عباس يطلب اعترافاً أميركياً بالدولة... وقادة إسرائيل يتمسكون باستمرار الحرب

بلينكن نقل ملاحظات واشنطن حول الحرب والهجوم على رفح وإيصال المساعدات وصفقة التبادل

جانب من لقاء الرئيس الفلسطيني ووزير الخارجية الأميركي في رام الله الأربعاء (أ.ف.ب)
جانب من لقاء الرئيس الفلسطيني ووزير الخارجية الأميركي في رام الله الأربعاء (أ.ف.ب)
TT

عباس يطلب اعترافاً أميركياً بالدولة... وقادة إسرائيل يتمسكون باستمرار الحرب

جانب من لقاء الرئيس الفلسطيني ووزير الخارجية الأميركي في رام الله الأربعاء (أ.ف.ب)
جانب من لقاء الرئيس الفلسطيني ووزير الخارجية الأميركي في رام الله الأربعاء (أ.ف.ب)

طلب الرئيس الفلسطيني محمود عباس من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن اعترافاً أميركياً بالدولة الفلسطينية، وتمكينها من الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.

وقال عباس لبلينكن في اللقاء الذي عقد في مقر الرئاسة برام الله إن الدولة الفلسطينية مفتاح الأمن والسلام.

ودعا الرئيس الفلسطيني مجدداً إلى عقد مؤتمر دولي للسلام من أجل دفع مفاوضات تؤدي إلى الدولة الفلسطينية على كامل الأرض في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة.

وطلب عباس اعتراف واشنطن بالدولة الفلسطينية جاء في وقت تدرس فيه الخارجية الأميركية خياراتها بهذا الشأن، دون أن يتضح موقف بلينكن فوراً من طلب عباس.

وأكدت مصادر فلسطينية لـ«الشرق الأوسط» أن بلينكن أكد دعم إدارته للدولة الفلسطينية وأنها تدرس كل الخيارات، ودعا عباس مجدداً إلى إصلاح السلطة والحفاظ على الهدوء في الضفة الغربية، وناقش معه تمكين السلطة من أداء دورها في الضفة وفي قطاع غزة في المستقبل.

وقالت المصادر إن عباس أعاد على بلينكن موقفه المتعلق بوجوب وقف الحرب أولاً، وأن تسلّم السلطة للقطاع يجب أن يكون وفق مسار سياسي وضمانات متعلقة بالسيطرة والأمن والإعمار إلى جانب المستقبل السياسي.

وتطرق عباس إلى قرار الكونغرس بخصوص منع أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية من دخول الأراضي الأميركية، واصفاً إياه بالقرار المخيب للآمال، الذي سيؤثر في الدور الأميركي الساعي إلى خلق مناخ سياسي يحقق الأمن والاستقرار في المنطقة. كما تطرق إلى استمرار حجز إسرائيل الأموال الفلسطينية، وعدوانها المستمر في الضفة الغربية.

الرئيس عباس خلال استقبال بلينكن في رام الله الأربعاء (أ.ف.ب)

وقال مكتب عباس إنه أكد ضرورة الوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي المتواصل على الشعب الفلسطيني، خاصة في قطاع غزة، وأهمية الإسراع في إدخال المواد الإغاثية والطبية والغذائية، وتوفير المياه والكهرباء والوقود إلى كامل قطاع غزة بما فيه منطقة شمال غزة، لتعاود المستشفيات والمرافق الأساسية ومراكز الإيواء عملها في التخفيف من معاناة المواطنين.

وجدد رفض التهجير في قطاع غزة أو في الضفة الغربية بما فيها القدس، محذراً من عواقب أي عملية عسكرية قد تقوم بها قوات الاحتلال في مدينة رفح للضغط على المواطنين لتهجيرهم.

وقال عباس إن قطاع غزة هو جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية، ولا يمكن القبول أو التعامل مع مخططات سلطات الاحتلال في فصله، أو اقتطاع أي شبر من أرضه، وهو يقع تحت مسؤولية دولة فلسطين وتحت إدارتها.

وكان بلينكن وصل إلى الضفة الغربية، المحطة الخامسة في جولته التي شملت أيضاً السعودية وقطر ومصر، وإسرائيل، ثم عاد إلى إسرائيل في نهاية جولته.

