فيما الحزب يحرص، كما تقول قيادته، على تحصين علاقته بحليفه الأوحد في الساحة اللبنانية، بعد أن تفرّق عنه شركاؤه السابقون في محور الممانعة بتأييدهم حصرية السلاح.

وقالت المصادر إن الحزب يدرك جيداً أن الأبواب ما زالت مقفلة أمام تصويب علاقاته العربية والدولية، بخلاف بري. وسألت على ماذا يراهن، بعد أن رفضت قيادته المبادرة المصرية إصراراً منها، حسب مصادر دبلوماسية غربية لـ«الشرق الأوسط»، بأن ترهن موقفها بالمفاوضات الأميركية - الإيرانية، ليكون بمقدورها أن تضعه في سلة إيران، لعلها تتمكن من الحفاظ على نفوذها في لبنان بعد تراجع محور الممانعة في الإقليم؟

لذلك، سيأخذ الحكم والحكومة علماً باعتراض «حزب الله»، من دون أن يكون له مفاعيل تصعيدية بتحريك الشارع لتفادي الاحتكاك مع محازبي «أمل»، ما دام أن انطلاقة المفاوضات لا تلقى اعتراضاً من بري، وتبقى تحت سقف تحرير الجنوب تطبيقاً للـ«1701»، إلا إذا ارتأى الدخول في مزايدة شعبوية مع حليفه لا طائل منها، وستؤثر سلباً على حمايته، على الأقل داخل طائفته.


قاسم: ضم مدني لبناني إلى لجنة وقف إطلاق النار مع إسرائيل سقطة

نعيم قاسم خلال خطابه عبر الشاشة اليوم (الوكالة الوطنية)
نعيم قاسم خلال خطابه عبر الشاشة اليوم (الوكالة الوطنية)
TT

قاسم: ضم مدني لبناني إلى لجنة وقف إطلاق النار مع إسرائيل سقطة

نعيم قاسم خلال خطابه عبر الشاشة اليوم (الوكالة الوطنية)
نعيم قاسم خلال خطابه عبر الشاشة اليوم (الوكالة الوطنية)

رأى الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم، الجمعة، أن تسمية السلطات اللبنانية مدنياً في اللجنة المكلفة مراقبة تطبيق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، هي بمثابة «سقطة» تضاف إلى «خطيئة» الحكومة بقرارها نزع سلاح الحزب.

وخلال حفل حزبي، قال قاسم في خطاب عبر الشاشة: «نرى أن هذا الإجراء هو سقطة إضافية تُضاف إلى خطيئة قرار الخامس» من أغسطس (آب)، في إشارة إلى القرار الحكومي بنزع سلاح الحزب، لكنه أكد في الوقت نفسه تأييده خيار الدبلوماسية الذي تتبعه السلطات لوقف الهجمات الإسرائيلية.

وانضم، الأربعاء، مندوبان مدنيان لبناني وإسرائيلي إلى اجتماعات اللجنة المكلفة مراقبة وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، في أول لقاء مباشر منذ عقود، قالت الرئاسة اللبنانية إن هدفه «إبعاد شبح حرب ثانية» عن لبنان.