قررت الحكومة اللبنانية تسليم الناشط المصري عبد الرحمن القرضاوي، نجل الداعية الراحل يوسف القرضاوي، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، استجابة لطلب الاسترداد الذي تقدّمت السلطات الإماراتية، وتنفيذاً لمذكرة التوقيف الصادرة بحقه عن مجلس وزراء الداخلية العرب، بناءً على فيديو سجّله القرضاوي خلال جولة له في باحة المسجد الأموي بدمشق، هاجم فيه دولاً عربية، بينها الإمارات ومصر والمملكة العربية السعودية، وعدّت الإمارات أن ما أدلى به القرضاوي «يُشكّل تحريضاً ضدها، ومحاولة لزعزعة الأمن والاستقرار في البلاد».
وفاجأ قرار التسليم كل المتابعين لهذا الملف، لكونه صدر بعد ساعات قليلة جداً على تلقي مجلس الوزراء اللبناني مرسوماً أعده وزير العدل، هنري الخوري، بهذا الخصوص، وأكد مصدر وزاري مطلع أن «مرسوم التسليم مبني على مطالعة قانونية للنيابة العامة التمييزية في لبنان، أبدت فيها الأخيرة موافقتها التسليم باعتبار أن الجرم المسند إلى القرضاوي الابن ليس جرماً سياسياً».
وكشف المصدر أن تركيا التي حذّرت لبنان من تسليمه «طلبت ضمانات مسبقة حال استرداده، وهذا ما حصل»، مستبعداً أن «يؤدي هذا القرار إلى أزمة سياسية أو دبلوماسية بين بيروت وأنقرة».
وطرح قرار التسليم أسئلة حول خلفيات موافقة لبنان على تسليم القرضاوي للإمارات، رغم عدم وجود اتفاق قضائي لتبادل المطلوبين بين البلدين، غير أن المصدر الوزاري أكد أن القرار «يستند إلى مذكرة التوقيف الصادرة عن مجلس وزراء الداخلية العرب، الذي يلزم لبنان بتلبية الطلب الإماراتي، لكون لبنان عضواً في هذا المجلس وموقعاً على اتفاقياته»، مشيراً إلى أن القرضاوي «سيُسلَّم مجدداً إلى جهاز الأمن العام اللبناني، المكلّف بالتنسيق مع الجهات الأمنية في الإمارات للاتفاق على موعد التسليم».
وبدا لافتاً سرعة الاستجابة للطلب الإماراتي، علماً بأن القرضاوي أوقف فور وصوله إلى لبنان عبر معبر المصنع الحدودي عائداً من سوريا في 29 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تنفيذاً لمذكرة توقيف معممة عبر الإنتربول، بموجب حكم غيابي صادر بحقه عن القضاء المصري، يقضي بسجنه 5 سنوات، ويدينه بجرائم «إذاعة أخبار كاذبة، والتحريض على العنف والإرهاب، والتشجيع على قلب النظام».
إلا أن مصدراً قضائياً قال لـ«الشرق الأوسط»: «إن النيابة العامة التمييزية أنجزت التحقيقات المتعلقة بالمذكرة الإماراتية، لكونها وصلت بشكل سريع، في حين أن ملف الاسترداد المصري لم يكن مكتملاً، وهو ما أخّر استجواب القرضاوي بشأنه».
وتحدّث المصدر عن تلقي القضاء معلومات غير رسمية تُفيد بأن «الملف المصري وصل إلى وزارة الخارجية اللبنانية التي أحالته إلى وزارة العدل، لكنه لم يصل إلى دائرة النيابة العامة التمييزية».
وباءت كل الضغوط التي مارستها عائلة القرضاوي وناشطون، للحؤول دون تسليمه إلى مصر أو الإمارات، بالفشل؛ حيث نفّذ قبل، ظهر الثلاثاء، اعتصام أمام قصر العدل في بيروت، شارك العشرات، بينهم رجال دين يمثلون جمعيات إسلامية لبنانية، في حضور وكيلي القرضاوي، المحامين هلا حمزة ومحمد صبلوح، وألقيت كلمات طالبت الدولة اللبنانية بـ«عدم تسليمه إلى مصر أو الإمارات»، مطالبين بـ«ترحيله إلى بلده تركيا التي تهتمّ بأمره»، وحذّر المشاركون بالاعتصام من أنهم «سيقاضون الحكومة اللبنانية أمام المحاكم الدولية في حال وافقت على تسليمه».
من جهتها، عدّت المحامية هلا حمزة، أن موكلها عبد الرحمن القرضاوي «موقوف استناداً إلى طلب استرداد مقدم من مصر بناءً على حكم غيابي صادر بحقه، وطلب توقيف مقدم من دولة الإمارات العربية المتحدة، على خلفية فيديو نشره الموكل في سوريا».
وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد أي سند قانوني في الملف الإماراتي يستدعي تسليم موكلي، خصوصاً أن بلاغ التوقيف الإماراتي وطلب الاسترداد، يستندان إلى فيديو مسجّل تمّ سحبه من التداول». ورأت أن «قرار تسليمه يخالف كل القوانين والاتفاقيات الدولية التي ترعى حقوق الإنسان».
وكانت عائلة القرضاوي قد وجّهت يوم الأحد الماضي خطاباً رسمياً إلى رئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي، تطالبه بـ«التدخل الفوري للإفراج عنه فوراً».