رئيس الوزراء الإسرائيلي مستقبلاً وزير الخارجية الأميركي في القدس الأربعاء (إ.ب.أ)

والتقى بلينكن في إسرائيل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت ومسؤولين آخرين، وأبلغهم بأن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تشعر بقلق بالغ من عملية إسرائيلية محتملة في مدينة رفح جنوب غزة، لأنها تخشى من أن تؤدي العملية في المدينة إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا، ودفع عشرات الآلاف من الفلسطينيين إلى مصر التي حذرت من أن تهجير الفلسطينيين إلى أراضيها سيؤدي إلى قطيعة في علاقاتها مع إسرائيل.

وقال بلينكن لنتنياهو والفريق الموسع في الاجتماع المشترك إن «الرئيس بايدن أراد أن ينقل أنه منزعج من حقيقة أن هناك أكثر من 1.2 مليون فلسطيني في رفح، وأنهم لا يفهمون أين سيتم إخلاؤهم في حالة حدوث هجوم عسكري».

ورد نتنياهو بأن إسرائيل لن تكون قادرة على كسب الحرب دون تدمير كتائب «حماس» في المدينة الواقعة جنوب قطاع غزة، مؤكداً: «ندرك المشكلة وسنعرف كيفية التعامل معها».

وقال نتنياهو لبلينكن إن إسرائيل لن توقف الحرب قبل القضاء على قوة «حماس»، وهو أمر كرره نتنياهو علناً في مؤتمر صحافي مساء الأربعاء.

أطفال فلسطينيون في مدرسة تابعة لوكالة الأونروا في رفح الأربعاء (رويترز)

وحسب وسائل إعلام إسرائيلية، أكد غالانت أنهم سيشنون هجوماً على رفح، وقال لبلينكن إن رد «حماس» السلبي على اقتراح صفقة التبادل سيؤدي إلى استمرار الحرب ووصول قواتنا إلى أماكن أخرى في غزة قريباً.

وسمع بلينكن الكلام نفسه من رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي، الذي قال له إن الهدف هو تفكيك البنية التحتية العسكرية لـ«حماس» في رفح، وإن الحرب ليست قريبة من نهايتها.

وإضافة إلى الحرب ورفح، أثار بلينكن مسألة وصول المساعدات إلى غزة، وأعرب خلال الاجتماع عن مخاوفه بشأن فشل التواصل بين الجيش الإسرائيلي والمنظمات الدولية واستهداف موظفي الأمم المتحدة الذين كانوا يقومون بتوصيل المساعدات.

وطالب بلينكن نتنياهو بعدم السماح للمظاهرات في معبر كرم أبو سالم بالإضرار بنقل المساعدات إلى غزة، وحل هذه القضية في أسرع وقت ممكن، لكن نتنياهو أوضح لبلينكن الاحتياطات التي تأخذها إسرائيل، وشرح تورط موظفي المنظمات مع «حماس».

وبحسب صحيفة «يسرائيل هيوم»، فإنه خلال اللقاء الموسع مع بلينكن عُرض على المسؤول الأميركي صور لنفق ضخم تم اكتشافه في الأيام الأخيرة تحت المقر المركزي للأونروا في حي الرمال في مدينة غزة.

وكان بلينكن وصل إلى إسرائيل، الأربعاء، والتقى نتنياهو بشكل منفرد ومطول في مكتبه في القدس.

وقال مكتب نتنياهو إن الجانبين «عقدا اجتماعاً طويلاً ومتعمقاً على انفراد»، ثم اجتماعاً موسعاً ضم المسؤولين الآخرين.

وحاول بلينكن مناقشة مسألة وقف الحرب واجتياح رفح مع هاليفي على انفراد، لكن مكتب نتنياهو منع ذلك، باعتبار أنه لا يمكن لمسؤول سياسي أجنبي أن يلتقي مسؤولاً عسكرياً إسرائيلياً على انفراد من دون وجود المستوى السياسي.

وتحدث بلينكن في إسرائيل عن أهمية إيصال المساعدات إلى غزة، وقال: «علينا جميعاً الالتزام ببذل كل ما في وسعنا لإيصال المساعدات إلى أولئك الذين هم في أمسّ الحاجة إليها». وأضاف: «الخطوات التي يجري اتخاذها، والخطوات الإضافية التي يتعين اتخاذها، هما محور اجتماعاتي هنا».

وأعرب بلينكن عن أمله في التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين في غزة.

وقالت الخارجية الأميركية، مساء الأربعاء، إن «بلينكن شدد لنتنياهو على أهمية اتخاذ جميع الخطوات الممكنة لحماية المدنيين في غزة».

وذكرت الخارجية الأميركية أنه «أكد لنتنياهو دعم واشنطن لحق إسرائيل في ضمان عدم تكرار هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول)».


مقالات ذات صلة

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

شؤون إقليمية جنود في مقبرة بالقدس خلال تشييع رقيب قُتل في غزة يوم 20 نوفمبر (أ.ب)

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

نشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً بقلم «مقاتل في جيش الاحتياط»، خدم في كل من لبنان وقطاع غزة. جاء المقال بمثابة صرخة مدوية تدعو إلى وقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شمال افريقيا جانب من محادثات وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع نظيره الإيراني في القاهرة الشهر الماضي (الخارجية المصرية)

مصر تطالب بخفض التوترات في المنطقة و«ضبط النفس»

أعرب وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، خلال اتصال هاتفي تلقاه من نظيره الإيراني، عباس عراقجي، مساء الخميس، عن قلق بلاده «من استمرار التصعيد في المنطقة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شؤون إقليمية وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير (رويترز)

ماذا نعرف عن «الخلية الفلسطينية» المتهمة بمحاولة اغتيال بن غفير؟

للمرة الثانية خلال ستة شهور، كشفت المخابرات الإسرائيلية عن محاولة لاغتيال وزير الأمن القومي الإسرائيلي، المتطرف إيتمار بن غفير، الذي يعيش في مستوطنة بمدينة…

نظير مجلي (تل ابيب)
تحليل إخباري فلسطينيون يبحثون عن ضحايا عقب غارة إسرائيلية وسط مدينة غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري حديث إسرائيلي عن «إدارة عسكرية» لغزة يعقّد جهود «الهدنة»

الحديث الإسرائيلي عن خطط لإدارة غزة يراه خبراء، تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، بمثابة «تعقيد خطير لجهود التهدئة المتواصلة بالمنطقة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
المشرق العربي المندوب الأميركي البديل لدى الأمم المتحدة روبرت وود يرفع يده لنقض مشروع قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة خلال اجتماع لمجلس الأمن (أ.ف.ب)

أميركا تحبط الإجماع الدولي على المطالبة بوقف إطلاق النار فوراً في غزة

خرجت الولايات المتحدة عن إجماع بقية أعضاء مجلس الأمن لتعطيل مشروع قرار للمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين.

علي بردى (واشنطن)

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
TT

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)

يتعامل الأردن مع تحديات أمنية وسياسية خطِرة على حدوده الشمالية مع سوريا، والشرقية مع العراق، والغربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. ومع التحدّي الأخير يتعامل الأردن بحذر شديد مع مخطّطات الحكومة اليمينية المتطرفة في تل أبيب، ودعوات تهجير الفلسطينيين التي عدّتها عمّان «إعلان حرب عليها»، لتتعاظم هواجس داخلية تفرض نفسها على صنّاع القرار بقوة.

ومع بدء الدورة الأولى من عمر مجلس النواب العشرين الذي انتخب في العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، بدأ الشحن الداخلي في معادلة الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في ظل وجود كتلة معارضة «حرجة» تملك 31 مقعداً قابلة للزيادة تمثلها كتلة «جبهة العمل الإسلامي»، الذراع الحزبية لجماعة الإخوان المسلمين غير المرخّصة في البلاد.

الملك عبد الله الثاني يستعرض حرس الشرف قبل افتتاح أعمال البرلمان الأردني (أ.ف.ب)

قياس شرعية الانتخابات

بدأت القصة الجديدة بين السلطة الأردنية والحركة الإسلامية من قياس «شرعية» الانتخابات الأخيرة، بعد مشاركة نواب الحركة حصولهم على قرابة نصف مليون صوت على مستوى البلاد كافة، من أصل نحو مليون و600 ألف مقترع شاركوا في الانتخابات، إلى جانب حصدهم أيضاً مقاعد مُخصّصة للمرأة والشركس والشيشان في عدد من الدوائر المحلية، على مستوى المحافظات.

وباعتراف الحزب المعارض بنزاهة الانتخابات، تكون المعايير التي سعى الإسلاميون إلى تكريسها مرتبطة فقط بعدد المقاعد التي يحصلون عليها، مستندين إلى سيطرتهم على وعي الرأي العام، من خلال امتلاكهم منابر دينية وإعلامية غير متوافرة لخصومهم.

كانت ثمة تحذيرات جاءت على ألسنة شخصيات سياسية وازنة وخبرات قانونية، من أن قانون الانتخاب الذي توافقت عليه لجنة ملكية، ومنح صوتين للناخب أحدهما لدائرته المحلية والآخر للدائرة العامة المخصصة مقاعدها الـ41 للأحزاب، أبرزها أن الصوت الثاني سيكون «صوتاً مجانياً» مُعطىً لمرشحي الحركة الإسلامية، لكن هذه التحذيرات قوبلت بالسخرية.

كان «عرّابو» القانون يسخرون من التحذيرات، وسط ثقة مُفرطة بأنفسهم، بينما سعى «طباخو» القانون إلى تشكيل أحزاب سياسية قيل إنها ستنافس الحركة الإسلامية، بل ستقلّص عدد مقاعدهم. لكن الحقيقة جاءت بعكس توقعات استطلاعات الرأي السرّية، بل إن تلك التوقعات جاءت بمبالغات لا صلة لها بالواقع.

استناداً إلى ما سبق، ونتيجة لمراجعات مراكز قرار و«جرد الحسابات»، أُقيل ضباط كبار في جهاز الاستخبارات العامة، وسياسياً أعيد تموضُع شخصيات في مواقع متقدمة في الديوان الملكي، وتحييد آخرين، مع إلزام الحكومة الجديدة بتدوير الزوايا الاقتصادية الحادة في موازنة العام المقبل، واختصار تصريحاتها بالشأن السياسي. ومن المتوقع أن تطال التغييرات مواقع متقدِّمة، أمنية وسياسية قبل نهاية العام.

وحسب مخضرمين سياسيين، كان من السهل الطعن بدستورية قانون الانتخاب النافذ، خصوصاً في ظل التعارض الواضح في نصوص احتساب درجة الحسم (العتبة) التي جاءت نتيجتها بمضاعفة عدد مقاعد الحركة الإسلامية على الأقل.

وقد استند هؤلاء إلى نصّين متعارضين في حسابات الفوز والخسارة في الانتخابات، ثم إنه رغم التحذيرات أدّى الإصرار على الخطأ لنتائج غير متوقعة، وسقوط استطلاعات الرأي المسكوت عنها، والتي «أُجريت بطرق غير علمية»، كما وصفها مطّلعون تحدثت معهم «الشرق الأوسط».

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال افتتاح أعمال دورة جديدة للبرلمان (رويترز)

خطاب العرش... بين السطور

في الثامن عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي انطلقت أعمال الدورة العادية من عُمر مجلس النواب العشرين، بعد إلقاء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خطاب العرش. وحمل الخطاب بين سطوره «مفاتيح» لسياسة الأردن، في ظل تحوّلات كبيرة، لعل أهمها إدارة العلاقات الأردنية مع الحليف الأميركي بعد فوز دونالد ترمب بفترة رئاسية جديدة، والمفاجآت التي قد تحملها سياساته، عطفاً على سياساته وقراراته في دورته السابقة، ومدى الحرج الذي قد يتسبّب به الرجل في لقاءاته الرسمية وتصرفاته الشخصية.

لم يأخذ الكلام الملكي المساحة اللازمة من التحليل وقراءة ما بين السطور، واكتفى المحللون بإبراز فقرات من الخطاب تتعلق بالشأن الداخلي، إثر قول الملك إن مستقبل بلاده «لن يكون خاضعاً لسياسات لا تلبّي مصالحه أو تخرج عن مبادئه»، واصفاً الأردن بـ«الدولة الراسخة الهوية، التي لا تغامر في مستقبلها».

ولم يتطرّق المحلّلون إلى سقوط عبارة «حل الدولتين» من الخطاب والاكتفاء بالإشارة إلى «السلام العادل والمشرّف هو السبيل لرفع الظلم التاريخي عن الأشقاء الفلسطينيين»، مع تمسّك الأردن بأولوية إعادة «كامل الحقوق لأصحابها ومنح الأمن للجميع، رغم كل العقبات وتطرّف الذين لا يؤمنون بالسلام».

قراءة في سلوك «الإسلاميين»

بعد الرسائل الملكية تلك، دخل النواب في منافسة محمومة على مقاعد الرئاسة وانتخاب أعضاء المكتب الدائم للمجلس. وجاءت النتيجة حاسمة لصالح الرئيس الأسبق أحمد الصفدي الذي نافسه النائب صالح العرموطي (الإسلامي)، الآتي محمولاً على أكتاف أعلى الأصوات على مستوى الدوائر المحلية.

أراد «الإسلاميون» في المجلس إيصال «مظلوميتهم» إلى الشارع، فبعد إعلان خمس كتل حزبية تحالفها في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، كانت منافسة كتلة حزب «جبهة العمل الإسلامي» غير مُجدية؛ نظراً لقرارهم بعزل أنفسهم عن أي تحالفات حتى مع المستقلين من أعضاء المجلس، ولم ينجحوا إلا في استقطاب 6 نواب من خارج كتلتهم (الـ31 نائباً)، على الرغم من وجود 23 نائباً مستقلاً، مع توزّع 115 من النواب على 12 حزباً فازوا بمقاعد بعد تجاوز درجة الحسم في الانتخابات النيابية الأخيرة.

هؤلاء، بالإضافة إلى حزب «جبهة العمل الإسلامي»، جاؤوا على التوالي: حزب «الميثاق»، و«إرادة»، و«الوطني الإسلامي»، و«تقدّم»، و«الاتحاد»، و«الأرض المباركة»، وحزب «عزم»، وحزب «العمل»، وحزب «العمال»، و«المدني الديمقراطي»، وحزب «نماء».

ويُدرك الإسلاميون صعوبة التحالف، وكانوا قد ضيّعوا فرصة قدّمها قبل انتخابات الرئاسة وقتها المرشح الصفدي؛ إذ ضمن لهم مقعدين في المكتب الدائم هما مقعد النائب الثاني للرئيس، وأحد مقعدي المساعدين للرئيس، ورئاسة بعض اللجان. غير أنهم آثروا الانعزال ورفض التفاوض، فكانت فكرتهم المركزية - كما وصفها مقربون منهم في حوارات مع «الشرق الأوسط» - أنهم يريدون «إيصال رسائل» تُفيد بتعرّضهم لحصار ومحاربة من قبل الأحزاب الرسمية، وبذلك يحصدون المزيد من الشعبية أمام الشارع الأردني، وهذا ما حصل فعلاً.

وبالفعل، تابع الإسلاميون خطتهم في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، وسعوا للترشح عن مقعدي النائب الأول والثاني للرئيس. وبعد استعراضات تحت القبة، انسحب مرشحو الحركة في رسالة أرادوا منها التذكير بقدرتهم على المشاغبة في مواجهة توزيع المواقع القيادية في المجلس.

إلا أن ما استقرت عليه خطة المواجهة معهم تحت القبة سيحرمهم أيضاً فرص الفوز برئاسة اللجان النيابية الدائمة، وعلى رأس هذه اللجان: المالية، فلسطين، التوجيه الوطني، الاقتصاد والاستثمار، الشؤون الخارجية، والحريات العامة، وفق مصادر تحدثت إلى «الشرق الأوسط».

إقرار الموازنة المالية أبرز تحدٍّ يواجه الحكومة الأردنية مع بدء مناقشة القانون في البرلمان (بترا)

مواجهة مرتقبة

يُدرك صنّاع القرار في الأردن اليوم مدى خطورة وجود كتلة «حرجة» بحجم كتلة «جبهة العمل الإسلامي» تحت قبة المجلس، لا سيما أنه عُرف عنهم التزامهم في حضور الجلسات التشريعية، وبراعتهم في اختيار مداخلاتهم في الجلسات الرقابية، في ظل احتكارهم لعبة النصاب في التصويت على قرارات المجلس.

ثم إن للإسلاميين صدقيتهم في الإعلام المحلي، وهم الذين استخدموا التواصل الاجتماعي بفاعلية في إيصال صوتهم. ولذا فهم يستخدمون لعبة شحن الشارع بمظلوميتهم وكشفهم عن خفايا التصويت على القرارات في المجلس.

وبرأي متابعين، فإن الحصيلة الشعبية لحزب «جبهة العمل الإسلامي» قابلة للارتفاع في ظل ضعف حجة من يواجههم في العمل العام.

لكن ما غاب عن حسابات المطبخ السياسي لـ«جبهة العمل الإسلامي» (وحاضنته الأم جماعة الإخوان المسلمين غير المرخصة)، أنهم قد يكونون الأداة الأهم في التحذير من مخاطر أمن واستقرار المملكة في ظل استمرار نشاطهم السياسي الذي يعرف استخدام الشارع وعاطفته في الاشتباك مع مؤسسات الدولة؛ إذ بمجرد وجود الإسلاميين في المجالس المنتخبة سيوزّع رسائل إلى عدة جهات، أهمّها تحكم اليمين الإسلامي في دولة عُرفت بالاعتدال... وهذا قد يقلب الطاولة على أحلام الحركة في السيطرة والسلطة.

بداية مُقلقة لعلاقة متوترة

أمام السلطتين التشريعية والتنفيذية حزمة استحقاقات صعبة. وستكون البداية بـ«حفلة» البيان الوزاري وبدء «ماراثون» مناقشة النواب لمضامينه، وهنا سيستغل نواب الحركة الإسلامية المنبر البرلماني لشن هجمات على الحكومة، وتشويه صورتها، منتصرين بذلك أمام الشارع بعد حجبهم الثقة.

وبعد طيّ صفحة الثقة المضمونة للحكومة، سيدخل استحقاق مشروع قانون الموازنة والوحدات المستقلة لسنة 2025. وتكراراً سيصعد نواب الحركة إلى المنبر ليضاعفوا حصّتهم في الشارع، ولن تنتهي الدورة البرلمانية العادية قبل أن يكون لـ«جبهة العمل الإسلامي» الحصّة الأكبر من معركة الرأي العام.

في المقابل، ما يمكن أن تشهده الدورة الحالية في ملف ساخن قد يعيد المشهد لما قبل عام 2011، هو القرار المُرتقب في حل نقابة المعلمين مطلع ربيع العام المقبل. هذا الملف قد يعيد «تسخين» المشهد المحلي على «صفيح» قضية المعلمين وعودتهم إلى الحراك. وللعلم، كان آخر نقيب للمعلمين قبل قرار قضائي جمّد أعمال النقابة وأغلق أبوابها، نائب جاء عن قائمة الحزب الإخواني التي ترشحت على مقاعد الدائرة الحزبية العامة.

رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان (أ.ف.ب)

نقاط ضعف الحكومة وقوتها

مرتكز القوة لحكومة جعفر حسّان التي أقسمت اليمين مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، هو شخصية رئيسها. فحسّان يتمتع بصفات الاستقامة والنزاهة، ورفض الاستجابة للضغوط من مختلف القوى والجهات، وقدرته على العمل تحت الضغط بعيداً عن الأضواء. لكن إذا كانت هذه الصفات تصلح لمهمة من نوع إدارة مكتب الملك الخاص، فإنها قد لا تكون مطلوبة تماماً في شخصية رئيس الحكومة.

وحسّان أدار مكتب الملك في حقبتين مختلفتين، وفي عودته للمرة الثانية خلال السنوات الخمس الماضية استطاع الرجل الانفتاح على الآراء، مستفيداً من تنوع ناصحيه ومحبيه، إلا أن مزايا الرئيس نفسه لا تنسحب بالضرورة على بقية فريقه الحكومي؛ إذ بين اختياراته الوزارية مَن قد يدخل الحكومة كاملة في أزمات متعددة.

وأيضاً، بين وزراء حسّان أشخاص لم يسبق لهم تجربة العمل العام، ناهيك بأن ضمن فريقه طامحين في موقع حسّان نفسه، وبينهم من سبق له العمل البرلماني، بل عُرف عن هؤلاء قدرتهم على استفزاز مجالس النواب ومحاولة التذاكي على التشريعات، قبل كشف الأخطاء التي ارتكبت، ومنها أخطاء قانوني الانتخاب والأحزاب.

في هذا السياق، يحقّ عُرفاً لرئيس الوزراء إجراء أول تعديل وزاري على فريقه الحكومي مباشرةً بعد نيل الحكومة الثقة من مجلس النواب، مع توفير مظلة مشاورات «شكلية» لصالح فرص توزير شخصيات من أحزاب لها أذرع نيابية في المجلس الذي بدأت أعماله رسمياً منذ 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.